الارتداد إلى المتوسط
كانت آلامُ ظهره متفاوتةً ما بين خفيفةٍ وشديدة، وجاءَتْ عليه أيام كان يشعر فيها شعورَ ظبيٍ يافع، وأخرى كان لا يكاد يستطيع أن يتحرك، وحين تكون الحال كهذه — ولحسن الحظ نادرًا ما تكون — كانت تصحبه زوجته إلى المعالج الطبيعي. في اليوم التالي كانت الآلام تتحسَّن بشكلٍ ملحوظ؛ ولهذا فقد نصح كلَّ مَن سأله بالذهاب إلى هذا المعالج.
رجل آخَر، أصغر سنًّا، بلا مهارةٍ في لعب الجولف (متوسط ١٢)، كان يمدح مُدرِّبه مديحًا يصعد به إلى السماء، وإذا ما أسفرَتْ لعبته عن سوء حظٍّ، حجز لنفسه ساعةً مع ذلك المحترف، وفي المرة التالية كانت تتحسَّن ضرباته.
رجل ثالث يعمل مستشارًا استثماريًّا لدى بنكٍ مرموقٍ اخترَعَ نوعًا من «رقصة المطر»، كان دائمًا ما يؤدِّيها في الحمام حين ينزلق أداؤه في البورصة إلى المنطقة المنخفضة الحمراء. وعلى الرغم من أنه كان يدرك عبثيةَ الأمر، فإنه كان يشعر بضرورة الرقص؛ حيث إن أداءه في البورصة يتحسَّن بعدها بصورةٍ يمكن إثباتها. إن ما يربط ما بين الرجال الثلاثة هو النتيجة الخادعة: «خطأ الارتداد إلى المتوسط».
لنفترِضْ أنك تعاني من موجةٍ باردةٍ في المكان الذي تقطن فيه. ثَمَّةَ احتمالٌ كبير أن الحرارة سترتفع في الأيام المقبلة، متجهةً نحو المعدل المعروف لذلك الشهر. يَسْرِي الشيء نفسه على فترات الحرارة العالية أو الجفاف أو الأمطار؛ فالطقسُ يتغيَّر دورانًا حول معدلٍ ما. الشيء نفسه يَسْرِي على الآلامِ المزمنة، العجزِ في لعبة الجولف، الإنجازاتِ في البورصة، السعادةِ في الحب، الإحساسِ الذاتي بالعافية، النجاحاتِ المهنية، درجاتِ الامتحانات. باختصارٍ، أقول إن آلام الظهر الرهيبة على الأرجح كانت ستخفُّ شِدتها دون اللجوء للمعالج، كما أن العجز في لعبة الجولف والدروس الإضافية كانت ستستقر ثانيةً عند متوسط ١٢، كما أن أداء المستشار كان سيرتفع متَّجِهًا نحو المتوسط دون «رقصة المطر».
إن الإنجازات المتطرفة تتبدَّل مع غيرها الأقل تطرُّفًا. أنجح الأسهم في السنوات الثلاث الماضية بالكاد سيظل هو الأنجح في السنوات الثلاث المقبلة؛ ومن هنا أيضًا يكمن خوف الكثير من اللاعبين حين يحقِّقون نجاحاتٍ ترتفع بهم إلى الصفحات الأولى من الجرائد؛ فعلى نحوٍ لا شعوريٍّ يُدْرِكون أنهم لن يتمكَّنوا من تحقيق الإنجاز نفسه الذي يسمو إلى القمة في المسابقة التنافسية التالية، وهو أمر بطبيعة الحال لا علاقةَ له بالصفحات الأولى، وإنما بالتأرجح الطبيعي في مستوى الإنجاز.
خُذْ مثالَ مدير قطاع يريد أن يدعم الحافزية لدى العاملين في شركته فيدفع ﺑ ٣٪ من أقل العاملين في مستوى الحافزية لحضور دورةٍ في التحفيز؛ فماذا كانت النتيجة؟ في المرة التالية التي طلب فيها بياناتٍ حول الدافعية لم يجد أنهم نفس الأشخاص ذوي الدافعية الأقل، وإنما ثمة آخَرون؛ فهل آتت الدورة ثمارها؟ من الصعب الجزم بذلك؛ لأن من المرجح أن دافعية هؤلاء الأشخاص للعمل كانت سترتفع عائدةً إلى معدلها الطبيعي أيضًا دون حضور هذه الدورة المحفزة. الشيء نفسه يحدث أيضًا مع المرضى الذين يُضطرون للإقامة في المستشفى بسبب الاكتئاب؛ فهم في العادة يغادرونه أقلَّ اكتئابًا، ومن الممكن جدًّا أن فترة الاستشفاء برُمَّتها كانت بلا داعٍ على الإطلاق.
مثال آخَر: المدارس التي حقَّقَتْ أسوأَ النتائج خضعَتْ لبرنامجٍ تحفيزيٍّ مرتفعِ التكلفة. في السنة التالية لم تكن هذه المدارس على قائمة أسوأ النتائج؛ ومن ثَمَّ فإن المراقبين عزَوْا هذا التحسُّن إلى البرنامج الذي تم تطبيقه لا إلى ظاهرة الارتداد إلى المتوسط بشكل طبيعي.
إن تجاهُل مسألة الارتداد إلى المتوسط من الممكن أن تكون له آثار وخيمة؛ حيث يصل المعلمون أو المديرون إلى نتيجةِ أن العقاب أجدى من المدح. يُمدَح التلميذ صاحب أعلى النتائج، ويُعاقَب ذلك الذي حقَّقَ أسوأ النتائج. في الامتحان التالي على الأرجح، سيحتلُّ — بشكلٍ مدرسيٍّ محض — تلاميذ آخَرون أفضلَ المراكز وآخَرون أسوأها. يستنتج المعلم من ذلك أن العقاب يُجدِي بينما المديح يُفسِد. ويا لها من نتيجة مخادعة!
الخلاصة: حين تسمع جُمَلًا مثل: «لقد كنتُ مريضًا وذهبتُ إلى الطبيب، والآن أنا معافًى، إذن لقد ساعدني الطبيب»، أو مثل: «كان العام سيئًا على الشركة؛ ولهذا استعنَّا بشركة استشارات فعادَتِ النتائج إلى طبيعتها ثانية»؛ عليك أن تدرك أنك ضحية مغالطةِ الارتداد إلى المتوسط.