الفصل الرابع عشر
(١) في أن الصناعة دوريةٌ
من البديهي أن حركة التجارة لا تثبت على حالةٍ واحدةٍ، بل تدخل في أدوارٍ مختلفةٍ متواليةٍ، وقد يقال عن الأشياء: إنها تدخل في أدوارٍ مختلفةٍ إذا كانت تغيب وتظهر في مُدَدٍ متساويةٍ كالشمس مثلًا، أو ترتفع وتنخفض كمد البحر وجزره، فالصناعة لها مدٌّ وجزرٌ في أوقاتٍ معينةٍ كما بيَّن ذلك المسيو أويليام لانجتون منذ عشرين سنة، وقد صدق شكسبير في قوله: إن للزمان في أفعاله مدًّا وجزرًا، فمن صادفه المد رفعه إلى أوج السعادة. ومن هذه التقلبات ما هو مسببٌ عن توالي الفصول، فالأشغال تكون رائجةٌ في فصلي الربيع والصيف، وأما في فصل الشتاء فتكون كاسدةً، وقد تسهل السلفة في يناير وفبراير ومارس ويونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر، وأما في أكتوبر فإنها لا تتيسر إلا بكلِّ صعوبةٍ، حيث يكثر ارتفاع الفائدة، فيزداد عدد التفاليس في هذين الشهرين عن باقي أيام السنة، وقد يخشى التاجر أيضًا في شهري أبريل ومايو، إلا أنه لو تبصر لهما واستعد لكساد الأشغال فيهما لأمن من خطرهما.
وقد توجد في الأشغال حركةٌ أخرى، ولكنها أطول من الحركة المتقدمة؛ إذ إنها تستغرق عشر سنواتٍ صعودًا وهبوطًا، وسبب هذه الحركة الدورية مجهولٌ، ولكن من الأمور التي لا تحتمل الشك أن الناس في بعض السنين تزداد ثقتهم ويحيا أملهم، فيفتكرون أن ثروة البلاد ستنمو، وأنهم يحصلون فائدةً عظيمةً لو أقرضوا أموالهم إلى المعامل والبنوكات أو السكك الحديدية أو السفن، أو ما شابه ذلك من المشروعات الجديدة، فلو اختلجت هذه الأفكار ضمائر بعض الأفراد سرى تيارها في أفئدة الآخرين، كما أنه لو وُجِد شخصان أو أكثر ممن يميلون إلى الفرح والسرور في حفلةٍ، لنزعت أعضاء هذه الحفلة إلى مجاراتهم، فيعلو الانشراح على وجه الجميع، وقد تمتد هذه الحركة شيئًا فشيئًا إلى كامل أبواب التجارة، فينشط من الأمة كلُّ ذي مهارةٍ، ويعرض من المشروعات الجديدة والاختراعات الغريبة ما يتسارع المثرون معه إلى المساهمة فيه، ويكون هذا الإقبال سببًا لاستنهاض همم من يروق في أعينهم كسب الدينار، فيقدمون على ابتكار أعمالٍ أخرى، وكلما ارتفعت أسهم بعض الشركات ظن الناس أن الأسهم الأخرى سترتفع أيضًا، وكل الأفكار حتى المستحيلة تجد لها أنصارًا في هذا العصر، عصر الآمال العظيمة، فينشأ عن ذلك ما يدعوه الاقتصاديون بسرعة الحركة التجارية.
(٢) في سرعة الحركة التجارية
عندما يرغب التجار إخراج المشروعات التي اتفقوا عليها في زمن سرعة الحركة التجارية من حيز القول إلى حيز العمل، يفتقرون إلى كمياتٍ وافرةٍ من الأدوات، فيرتفع ثمن هذه الأدوات بسرعةٍ، وينقد صانعوها أجورًا وافرةً، فينفقونها في تحسين حالهم وشراء الثياب الجديدة والأثاث وغير ذلك، ولهذه الأسباب يكثر طلب هذه الأصناف، ويتحصل بائعوها على ربحٍ جسيمٍ، وفضلًا عن ذلك فقد تصعد أثمان الأنواع الأخرى مع عدم توفر الأسباب لذلك، ويكون هذا الارتفاع ناشئًا عن مجرد وجود ما يُدعى بالجاذبية؛ وذلك لأن محتكري هذه المواد يظنون أن بضاعتهم سترتفع أيضًا أثمانها، فيدخرون منها مقادير عظيمةً طمعًا في الربح الكثير، وترى التجار مقبلين على الشراء ظنًّا منهم أن صعود الأثمان مستمرٌّ، وأنهم لو باعوا في الوقت المناسب لألقوا عن عاتقهم كلَّ خسارةٍ تنشأ عن هبوط الأسعار فيما بعد.
ولكن دوام هذا الحال من المحال؛ لأن الذين تساهموا في الشركات الجديدة يلزمهم أن يدفعوا قيمة الأقساط التي عليهم، أي إنهم يتحصلون على قيمة رأس المال الذي تعهدوا به، فيأخذون الأمانات التي كانت لهم في البنوكات، وتصبح المبالغ التي كانت برسم السلفة أقل من ذي قبل، وينكب أصحاب المعامل والتجار، وغيرهم من أرباب الأشغال الذين يصنعون أو يشترون أنواع السلع على السلفة، رغبةً في توسيع نطاق أعمالهم وطمعًا في الأرباح الجسيمة، فحينئذٍ ترتفع قيمة النقود اتباعًا لقانون العرض والطلب، أي إن الفائدة تزداد إذا كان الاقتراض لمدةٍ قصيرةٍ، من أسبوعٍ إلى ستة شهورٍ، وهكذا تأخذ الحركة التجارية في السرعة، حتى إن من كان من متعاطي التجارة مخاطرًا أو عديم التدقيق تزيد ديونه عن رأس ماله، ويقال في مثل هذه الأحوال: إن السلفة شاملةٌ، فالمحل الذي ربما كان رأس ماله ١٠٠٠٠٠ جنيهٍ يكون عليه ٢٠٠٠٠٠ أو ٣٠٠٠٠٠ جنيهٍ قيمة ثمن البضائع التي اشتراها، فسرعة ارتفاع فائدة السلفة تكون ضربةً قاضيةً على متعاطي الأشغال التجارية؛ لأنه ربما في وقت بدئهم في العمل كانت فائدة الديْن ٢ أو ٣ في المائة، فإذا ارتفع هذا الفائظ إلى ٧ أو ٨ في المائة خشوا من كون جزءٍ عظيمٍ من الأرباح يُصرَف في دفع فائدة رأس المال المقترَض، وقد يضطرب بال الذين أخذوا حوالاتٍ أو اقترضوا تحت رهن السلع، فيسعون في التحصيل على أموالهم، ويضطر التجار إلى بيع ما عندهم من البضاعة بأحسن ثمنٍ يمكنهم الحصول عليه، ولما يأخذ بعض الناس في البيع بهذه الكيفية يظن الآخرون أن بيع ما عندهم من الأصناف قبل نزول الثمن نزولًا كليًّا أجدر بهم وأسلم عاقبةً، فيسرع كلُّ تاجرٍ إلى تصريف ما في مخازنه من البضائع، ولكن لما نال الجمهور من الاضطراب تراه يكف عن الشراء، اللهم إلا إذا كانت الأسعار متهاودةً جدًّا، وهناك الطامة الكبرى على فريقٍ من التجار؛ لأنهم لا يقدرون على الاستمرار في السلفة، وإذا باعوا بالأثمان المتهاودة نالهم من الخسارة ما لا يكفي لتعويضه رأس مالهم، فيقف حالهم ويتأخرون عن دفع ما عليهم، وبعبارةٍ أخرى: يشهر إفلاسهم ويا لتعاسة هذه الحالة على بعض أفراد الأمة، كأرباب المعامل مثلًا الذين باعوا للمفلسين ولم يقبضوا منهم ثمنًا؛ لأنهم لا يتحصلون على المبالغ التي كانوا يعتمدون عليها، وبما أنهم في الغالب يكونون اقترضوا المبالغ اللازمة لتشغيل معاملهم، فيصبحون — وهم أيضًا — مفلسين، وقد يمتد فقد الثقة هذا وينتشر، حتى إن المحلات التي لم تكن اقترضت إلا مبالغ زهيدةً بالنسبة لرأس مالها تصبح وهي مهددةٌ بالإفلاس.
(٣) في الأزمة التجارية
الأزمة هي الحالة التي ذكرناها، وهي الساعة الخطرة الفظيعة التي تفتضح فيه حالة من أصابه مرض الإفلاس وهبوط الأثمان بسرعةٍ، والسلفة والمشروعات من علامات هذه الساعة المشئومة، فيها تنعكس جميع الأحوال، فلست ترى من يجازف بعرض مشروعاتٍ جديدةٍ أو إنشاء شركاتٍ غير الموجودة؛ لأن جميع الناس يلاقون حينئذٍ أشد الصعوبات في سداد ما تعهدوا به من قبل، وقد تهبط الحركة، ويظهر للعيان أن كثيرًا من المشروعات التي كان يُؤْمل منها الربح العظيم ليست إلا خطأً محضًا، كإنشاء سككٍ حديديةٍ في جهاتٍ لا يكون فيها جنس شيءٍ، أو فتح مناجم في أماكن خاليةٍ من الفحم، أو تشغيل سفنٍ لا تستطيع السير مطلقًا، كل هذه الارتباكات المستحيلة تُترك في زوايا الإهمال، وجميع ما صُرِفَ فيها من النقود يضيع عبثًا، وضرر هذه الحالة لا يقتصر على خسارة المساهمين فقط، بل ينشأ عنه أيضًا وقوف حال العمال، فهؤلاء يصبحون ولا عمل بين أيديهم يشتغلون فيه، نعم لا ننكر أن المشروعات الحسنة قد تتم، وأنها تشغل القائمين بتنفيذها وبائعي الأدوات اللازمة لها، ولكن هذه الأعمال تتم شيئًا فشيئًا بدون أن يتجاسر أحدٌ على الشروع في غيرها؛ لأن الخسائر والتفاليس والغش الذي أماط عنه اللثام انقلاب الأحوال قد أرعب الناس، ومتى دخل الخوف قلب بعض الأفراد سرى إلى غيرها بواسطة العدوى وصار عموميًّا، وفي مثل تلك الأحوال يكون مثل أرباب الأشغال كمثل قطيعٍ من الأغنام مطلق السراح، يتبع بعضها البعض، وفي بحر سنةٍ أو سنتين يهبط ثمن الحديد والفحم والأخشاب وغيرها هبوطًا كليًّا، فيتكبد المشتغلون بإخراجها أو بيعها خسارةً جسيمةً، ويمكث عددٌ عظيمٌ من الفعلة بدون شغلٍ، فيكفون عن البذخ، ويقل طلب بعض الأصناف، فتكسد التجارة ويرتدي كثيرٌ من الناس برداء الفقراء، وينفقون الأموال المتوفرة عندهم من الأعوام الخالية، وتستمر هذه الحالة سنتين أو ثلاث سنواتٍ حتى ينسى التجار ما ألمَّ بهم من هبوط الأماني، أو ينشأ جيلٌ جديدٌ يجهل ما وقع بالقوم من المصائب، ويطمع نفسه بنيل أرباحٍ أخرى، وفي مدة الكساد ترى الموسرين يضعون في البنوكات ما زاد عن حاجتهم من الأموال، وهكذا يفعل التجار فيما يتحصل عندهم من أثمان السلع، فيزيد رأس المال بالتدريج وتنقص فائدة السلفة، ولا يمضي زمنٌ على هذه الحالة إلا ويرى أصحاب البنوكات — الذين كانوا أشد الناس حرصًا في مدة الأزمة — أن من صالحهم اقتراض النقود المتراكمة عندهم، فتتحسن بذلك الحال، وتدخل السلفة في دورٍ جديدٍ يحصل فيه ما حصل في الدور السابق.
(٤) في أن الأزمات التجارية دوريةٌ
لو كان في الإمكان معرفة وقت سرعة الحركة والأزمنة لكان التحذير منهما من أحسن الأشياء وأنفعها، ولكن من الأسف أن مثل هاتيك الأحوال لا يمكن الإخبار عنها بالتأكيد؛ لأن حركة التجارة قابلةٌ لتأثير كل الحوادث عليها، كالحروب والثورات والاكتشافات والمعاهدات التجارية ورداءة المحصول أو جودته ونحو ذلك، إلا أن من الأمور الموجبة للدهشة والاستغراب مشاهدة الأزمة التجارية كلَّ عشر سنواتٍ، ففي القرن الثامن عشر — مع اختلاف حركة التجارة عمَّا هي عليه اليوم — حصل كسادٌ في سني ١٧٥٣ و١٧٦٣ و١٧٧٢ أو ٧٣ و١٧٨٣ و١٧٩٣، وفي هذا القرن نرى أنه حصل في سنة ١٨١٥ و١٨٢٥ و٣٦–١٨٣٩ و١٨٤٧ و١٨٥٧ و١٨٦٦ ولولا الكساد الذي حصل في أميركا سنة ١٨٧٣ لحصلت أيضًا سنتي ١٨٧٦ و١٨٧٧، فمحصول الكرم في أوروبا يكون جيدًا في كل عشر سنين أو إحدى عشرة سنة مرة، كما أن القحط في الهند يأتي في المدة عينها مرةً أيضًا، وربما كانت الأزمات التجارية لها علاقةٌ بأحوال الجو التي تتغير دوريًّا في جميع أنحاء الكرة الأرضية، وهذا التغير ناشئٌ بدون شكٍّ من زيادة الحرارة المنبعثة من الشمس المشاهدة تقريبًا في كل عشر سنين وكسورٍ، وقد ينشأ عن ارتفاع الحرارة زيادةٌ في المحصول ورأس المال، وأرباح التجارة تكثر الأماني المسببة لسرعة الحركة التجارية، وأما انخفاض الحرارة فيقلل من كمية المحصول، ويوقف حركة كثيرٍ من المشروعات من أقسام المعمورة، وهذه علامةٌ تنبئنا عن انتهاء مدة السرعة وابتداء الأزمة التجارية.
وقد يستمر في الغالب كل دورٍ من أدوار السلفة مدة عشر سنواتٍ كما شاهد ذلك المسيو جون ميلس في منشستر، ففي الثلاث سنين الأولى تكون حركة التجارة خفيفة، ومحلات الشغل قليلة، والأثمان متهاودة، والفائدة لا تُذكَر، والفقر عامًّا، ثم يأتي من بعد ذلك ثلاث سنين تكون فيها حركة التجارة ثابتةً متزايدةً، وترتفع الأثمان باعتدالٍ، وتتحسن السلفة، ثم يأتي من بعد ذلك بعض أعوامٍ تزداد فيها حركة التجارة زيادةً شديدةً، وتنتهي — كما شرحناه سابقًا — بانقلابٍ عظيمٍ في الأحوال، وهذا الانقلاب يشغل السنة الأخيرة من السنين العشر، فيكون دور السلفة قد تم على الصفة الموضحة بعد:
سنوات | سنوات | سنتي | سنة | سنة |
(١، ٢، ٣) | (٤، ٥، ٦) | (٧، ٨) | ٩ | ١٠ |
الحركة التجارية | الحركة التجارية | الحركة التجارية | الحركة التجارية | الأزمة |
ضعيفة | نامية | شديدة | زائدة الشدة |
ومن الأمور التي يجب التنبيه عليها هو أن الحركة التجارية لا تسير دائمًا على النظام الذي ذكرناه، فقد يمكث الدور في بعض الأحيان تسع سنواتٍ أو ثمان فقط، وقد تأتي أزماتٌ ضعيفةٌ تحدث اضطرابًا في الدور، ولكن من الأمور المدهشة أن الانقلاب الكلي يأتي دائمًا في آخر الدور مهما كانت حالة الأمة من حربٍ وسلامٍ، ومهما اختلفت الحوادث.
(٥) في الاحتراس من الأزمات التجارية
لا يخفى على العاقل البصير ما يترتب على هذه الأزمات من المصائب الجمة التي يتسبب عنها دمار كثيرٍ من الناس، وقلما تنجو عائلةٌ من الخسارة، والفعلة هم أكثر الناس تأثرًا من هذه التقلبات، فبعضهم يصبح بدون عملٍ، والبعض الآخر لا يدرك الأسباب الموجبة لخفض أجرته فيضرب عن العمل، ولا يفيده هذا الإضراب إلا أحزانًا، ومن هذا يظهر أن من الواجب على جميع أفراد الأمة — تجارًا كانوا أو فعلةً أو أصحاب مالٍ أو لهم علاقةٌ ما بأشغالٍ — معرفة أن التجارة إذا كانت في رواجٍ لا بدَّ من سقوطها يومًا ما في الكساد، فيجب على الإنسان إذا رأى الحالة في تحسينٍ تامٍّ أن يمعن النظر جيدًا في استعمال ثروته، ومن العبث أن يقلد الإنسان غيره من دون فحصٍ؛ لأن أغلب الناس يفعلون مثلما فعل، فمثلًا لو ارتفعت أثمان الفحم، وتحصل أرباب المناجم على ربحٍ عظيمٍ، لرأيت كثيرًا من الناس يبحثون عن مناجم جديدة، ففي مثل هذا الوقت لا يصح شراء أسهم المناجم؛ إذ لا يمضي زمنٌ حتى تُفتَح مناجم جديدةٌ، ولمناسبة الأزمة يقل طلب الفحم، ويتكبد أصحابه خسارةً عظيمةً، وهذا ما حصل من ست عشرة سنةً في إنكلترا، وطالما شاهدنا ذلك في أنواع التجارة الأخرى، فالقاعدة العمومية التي يجب العمل على مقتضاها هي إنشاء المعامل وفتح المناجم، أو البدء بأي مشروعٍ كان في الوقت الذي تكون فيه التجارة في كسادٍ، حيث تكون أجور الفعلة وفائدة السلفة قليلةً، ففي مثل هذا الوقت يتم حفر الآبار وتشييد العمارات وعمل جميع الأشغال اللازمة بمصاريف قليلةٍ، وتكون الورش قد استعدت، فيصادفها تحسن الأحوال، وتكون المعامل المزاحمة لها قليلة العدد، وهذه القاعدة لا تنطبق على أرباب الطمع الذين يجهدون أنفسهم في إنشاء الشركات، وتفريق الأسهم في وقت إقبال الجمهور عليها، أي في زمن سرعة الحركة التجارية، وهم حريصون على التخلص من أسهمهم قبل أن ينقلب الحال، فيلقون الخسارة على عاتق من يغرونهم، فالإنسان العاقل يجب عليه الامتناع من الاشتراك في أي عملٍ جديدٍ أثناء المدة التي تكون فيها حركة التجارة شديدةً جدًّا، بل بالعكس من الواجب عليه بيع جميع الأسهم المشكوك في حالتها، أو المقصود منها مجرد الربح المؤقت، واستبدالها بأسهمٍ ثانيةٍ لا تؤثر عليها الأزمة بكثيرٍ، وطالما غفل العقلاء عن مراعاة هذه القاعدة، فقد يوجد في مكتبة الجمعية الملوكية كتابٌ من تأليف السير إسحاق نوتن، يكلف فيه أحد أصحابه بأن يشتري له بعض أسهمٍ من شركة بحر الجنوب، وقد كتب هذا الكتاب في الوقت الذي كانت فيه هذه الشركة في اضمحلالٍ، فليتعظ كلُّ فطنٍ لهذا المثال ولا يقلد غيره تقليد الأعمى، وبهذه الطريقة تقل الأزمات أو تكون أقل ضررًا، وستتوالى أدوار السلفة حتى ينتبه لها الناس ويكونوا على حذرٍ منها. ومن الواجب على أرباب الأشغال الإقدام على العمل في زمن الكساد، والتبصر والتروي في زمن الرواج، بعكس ما يفعلون اليوم، فالوقوف التام على أدوار السلفة هو الكفيل الوحيد الذي يساعدنا على معرفة أوقاتها؛ ولهذا السبب قد أطلنا الشرح في هذا الفصل.