الفصل السابع

كَيْفَ خَدَعَ ثرثار الْأَرْنَبَ بيتر

السِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار هُوَ نَفْسُهُ سِنْجَابٌ شَقِيٌّ وَغَيْرُ جَدِيرٍ بِالثِّقَةِ. وَلَا أَحَدَ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ أَوِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ يَثِقُ بِهِ. وَالْأَشْخَاصُ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُ الْوُثُوقُ بِهِمْ لَا يَثِقُونَ بِغَيْرِهِمْ أَبَدًا؛ فَثرثار لَا يَثِقُ بِأَحَدٍ أَبَدًا، وَهُوَ دَائِمُ التَّشَكُّكِ؛ لِذَا عِنْدَمَا وَدَّعَهُ الْأَرْنَبُ بيتر وَاتَّجَهَ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ دُونَ أَنْ يَعْرِفَ مَكَانَ بَيْتِ ثرثار الْجَدِيدِ، قَرَّرَ ثرثار عَلَى الْفَوْرِ أَنَّ بيتر لَنْ يَهْدَأَ لَهُ بَالٌ أَبَدًا حَتَّى يَعْرِفَ — أَوْ يَعْتَقِدَ خَطَأً أَنَّهُ عَرَفَ — مَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْتِ الْجَدِيدِ؛ فَهُوَ يَعْرِفُ جَيِّدًا مَا يَتَّسِمُ بِهِ بيتر مِنْ فُضُولٍ كَرِيهٍ.

فَرَاقَبَ بيتر حَتَّى اخْتَفَى عَنْ نَاظِرَيْهِ، ثُمَّ انْزَلَقَ إِلَى أَسْفَلَ مُتَوَارِيًا عَنِ الْأَنْظَارِ بِدَوْرِهِ بَيْنَ أَحْجَارِ الْجِدَارِ الْقَدِيمِ. وَقَالَ لِنَفْسِهِ: «أَنَا أَعْرِفُ مَا سَيَفْعَلُهُ بيتر؛ سَوْفَ يَتَسَلَّلُ عَائِدًا، وَيَخْتَبِئُ حَيْثُ يُمْكِنُ لَهُ مُرَاقَبَتِي؛ وَمِنْ ثَمَّ يَكْتَشِفُ مَكَانَ بَيْتِيَ الْجَدِيدِ؛ إِذَنْ سَأَبْقَى هُنَا فَتْرَةً كَافِيَةً لِكَيْ أُعْطِيَهُ فُرْصَةً لِلِاخْتِبَاءِ، ثُمَّ أَخْدَعَهُ.»

فَثرثار كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَ بيتر، لَفَعَلَ الشَّيْءَ ذَاتَهُ؛ فَانْتَظَرَ قَلِيلًا ثُمَّ عَادَ إِلَى حَيْثُ تَرَكَهُ بيتر. وَهُنَاكَ جَلَسَ وَتَظَاهَرَ بِالنَّظَرِ فِي الِاتِّجَاهِ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ بيتر، وَكَأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ مِنْ أَنَّ بيتر فِي طَرِيقِ الْعَوْدَةِ إِلَى الْبَيْتِ بِالْفِعْلِ. وَلَكِنَّ ثرثار ظَلَّ يَنْظُرُ بِطَرْفِ عَيْنَيْهِ طَوَالَ الْوَقْتِ لِيَرَى إِذَا مَا كَانَ بيتر يَخْتَبِئُ فِي مَكَانٍ مَا بِالْقُرْبِ مِنْهُ. فَلَمْ يرَ بيتر، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُخَالِجْهُ أَدْنَى شَكٍّ فِي وُجُودِ بيتر فِي مَكَانٍ مَا حَوْلَهُ.

وَبَعْدَ بُرْهَةٍ، رَكَضَ صَوْبَ فُتْحَةٍ بَيْنَ أَحْجَارِ الْجِدَارِ الْقَدِيمِ وَتَظَاهَرَ بِشِدَّةِ انْشِغَالِهِ هُنَاكَ، كَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَكَانُ الْبَيْتِ الْجَدِيدِ الَّذِي وَجَدَهُ فِعْلًا. وَظَلَّ يُطِلُّ دَاخِلًا وخَارِجًا مِنْهَا كَأَنَّهُ خَائِفٌ مِنْ مُرَاقَبَةِ أَحَدٍ لَهُ. حَتَّى إِنَّهُ أَحْضَرَ بَعْضَ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ الْجَافَّةِ وَأَدْخَلَهَا فِي فُتْحَةِ الْجِدَارِ، كَأَنَّمَا يَصْنَعُ سَرِيرًا. وطَوَالَ الْوَقْتِ، رَغْمَ أَنَّهُ لَمْ يَلْحَظْ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ بيتر، لَمْ يُخَالِجْهُ شَكٌّ فِي أَنَّ بيتر يُرَاقِبُهُ. وَعِنْدَمَا أَحَسَّ بِالتَّعَبِ، طَرَأَتْ فِكْرَةٌ جَدِيدَةٌ عَلَى رَأْسِهِ الصَّغِيرِ الدَّاهِيَةِ؛ فَقَفَزَ خَارِجَ الْفُتْحَةِ وَجَلَسَ أَعْلَى الْجِدَارِ، ثُمَّ أَلْقَى بَيْتَ الشِّعْرِ الَّذِي احْمَرَّتْ لَهُ أُذُنَا بيتر بِصَوْتٍ عَالٍ. وَكَانَ يَقْصِدُ أَنْ تَحْمَرَّ أُذُنَا بيتر خَجَلًا. وَأَلْقَى ذَلِكَ الْبَيْتَ كَأَنَّهُ اعْتَقَدَ فِعْلًا أَنَّ بيتر لَمْ يَكُنْ يَتَلَصَّصُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ سُرَّ لِذَلِكَ. وَعِنْدَمَا فَرَغَ مِنْ إِلْقَائِهِ، أَسْرَعَ مُبْتَعِدًا عَنِ الْأَنْظَارِ ثَانِيَةً حَتَّى يُعْطِيَ بيتر فُرْصَةً لِلِابْتِعَادِ. وَلَكِنْ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ اخْتَلَسَ ثرثار نَفْسُهُ النَّظَرَ؛ فَاخْتَبَأَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ لِبيتر رُؤْيَتُهُ، وَلَكِنْ حَيْثُ يُمْكِنُ لَهُ رُؤْيَةُ امْتِدَادِ الْجِدَارِ مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ، فَكَانَ أَنْ رَأَى بيتر يَزْحَفُ خَارِجًا مِنْ تَحْتِ الشُّجَيْرَةِ الصَّغِيرَةِ — حَيْثُ كَانَ يَخْتَبِئُ — وَيَتَسَلَّلُ مُبْتَعِدًا فِي اتِّجَاهِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. وَعَرَفَ أَنَّ بيتر هَذِهِ الْمَرَّةَ ذَهَبَ بِلَا رَجْعَةٍ.

فَرَاحَ ثرثار يَضْحَكُ وَيَضْحَكُ لَدَى تَفْكِيرِهِ فِي الْخُدْعَةِ الَّتِي لَعِبَهَا عَلَى الْأَرْنَبِ بيتر، وَتَمَنَّى لَوْ كَانَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُكَافِئَ نَفْسَهُ عَلَى شِدَّةِ دَهَائِهِ. وَلَمْ يُفَكِّرْ مَرَّةً فِي مَدَى خِدَاعِ بيتر وَلُؤْمِهِ لِتَلَصُّصِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَيَفْعَلُ الشَّيْءَ ذَاتَهُ. وَقَالَ ثرثار ضَاحِكًا: «لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ شَدِيدَ الذَّكَاءِ هَذِهِ الْأيامَ لِكَيْ يَحْفَظَ سِرًّا.»

إِلَّا أَنَّ الْأَرْنَبَ بيتر جَلَسَ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ عَصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَشْغُولَ الْبَالِ ويَشْعُرُ بِخَجَلٍ شَدِيدٍ. وَلَمْ تَمْنَحْهُ فِكْرَةُ اكْتِشَافِ مَكَانِ بَيْتِ ثرثار الْجَدِيدِ السَّعَادَةَ الَّتِي تَخَيَّلَهَا. وَكَانَتْ أُذُنَاهُ مَا زَالَتَا مُحْمَرَّتَيْنِ؛ إِذْ إِنَّهُ فَكَّرَ أَنَّ ثرثار يَظُنُّهُ أَمِينًا عَلَى عَكْسِ حَقِيقَتِهِ.

وَأَخِيرًا قَالَ: «أَظُنُّنِي سَأَذْهَبُ غَدًا وَأُخْبِرُ ثرثار كُلَّ شَيْءٍ وَكَمْ كُنْتُ لَئِيمًا!» وَعِنْدَمَا اتَّخَذَ ذَلِكَ الْقَرَارَ، شَعَرَ بِالِارْتِيَاحِ.

وَطَوَالَ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ قَدِ اكْتَشَفَ مَكَانَ بَيْتِ ثرثار مُطْلَقًا؛ فَقَدْ كَانَ بَيْتُ نَقَّارِ الْخَشَبِ درامر الْمَوْجُودُ بِشَجَرَةِ تُفَّاحٍ قَدِيمَةٍ هُوَ الَّذِي قَرَّرَ ثرثار أَنْ يَسْكُنَهُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤