بنية المتفردات الزمكانية
في المحاضرة الأولى، استعرض ستيفن هوكينج مبرهنات المتفردات. والمضمون الأساسي لهذه المبرهنات هو أنه في الظروف الفيزيائية المعقولة (العامة)، لا بد من توقُّع وجود متفردات. لكن لا تُخبرنا تلك المبرهنات أيَّ شيء عن طبيعة تلك المتفردات أو أماكن وجودها. ومن ناحيةٍ أخرى، تتسم المبرهنات بأنها عامة جدًّا. ولذلك فمن الطبيعي أن نتساءل عن الشكل الهندسي لمتفردة الزمكان. عادةً ما يُفترض أن السِّمة التي تميِّز المتفردات هي تباعُد الانحناء، لكن هذا ليس ما تعنيه بالضبط مبرهنات المتفردات بحدِّ ذاتها.
تحدُث المتفردات في الانفجار الكبير، وفي الثقوب السوداء، وفي الانسحاق العظيم (الذي يمكن النظر إليه باعتباره اتحادًّا للثقوب السوداء)، كما قد تظهر أيضًا على هيئة متفردات مجردة ظاهرة للعيان. وفي سياقٍ متصل مع هذا التساؤل، تأتي «الرقابة الكونية»؛ وهي الفرضية القائلة بأن هذه المتفردات المجردة ليس لها وجود.
ولشرح فكرة الرقابة الكونية، دعوني أسترجع معكم لمحةً من تاريخ هذا الموضوع. كان أول مثال واضح لحل معادلات أينشتاين لوصف الثقب الأسود هو سحابة الغبار المنهارة التي طرحها أوبنهايمر وسنايدر عام ١٩٣٩. توجد نقطةٌ متفردة داخل الثقب الأسود، لكن لا يمكن رؤيتها من الخارج؛ إذ يُحيط به أفق الحدث، وهذا الأفق هو السطح الذي لا يمكن للأحداث الموجودة داخله إرسال أي إشارات عبره للخارج إلى اللانهائية. كان من المُغْري الاعتقادُ بأن هذه الصورة شاملة؛ أي أنها تمثِّل الانهيار الجذبي العام. بيدَ أن نموذج أوبنهايمر وسنايدر يتميز بتناظرٍ خاص (وتحديدًا، تناظر كُروي)، وليس واضحًا إن كان بالفعل يمثِّل الانهيار الجذبي العام أم لا.
قد يُحاول المرء إثبات أن وجود سطح محصور يدل على وجود متفردة (وكانت هذه أول مبرهنة للمتفردات تمكَّنت من إثباتها، على أساس افتراضات سببية معقولة، ولكن من دون افتراض وجود تناظر كروي. انظر بنروز ١٩٦٥). ويمكن للمرء أيضًا استنباط نتائج مُشابهة عن طريق افتراض وجود مخروط ضوئي تقاربي (هوكينج وبنروز ١٩٧٠؛ يحدث ذلك عندما تبدأ كلُّ أشعة الضوء، المنبعثة في اتجاهات مختلفة من نقطةٍ ما، في التقارب بعضها نحو بعض في زمنٍ لاحق).
وقد لاحظ ستيفن هوكينج مبكرًا جدًّا (١٩٦٥) أنه يمكن للمرء أيضًا أن يقلب طرحي الأصلي على مقياسٍ كوني؛ أي أن يطبِّقه على وضعٍ معكوس زمنيًّا. عندئذٍ يُشير السطح المعكوس المحصور إلى أنه كانت توجد متفردة في الماضي (ما يكوِّن افتراضاتٍ سببيةً مناسبة). والآن أصبح السطح المحصور (المعكوس زمنيًّا) كبيرًا جدًّا؛ كَوْنه بمقياسٍ كوني.
نحن مُهتمون هنا بالأساس بفهم وضع الثقب الأسود. نعرف أنه لا بد من وجود متفردة في مكانٍ ما، لكن لكي يصبح لدينا ثقبٌ أسود علينا أن نبيِّن أنه مُحاط بأفق حدث. وهذا هو بالضبط ما تؤكِّده فرضيةُ الرقابة الكونية؛ إذ تنصُّ بالأساس على أنه لا يمكننا رؤية المتفردة ذاتها من الخارج. وهي تُشير تحديدًا إلى أنه توجد منطقةٌ ما، لا يمكنها إرسال الإشارات إلى اللانهائية في الخارج. والحد المحيط بهذه المنطقة I هو أفق الحدث. يمكننا أيضًا تطبيقُ إحدى المبرهنات التي ذكرها ستيفن في محاضرته على هذا الحد، حيث إن أفق الحدث هو حدُّ ماضي اللانهائية الصفرية المستقبلية؛ ولذلك فإننا نعرف أن هذا الحد:
-
لا بد أن يكون سطحًا صفريًّا عندما يكون أملس، وتولِّده القِطع الجيوديسية الصفرية.
-
يتضمن قطعةً جيوديسية صفرية لا نهاية لها في المستقبل، تنشأ من كل نقطة لا تكون عندها ملساء.
وأن:
-
مساحة المقاطع العرضية المكانية لا يمكن أبدًا أن تقلَّ بمرور الزمن.
وقد ثبت أيضًا بالفعل أن الحدَّ المستقبلي التقاربي لهذا الزمكان هو زمكان على مترية «كير» (إزرائيل ١٩٦٧، وكارتر ١٩٧١، وروبنسون ١٩٧٥، وهوكينج ١٩٧٢). وهذه نتيجةٌ مهمة جدًّا؛ إذ إن مترية كير هي حلٌّ دقيق جدًّا ورائع لمعادلات أينشتاين للفراغ. ويرتبط ذلك أيضًا بمسألة إنتروبيا الثقوب السوداء. وسوف أرجع إلى ذلك في الواقع في محاضرتي القادمة (الفصل الرابع).
وعليه، فإن ما لدينا بالتأكيد هو تشابهٌ نوعي مع حل أوبنهايمر-سنايدر، مع بعض التعديلات، مِثل أننا ننتهي إلى حل كير بدلًا من حل شفارتسشيلد، لكنها اختلافاتٌ طفيفة. ويظل الأمر في جوهره مُتشابهًا.
لكن أساس الجدل هنا هو فرضية الرقابة الكونية. والرقابة الكونية في الواقع مهمة جدًّا؛ إذ تعتمد النظرية بالكامل عليها، ومن دونها قد نرى أشياءَ مريعة بدلًا من أن نرى ثقبًا أسود. لذلك علينا بالفعل أن نسأل أنفسنا عما إذا ما كانت صحيحة أم لا. منذ عهدٍ بعيد ظننتُ أن هذه الفرضية قد تكون خاطئة، وحاولتُ مرارًا إيجاد أمثلة مضادَّة تبيِّن عدم صحتها. (زعَم ستيفن هوكينج يومًا أن أحد أقوى إثباتات صحة فرضية الرقابة الكونية هو أنني قد فشلت في محاولة إثبات أنها خاطئة، لكنني أعتقد أن هذه حجةٌ ضعيفة!)
تنطوي فرضية الرقابة الكونية القوية على أن الزمكان العام الذي يحتوي على المادة، ويخضع لمعادلات الحالة المنطقية (الفراغ، على سبيل المثال)، يمكن أن يتضمن أيضًا زمكانًا خاليًا من المتفردات المجردة (مجموعات الماضي الأخيرة غير القابلة للتفريق، المتفردة المجردة). يتضح أن استبعاد مجموعات الماضي الأخيرة المجردة تلك يُكافئ الزائدية العامة (بنروز ١٩٧٩)، أو أن الزمكان هو كامل مجال اعتمادية سطح «كوشي» (جيروش ١٩٧٠). وتجدر الإشارة هنا إلى أن صياغة الرقابة الكونية القوية بهذا الشكل مُتناظرة بوضوح في الزمن: يمكننا التبديل ما بين المستقبل والماضي لو بدَّلنا ما بين مجموعات الماضي غير القابلة للتفريق ومجموعات المستقبل.
دعونا إذن نرجع إلى السؤال حول ما إذا كانت الرقابة الكونية حقيقيةً أم لا. بدايةً، دعونا نُشِرْ إلى أنها في الغالب ليست حقيقيةً في الجاذبية الكمية. تحديدًا، تؤدي الثقوب السوداء المتفجِّرة (التي سيشرحها ستيفن هوكينج باستفاضة لاحقًا) إلى أوضاع فيها — على ما يبدو — خرقٌ للرقابة الكونية.
في النسبية العامة الكلاسيكية، ثَمة نتائج متنوعة في الاتجاهين. في إحدى محاولاتي لدحض الرقابة الكونية، استنبطتُ بعض التباينات التي يمكن أن تتحقق إذا ما كانت الرقابة الكونية حقيقيةً (بنروز ١٩٧٣). وقد ظهر أنها بالفعل حقيقية (جيبونز ١٩٧٢). ويبدو أن هذا يدعم الفكرة القائلة بأن شيئًا مِثل الرقابة الكونية ينبغي أن يتحقق. على الجانب السلبي توجد بعضُ الأمثلة الخاصة (التي تخرق شرطَ العمومية)، وبعض البراهين الرقمية السطحية التي تُواجَه بالعديد من الانتقادات. إلى جانب ذلك، توجد بعض المؤشرات التي وصلت إلى علمي مؤخرًا — في الواقع ذكرها لي جاري هورُويتز بالأمس فقط — على أن بعض التباينات التي ذكرتها للتوِّ لا تتحقق إذا كانت قيمة الثابت الكوني موجبةً. ودائمًا ما اعتقدتُ أنا شخصيًّا أن قيمة الثابت الكوني ينبغي أن تكون صفرًا، لكن سيكون من المُثير للاهتمام جدًّا لو وجدنا أن الرقابة الكونية تعتمد على كَوْنه، مثلًا، غير موجب. تحديدًا، قد تكون ثَمة علاقةٌ مُثيرة بين طبيعة المتفردات وطبيعة اللانهائية. تكون اللانهائية شِبه مكانية إذا كانت قيمة الثابت الكوني موجبة، وصفرية إذا كانت قيمته صفرًا. في المقابل نجد أحيانًا أن المتفردات شِبه زمنية (وهو ما يعني أنها مجردة؛ أي أنها تخرق شرط الرقابة الكونية)، إذا كانت قيمة الثابت الكوني موجبة، لكن ربما لا يمكن للمتفردات أن تكون شِبه زمنية (أي تحقق شرط الرقابة الكونية) إذا كانت قيمة الثابت صفرًا.
-
(P) النوع الماضي، وتحدِّده مجموعات المستقبل الأخيرة غير القابلة للتفريق.
-
(F) النوع المستقبلي، وتحدِّده مجموعات الماضي الأخيرة غير القابلة للتفريق.
- (١)
القانون الثاني للديناميكا الحرارية.
- (٢) مشاهدات المراحل الأولى من عمر الكون (ومثال على ذلك مشاهدات «مستكشف الخلفية الكونية» COBE)، التي تُشير إلى أنه كان منتظمًا تمامًا.
- (٣)
وجود الثقوب السوداء (المرصودة افتراضيًّا).
فرضية انحناء فايل
-
المتفردات من النوع الأوَّلي (P) مقيَّدة بأن يكون لها موتِّر فايل المندثر.
-
المتفردات من النوع النهائي (F) ليست مقيَّدة.
وما يدعم هذه الفرضية أكثر هو حقيقة أن شرط الكون الأولي كان أملسَ بدرجةٍ كبيرة وخاليًا من الثقوب البيضاء يُقلل فضاء الطور في المراحل الأولى من عمر الكون بمُعامل يُقدَّر على الأقل بما يأتي:
إذن، لا بد من وجود قانون يفرض حدوثَ هذه النتيجة غير المرجَّحة! وعلى فرضية انحناء فايل أن تقدِّم لنا قانونًا من هذا القبيل.
أسئلة وأجوبة
- سؤال: هل تعتقد أن الجاذبية الكمية تستبعد المتفردات؟
- جواب: لا أعتقد أن الأمر هكذا بالضبط؛ فلو كان كذلك لكان الانفجار الكبير قد أتى نتيجة مرحلة انهيار سابقة. وعلينا حينها أن نتساءل كيف لهذه المرحلة السابقة أن يكون لها مستوى إنتروبيا منخفض إلى هذا الحد. من شأن هذه الصورة أن تمحوَ فرصتنا الفُضْلى لتفسير القانون الثاني. إضافةً لذلك، لا بد في هذه الحالة أن تكون متفردات الأكوان المنهارة والمتمددة مرتبطةً بعضها ببعض بشكلٍ ما، لكن يبدو أن لها أشكالًا هندسية مختلفة تمامًا. إن وجود نظرية حقيقية للجاذبية الكمية ينبغي أن يستبدل مفهومنا الحالي حول الزمكان عند المتفردة، ومن شأنه أن يمنحنا طريقةً واضحة ونهائية للتحدث عما نسمِّيه المتفردة في النظرية الكلاسيكية. لا يُفترض أن يكون ببساطة زمكانًا غير متفرد، بل شيئًا مختلفًا كليًّا.