رؤيا
ها هو الممر الضيق الوعر الذي يصعد بنا عبر الأحراش المتشابكة يوصلنا إلى القمة … خطوات ونزيح آخر الأغصان التي تحجب بحيرة عشتار الصافية. هنا مسخت الإلهة الراعي الشاب أكيتون أيلًا جزاء اقتحامه عزلتها ورؤيتها عارية تستحم، فطاردته كلابه ومزقته إربًا.
أضع قدمي الأولى على العشب الأخضر وأسير بحذر؛ لكني لا أسمع وقعًا لخطواتي، كل ما حولي ساكن سكون الوجود لحظة الخلق قبل أن تنبث فيه روح الخالق. الشمس والقمر ثابتان جنبًا إلى جنب عند خط الأفق، والنجوم منتثرة بلا بريق. أمشي إلى حافة البحيرة وأستلقي. الصمت يدخل من مسام جلدي كدخول الهواء في إناء مفرغ، حتى امتلأت بالعدم. لا أدري هل مرت دقائق أم سنون وعيناي مفتوحتان على اتساعهما تحدقان في أعماق ليل سرمدي. ثم تحرك الزمن وأخذتُ أميز الأشياء ببطء. النجوم عادت إلى تألقها، وظلال الأشجار تتطاول وتتلاشى مع غروب الشمس، والقمر يصعد بدرًا إلى خط السمت. نسمات تهب حاملة معها كل عبق المكان. انكفأتُ على وجهي أشم رائحة التراب والعشب، وصوت يتصاعد خافتًا من أعماقي؛ ولكني أسمعه بوضوح، صوت المتصوف «النفري» يقول على لسان الحق:
«أمرٌ كان، وأمرٌ يكون، وأمرٌ لا يكون. فالأمر الذي كان: محبتي لك، وأمرٌ يكون: تراني. وأمرٌ لا يكون: لا تعرفني معرفة أبدًا» — النفري: المواقف والمخاطبات.