الفصل التاسع
ألمعنا فيما سبق إلى بعض المضار الناشئة من الخلاف الواقع بين العَمَلة وأصحاب الأموال، ولنبحث الآن في الوسائل المختلفة التي عرضت لملاشاة هذه المضار، ولتمهيد الوفاق بين الفريقين.
(١) في التحكيم
افتكر كثيرٌ من الناس أنه يجب بمجرد حصول خلاف تعيين محكمين لسماع طلبات الخصمين وتحديد أجر العَمَلة لمدةٍ معينةٍ، ولكننا وإن كنَّا لا ننكر أن أسبابًا عديدةً تؤيد هذه الوسيلة، إلَّا أننا نقول: إنها تناقض مبادئ حرية الشغل والمتجر؛ إذ لو أردنا اعتبار الحكم قاضيًا لوجب أن تُمنح قراراته القوة التنفيذية، ولا يخفى ما في ذلك من الحجر على حرية الأجير التي تخول له حق الشغل وعدمه، وعلى حرية صاحب المال التي تخول له أيضًا حق تشغيل أمواله وعدمه، أو بيع تجارته بالأثمان الجارية، هذا وإذا أمكن بهذه الطريقة الاستبدادية تحديد الأجور، لأمكن أيضًا تحديد أثمان الغلال والمعادن والأقطان وبقية البضائع بالطريقة عينها، ولكن قد تحقق الشارع من مدةٍ مديدةٍ أن تحديد الأثمان بالقوانين واللوائح أمرٌ محالٌ؛ إذ لا يخفى أن الأثمان مرتبطةٌ كل الارتباط بمقدار المعرض للبيع من كلِّ صنفٍ والمطلوب منه، وليس في قدرة أحدٍ أن يعين هذه المقادير بالتحقيق قبل وجودها بشهر أو بشهرين، ومثل الحكومات التي تصدر قوانين ولوائح على ما تكون عليه حالة التجارة في المستقبل، كمثل التي تسن قوانين لتعيين الحوادث الجوية في الأعوام القابلة، فإن حالة الأسواق مرتبطة بهذه الحوادث تؤثر عليها الحروب والأخطار العديدة المختلفة التي ليس في استطاعة آدميٍّ الإنباء عنها.
ومما تقدم يتبين أنه من المستحيل تحديد الأسعار والأجور مقدمًا بصفةٍ إجباريةٍ، فإن هذه المسألة متعلقةٌ بحالة الأسواق، فهي مسألة بيعٍ وشراءٍ لصاحب المال فيها الحرية المطلقة في إعطاء العامل أقل أجرةٍ ممكنةٍ، وللأجير أن لا يشتغل إلَّا بأعلى قيمةٍ أمكنه التحصل عليها، هذا مع مراعاة النصوص القانونية القاضية على الأجير بإعلان صاحب المعمل قبل تركه الشغل بمدةٍ تختلف من أسبوعٍ إلى خمسة عشر يومًا، وعلى صاحب المعمل بإنذار أجيره قبل فصله عن أشغاله في المدة عينها.
(٢) في المصالحة
نرى أن مجالس المصالحات تؤدي فوائد جليلةً رغمًا عن الاعتراضات القوية التي أوردناها ضد تحديد الأجور بصفةٍ إلزاميةٍ، وتتشكل هذه المجالس من رجال يُنتخبون لسماع المناقشة في أسباب النزاع، وقد تختلف الطرق المتبعة في نظام هذه المجالس، فتارةً ينتدب العَمَلة ثلاثةً أو أكثر من بينهم، وينتدب أصحاب المعامل عددًا مساويًا لموافاة المجلس بجميع التعليمات اللازمة، ويسعى الكل نحو الوفاق، وفورًا يقدم مندوبو كلِّ فريقٍ دعواه إلى رجلٍ اشتهر بالحزم وعدم المحاباة، وهو يبذل الجهد في اقتراح شروطٍ يقبلها الأخصام جميعًا.
أمَّا إذا تعهد كلٌّ من الفريقين مقدَّمًا أن يقبل ما يحكم به الساعي في الصلح لكانت هذه الطريقة أقرب شيءٍ للتحكيم، إلَّا أنها خاليةٌ من تداخل سلطةٍ قانونيةٍ تنفيذيةٍ، وعلى كلِّ حالٍ فلم تنتشر هذه الوسيلة؛ لأن العَمَلة كثيرًا ما توقفوا ولم يرضوا باتباع قرارات مجالس المصالحات إذا كانت لا توافق مصلحتهم، فما كان من أصحاب المعامل إلَّا أنهم توقفوا أيضًا عن قبول القرارات التي لا تعود عليهم بالفائدة، ومن ذلك نرى أنه لا يجب أن يكون المصالِح قاضيًا بل خِلًّا صادقًا للخصمَيْن، جُلُّ مقصده إزالة عدم ثقة كلِّ فريقٍ بالآخر، مظهرًا لكلٍّ منهم طلبات خصمه والمستندات التي يرتكن عليها، وكذلك لا يجب أن يكون الاتفاق بمثابة حكمٍ، بل بمثابة تراضٍ اختياريٍّ لا ينفذ مفعوله إلَّا مدة أسبوعٍ أو أسبوعين أي مدة التعهد القانوني الذي أسلفنا ذكره، وبذلك تكون هذه الطريقة مفيدة، إلَّا أنها لا تزيل أسباب النزاع؛ لأنها لا تظهر للعَمَلة أن مصلحتهم ومصلحة أصحاب المعامل متحدةٌ لا مختلفةٌ.
(٣) شركات التعاون
من أحسن الوسائل التي اقترحت لتحسين حالة الأجير هي شركات التعاون إذا قصدنا بها اتحاد أصحاب الأموال والعَمَلة، وقد يقصد البعض بهذه الشركات غاياتٍ أخرى لا دخل لها بالموضوع الذي نحن بصدده، وأول من ابتدع هذه الوسيلة عَمَلة روشدال من مدة ثلاثين سنةً تقريبًا، فإنهم شاهدوا أن التجار الذين يبيعون بالتفريق (القطاعي) يربحون أرباحًا جسيمةً، فعزموا على الاتحاد لابتياع جميع ما يحتاجون إليه بالجملة لتوزيعه بينهم، وسموا شركتهم بشركة التعاون، ومن هذا العهد انتشرت الشركات التي من هذا القبيل، وأُنشئت مخازن تبيع للمشتركين فقط، وأرباحها تُقَسَّم فيما بعد بينهم، فكان لهذه الشركات فوائد لا تنكر؛ إذ ساعدت العَمَلة على الاقتصاد، وحملتهم على حب الاشتراك في الأعمال، وحرضت التجار عمومًا على تخفيض الأسعار ومعاملة المشترين باللطف واللين، ولكن لا تعلُّق لهذه الشركات بالمسألة التي نبحث فيها الآن، وهي مسألة النزاع بين العَمَلة وأصحاب الأموال، ولو دققنا البحث في نظام مخازن هذه الشركات لوجدناه مخالفًا لمبدأ التعاون، وربما زاد في هذه المخالفة عن المخازن العادية؛ وذلك لأن الأخيرة يديرها صاحبها أو من يهمه نجاحها، وأما الأولى فيديرها في الغالب أجيرٌ لا يهمه ربحها من عدمه.
ولا يكون التعاون حقيقيًّا إلَّا إذا كان لجميع المشتركين نصيبٌ من الأرباح، أما في الحالة الراهنة فكلُّ عاملٍ يسعى في التحصل على أجرةٍ عاليةٍ، لا يعنيه راجت البضاعة أم كسدت، فإن أحسن عمله انتفع صاحب المعمل وإلا وقع في الخسارة، وفي الحالتين أجرته واحدةٌ، نعم إنه لو أهمل شغله كليةً ربما يطرده صاحب المعمل، لكنه لو أظهر قليل الاعتناء لأمن شر ذلك، وقد يلاحظ النبهاء من أصحاب المعامل هذا الأمر فيكافئون المجتهدين من العَمَلة بزيادة أجورهم، وبنقلهم من درجاتهم إلى درجاتٍ أسمى، ولكن شركات العَمَلة تعترض على هذا المنهج؛ لأن من مبادئها المساواة بين العمال المشتغلين بعملٍ واحدٍ، فضلًا عن أن الكثير من العَمَلة يزعمون أنهم لو بذلوا الجهد في الشغل لقلَّت الأعمال ولَحرموا بعض رفقائهم من التكسب، فتراهم لا يسرعون في إنجاز أعمالهم، على أن الأجدر بهم هو الاجتهاد في سرعة العمل، مع تمهيد الصعوبات على قدر الاستطاعة؛ لأن زيادة أجورهم متعلقةٌ بقدر ما يصنعون.
(٤) الشركات الصناعية
وبهذه الطريقة كان يكافَئ كلُّ عاملٍ في آخر كلِّ سنةٍ بمبلغٍ يختلف من خمسة إلى عشرة جنيهاتٍ، وقد سُميت هذه الشركات بالشركات الصناعية، وعندنا أنها لو انتشرت لعمت مزاياها، فبها يعلم العمَلة أنهم كلما جدُّوا واجتهدوا كلَّما زادت مكافأتهم السنوية، فيشمرون عن ساعدهم ويستعملون الاقتصاد في الوقت وفي الأدوات، ويتحققون شيئًا فشيئًا أن أنفع الاتحاد لهم هو الاتحاد مع أصحاب معاملهم، فيزول وباء الإضراب عن العمل والبطالة؛ لأنه لو فرض وكانت أجور العَمَلة قليلة لظهر ذلك في آخر السنة ورجعت نصف الزيادة عليهم، أما أصحاب المعامل فإنهم يستريحون من أخطار المناوشات، وما يخسرونه في الظاهر يستعوض لهم باجتهاد رجالهم وزيادة اعتنائهم وجدهم، وهذا لا يمنعهم من إدارة الأعمال حسب إرادتهم بدون تداخل العَمَلة لطلب حساب أو غير ذلك، إنما يجب في آخر كلِّ سنةٍ أن تقدم الدفاتر لأحد الماليين لمراجعتها، ولتحديد الأرباح الواجب توزيعها على العَمَلة، وقصارى القول أنه لو انتشرت هذه الشركات لعلم العَمَلة أن فوائد أتعابهم ترجع على أصحاب المعامل وعليهم معًا، وبذا تزول أغلب الصعوبات الحالية، ولكن العراقيل التي تمنع هذه الطريقة عن الانتشار عديدةٌ؛ فإن أغلب أصحاب المعامل لا ينظرون إليها بعين الرضا لخوفهم من إظهار أرباحهم إلى العَمَلة، ولكونهم لا يقدرون المنافع التي تنجم من تحسين الحالة الحاضرة حقَّ قدرها، والأغرب من ذلك هو كون العَمَلة أنفسهم لا يميلون إلى هذه الشركات؛ لأن «شركات العَمَلة» تعتقد أنها مضعفةٌ لسلطتها، وقد سارت هذه الشركات في طريق التقدم في جميع المدن التي أُنشئت فيها، إلى أن أتت «شركات العَمَلة» فوسوست في قلوب أعضائها حتى أعرضوا عنها.
تلك هي حالة الأهالي التي تعمي بصيرتها الخرافات والجهل عن مصالحها الشخصية ومصالح بلادها.
ونظرًا لتنافر «شركات العَمَلة» والجهلاء من أرباب المعامل قد يُخشى من عدم تقدم وانتشار الشركات الصناعية الآن، ومع ذلك فإن هذه الطريقة موافقةٌ لقواعد الاقتصاد السياسي، ولا شكَّ أنها تنال حظًّا وافرًا في الأعصر القادمة، وقد اعترف بمزاياها كثيرٌ من البيوتات التجارية والشركات العمومية بإعطاء مستخدميها مكافأة في أواخر السنين التي تزيد فيها الأرباح، وسرت على هذه الخطة إحدى شركات السكك الحديدية الفرنساوية من مدة أربعين سنةٍ، وبما أن الشركات تنفرد شيئًا فشيئًا بأعمالٍ، وأن أرباح الشركات ظاهرةٌ للعموم، فمن الواضح أنه يأتي زمنٌ تنتشر فيه الشركات الصناعية كلَّ الانتشار، وقد علمنا من مصدر يوثق به أن هذه الطريقة متبعةٌ في شركة الإعلانات الشهيرة للخواجات سميث وأولاده.
(٥) شركات العمل
قد يكون التعاون أيضًا باتفاق كثيرٍ من العَمَلة على اقتصاد جانبٍ من أمورهم؛ ليكون في المستقبل رأس مالٍ يشترون به معامل وآلاتٍ وأدواتٍ ليشتغلوا على حدتهم، ويكونوا هم أرباب المال وأصحاب المعمل فترجع عليهم الأرباح بأكملها، والشركات التي من هذا القبيل هي عبارةٌ عن شركاتٍ اعتياديةٍ مساهموها العَمَلة نفسهم، ولا بدَّ لهذه الشركات من رؤساء ومديرين يُنتخَبون من بين المساهمين، وتعطي لهم أجرًا مناسبًا لأعمالهم وجزءًا عظيمًا من الأرباح؛ حتى يهتموا بنجاح الشركة ويظهروا نشاطًا زائدًا؛ لأن الرؤساء إن لم يكونوا أكْفاء أو لم يهتموا بالقيام بالواجب عليهم حقَّ القيام لما نجح المشروع.
وقد تأسست في هذه السنين الأخيرة جملة شركاتٍ من هذا القبيل بإنكلترا وفرنسا وأميركا وبكافة البلاد، إلَّا أنَّ أغلبها لم تنجح لسوء الإدارة، فإن العَمَلة المساهمين لا يعلمون أن إدارة أي عملٍ تستوجب مهارةً عظيمةً؛ لأنهم تعودوا على رؤية الأعمال سائرة من نفسها لتدبير غيرهم لها، وعموا الأبصار عن مشاهدة الأمور التي لا ينجح عملٌ بدونها، وهي الالتفات الدائم والاعتناء الكلي والحساب الدقيق؛ ولذلك نراهم لا يعتنون بانتقاء مديرين أكْفاء، ولا يثقون كلَّ الثقة بمن ينتخبونهم لذلك، ومع ذلك فكثيرٌ من الشركات تدعي أنها شركات تعاونٍ مع أنها ليست في ذلك من شيءٍ؛ لأنها تستأجر عَمَلةً خلاف المساهمين ولا تعطيهم شيئًا من الأرباح، وكذلك لا تعطي لمديريها إلَّا مرتباتٍ واهيةً محددةً، وعندنا أن الشركات التي من هذا القبيل ليست إلَّا شركاتٌ مساهمةٌ، غير حسنة الإدارة، لا ينتظر نجاحها.
ومن ضمن الصعوبات التي تحول ضد نجاح هذه الشركات هي قلة أموالها، فلو كسدت التجارة لما أمكنها تحمل الخسائر التي تتتابع أحيانًا جملة سنين، فتفتقر إلى السلفة وترهن معاملها وآلاتها، ولكن أصحاب الأموال لا يثقون بها؛ لأنها لا تمتلك عقاراتٍ فتضمحل إذن، وتلتزم ببيع أملاكها بأبخس الأثمان، فلا تعود الفائدة إلا على من اشتراها.
ولنا العشم أن العَمَلة يصيرون في المستقبل ذوي ثروةٍ مناسبةٍ، فإن تهذبوا وربَّتهم التجارب نجحت معامل شركات التعاون، وأما الآن فالأصوب ترك إدارة الأعمال لأصحاب الأموال فإنهم على جانبٍ عظيمٍ من المهارة، وخبيرون بالأعمال، فضلًا عن كونهم يعلمون أن حفظ أموالهم متوقفٌ على نجاح المشروع، فيبذلون غاية النشاط والاعتناء.
(٦) في التبصر
- (١)
الأموال المقتصدة تنفع صاحبها عند وقوعه في الحاجة، كما لو أصابه مرضٌ أو قلت الأعمال أو حلَّت به مصيبةٌ، وهي ضروريةٌ لمساعدته مدة شيخوخته، ومساعدة أرملته وأولاده لو أدركته المنية.
- (٢)
لو استُعملت الأموال المقتصدة لجاءت بأرباحٍ تزيد في دخل العامل.
- (٣)
لو اقتصد العامل أموالًا لأمكنه الاتجار أو شراء آلاتٍ متقنةٍ، وإن أقدم على عملٍ وثق الناس به.
ولهذه الأسباب يجب على كلِّ إنسانٍ، ذكرًا كان أو أنثى، ما دام متمتعًا بصحته أن لا يصرف كلَّ ما زاد عن احتياجاته؛ لأن الإنسان حتى إذا كان عازبًا لا بدَّ وأن تطرأ عليه حوادث مثل ضعف الجسم والتقدم في السن وغيرها تمنعه من تكسب معاشه، ومن الواجب عليه أن يقتصد أموالًا لصرفها لو طرأت عليه هذه الحوادث؛ لكي لا يضطر إلى بسط يده للسؤال، أو لذل النفس بالدخول في ملجأ الفقراء.
أمَّا إذا كان الإنسان متزوجًا وله أولادٌ صغارٌ لكان أحوج للاقتصاد، فإن كلَّ حادثٍ خطرٍ من شأنه أن يودي بحياة كثيرٍ من العَمَلة، فيصبح أولادهم بلا معين، تقوم بتربيتهم الأرامل، وتلاقي في ذلك مرَّ العذاب، وربما أفضى بهن الحال إلى ذلِّ السؤال.
نعم، إن الأمة قد تقع في بلاءٍ عظيمٍ غير منتظرٍ حصوله، فلا يجب في هذه الحالة أن تلام الناس على عدم أخذهم الاحتياطات اللازمة لتجشمه، فمثلًا لو أُصيب شابٌّ بفقد بصره أو بفقد عضوٍ من أعضائه لكان أهلًا لمساعدة أهل البر والإحسان، إلا أن هذه الأحوال تعد من باب الاستثناء، وتكفي لمساعدتها الجمعيات الخيرية لو لم يكثر حدوث غيرها.
وربَّ معترضٍ يقول: من أين يتيسر للعَمَلة الاقتصاد وأجورهم قليلةٌ ونفقاتهم أصبحت كثيرةً؟ فالجواب: إننا لا ننكر أن بعضهم — لا سيما مزارعي جنوب إنكلترا — لا يربحون إلا ما يكفي لشراء قوتهم وملابسهم، ففي بعض الجهات لا يزيد متوسط دخل كلِّ عائلةٍ عن ١٢ أو ١٥ شلنًا في الأسبوع وربما أقل من ذلك، هؤلاء لا يمكنهم الاقتصاد إلا أن عَمَلة المعامل يربحون جنيهين أو جنيهًا على الأقل في الأسبوع، فضلًا عن كون الأولاد والبنات — وبعض الأحيان الوالدة — يكتسبون أيضًا، حتى إنه في أيام رواج الشغل ربما اكتسبت عائلة في منشستر أو في ليستر أو في أي بلدٍ صناعيةٍ أخرى ٩٥٠ جنيهًا وأكثر في السنة الواحدة، وبعض العَمَلة لا سيما المشتغلون بمناجم الفحم يكتسبون ضعف هذا المبلغ في أيام الرواج، فتكون رواتبهم أكثر من رواتب المعلمين والكتبة الأول، فمن الخطأ إذن القول بأنه لا يمكن العَمَلة أن يقتصدوا، ولو أنه يتعذر في هذا الموضوع أن نضع قاعدةً ثابتةً، إلا أننا نقول على وجه العموم: إنه يتيسر الاقتصاد لكل من كان دخله أكثر من جنيهٍ في الأسبوع، ويسهل علينا إثبات ذلك بما يحصل عندما يقع إضرابٌ عن العمل، فإن العَمَلة يكتفون بنصف أجورهم العادية أو ثلثها، وفي بعض الأحيان يكتفون مدة ثلاثة أو أربعة أشهرٍ بمبلغ ١٢ أو ١٥ شلنًا، وهو المبلغ الذي تصرفه لهم شركتهم، وكثيرًا ما يلتزمون بدفع أقساطٍ لإعانة رفقائهم الذين انقطعوا عن العمل مدةً طويلةً، فإذا كان في الإمكان اقتصاد جزءٍ من أجورهم لإعانة رفقائهم ضد أصحاب الأموال، فلا شكَّ أنه يمكنهم أيضًا اقتصاد هذه المبالغ لأنفسهم.
ومن المعلوم أن كمية الأموال المصروفة في المشروبات الروحية أصبحت عظيمةً جدًّا، فبلغت في إنكلترا مائةً وأربعين مليونًا من الجنيهات في السنة الواحدة، أعني أربعة جنيهاتٍ عن كلِّ نفسٍ ما بين رجلٍ وامرأةٍ وطفلٍ، ولا شكَّ أنه يمكن اقتصاد نصف هذا المبلغ على الأقل، وبذلك يمكن العَمَلة أن يقتصدوا كل سنةٍ مبلغًا مساويًا بالتقريب لدخل الأمة بأجمعها، فضلًا عمَّا في ذلك من المحافظة على الصحة والآداب.