في محاضرتي الثالثة هذه، سأنتقل إلى علم الكونيات، الذي كان يُعتبر في السابق من العلوم
الزائفة، وكان يُعتقد أنه يلجأ إليه الفيزيائيون الذين ربما قد أنجزوا أعمالًا مهمة في
بداية حياتهم، ثم انتهجوا مسلكًا صوفيًّا في سنواتهم الأخيرة؛ ويعود السبب في ذلك إلى
أمرين؛ الأول: أنه في ذلك الوقت لم يكن الحصول على ملاحظاتٍ موثوقة مُتاحًا. في الواقع،
حتى
عشرينيات القرن العشرين، كانت الملاحظة الكونية الوحيدة المهمة هي أن السماء تكون مظلمة
في
الليل، لكن الناس لم يقدروا أهمية الأمر، إلا أنه في السنوات الأخيرة تطوَّر مدى الملاحظات
الكونية، وتطوَّرت جودتُها بشكلٍ كبير مع تطور التكنولوجيا؛ ولذلك فإن الاعتراض على اعتبار
الكونيات علمًا معتبرًا، بسبب غياب الملاحظات فيه، لم يَعُد له أيُّ أساس من الصحة.
لكنْ ثَمة سببٌ آخر أهم للاعتراض على اعتبار الكونيات علمًا معتبرًا. لا يمكن لعلم
الكونيات أن يضع أيَّ توقعات عن الكون دون وضع افتراضات معيَّنة حول الأوضاع الأولية.
ومن
دون تلك الافتراضات، كلُّ ما يسعُنا قوله هو أن السبب في كون الأمور كما هي الآن هو أنها
كانت كما كانت في مرحلةٍ سابقة. ومع ذلك، يعتقد كثيرون أن العلم لا بد أن يُعنى فقط
بالقوانين المحلية التي تتحكم في كيفية تطور الكون بمرور الزمن. وسيشعرون أن الشروط الحدية
الخاصة بالكون والتي تحدِّد كيف بدأ هي مسألةٌ ميتافيزيقية أو دينية، وليست شأنًا
علميًّا.
وقد ازداد الوضع سوءًا مع ظهور المبرهنات التي أثبتُّها أنا وروجر. أظهرت هذه المبرهنات
أنه حسب نظرية النسبية العامة، يُفترض أن توجد متفردة في ماضينا، وعند هذه المتفردة يمكن
أن
تكون معادلات المجال غير مُعرَّفة؛ لذلك فإن النسبية العامة الكلاسيكية تنطوي على ما
يؤدي
إلى هدمها هي ذاتها؛ فهي تتوقع أنه لا يمكنها توقُّع الكون.
ورغم ترحيب الكثيرين بهذا الاستنتاج، فلطالما أثار حفيظتي. إذا كان من الممكن لقوانين
الفيزياء أن تنهار عند نشأة الكون، فلماذا لا تنهار في أي مكان آخر؟ من مبادئ نظرية الكم
أن
أيَّ شيء يمكن أن يحدث ما دام أنه ليس ممنوعًا تمامًا. وما إن نُتِح لتواريخ المتفردات
أن
تُسهم في تكامل المسار، يصبح بإمكانها أن تحدث في أي مكان، وستختفي قابلية توقعها تمامًا.
فإذا كانت قوانين الفيزياء تنهار عند المتفردات، فيمكنها أن تنهار في أي مكان آخر.
إن السبيل الوحيد للحصول على نظريةٍ علمية هو أن تظلَّ قوانين الفيزياء قائمةً في
كل مكان،
بما في ذلك عند نشأة الكون. وبإمكاننا اعتبار ذلك انتصارًا لمبادئ الديمقراطية: لماذا
تكون
نشأة الكون مستثناة من القوانين التي تنطبق في نقاطٍ أخرى منه؟ إذا كانت جميع النقاط
متساوية، فلا يمكننا السماح بأن يكون بعضها أكثر مساواةً من البعض الآخر.
ولتطبيق فكرة أن قوانين الفيزياء قائمة في كل مكان، علينا حساب تكامل المسار على الفضاء
المتري غير المتفرد فقط. نعلم أنه في حالة تكامل المسار العادية، يكون القياس متركزًا
على
المسارات غير القابلة للاشتقاق، ولكنها اكتمال مجموعة المسارات الملساء — في طوبولوجيا
مناسبة — بفعلٍ محدَّد جيدًا. وبالمثل، قد نتوقع أن يكون من المفترَض حساب تكامل المسار
للجاذبية الكمية على اكتمال حيز الفضاءات المترية الملساء. وما لا يمكن لتكامل المسار
أن
يتضمنه هو الفضاءات المترية ذات المتفردات، التي يكون فعلها غير محدَّد.
في حالة الثقوب السوداء، رأينا أن تكامل المسار يُفترض حسابه في الفضاءات المترية
الإقليدية؛ أي في فضاءات مترية محددة موجبة. يعني ذلك أن متفردات الثقوب السوداء، مثل
حل
شفارتسشيلد، لم تظهر على الفضاءات المترية الإقليدية التي لم تدخل الأفق، وإنما اعتُبر
الأفق بمثابة نقطة أصل الإحداثيات القطبية؛ ولذلك فإن تأثير الفضاء المتري الإقليدي كان
معرفًا تمامًا. يمكننا اعتبار ذلك صورةً كمية من الرقابة الكونية؛ فانهيار البنية عند
متفردة
لا يُفترض أن يؤثر على أي قياس فيزيائي.
لذلك يبدو أن تكامل المسار للجاذبية الكمية لا بد أن يُحسب في فضاءٍ متري إقليدي غير
متفرد، لكن ماذا ستكون الشروط الحدية في هذه الفضاءات المترية؟ يوجد خياران طبيعيان لا
ثالث
لهما؛ الأول هو فضاءاتٌ مترية تقترب من الفضاء المتري الإقليدي المسطح خارج مجموعة متراصَّة،
والاحتمال الثاني هو فضاءاتٌ مترية على منطويات متراصَّة وبدون حد.
شكل ٥-١: في عمليةٍ حسابية للتشتت، نُجري قياسات على الجسيمات الداخلة والخارجة عند
اللانهائية؛ ولذلك نحتاج إلى دراسة الفضاءات المترية التي تكون إقليدية
تقاربيًّا.
الخيارات الطبيعية لتكامل المسار للجاذبية الكمية
(١) الفضاءات المترية التي تكون إقليدية تقاربيًّا.
(٢) الفضاءات المترية المتراصَّة التي ليس لها حد.
إن النوع الأول من الفضاءات المترية التي تكون إقليدية تقاربيًّا هو بالتأكيد مناسب
لحسابات التشتت (انظر الشكل ٥-١)، حيث نبعث بالجسيمات من اللانهائية
نحو الداخل، ونُراقب ما يخرج عائدًا إلى اللانهائية. جميع القياسات تُجرى عند اللانهائية،
حيث توجد متريةٌ مسطحة في الخلفية، ويمكننا بالطريقة العادية اعتبار أن التذبذبات الصغيرة
في
المجالات هي جسيمات. ولا نتساءل عما يحدث في منطقة التداخل في المنتصف؛ ولذلك نُجري تكامل
المسار على جميع التواريخ الممكنة لمنطقة التداخل؛ أي على جميع الفضاءات المترية التي
تكون
إقليدية تقاربيًّا.
لكن في علم الكونيات، ما يهمُّنا هو القياسات التي تُجرى في المنطقة المحدودة، وليس
في
اللانهائية. نحن في داخل الكون، ولسنا ننظر إليه من الخارج. ولفهم الفارق الذي يصنعه
هذا،
دعونا نفترض أولًا أن تكامل المسار لعلم الكونيات يُجرى على جميع الفضاءات المترية التي
تكون إقليدية تقاربيًّا. حينها سيوجد أمران يؤثران على احتمالات القياسات في منطقةٍ محدودة.
يأتي الأول من الفضاء المتري المتصل الذي يكون إقليديًّا تقاربيًّا. أما الثاني فيأتي
من
الفضاء المتري غير المتصل الذي تألَّف من زمكانٍ مُتراصٍّ — يتضمن منطقة القياسات — وفضاءٍ
متري
منفصل إقليدي تقاربيًّا (الشكل ٥-٢). لا يمكننا استبعاد الفضاءات
المترية غير المتصلة من تكامل المسار؛ لأنه يمكن تقريبها من خلال الفضاءات المترية المتصلة
التي تتصل فيها المركبات المختلفة بأنابيب رفيعة أو ثقوب دودية ذات فعل ضعيف مهمَل.
شكل ٥-٢: تُجرى القياسات الكونية في منطقةٍ محدودة؛ ولذلك علينا النظر في نوعين من
الفضاءات المترية التي تكون إقليدية تقاربيًّا: المتصلة (في الأعلى)، وغير
المتصلة (في الأسفل).
لن تؤثِّر مناطق الزمكان المتراصَّة غير المتصلة على حسابات التشتت؛ إذ إنها ليست
متصلة
باللانهائية، حيث تُجرى جميع القياسات، لكنها ستؤثر على القياسات في علم الكونيات التي
تُجرى في منطقةٍ محدودة. بالتأكيد ستطغى تأثيرات المتريات غير المتصلة هذه على تأثيرات
الفضاءات المترية المتصلة التي تكون إقليدية تقاربيًّا. لذلك، حتى لو أجرينا تكامل المسار
لعلم الكونيات على جميع الفضاءات المترية التي تكون إقليدية تقاربيًّا، فسيكون التأثير
تقريبًا هو نفس التأثير الذي يحدث إذا ما أُجري تكامل المسار على جميع الفضاءات المترية
المتراصَّة؛ لذلك يبدو طبيعيًّا أكثر أن نُجريَ تكامل المسار لعلم الكونيات على جميع
الفضاءات المترية المتراصَّة دون حد، حسبما طرحت أنا وجيم هارتل عام ١٩٨٣ (هارتل وهوكينج
١٩٨٣).
فرضية غياب الحدود (هارتل وهوكينج)
يجب إجراء تكامل المسار للجاذبية الكمية على جميع المقاييس الإقليدية المترية
المتراصَّة.
ويمكننا إعادة صياغة ذلك بالقول إن «الشرط الحدي للكون هو أن ليس له حد».
في الجزء المتبقي من محاضرتي هذه، سأبيِّن أن فرضية غياب الحدود هذه تفسِّر، على ما
يبدو،
الكون الذي نحن فيه؛ وهو من ثَم كونٌ متجانس ومتَّحد الخواص، يمتدُّ ويتوسَّع، والاضطرابات
فيه ضئيلة. ويمكننا ملاحظة الطيف والإحصاءات الخاصة بهذه الاضطرابات في التقلبات التي
تحدث
في إشعاع الخلفية الميكروي. وتتفق النتائج حتى الآن مع توقعات فرضية غياب الحدود. وستكون
بمثابة اختبار حقيقي للفرضية وبرنامج الجاذبية الكمية الإقليدية بأكمله عندما تمتدُّ
ملاحظات إشعاع الخلفية الميكروي إلى مستويات زاوية أصغر.
ولاستخدام فرضية غياب الحدود لوضع التوقعات، من المفيد أن نقدِّم مبدأً يمكنه وصفُ
حالة
الكون في نقطةٍ زمنية محدَّدة. افترض أن منطوية الزمكان تتضمن داخلها منطويةً ثلاثية الأبعاد بدالةٍ مترية محفَّزة . ويُعطى ذلك في صورة تكامل مسار على جميع الدوال المترية على منطوية الزمكان التي تحفِّز الدالة المترية على المنطوية الثلاثية الأبعاد .
احتمال دالة مترية محفَّزة على يُساوي التكامل على الدوال المترية على التي تحفِّز على .
شكل ٥-٣: يقسم السطح المنطوية ، المتراصَّة، المتصلة ببساطة، إلى جزأين، هما و.
إذا كانت المنطوية متصلة، وهو ما سأفترضه، فإن السطح سيقسم المنطوية إلى جزأين، هما و (الشكل ٥-٣). في هذه الحالة، يمكن تحليل احتمال أن يكون ﻟ الدالة المترية ، وهو حاصل ضرب دالتين موجيَّتين، هما و، وتُعطيان من خلال تكاملات المسار على جميع الدوال المترية على و على الترتيب، التي تحفِّز الدالة المترية الثلاثية المعطاة على .
شكل ٥-٤: تُعطى الدالة الموجية من خلال تكامل المسار على .
احتمال يُساوي ، حيث:
يُساوي تكامل الدوال المترية على التي تحفِّز على : .
في أغلب الحالات، ستكون الدالتان الموجيتان متساويتين، وسأحذف إشارات الموجب والسالب.
يُسمى الدالة الموجية للكون. إذا كانت توجد حقول مادة ، فستعتمد الدالة الموجية أيضًا على قِيَم تلك الحقول على ، لكنها لن تعتمد تمامًا على الزمن؛ لأنه لا يوجد تفضيل لإحداثياتٍ زمنية
معيَّنة في كونٍ مغلق. تشير فرضية غياب الحدود إلى أن الدالة الموجية للكون تُعطى من
خلال
تكامل مسار على الحقول على منطويةٍ متراصَّة ، حدُّها الوحيد هو السطح (الشكل ٥-٤). يُجرى تكامل المسار على جميع الدوال
المترية وحقول المادة على التي تتوافق مع الدالة المترية وحقول المادة على .
يمكننا وصفُ موضع السطح من خلال دالة لها ثلاثة إحداثيات على ، لكن الدالة الموجية المعرَّفة بتكامل المسار لا يمكن أن تعتمد على أو اختيار الإحداثيات . ويشير هذا إلى أن الدالة الموجية لا بد أن تخضع لأربع معادلات تفاضلية للدوال، ثلاث منها تُسمى «قيود
الزخم».
معادلات قيود الزخم
تعبِّر قيود الزخم عن حقيقة أن الدالة الموجية لا بد أن تكون مُتماثلة للدوال المترية
الثلاثية المختلفة التي يمكن الحصول عليها بعضها من بعض عن طريق تحويلات في الإحداثيات . يُطلَق على المعادلة الرابعة اسم «معادلة ويلر-ديويت».
معادلة ويلر-ديويت
وتُقابل هذه المعادلة استقلال الدالة الموجية ﻟ . ويمكننا اعتبارها معادلة شرودينجر للكون، لكنها لا تتضمن حدَّ
اشتقاق للزمن؛ لأن الدالة الموجية لا تعتمد تمامًا على الزمن.
ولتقدير الدالة الموجية للكون، يمكننا استخدام تقريب نقطة السرج لتكامل المسار، كما
في حالة الثقوب السوداء. نوجد دالةً مترية إقليدية على المنطوية ، تكون متوافقةً مع معادلات المجال، وتحفز الدالة المترية على الحد . ويمكننا حينها توسيع نطاق الفعل في متسلسلة للقوى حول مترية الخلفية .
كما في السابق، يختفي الحدُّ الخطي في الاضطرابات. ويمكن اعتبار أن الحد التربيعي
يمثِّل إسهام الجرافيتونات في الخلفية، واعتبار الحدود ذات الرتب الأعلى بمثابة تفاعلات
بين الجرافيتونات. ويمكن تجاهلها عندما يكون نصف قطر منحنى الخلفية كبيرًا مقارنةً
بمقياس بلانك؛ ولذلك فإن:
شكل ٥-٥: الحلَّان الإقليديان المحتملان مع الحد ، وفعل كل منهما.
يمكننا أن نعرف طبيعة الدالة الموجية من خلال مثال بسيط. فلنفترض حالةً تخلو من حقول
المادة، ولكن يوجد ثابتٌ كوني موجب . لنعتبر أن السطح هو كرةٌ ثلاثية الأبعاد، والدالة المترية هي الدالة المترية الدائرية لكرةٍ ثلاثية الأبعاد، والتي نصف قطرها . عندئذٍ يمكن اعتبار أن المنطوية المحدودة بالسطح عبارة عن كرةٍ رباعية الأبعاد. الدالة المترية التي تحقِّق معادلات
المجال هي جزء من كرةٍ رباعية الأبعاد، نصف قطرها ، حيث والفعل هو:
لسطحٍ كروي ثلاثي الأبعاد، بنصف قطر أقل من ، يوجد حلَّان إقليديان محتملان: إما أن تكون أصغر من نصف كرة، وإما أن تكون أكبر (الشكل ٥-٥). لكن توجد آراءٌ مخالفة تشير إلى أنه علينا اختيار الحل الذي يُناظر مقدارًا أقل من
نصف كرة.
شكل ٥-٦: الدالة الموجية على صورة دالة لنصف قطر .
يوضِّح الشكل التالي (الشكل ٥-٦) جزءًا من الدالة الموجية يسبِّبه فعلُ
الدالة المترية . عندما يكون نصف قطر أقل من
، تزداد الدالة الموجية أسيًّا، مثل ، لكن عندما يكون أكبر من
، يمكننا إكمال الناتج تحليليًّا لقِيَم أصغر ﻟ ، والحصول على دالةٍ موجية تتذبذب بسرعة جدًّا.
ويمكننا تفسير هذه الدالة الموجية على النحو التالي. إن الحل الآتي للمعادلات الإقليدية
المتضمنة الحد والتي تتحلى بأقصى تناظر هو فضاء دي سيتر. ويمكن تضمينه على صورة سطح
زائد في فضاء منكوفسكي الخماسي الأبعاد (انظر المربع ٥-أ). يمكننا النظر إليه باعتباره
كونًا
مغلقًا ينكمش من حجمٍ لا نهائي إلى الطول الأدنى لنصف القطر، ثم يتمدد أسيًّا مرةً أخرى.
ويمكن كتابة الفضاء المتري في صورة كون فريدمان بمُعامل قياس . واعتبار أن يحوِّل إلى ، وبذلك نحصل على الفضاء المتري الإقليدي على كرةٍ رباعية الأبعاد طولُ نصف
قطرها (انظر المربع ٥-ب)؛ ومن ثَم نفهم فكرة أن الدالة الموجية التي تتغير
أسيًّا مع الدالة المترية الثلاثية تُناظر فضاءً متريًّا إقليديًّا لزمنٍ تخيلي. وعلى الجانب الآخر، الدالة
الموجية التي تتذبذب بسرعة تُناظر مترية لورنتز الآتية.
مربع ٥-أ: مترية لورنتز-دي سيتر
مربع ٥-ب: مترية إقليدية
كما في حالة التكوين الزوجي للثقوب السوداء، يمكننا وصف التكوين التلقائي للكون المتمدد
أسيًّا. نربط النصف السفلي للكرة الإقليدية الرباعية الأبعاد بالنصف العلوي للسطح اللورنتزي
الزائدي (انظر الشكل ٥-٧). وعلى عكس التكوين الزوجي للثقوب السوداء، لا
يمكننا القول إن كون دي سيتر قد تكوَّن من طاقة المجال في فضاءٍ كان موجودًا من قبل،
بل إنه
يتكون من عدم؛ ليس فقط من الفراغ، بل من عدمٍ تام؛ لأنه لا يوجد شيءٌ خارج الكون. في
النظام
الإقليدي، كَوْن دي سيتر ما هو إلا فضاءٌ مغلق مثل سطح الأرض، بيدَ أن له بُعدَين إضافيَّين.
إذا كان الثابت الكوني صغيرًا مقارنةً بقيمة ثابت بلانك، فلا بد لانحناء الكرة الإقليدية
الرباعية الأبعاد أن يكون صغيرًا. وسيعني ذلك أن تقريب نقطة السرج إلى تكامل المسار سيكون
مناسبًا، وأن حساب الدالة الموجية للكون لن يتأثر بجهلنا بما يحدث عند الانحناءات الكبيرة
جدًّا.
شكل ٥-٧: عملية التحرك في مسارٍ نفقي لإحداث كون متمدد، توضح عن طريق ربط نصف الحل
الإقليدي بنصف حل لورنتز.
يمكننا أيضًا حلُّ معادلات المجال للفضاءات المترية الحدية التي ليست هي بالضبط الفضاء
المتري الدائري للكرة الثلاثية الأبعاد. إذا كان نصف قطر الكرة الثلاثية الأبعاد أقلَّ
من ، يكون الحل دالةً مترية إقليدية حقيقية. وسيكون الفعل حقيقيًّا، أما
الدالة الموجية فسوف تتضاءل أسيًّا مقارنةً بالكرة الثلاثية الأبعاد الدائرية التي لها
نفس
الحجم. إذا كان نصف قطر الكرة الثلاثية الأبعاد أكبر من نصف القطر الحرج هذا، فسيوجد
حلَّان
مرافقان مركَّبان، وسوف تتذبذب الدالة الموجية بسرعة بتغيراتٍ طفيفة في .
يمكن صياغة أي قياس يُجرى في مجال علم الكونيات بدلالة الدالة الموجية؛ ولذلك فإن
فرضية
غياب الحدود تحوِّل علم الكونيات إلى علمٍ فعلي؛ لأنه يمكننا توقعُ نتيجة أي ملاحظة.
إن
الحالة التي تناولناها للتَّو، حيث لا وجود لمجالات المادة، مع وجود ثابت كوني فقط، لا
تُناظر الكون الذي نعيش فيه، لكنها تظل مثالًا مفيدًا؛ وذلك لأنه نموذجٌ بسيط يمكن حلُّه
على
نحوٍ مباشر، وكذلك لأنه، كما سنرى، يبدو أنه يُناظر الوضع في المراحل الأولى من عمر
الكون.
رغم عدم وضوح ذلك في الدالة الموجية، يتَّسم الكون في مترية دي سيتر بخصائص حرارية،
فيما
يُشبه نوعًا ما الثقب الأسود. ويمكننا رؤية هذا بكتابة مترية دي سيتر في صورةٍ ساكنة
مثل
حل شفارتسشيلد (انظر المربع ٥-ﺟ).
مربع ٥-ﺟ: الصورة الساكنة من مترية دي سيتر
توجد متفردةٌ واضحة عند . لكن كما هو الحال في حلِّ شفارتسشيلد، يمكننا استبعادُها بتحول إحداثي،
ويُناظر ذلك أفق الحدث. ويمكن رؤية ذلك من خلال مخطط كارتر-بنروز، وهو على شكل مربع.
يمثِّل
الخط الرأسي المتقطع على الجانب الأيسر مركز التناظر الكروي، حيث يقل نصف القطر للكرة الثنائية الأبعاد حتى يصل إلى الصفر. ويوجد مركزٌ آخر للتناظر
الكروي، يمثِّله الخط الرأسي المتقطع على الجانب الأيمن. أما الخطَّان الأفقيَّان العُلوي
والسفلي فيمثِّلان اللانهائية الماضية واللانهائية المستقبلية، وهما شِبه مكانيَّين في
هذه
الحالة. والخط القُطري الممتد من الطرف العلوي الأيسر إلى الطرف السفلي الأيمن يمثِّل
حدَّ
الماضي من منظورٍ راصد يقف عند مركز التناظر الأيسر؛ ومن ثَم يمكن تسميتُه أفق الحدث
من
منظوره. أما الراصد الذي ينتهي خطُّ عالمه في مكانٍ مختلف على اللانهائية المستقبلية،
فسيكون
له أفق حدث مختلف؛ ومن ثَم فإن أفق الحدث يختلف من شخص لآخر في فضاء دي سيتر.
بالعودة إلى الصورة الساكنة من مترية دي سيتر، واعتبار أن ، نحصل على دالةٍ مترية إقليدية. توجد متفردةٌ واضحة على أفق الحدث، لكن إذا
ما حدَّدنا إحداثيًّا شعاعيًّا جديدًا، وعرَّفنا بالدورة ، فسنحصل على فضاءٍ متري إقليدي منتظم، هو الكرة الرباعية الأبعاد. ولأن
إحداثي الزمن التخيلي دوريٌّ، فإن فضاء دي سيتر وجميع المجالات الكمية الموجودة فيه سوف
تتصرف وكأنها عند درجة حرارة temperature تُساوي . وحسبما سنرى، يمكننا رؤيةُ تتابعات درجة الحرارة هذه مُتمثلةً في التقلبات
التي تحدث في إشعاع الخلفية الميكروي. يمكننا أيضًا تطبيقُ حجج مُماثلة لحالة الثقب
الأسود
في فعل حل دي سيتر الإقليدي، ونجد أن له إنتروبيا entropy داخلية قيمتها ، وهو يُساوي ربع مساحة أفق الحدث area of event
horizon. ومرةً
أخرى، تظهر هذه الإنتروبيا لأسبابٍ طوبولوجية: عدد أويلر للكرة الرباعية الأبعاد هو اثنان.
وهذا يعني أنه لا يمكن أن يوجد إحداثيٌّ زمني عام على فضاء دي سيتر الإقليدي. ويمكننا
تفسيرُ
هذه الإنتروبيا الكونية على أنها تعكس جهلَ المُراقب بالكون خارج أفق الحدث الذي
يراه.
دالة مترية إقليدية دورية، دورتها
إن فضاء دي سيتر لا يُعَد نموذجًا جيدًا للكون الذي نعيش فيه؛ وذلك لأنه فارغ ويتمدد
أسيًّا. إننا نرى أن الكون يحتوي على المادة، ونستنبط من إشعاع الخلفية الميكروي ووفرة
العناصر الضوئية أنه لا بد أنه كان أكثر سخونةً وكثافة بكثير في الماضي؛ ولذلك فإن المخطط
الأبسط الذي يتسق مع ملاحظاتنا هو نموذج «الانفجار الكبير الساخن» (انظر الشكل ٥-٨). في هذا النموذج، نجد أن الكون يبدأ بمتفردةٍ مليئة بالإشعاع عند
درجة حرارة لا نهائية. وكلما تمدَّد، يبرد الإشعاع وتنخفض كثافة طاقته. وفي النهاية،
تُصبح
كثافة طاقة الإشعاع أقل منها في كثافة المادة غير النسبية، وتُهيمن المادة على عملية
التمدد،
لكن يظلُّ بإمكاننا ملاحظة بقايا الإشعاع في خلفية من الإشعاع الميكروي عند درجة حرارة
حوالَي
فوق الصفر المطلق.
شكل ٥-٨: . نِصف قطر الكون ودرجة حرارته على صورة دالة في الزمن، ممثَّلةً في نموذج
الانفجار الكبير الساخن.
إن مشكلة نموذج الانفجار الكبير الساخن هي نفس مشكلة كل ما يتعلق بعلم الكونيات —
الذي
يفتقر إلى وجود نظرية للظروف الأولية — وهي افتقاره للقدرة التنبُّئية. ولأن النسبية
العامة
تنهار عند المتفردات، يمكن لأي شيء أن يصدر من الانفجار الكبير. لماذا إذن نجد الكونَ
مُتجانسًا جدًّا ومتَّحدَ الخواص على نطاقٍ واسع، مع احتوائه بعضَ حالات الشذوذ المحلية
مثل
المجرات والنجوم؟ ولماذا نجد الكون قريبًا جدًّا من الحد الفاصل بين الانهيار مرةً أخرى
والتمدد إلى ما لا نهاية؟ من أجل أن يحدث هذا القرب كما هو حالنا الآن، لا بد أن معدل
التمدُّد في بداية الكون قد اختير بدقةٍ لا مثيل لها. فلو أن معدل التمدد بعد الانفجار
الكبير بثانيةٍ واحدة كان أقلَّ بجزء من ، كان الكون سينهار بعد بضعة ملايين من السنين. ولو أنه كان أكبرَ بمقدار
جزء من ، كان الكون سيصبح فارغًا تمامًا بعد بضعة ملايين من السنين. وفي كلتا
الحالتين، لم يكن الكون سيستمر مدةً تسمح بظهور الحياة فيه؛ لذلك على المرء أن يؤمن بمبدأ
الوجود الإنساني، أو يجد تفسيرًا فيزيائيًّا للحالة التي عليها الكون.
لا يفسِّر نموذج الانفجار الكبير الساخن السبب في أن:
(١) الكون شِبه متجانس ومتحِد الخواص، ولكن مع وجود اضطرابات صغيرة فيه.
(٢) الكون يتمدد بالمعدل الحرج بالضبط تقريبًا؛ لتفادي الانهيار مجددًا.
وقد ادَّعى البعض أن ما يُسمى ﺑ «التضخم» يُغْني عن الحاجة النظرية للظروف الأولية.
تدور فكرة
التضخم حول أنه يمكن للكون أن يبدأ من الانفجار الكبير وهو في أي حالة تقريبًا. في أجزاء
الكون التي تكون فيها الظروف مناسبةً توجد فترة من التمدد المطرد تُسمى التضخم. يمكن
لذلك أن
يتسبَّب في زيادة حجم المنطقة بمُعاملٍ ضخم يبلغ أو أكثر، بل قد يجعل المنطقة أيضًا متجانسةً ومتحِدة الخواص، ويجعلها تتمدد
بالمعدل الحرج بالضبط؛ لتفادي الانهيار مجددًا. وحينها يمكن الادعاء بأن الحياة الذكية
ستنشأ فقط في المناطق التي تضخَّمت؛ ولذلك يجب ألا نندهش من أن المنطقة التي نحن فيها
متجانسة
ومتحدة الخواص، وآخذة في التمدد بالمعدل الحرج بالضبط.
ولكن لا يمكن للتضخم وحده أن يفسِّر حالة الكون الحالية. يمكن لنا أن نُلاحظ هذا لو
أخذنا
أيَّ حالة من حالات الكون الآن وعُدنا بالزمن إلى ماضيها. لو كانت تحتوي على كميةٍ كافية
من
المادة، سنستنبط من مبرهنات المتفردات أنه كانت توجد متفردة في الماضي. ويمكننا اختيارُ
الظروف الأولية للكون عند الانفجار الكبير لتكون الظروف الأولية في هذا النموذج. وبهذه
الطريقة، يمكننا إظهارُ أن الظروف الأولية الاعتباطية في الانفجار الكبير يمكنها أن
تؤدي
إلى أي حالة الآن. لا يمكننا حتى دحض فكرة أن أغلب الحالات الأولية تؤدي إلى حالة كتلك
التي نُلاحظها اليوم؛ فالقياس الطبيعي للظروف الأولية التي تؤدي بالفعل إلى كون كالذي
نعيش
فيه، وكذلك للظروف التي لا تؤدي إلى ذلك، هو قياس لا نهائي؛ ولذلك لا يمكننا ادعاء أن
أحدها
أكبر من الآخر.
شكل ٥-٩: تمثيل لجهد مجال قياسي ضخم.
على الجانب الآخر، رأينا أنه، في حال كانت الجاذبية تتضمن ثابتًا كونيًّا من دون
مجالات
المادة، يمكن حينها أن يؤدي شرطُ غياب الحدود إلى كونٍ يمكن التنبؤ به في حدود نظرية
الكم.
لم يَصِف هذا النموذج تحديدًا الكون الذي نعيش فيه، الذي هو مليء بالمادة وله ثابتٌ كوني
قيمتُه صفر، أو قيمة صغيرة جدًّا، لكن يمكننا الحصول على نموذجٍ أكثر واقعيةً باستبعاد
الثابت
الكوني وتضمين مجالات المادة. وتحديدًا، يبدو أننا نحتاج إلى مجالٍ قياسي بجهد . سأفترض أن له قيمة صغرى تُساوي صفرًا عند . مثالٌ بسيط على ذلك هو مجال قياسي ضخم (الشكل ٥-٩).
موتر الطاقة وكمية الحركة لمجال قياسي
يمكننا أن نرى من موتر الطاقة وكمية الحركة أنه إذا كان انحدار صغيرًا، فإن تأثير يُشبِه تأثير ثابت كوني فعَّال.
ستعتمد الدالة الموجية الآن على القيمة الخاصة ﺑ على السطح ، وكذلك على الدالة المترية المحفَّزة . يمكننا حلُّ معادلات المجال للفضاءات المترية الصغيرة الدائرية ذات
الأشكال الكروية الثلاثية الأبعاد، وقيم كبيرة ﻟ . والحل بهذا الحد هو تقريبًا جزء من شكلٍ كروي رباعي الأبعاد ومجالٍ شِبه
ثابت . ويُشبِه ذلك حالة دي سيتر، بحيث يؤدي الجهد دَورَ الثابت الكوني. وعلى نحوٍ مُماثل، إذا كان نصف القطر للشكل الكروي الثلاثي الأبعاد أكبرَ قليلًا من نصف قطر الشكل الكروي
الرباعي الأبعاد الإقليدي، فسيوجد حلَّان مترافقان مركبان، وسيكونان أشبه بنصف الشكل
الكروي
الرباعي الأبعاد الإقليدي، موصولًا بحل لورنتز-دي سيتر، بقيمةٍ شِبه ثابتة ؛ ولذلك فإن فرضية غياب الحدود تتنبَّأ بالتكون التلقائي لكونٍ يتمدَّد
أسيًّا في هذا النموذج، وأيضًا في حالة دي سيتر.
ولننظر الآن في تطور هذا النموذج. بعكس حالة دي سيتر، لن يستمرَّ الكون في التمدد
الأسي.
سينحدر المجال القياسي مع الجهد حتى يصل إلى القيمة الصغرى عند . لكن لو كانت قيمة الأولية أكبرَ من قيمة بلانك، فإنَّ معدل الانحدار سيكون بطيئًا مقارنةً
بالمقياس الزمني للتمدُّد؛ ومن ثَم سيتمدد الكون بمعدلٍ كبير على نحوٍ أسِّي تقريبًا.
وعند
وصول المجال القياسي إلى الرتبة واحد، سيبدأ في التذبذب حول . ولأغلب الجهود ، ستكون التذبذبات سريعةً مقارنةً بزمن التمدُّد. عادةً يُفترض أن الطاقة
في تذبذبات المجال القياسي هذه ستتحول إلى أزواج من جسيماتٍ أخرى، وستُسخِّن الكون. لكن
هذا
يعتمد على افتراضٍ معيَّن حول سهم الزمن. وسأعود لهذه النقطة بعد قليل.
لو كان التمدد الأسي بمُعاملٍ كبير قد حدث فعلًا، لكان معدل تمدُّد الكون هو المعدل
الحرج بالضبط تقريبًا؛ ولذلك يمكن لفرضية غياب الحدود أن تفسِّر السبب في أن الكون ما
زال
قريبًا جدًّا من المعدل الحرج للتمدد. ولمعرفة ما تتنبَّأ به الفرضية فيما يخصُّ مدى
تجانس
الكون واتحاد خواصه، علينا أخذُ الدوال المترية الثلاثية في الاعتبار، وهي عبارة عن اضطرابات في الفضاء المتري الدائري ذي الشكل
الكروي الثلاثي الأبعاد. ويمكننا توسيع نطاق ذلك بدلالة التوافقيات الكروية. توجد ثلاثة
أنواع من هذه التوافقيات: التوافقيات القياسية، والتوافقيات المتجهة، والتوافقيات الموترة.
تعكس التوافقيات المتجهة التغيرات في الإحداثيات على كراتٍ ثلاثية الأبعاد متتابعة، وليس لها أيُّ دور ديناميكي. أما
التوافقيات الموترة فهي تعكس الموجات الثقالية في الكون المتمدد، بينما تعكس التوافقيات
القياسية في جانب منها الحرية الإحداثية، وفي جانبٍ آخر تعكس اضطرابات الكثافة.
التوافقيات الموترة-الموجات الثقالية
التوافقيات المتجهة-معيار
التوافقيات القياسية-اضطرابات الكثافة
يمكننا كتابة الدالة الموجية على صورة حاصل ضرب دالة موجية لفضاءٍ متري دائري من كرةٍ ثلاثية الأبعاد، بنصف قطر ، في دوال موجية لعوامل التوافقيات:
ويمكننا بعد ذلك توسيع نطاق معادلة ويلر-ديويت للدالة الموجية لتشمل جميع الرُّتب
في نصف
القطر والمجال القياسي المتوسط ، والرتبة الأولى في الاضطرابات؛ ومن ثَم نحصل على معادلات شرودينجر لمعدل
تغيُّر دوال الاضطراب الموجية بالنسبة إلى إحداثي الزمن الخاص بالفضاء المتري
الخلفي.
معادلات شرودينجر
ويمكننا الاستعانة بشرط غياب الحدود للوصول إلى الظروف الأولية لدوال الاضطراب الموجية.
نحلُّ معادلات المجال لكرةٍ ثلاثية الأبعاد صغيرة ولكنها مشتَّتة بعض الشيء؛ وبذلك نحصل
على
دالة الاضطراب الموجية في الدورة المتمددة أسيًّا؛ ومن ثَم يمكننا تطويرها باستخدام معادلة
شرودينجر.
إن التوافقيات الموترة التي تعكس الموجات الثقالية هي أبسط ما يمكن أخذه في الاعتبار؛
إذ
ليس لها أي درجات حرية معيارية، وهي لا تتداخل مباشرةً مع اضطرابات المادة. يمكننا
الاستعانة بشرط غياب الحدود لحل المعادلة للحصول على الدالة الموجية الأولية لمعاملات
التوافقيات الموترة في الفضاء المتري المضطرب.
الحالة الأرضية
حيث:
و
وسنجد أنها الدالة الموجية في الحالة الأرضية، التي تعبِّر عن مذبذبٍ توافقي عند
تردُّد الموجات الثقالية. مع تمدُّد الكون ينخفض التردد. وبينما يكون التردد أكبر من
معدل التمدد ، تسمح معادلة شرودينجر للدالة الموجية بالتراخي على نحوٍ كظمي، وسيظل
المنوال في حالته الأرضية. لكن في النهاية سوف يُصبح التردد أقلَّ من معدل التمدد، وهو
تقريبًا ثابتٌ أثناء التمدد الأسي. وعندما يحدث هذا، لن تعود معادلة شرودينجر قادرةً
على
تغيير الدالة الموجية بسرعةٍ كافية لتظل في الحالة الأرضية مع تغيُّر التردد. بدلًا من
ذلك، ستظل على شكلها الذي كانت عليه عند انخفاض التردد إلى مقدارٍ أقل من معدل
التمدد.
شكل ٥-١٠: الطول الموجي ونصف قطر الأفق على صورة دالة في الزمن، في طور
التضخم.
بعد انتهاء حقبة التمدد المطرد، سينخفض معدل التمدد على نحوٍ أسرع من تردُّد المنوال.
وهذا يُشبِه أن نقول إن أفق الحدث من منظور المُراقب، وهو معكوس معدل التمدد، يزداد على
نحوٍ
أسرع من الطول الموجي للمنوال؛ ومن ثَم فإن الطول الموجي سيصبح أطولَ من الأفق أثناء
فترة
التضخم، وسوف يعود فيما بعدُ ليصبح في حدود الأفق (الشكل ٥-١٠).
وحينها ستكون الدالة الموجية ما زالت كما كانت عند ثباتها، أما التردد فسيكون أقلَّ
بكثير؛ ومن ثَم ستعبر الدالة الموجية حينها عن حالةٍ عالية الإثارة، وليس الحالة الأرضية
كما
كانت عند ثبات الدالة الموجية. وسوف ينتج عن إثارات الكم هذه التي تحدث لأوضاع الموجات
الثقالية تقلبات زاوية في إشعاع الخلفية الميكروي، الذي سعتُه هي معدل التمدد (بوحدات
بلانك) في الزمن الذي ثبتت فيه الدالة الموجية؛ ومن ثَم فإن مشاهدات «مستكشف الخلفية
الكونية» COBE، التي تُشير إلى حدوث تقلبات بمقدار جزء واحد
من في إشعاع الخلفية الميكروي، تضع حدًّا علويًّا مقداره بوحدات بلانك على كثافة الطاقة حين ثبتت الدالة الموجية. وهذه مقادير
منخفضة بما يُتيح للتقديرات التي استخدمتها أن تكون دقيقة.
لكن التوافقيات الموترة للموجات الثقالية تضع حدًّا علويًّا فقط للكثافة في وقت الثبات.
والسبب في ذلك هو أنه يتبيَّن أن التوافقيات القياسية تؤدي إلى تقلباتٍ أكبر في إشعاع
الخلفية
الميكروي. توجد درجتَا حرية متوافقة قياسيًّا في دالة الفضاء المتري الثلاثي ، ودرجة واحدة في المجال القياسي، لكنَّ اثنتَين من هذه الدرجات القياسية
تعكسان حريةً إحداثية؛ ومن ثَم فإنه توجد درجة حرية قياسية فيزيائية واحدة فقط، وهي تُقابل
اضطرابات الكثافة.
إن تحليل الاضطرابات القياسية يُشبِه كثيرًا تحليلَ التوافقيات الموترة إذا ما استخدمنا
اختيارًا إحداثيًّا معينًا للفترة حتى ثبات الدالة الموجية، وآخر لما بعد ذلك. عند التحويل
من نظامٍ إحداثي معيَّن لنظامٍ إحداثي آخر، تتضاعف السعات بعامل معدل التمدد مقسومًا
على متوسط
معدل تغيُّر . وسوف يعتمد هذا العامل على ميل منحنى الجهد، لكنه سيكون عشرة على الأقل
للجهود المعقولة. هذا يعني أن التقلبات في إشعاع الخلفية الميكروي التي تُسبِّبها اضطرابات
الكثافة ستكون أكبر بمقدار عشر مرات على الأقل من تلك التي تُسبِّبها الموجات الثقالية؛
ومن
ثَم فإن الحد العلوي لكثافة الطاقة عند ثبات الدالة الموجية هو فقط من كثافة بلانك، وهو يقع في نطاق صحة التقديرات التي استخدمتها؛ ومن
ثَم يبدو أننا لا نحتاج حتى إلى نظرية الأوتار لفهم نشأة الكون.
ويتفق طيف التقلبات ذات المقياس الزاوي — ضمن نطاق مدى دقة الملاحظات الحالية — مع
التنبؤ
بأنه لا بد ألا يكونَ لها أيُّ قياس تقريبًا. وحجم اضطرابات الكثافة هو بالضبط المطلوب
لتفسير تشكُّل المجرات والنجوم؛ ومن ثَم يبدو أن فرضية غياب الحدود يمكنها تفسير بنية
الكون بأكملها، بما في ذلك الأشياء الصغيرة التي تجعله غير متجانس بعض الشيء، ومنها نحن
أنفسنا.
ويمكننا اعتبار أن الاضطرابات في إشعاع الخلفية الميكروي تنشأ عن التقلبات الحرارية
في
المجال القياسي . إن درجة حرارة فترة التضخم تُساوي معدل التمدد على الزمن التخيلي؛ ولذلك يمكننا القول بأنه ليس علينا إيجاد ثقب أسود أولي
صغير؛ فقد رصدنا بالفعل درجة حرارة جذبية داخلية تُساوي تقريبًا درجة، أو من درجة حرارة بلانك.
ماذا إذن عن الإنتروبيا الداخلية المرتبطة بأفق الحدث الكوني؟ هل يمكننا رصدها؟ أظن
أنه
يمكننا ذلك، وأظن أنها تعكس حقيقة أن الأجرام مثل المجرَّات والنجوم هي أجرامٌ كلاسيكية،
وإن
كانت تتكوَّن بفعل التقلبات الكمية. إذا نظرنا إلى الكون على سطحٍ شِبه مكاني يغطِّي مساحة الكون كلها، في وقتٍ ما، فإنه حينها يكون في حالةٍ كمية
منفردة يمكن وصفها بواسطة الدالة الموجية . لكن لا يمكننا أبدًا أن نرى أكثر من نصف ، ونحن نجهل تمامًا ماهية الكون فيما هو أبعد من مخروطنا الضوئي الماضي.
هذا يعني أنه بحساب الاحتمال للملاحظات، علينا أخذ المجموع لجميع الاحتمالات للجزء الذي
نراه من السطح (الشكل ٥-١١). ويتمثل تأثير عملية الجمع في تغيير
الجزء الذي نرصده من الكون، ليتحول من حالةٍ كمية منفردة إلى ما يُسمى «حالة مختلطة»،
وهي
عبارة عن تنظيمٍ إحصائي لاحتمالاتٍ مختلفة. إن عدم الترابط هذا — كما يُطلَق عليه —
هو أمرٌ
ضروري إذا كان لنظامٍ أن يسلك مسلكًا كلاسيكيًّا وليس كميًّا. عادةً ما يُحاول الناس
تفسيرَ
عدم الترابط بإرجاعه إلى التفاعلات التي تحدث مع نظامٍ خارجي غير مَقيس، كحمَّام ساخن
مثلًا.
لكن في حالة الكون، لا يوجد نظامٌ خارجي، بيدَ أنني أرجِّح أن السبب الذي يجعلنا نرصد
المسلك
الكلاسيكي هو أنه لا يمكننا سوى رؤية جزء فقط من الكون. قد نعتقد أنه في وقتٍ لاحق سنتمكَّن
من
رؤية الكون بأكمله، وأن أفق الحدث سيختفي، لكن الأمر ليس كذلك؛ ففرضية غياب الحدود تشير
إلى أن الكون مغلق مكانيًّا. والكون المغلق سينهار مجددًا قبل أن يتسنَّى للراصد أن يرى
الكون بأكمله. لقد حاولتُ إثبات أن الإنتروبيا في كون كهذا ستُساوي ربع مساحة أفق الحدث
عند
زمن التمدد الأقصى (الشكل ٥-١٢)، لكن في الوضع الحالي يبدو أنني أحصل
على عاملٍ مقداره ٣/ ١٦، وليس ١/ ٤. يبدو إذن أنني إما أتبع مسارًا خاطئًا، أو أن شيئًا
ما قد فاتني.
شكل ٥-١١: يرى الراصد جزءًا فقط من أي سطح .
شكل ٥-١٢: سينهار الكون حتى لا يتبقى سوى المتفردة النهائية، قبل أن يتمكن الراصد
من رؤية الكون كله.
سأُنهي هذه المحاضرة بالحديث عن موضوع لكلٍّ منَّا — أنا وبنروز — وجهة نظر مختلفة
تمامًا فيه؛ وهو سهم الزمن. ثَمة فرقٌ واضح جدًّا بين اتجاه الزمن إلى الأمام واتجاهه
إلى
الخلف في منطقتنا من الكون. كلُّ ما عليك فعله هو تشغيل فيلم عكسيًّا، للخلف، لترى الفرق؛
فبدلًا من أن تسقط الأكواب من فوق الطاولة وتنكسر، ستُشاهدها تلتئم من تلقاء نفسها وتقفز
لتعود مرةً أخرى إلى الطاولة. تخيَّل لو كانت الحياة الواقعية هكذا.
إن القوانين المحلية التي تنطبق على المجالات الفيزيائية مُتناظرة زمنيًّا، أو —
لنكون
أكثر دقةً — تتسم بثبات التناظر من حيث الشحنة والتكافؤ والمعكوس الزمني (ويُسمى تناظر
CPT)؛ ومن ثَم فإن الفرق الملحوظ بين الماضي والمستقبل
لا بد أنه نابع من شروط الحد الخاصة بالكون. لنفترض أن الكون مغلقٌ مكانيًّا، وأنه يتمدد
ليصل إلى أقصى حجم له ثم ينهار مجددًا. كما أكَّد بنروز، سيختلف الكون كثيرًا بين بداية
هذا
التاريخ ونهايته. يبدو أنه كان أملسَ جدًّا ومنتظمًا عند ما نُطلِق عليه نشأة الكون،
لكن عند
انهياره مرةً أخرى، نتوقع أن يكون حينها عالي الفوضوية وغير منتظم. ولأنه توجد أنماطٌ
فوضوية
أكثر بكثير من تلك المرتبة، فهذا يعني أن الظروف الأولية لا بد أنها قد اختيرت بمستوًى
مذهل
من الدقة.
ولذلك يبدو أنه لا بد من وجود شروط حد مختلفة عند طرفَي الزمن. أما روجر فيقول إن
موتر
فايل لا بد له أن يختفي عند أحد طرفَي الزمن، ولكن ليس عند الآخر. موتر فايل هو ذلك الجزء
من انحناء الزمكان الذي لا تحدِّده المادة محليًّا من خلال معادلات أينشتاين. ويكون ضئيلًا
في
المراحل الأولى الملساء المرتبة، ولكن كبيرًا في الكون الآخذ في الانهيار؛ ومن ثَم فإن
هذا
الطرح سيميِّز بين طرفَي الزمن، وبذلك قد يُفسر سهم الزمن (الشكل ٥-١٣).
شكل ٥-١٣: فرضية موتر فايل للتمييز بين طرفَي الكون.
أعتقد أن طرح روجر — من نواحٍ عدة — هو فايل. أولًا: هو لا يخضع لتناظر
CPT. من وجهة نظر روجر، هذه ميزة، لكنني أظن أنه علينا
التمسك بالتناظر، إلا لو كان ثَمة أسبابٌ قوية تدفعنا للتخلي عنه. من وجهة نظري التي
سأدافع
عنها، ليس من الضروري التخلي عن تناظر CPT. ثانيًا: لو
كانت قيمة موتر فايل صفرًا بالضبط في المراحل المبكرة من الكون، لكان متجانسًا ومتحد
الخواص
بالضبط، ولبقي على هذا الحال طوال الزمن. ليس بإمكان فرضية فايل التي يطرحها روجر أن
تفسر
التقلبات التي تحدث في الخلفية، ولا الاضطرابات التي نشأت عنها المجرات والأجرام، والتي
نحن مثال عليها.
أوجه الاعتراض على فرضية موتر فايل
(١) لا يخضع لتناظر CPT.
(٢) لا يمكن لقيمة موتر فايل أن تكون صفرًا بالضبط. هذا لا يفسر التقلبات
الطفيفة.
ورغم هذا كله، أعتقد أن روجر استطاع أن يحدِّد فرقًا مهمًّا بين طرفَي الزمن، لكن
في
الحقيقة لا يُفترَض طرح مسألة أن قيمة موتر فايل كانت صغيرة عند أحد الطرفين على أنها
من
شروط الحد الخاصة، بل يجب استنباطها من مبدأٍ أكثر جوهرية، وهو فرضية غياب الحدود. وكما
رأينا، يشير هذا إلى أن الاضطرابات في نصف الشكل الكروي الرباعي الأبعاد الإقليدي الموصل
بحل لورنتز-دي سيتر هي في حالتها الأرضية. ويعني ذلك أنها أصغر ما يمكن، وهو ما يتسق
مع
مبدأ عدم التيقن؛ ومن ثَم يشير ذلك إلى شرط موتر فايل الذي يطرحه روجر: لن تكون قيمة
موتِّر
فايل صفرًا بالضبط، لكنها ستكون أقرب ما يمكن إلى الصفر.
في البداية ظننت أن تلك الحُجج بشأن كون الاضطرابات في حالتها الأرضية ستنطبق على
طرفَي
دورة التمدد والانقباض. يبدأ الكون أملسَ ومرتبًا، ثم مع تمدده يصبح أكثر فوضوية وغيرَ
منتظم. لكنني ظننت أنه مع انكماشه لا بد وأن يعود إلى حالةٍ ملساء ومرتبة. وكان ذلك سيقتضي
أن ينعكس سهمُ الزمن الحراري الديناميكي في مرحلة الانقباض. ستلتئم الأكواب تلقائيًّا
وتقفز
للخلف عائدةً إلى سطح الطاولة، وسيصغر الناس في السن بدلًا من أن يهرموا، بينما يصغر
الكون
مجددًا. لن يكون مُجديًا أن ننتظر انهيار الكون مجددًا لنعود إلى شبابنا؛ لأن ذلك سيستغرق
وقتًا طويلًا. لكن لو انعكس سهمُ الزمن مع انقباض الكون، فقد ينعكس أيضًا داخل الثقوب
السوداء. لكنني لا أنصح بالقفز في ثقبٍ أسود لإطالة العمر.
لقد كتبت بحثًا أدَّعي فيه أن سهم الزمن سينعكس عند انكماش الكون مجددًا. لكن بعد
مناقشات
مع دون بايج وريموند لافلام، اقتنعتُ بأني ارتكبت أكبر خطأ في حياتي، على الأقل فيما
يخص
الفيزياء: لن يعود الكون بانهياره إلى الحالة الملساء. هذا يعني أن سهم الزمن لن ينعكس،
بل
سيظل كما هو مشيرًا إلى نفس اتجاه التمدد.
كيف إذن لطرفَي الزمن أن يكونَا مختلفين؟ ولماذا تكون الاضطرابات ضئيلةً عند أحد
طرفَيه
دون الآخر؟ السبب هو أنه يوجد حلَّان مركَّبان محتملان لمعادلات المجال، ويتماشيان مع
نطاقٍ
صغير من كرةٍ ثلاثية الأبعاد. الأول كما ذكرت مسبقًا هو تقريبًا نصف الشكل الكروي الرباعي
الأبعاد الإقليدي، موصل بجزءٍ صغير من حل لورنتز-دي سيتر (الشكل ٥-١٤).
أما الحل المحتمل الثاني فيشمل نفس نصف الشكل الكروي الرباعي الأبعاد الإقليدي، موصل
بحل
لورنتز الذي يتمدد حتى يصبح طول نصف قطره كبيرًا جدًّا، ثم ينقبض مجددًا ليصل إلى نصف
القطر
الصغير للنطاق المعطى (الشكل ٥-١٥). وبالطبع أحدُ الحلَّين يخصُّ أحدَ
طرفَي الزمن، والثاني يخصُّ الطرف الآخر. ويعود السبب في وجود فرق بين الطرفين إلى حقيقة
أن الاضطرابات في الدالة المترية الثلاثية تكون منخفضة جدًّا في حالة الحل الأول، ولها فترة لورنتز قصيرة. بيد أنها
قد تكون كبيرة جدًّا من دون أن تكون منخفضة انخفاضًا كبيرًا في حالة الحل الذي يتمدد
ثم
ينقبض مجددًا. يؤدي هذا إلى ظهور الفرق بين طرفَي الزمن الذي أشار إليه روجر. عند أحد
الطرفين، كان الكون أملسَ جدًّا، وكانت قيمة موتر فايل صغيرة جدًّا، لكنها لا يمكن أن
تكون
صفرًا بالضبط؛ لأن ذلك كان سيمثِّل خرقًا لمبدأ عدم التيقُّن. بدلًا من ذلك، كانت ستحدث
تقلباتٌ طفيفة تكبر لاحقًا لتكوِّن مجراتٍ وأجسادًا مثلنا. وعلى النقيض، كان الكون سيصير
غير منتظم وشديد الفوضوية عند الطرف الآخر من الزمن لو كانت قيمة موتر فايل كبيرة إجمالًا.
وهذا يُفسر سهم الزمن المُلاحَظ ولماذا يقع الكوب من فوق الطاولة ويتكسر بدلًا من أن
يلتئم
ذاتيًّا ويقفز للخلف عائدًا إلى الطاولة.
شكل ٥-١٤: نِصف الشكل الكروي الرباعي الأبعاد الإقليدي موصل بمنطقة لورنتز
صغيرة.
وحيث إن سهم الزمن لن ينعكس — وقد استغرقت وقتًا أكثر مما ينبغي — فمن الأفضل أن أختم
محاضرتي. أكَّدت في حديثي على السِّمتَين اللتين أعتبرهما أبرزَ ما تعلَّمت في مسيرتي
البحثية
في المكان والزمان، وهما: (١) أن الجاذبية تؤدي إلى التفاف الزمكان ليصبح له بداية ونهاية.
(٢) وأنه توجد علاقة قوية للغاية بين الجاذبية والديناميكا الحرارية، تنشأ لأن الجاذبية
نفسها تحدِّد طوبولوجية المُنطوية التي تؤثر عليها.
شكل ٥-١٥: نصف الشكل الكروي الرباعي الأبعاد الإقليدي موصل بمنطقة لورنتز التي
تتمدد لتصل إلى نصف القطر الأطول، ثم تعود للانكماش.
أدَّى الانحناء الموجب للزمكان إلى ظهور متفردات تنهار عندها نظريةُ النسبية العامة
الكلاسيكية. وقد تحجب الرقابة الكونية عنَّا رؤية متفردات الثقوب السوداء، لكننا نرى
الانفجار الكبير بشكلٍ كامل مجرد من الأمام. لا يمكن للنسبية العامة الكلاسيكية أن تتوقع
كيفية نشأة الكون. لكن النسبية العامة الكمية، جنبًا إلى جنب مع فرضية غياب الحدود، تتنبَّأ
بكونٍ يُشبِه الكون الذي نراه، بل ويبدو أيضًا أنها تتنبَّأ بطيف التقلبات المرصود في
إشعاع
الخلفية الميكروي. ولكن مع أن نظرية الكم تستعيد القدرة التنبُّئية التي فقدتها النظرية
الكلاسيكية، فهي لا تستعيدها تمامًا. ولأنه لا يمكننا رؤيةُ الزمكان بأكمله بسبب وجود
أفق
الحدث الكوني وأفق حدث الثقوب السوداء، تُعرَّف ملاحظاتنا استنادًا على مجموعة من الحالات
الكمية، وليس بناءً على حالةٍ واحدة منفردة. ويؤدي ذلك إلى زيادة مستوى عدم القدرة على
التنبؤ، ولكنه قد يكون أيضًا هو السبب في أن الكون يبدو كلاسيكيًّا. ومن شأن ذلك أن ينقذ
قطة شرودينجر ويمنعها من أن تكون نصف حية ونصف ميتة.
إن استبعاد القدرة التنبُّئية من الفيزياء ثم إعادتها إليها مرةً أخرى على نحوٍ مختزل،
هو
قصة نجاح حقيقية؛ وبذلك أكون قد أثبتُّ وجهة نظري.