الزمكان في ضوء نظرية المبرومات
دعوني أبدأ حديثي ببعض الملحوظات حول محاضرة ستيفن الأخيرة:
-
كلاسيكية القطط: قال ستيفن إن وجود منطقة معيَّنة في الزمكان لا يمكن الوصول إليها يدفعنا إلى التعريف بالاستعانة بمصفوفة الكثافة. بيدَ أن ذلك ليس كافيًا لتفسير الطبيعة الكلاسيكية للملاحظات المرصودة في المنطقة التي نحن فيها. إن مصفوفة الكثافة التي تعبِّر عن احتمال العثور إما على قطةٍ حية أو قطةٍ ميتة هي نفس مصفوفة الكثافة التي تعبِّر عن مزيج من التراكبَين:و:
لذلك فإن مصفوفة الكثافة وحدها لا تُخبرنا عما إذا كنَّا نرى قطةً حية أو ميتة، أو أحد هذين التراكبَين. كما حاولت أن أبرهن في نهاية محاضرتي الأخيرة، نحن بحاجة لمعرفة المزيد.
-
فرضية انحناء فايل (WCH): حسبما فهمت من حديث ستيفن حول موقفه من هذا الأمر، لا أعتقد أننا مختلفان اختلافًا كبيرًا حول هذه النقطة. إن قيمة انحناء فايل لمتفردةٍ أولية هي صفر تقريبًا، وفي حالة المتفردات النهائية تكون قيمة انحناء فايل كبيرة. ذهب ستيفن إلى أنه لا بد وأن يكون ثَمة تقلباتٌ كمية صغيرة في الحالة الأولية؛ ومن ثَم أشار إلى أنه لا يمكن للفرضية القائلة بأن انحناء فايل الأولي صفر بالضبط أن تكون فرضيةً معقولة. لا أعتقد أننا نختلف حقًّا في ذلك. إن فكرة أن انحناء فايل قيمته صفر عند المتفردة الأولية هي فكرةٌ كلاسيكية، وبالتأكيد ثَمة قدر من المرونة في صياغة العبارة التي تعبِّر بدقة عن الفرضية. الاضطرابات الطفيفة أمرٌ مقبول من وجهة نظري بالتأكيد في النظام الكمي، ونحتاج فقط إلى شيء يُبقيها قريبة جدًّا من الصفر. قد نتوقع أيضًا وجود تقلبات حرارية في موتِّر ريتشي (بسبب وجود المادة) في المراحل المبكرة من عمر الكون، وهذه قد تؤدي في النهاية إلى تكوين من الثقوب السوداء من خلال فرضية «عدم استقرار جينس». وحينها، يكون للمنطقة المُتاخمة للمتفردات الموجودة في هذه الثقوب السوداء انحناء فايل كبير، ولكنها متفرداتٌ نهائية وليست أولية، وهو ما يتسق مع فرضية انحناء فايل.أتفق مع ستيفن في أن فرضية انحناء فايل «قائمة على الظاهر»؛ أي أنها فرضية تدرس الظواهر وليست تفسيرية؛ فهي تحتاج إلى نظريةٍ أساسية لتفسيرها. ربما تكون «فرضية غياب الحدود» (NBP) لهارتل وهوكينج تمثيلًا جيدًا لهيكل «الحالة الأولية»، لكن يبدو لي أننا بحاجة إلى شيءٍ مختلف تمامًا ليتناسب مع الحالة «النهائية». تحديدًا، لا بد للنظرية التي تُفسر بنية المتفردات أن تخرق كلًّا من تناظر المعكوس الزمني T، وتناظر التكافؤ والمعكوس الزمني PT، وتناظر الشحنة والمعكوس الزمني CT، وتناظر الشحنة والتكافؤ والمعكوس الزمني CPT، حتى يظهر شيء له طبيعة فرضية انحناء فايل. إن فشل التناظر الزمني هذا قد يكون أمرًا غريبًا؛ فلا بد أن يكون واضحًا في قواعد تلك النظرية التي تتخطَّى حدود ميكانيكا الكم. ذهب ستيفن إلى أنه في ضوء إحدى مبرهنات نظرية المجال الكمي المعروفة، نتوقع أن تكون النظرية خاضعة لتناظر CPT. لكن برهان هذه المبرهنة يفترض أن القواعد المعتادة لنظرية المجال الكمي تنطبق هنا، وأن فضاء الخلفية مسطح. أعتقد أنني وستيفن متفِقان على أن الشرط الثاني غيرُ متحقق، كما أعتقد أن الافتراض الأول يسقط.
كما يبدو لي أن وجهة النظر التي يطرحها ستيفن فيما يخصُّ فرضية غياب الحدود لا تعني أنه لا توجد ثقوب بيضاء. إن كنتُ أفهم وجهة نظره على نحوٍ صحيح، فهو يقصد أن فرضية غياب الحدود تعني أنه يوجد حلَّان أساسيان: أحدهما (أ) تزداد فيه الاضطرابات كلما ابتعدنا عن المتفردة، والآخر (ب) تخفت فيه الاضطرابات تمامًا. يُناظر الحل بالأساس «أ» الانفجار الكبير، في حين أن الحل «ب» يصف متفردات الثقوب السوداء والانسحاق العظيم. ينطلق سهمُ الزمن — المحدَّد من قِبل القانون الثاني للديناميكا الحرارية — من حلٍّ من النوع «أ» إلى حلٍّ من النوع «ب». لكن لا يمكنني فهمُ كيف يستبعد هذا التفسير لفرضية غياب الحدود الثقوبَ البيضاءَ من النوع «ب». على صعيدٍ آخر، أنا قلِقٌ حيال «عملية استخدام الفضاء الإقليدي». تعتمد رؤيةُ ستيفن على حقيقة أنه يمكننا إلصاقُ حلٍّ إقليدي بحل لورنتز، بيدَ أنه توجد فضاءاتٌ قليلة جدًّا يمكننا فيها فعل ذلك؛ إذ يتطلب الأمر أن يتضمن الاثنان قِسمًا إقليديًّا وآخر لورنتزيًّا. لكن الحالة العامة بعيدة كلَّ البعد بكل تأكيد عن ذلك.
(١) المبرومات وفضاء المبرومات
قبل أن نفعل ذلك بالتفصيل، دعونا أولًا نفهم دورَين مهمَّين تلعبهما كرة ريمان في الفيزياء.
-
(١)
قد تكون الدالة الموجية لجسيمٍ لفه المغزلي في تراكب بين «لأعلى» و«لأسفل»:ويمكن تمثيل هذه الحالة برسم نقطة على كرة ريمان، وهذه النقطة مناظرة للنقطة التي يتقاطع عندها المحور الموجب للف المغزلي — الذي أُخرج من المركز — مع الكرة. (لتمثيل لف مغزلي أعلى يوجد تركيبٌ أكثر تعقيدًا طرَحه في الأصل ماجورانا عام ١٩٣٢؛ وانظر أيضًا بنروز ١٩٩٤، الذي يستخدم كذلك كرة ريمان.) يربط ذلك السعات المركبة لميكانيكا الكم بهيكل الزمكان (انظر الشكل ٦-٢).
-
(٢)
تخيَّل أنه يوجد راصد عند نقطة معيَّنة في الزمكان يُشاهد النجوم في الفضاء، وافترض أنه يحدِّد الموضع الزاوي لهذه النجوم على كرة. إذا مرَّ راصدٌ آخر بنفس النقطة في نفس الوقت، ولكن بسرعةٍ متجهة بالنسبة إلى الراصد الأول، فإنه — بسبب تأثيرات الانحراف — سيحدِّد النجوم في مواضع مختلفة على الكرة. الجدير بالملاحظة في الأمر أن المواضع المختلفة للنقاط على الكرة يرتبط بعضها ببعض عن طريق نوع خاص من التحويلات يُسمى «تحويل موبيوس». يشكِّل هذا النوع من التحويلات تحديدًا المجموعة التي تُحافظ على الهيكل المركب لكرة ريمان؛ ومن ثَم فإن فضاء أشعة الضوء المارَّة عبر نقطة في الزمكان هو، بطبيعته، كرة ريمان. إضافةً إلى ذلك، فإن فكرة أن مجموعة التناظر الأساسي في الفيزياء التي تربط بين راصدين يتحركون بسرعاتٍ متجهة مختلفة — وهي مجموعة لورنتز (المقيدة) — يمكن اكتشاف أنها مجموعة تشكُّل ذاتي للمُنطوية الأبسط ذات البعد الأحادي (المركب) — التي هي كرة ريمان — هي فكرة جميلة جدًّا في رأيي (انظر الشكل ٦-٣، وبنروز وريندلر ١٩٨٤).
نحصل على:
(٢) المبرومات الكمية
وعلينا الآن النظر في مدى اعتماد التعبيرات السابقة على ترتيب العمليات الحسابية. يتضح لنا أن تعبيرات الزخم والزخم الزاوي لا تعتمد على الترتيب؛ ومن ثَم فهي محددة قانونيًّا. على الجانب الآخر، يعتمد تعبير اللولبية على الترتيب، وعلينا اتِّباع التعريف الصحيح. علينا إذن أن نستخدم الضرب التناظري؛ أي:
قد يبدو هذا الأمر غريبًا؛ إذ إن النسبية العامة في النهاية متناظرة الجانبين، لكن قد لا يكون ذلك أمرًا سيئًا؛ فالطبيعة نفسها غير متناظرة الجانبين، كما أن «المتغيرات الجديدة» لأشتيكار — وهي أدواتٌ قوية جدًّا تُستخدم في النسبية العامة — هي أيضًا غير متناظرة الجانبين. ومن المُثير للاهتمام أن نجد أنفسنا ننتهي إلى لا تناظرية الجانبين تلك بهذه الطرق المختلفة.
(٣) المبرومات للفضاءات المنحنية
يرتبط كلُّ ما توصَّلنا إليه حتى الآن بالزمكان المسطَّح فقط، لكننا نعرف أن الزمكان مُنحنٍ؛ ومن ثَم نريد التوصل إلى نظرية للمبرومات تنطبق على الزمكان المنحني، وتُعيد إنتاج معادلات أينشتاين بطريقةٍ طبيعية.
إذا كانت منطوية الزمكان مسطَّحة على نحوٍ مُطابق (أو بعبارةٍ أخرى، إذا كان موتِّر فايل لها قيمته صفر)، فلا توجد مشكلة في أن نَصِف هذا الفضاء من خلال المبرومات؛ إذ إن نظرية التويستور هي في الأساس متغايرة على نحوٍ مُطابق. توجد أيضًا أفكارٌ مبنية على المبرومات تنطبق على مختلف الزمكانات غير المسطحة على نحوٍ مُطابق، مثل تعريف الكتلة شِبه المحلية (بنروز ١٩٨٢، وتود ١٩٩٠)، وبناء وودهاوس وماسون (١٩٨٨، وانظر أيضًا فلتشر ووودهاوس ١٩٩٠) للفراغات المتماثلة المحورية الثابتة (حسب بناء وارد الذي طرحه عام ١٩٧٧ لحقول يانج-ميلز المضادَّة المزدوجة بذاتها على الزمكان المسطح؛ وانظر أيضًا وارد ١٩٨٣)، وهذا البناء هو جزء من نهج عام جدًّا مبني على المبرومات، ويوصِّلنا إلى النُّظم المتكاملة (انظر الكتاب المرتقب لماسون ووودهاوس المتوقَّع صدورُه عام ١٩٩٦).
- (١) تعتبر معادلات أينشتاين للفراغ بمثابة شروط الاتساق لمجالات اللولبية العديمة الكتلة (إذا ما أُعطي المجال بدلالة الجهد).
- (٢) في الزمكان المسطح يكون فضاء الشحنات لمجالٍ قيمته هو بالضبط فضاء المبرومات.
(٤) علم الكونيات المبني على المبرومات
أريد أن أُنهيَ هذه المحاضرة بذِكر شيء عن علم الكونيات والمبرومات، رغم أنه غير مؤكد. لقد ذكرت أن موتِّر انحناء فايل لا بد أن يُساوي صفرًا عند المتفردات الماضية، وأن الزمكان هناك يقترب من كونه مسطحًا على نحوٍ مُطابق. ويعني هذا أن الحالة الأولية يمكن وصفها وصفًا بسيطًا بدلالة المبرومات. ومع تقدُّم الزمن، يزداد هذا الوصف تعقيدًا، ويزداد انحناء فايل انتشارًا. ويتَّسق ذلك مع عدم التناظر الزمني الملاحظ في الشكل الهندسي للكون.
أسئلة وأجوبة
- سؤال: ما الأهمية الفيزيائية للحالة التي تكون فيها اللولبية ؟
- جواب: اللف المغزلي في هذا النهج ليس مجالًا فيزيائيًّا حقيقيًّا، بل هو مجالٌ إضافي لتعريف المبرومات. لا أراه مجالًا للجسيم يمكننا اكتشافه. على الجانب الآخر، من منظور التناظر الفائق، سيكون هو الشريك الفائق للجرافيتون.
- سؤال: أين تظهر العملية R غير المتناظرة زمنيًّا — التي تحدَّثتُ عنها المرة الماضية — في منظور المبرومات؟
- جواب: عليك أن تُدرك أن نظرية المبرومات هي نظريةٌ متحفظة جدًّا، وهي لا تكشف لنا أيَّ شيء عن ذلك حتى الآن. أودُّ حقًّا أن أرى عدم التناظر الزمني يظهر في نظرية المبرومات، لكنني حاليًّا لا أعرف كيف يمكن لذلك أن يتحقق، لكن بالتأكيد سيظهر لو أجرينا البرنامج كاملًا، ربما بصورةٍ مشابهةٍ بعض الشيء لعدم التناظر اليميني أو اليساري. كما أن نهج أندرو هودجز للوصول إلى مخططٍ تنظيمي في الواقع يطرح نوعًا من عدم التناظر الزمني، لكن الأمر لم يتضح بعد.
- سؤال: أيٌّ من نظريات المجال الكمي غير الخطي قد يكون الأكثر خضوعًا لنظرية المبرومات؟
- جواب: حتى الآن، لم يُحلَّل سوى النموذج القياسي (في سياق مخططات المبرومات).
- سؤال: تتوقع نظرية الأوتار — بوضوح — طيف الجسيمات. أين يتجلَّى ذلك في نظرية المبرومات؟
- جواب: لا أعرف كيف يمكن لطَيف الجسيمات أن يظهر، مع أنه توجد بعض الأفكار المطروحة حول ذلك، لكن يُسعدني أن أعرف أن نظرية الأوتار «تتنبأ — بوضوح — بطيف الجسيمات». أرى أننا لن نتمكن من حل هذه المعضلة حتى نفهمَ النسبية العامة في إطار المبرومات؛ إذ ترتبط الكتل بالنسبية العامة. لكن نوعًا ما، هذه هي أيضًا وجهة نظر نظرية الأوتار.
- سؤال: ما رؤية المبرومات للاتصالية وعدم الاتصالية؟
- جواب: من الأمور الأخرى الأولى التي شجَّعت على ظهور نظرية المبرومات كانت نظرية شبكات الغزل، التي نُحاول فيها بناء فضاء من قوانين كمية توافقية منفصلة. يمكننا أن نُحاول بناء نظرية المبرومات من أشياء منفصلة أيضًا. لكن بمرور السنين مال التوجه العام نحو الأساليب التامة الشكل بدلًا من التوافقية، لكن هذا لا يعني أن فكرة الأشياء المنفصلة قد استُبعدت تمامًا. ربما توجد علاقة قوية تربط بين التصورات المنفصلة والتصورات التامة الشكل، لكن هذا لم يُطرح بأي طريقة واضحة حتى الآن.