زواج مدني
إن تعديل الميراث يستدعي البحث بالزواج؛ فلولا الزواج لما كان الميراث.
وبالقلم العريض: إذا لم نتزوج فمن أين يأتي الوارث؟ ومن أي شبَّاك تدخل المادة الجديدة التي يريدون تعديلها في شرعة مواريثنا؟
وهذه المادة حقٌّ، وهي مأخوذة من عند غيرنا، فهل يصِحُّ أن نأخذ نصف الشريعة ونترك النصف الآخر؟!
أنعمل مثل ذاك الذي اقتسم التَّرِكة مع أخيه، فشقَّا الصك مناصفة؟
كنا لا نبالي بنصيب البنت؛ لأنَّه كان نصف مصيبة، أما الآن فصارت أو ستصير البنت كأخيها، فأصبح لا بدَّ لنا من زواج مدني مصدَّق ومسجَّل في المحكمة.
أليس الزواجُ صكًّا فيه التسلُّم والتسليم؟ إذن فلا بدَّ لهذا البيع من معاملة قانونية مضبوطة حتَّى لا تذهب التركات في سبيلها. والتي ستصبح مالكة كالرجل يجب أن نحرِّرها من قولنا: «الرجل رأس المرأة.» أما صارا سواء بسواء؟
وإن صعُب الأمر على بعضهم، وكان لا بدَّ لهم من شمع وبخور، فليفعلوا كما يفعل الآخرون في أقطار العالم؛ أي فليذهبوا إلى الكنائس حيث يُبارِكُ زواجَهم رجلُ دين، إنَّما بعد أن يسجِّل زواجَهم عند الكاتب العدل أو في المحاكم، وهكذا لا تضيع عليهم بركة «ما أزوجه الله لا يفرقه الإنسان.»
لم أنسَ ولن أنسى كيف قامت القيامة بين المحامين ورجال الدين حول «الأحوال الشخصية»، ولكن المحامين غُلِبوا على أمرهم، وفازوا أولئك؛ لأنَّ الله والأوقاف دائمًا معهم …
وما دمنا نُنادي بترك الطائفية، فهذا باب تنطلق منه العاصفة التي تقتلع تلك الشجرة النَّخِرة من جذورها.
إنِّي أرى العاصفة تولول راكضةً من بعيد، فنصيحتي للناس أن يحيدوا من دربها …
وإلى الذي قال لي: كيف يكون هذا؟ أنا عندي خمس بنات على صبي؛ فكيف يذهب ميراثي؟ وأي قردٍ يضرب تركتي؟
إلى هذا أقول: إنَّ القانون لا يشغل نفسه بالتَّوافِه. اسمع يا أخي، متى عملنا بهذا القانون نظل كما كُنا ولا يُجنف على أحد، بنت غيرك تجيء إلى بيتك، ومعها مثل الذي أخذته بنتك. أمَّا إذا كنت تشكو كثرة بناتك، فلماذا لم توصِّ على صبيان؟ … الشرع لا ينظر إلى حال فلان وفلان. اسكت أفضل لك؛ لئلا تُنعَت بالتأخُّر عن ركْب المدنية.
إنِّي أنظر إلى عالم الغيب وأرى لبنان، هذا البلد الصغير، قد حطَّمَ قيوده العتيقة، وقد خلت أرضه من جميع الطفيليات التي تعيش على جذع الطائفية. أتخيَّل كيف يصير الأولون آخرين، والآخرون أولين، كما قال يسوع المسيح، وإذ ذاك يأكلون خبزهم بعرق جبينهم، ولا يعود يأتيهم الرغيف المقرَّص من ذقن …
فإلى المشرف على إدارة هذه الدولة أقول: ليست الشرائع مثل قصب المصِّ؛ لتؤكل عقدة عقدة، والمسيح قال: «ما جئت لأحلَّ الناموس، بل لأُكمِّلَ، فكمِّل يا سيدي ولك الأجر عند الله والمدنية.»
لا يجوز أن نُعدِّل الميراث ونترك غيره، فكل هذه الشئون يتبع بعضها بعضًا.
إنَّ سجلَّات كنائسنا مثل دفاتر اللحَّامين، لا تعرف منها من مات ومن عاش، ومن ترهَّب ومن ومن …
يا بحر الله، خذ عبد الله. وبما أنَّ رجال الدين أصبحوا سياسيين، ولهم في كل عرس قرص؛ فلنجعل كلَّ شيءٍ مدنيًّا.
أتؤخذ ضريبة من جميع الناس إلا هم، بينما دَخْل المتقدِّم في الأخوة منهم يفوق دخل الكثيرين من المواطنين، أليسوا يرافقون البشر من المهد إلى اللحد وإلى ما بعد القبر؟
فإلى المسئولين في لبنان أقول: بدأتم فكمِّلوا والله معكم.
وأنتم يا أحبَّائي، اصغوا إليَّ واسمعوا وعوا، إنَّ ما أحدثكم عنه الآن صائر بعد حين، فلا تتبرَّموا وامشوا مع الرَّكْب؛ فلن يبقى أمامكم شيء خارج المحاكم غير الموت، فموتوا كما تشاءون، واجعلوا دليلكم إلى تلك الدنيا من تشاءون؛ لأنَّ موتكم لا يتعلَّق به حق أحد، وعلاقتكم إذ ذاك تُمسي مع ربكم رأسًا، ويومئذ حسبُكم الله.