سؤال وجواب (١)
كتب الأستاذ رياض حنين يسأل: أترى أنَّ التيار الشعري الذي أطلقه
أديب مظهر قد أدرك غايته؟ أم أنه مُني بالاجترار؟
• التقليد آفتنا، والمقلِّد
دائمًا مقصر عن المقلَّد، ثم أنا ما قرأت لأديب مظهر غير قصيدة أذكر
أنها نونية، وهي لا تستحق أن تُسمَّى تيَّارًا.
هل صحيح أن الأديب عندنا يكاد يكون اسمًا ضخمًا لغير مسمَّى، أم نحن
على عتبة نهضة أدبية شاملة؟
• ما شعرت أنَّ هنالك اسمًا
ضخمًا لأقايسه على مسمَّاه، أمَّا النهضة الأدبية الشاملة التي تسأل هل
نحن على عتبتها، فموقوفة على ما يخلقه الجيل الطالع، وعلى ما ينفقه من
طاقة.
أنت ناقد، فهل ترى أن ليس في أدبنا الحديث مادة كافية للنقد؟ أفنحن
فعلًا بحاجة إلى نُقَّاد؟
• مادة النقد موجودة ووافرة،
ولكنها تتطلَّب قارئًا يخلق مما يقرأ المادة اللازمة لعمله.
ما هي الأسس التي تعتمدها في نقد الشعر وفي نقد القصة؟
• لا أسس راسخة عندي لنقد
القصة ولا لنقد الشعر، فلكل قطعةٍ أو كتابٍ مقياس على قدِّه.
أين تلقَّيت دروسك؟ ومن تخصُّ بالذكر من أساتذة ورفقاء؟
• قضيت أربع سنوات كل سنة في
مدرسة، ورأيت وجوهًا كثيرة من المعلِّمين، أذكر منها ابن عمَّتي الخوري
يوسف الحدَّاد في مدرسة مار يوحنا مارون، والشيخ سعيد الشرتوني، وشلبي
الملاط، والخوري باخوس الفغالي — المطران بطرس — والخوري يوسف بو صعب،
والمير يوسف شهاب في مدرسة الحكمة. أمَّا رفاقي فيها فأتذكَّر منهم:
الدكتوران حبيب إسطفان ومرشد خاطر، وأمين بو رزق، ومراد بو نادر، وأمين
عباس الحلو، ونسيب البستاني ابن أخت سليمان، والدكتور سلامة، وجورج
عاصي.
من الذي أثَّر فيك أكثر من سواه من أدباء العرب والفرنجة؟
• الجاحظ، والشدياق، ودودية،
وسرفنتس، وغوغول، وتورغنيف، وفولتير، وأناتول فرانس، وسنت بيف،
وبرونتيير.
إلى أيَّة مدرسة شعرية وقصصية تميل؟
• لم يكن في زماننا هذا الذي
تسمونه «مدارس شعرية»، كنا نعرف شعراء نحاول أن نقول الشعر على
طريقتهم. أمَّا المدرسة القصصية التي أميل إليها؛ فلك أنت أن
تعرفها.
قيل: إن بعض أقاصيصك قد تُرجمت إلى الروسية، فهل هذا صحيح؟ وكيف كان
وقعها هناك؟
• أعرف أنَّ أقاصيصي قد
تُرجمت، أما وقعها فعلمه عند غيري ممن زاروا روسيا.
هل تطَّلِع على ترجمات هذه الأيام؟ وما هو رأيك فيها؟
• الترجمة عندنا تسير سيرًا
حثيثًا، والحميد فيها هذه الأمانة التي تُدْنيها من الأصل.
ما هي قراءاتك في الوقت الحاضر؟
• أقرأ في هذه الأيام كما
قرأت في غيرها كلَّ ما يقع في يدي من جيد ورديء، ومن كليهما أَخرج ومعي
شيء أقوله للناس، أما كتابا المخدة فهما الكتاب المقدَّس والقرآن
الشريف.
ما هو اللون الذي يغلب في مكتبتك؟
• مكتبتي جامعة، ولا أدري أي
لون تقصد حتى أجيبك بالضبط، عندي كتب شعرية، أدبية، تاريخية قصصية،
لاهوتية، فلسفية، جدلية، وعندي كتب دينية وكتب أساطير. أما اللغات
فمنها: السريانية والعربية والفرنسية والإنكليزية والطليانية والفارسية
والتركية والعبرية …
ومنها كتب عربية وسريانية مطبوعة في روميَّة وقزحيا بالحرف الكرشوني
والحرف العربي، منها ما بلغ من العمر عِتيًّا ٤٠٠ سنة وأكثر، وعندي
مخطوطات مختلفة المواضيع واللغات.
ما هي الجرائد التي أصدرت أو أشرفت على إصدارها؟ ومتى كان
ذلك؟
• أصدرت جريدةً خَطيةً عندما
كنت تلميذًا وسميتها «الصاعقة»، ثم أصدرتها مطبوعةً على الجلاتين، فما
أبصَرَت النور حتى «فطَّسها» رئيسي المونسنيور بطرس أرسانيوس، الذي
أحببته جدًّا، وحجَّته أنني انتقدت انتقادًا جارحًا، ولمَّا خرجت من
مدرسة الحكمة عام ١٩٠٦م تولَّيت رئاسة تحرير جريدة «الروضة»، ثم جريدة
«النصير»، ثم جريدة «الحكمة» في جبيل.
ما هو في نظرك أهم مقال سياسي كَتَبْت؟
• مقال: «ما بين حانا ومانا
ضاعت لحانا»؛ فقد أزْعَجَتْ لبنان القديم، وحاولوا اغتيالي، ولكن عمري
طويل، طبعًا ليس كما قال الشاعر.
ما هو أحب مؤلَّفاتك إليك؟
• أُحبُّها كلها؛ لأن في كل
واحد منها شيئًا مني.
أصدرت منذ سنين ديوان شعر، فإلي أيَّة مدرسة ينتسب شعرك؟
• نعم، أصدرت ديوانًا، وقد
وعدت مارون عبود ذاك أن أنتقده، إلا أنِّي حتى الآن لم أفعل. سأفعل إن
شاء الله. أمَّا إلى أيَّة مدرسة ينتسب شعري، فشعري ينتسب إلى مارون
عبُّود العتيق، فأنا لا أقلِّد أحدًا، والغريب أن بعض هذا الشعر قد
استحق أن يُترجم.
متى تصدر روايتك «فارس آغا»؟
• سأنجز «فارس آغا» في هذا
الصيف إذا لم أُصيِّف في المستشفى كالعام الماضي، ومن «فارس آغا»
سأنتقل إلى رواية أخرى «العجول المسمَّنة» أو «يا رب يا رب».
ماذا تكتب هذه الأيام؟
• الذي تقرأ؛ فليس لديَّ وقتٌ
أحكُّ فيه رأسي.
هل أصبح الأديب — الخليق بهذا الاسم طبعًا — يستطيع أن يعيش من نتاجه
القلمي في لبنان؟
• لا أحتاج إلى الكسوة
والرغيف بفضل التعليم والتأليف، أعطِنا خبزنا كفاف يومنا. هكذا علَّمنا
يسوع، ولكنه قال أيضًا: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
قل لنا وجهة نظرك في خلافات «أهل القلم»؟
• اعفني من الجواب
يا رياض.
متى تكتب؟ وهل لك ساعات خاصة؟
• أرأيت الدجاجة البياضة كيف
تحوم طويلًا على باب القن ولا تدخل؟ هكذا أظلُّ أفعل حتى أرى نفسي ربخت
على الطاولة وكتبت. إني أقاسي تعبًا كثيرًا قبل البدء بالكتابة، ومتى
بدأت مضيت إلى النهاية.
هل تُدخِّن وتشرب القهوة وأنت تكتب؟
• دخَّنت الأركيلة والسيكارة
والغليون والسيكار، ومنذ سنين أمسيت أتنشَّق العطوس وأشرب القهوة
المُرَّة بلا انقطاع.
ما هو طعامك الأطيب؟
• الغمَّة (الله لا يغمك)
والكبة النية، والكبة الأرنبية. ما على ضرسي مر، ولكن الدكتور حتي قاسٍ
عليَّ في «الراجيم». وعلى كلٍّ «فالراجيم» أحلى من الموت.
بعد العمليات التي أُجريت لك، أعطنا رأيك في الطب الحديث؟
• أنا لم أُجرِّب إلا
المستشفى الألماني، وإذا كانت جميع المستشفيات مثله، فالطب الحديث لا
يعصى عليه مرض، وهاك ما حدث في أثناء وجودي فيه: ما قولتك في مريضين
وقف قلبهما أثناء العملية، فمسدهما الجرَّاح الدكتور حسيب بولس بطريقته
العلمية، حتى إذا ما تابع القلب سيره أغلق عليه الباب وأرجأ العملية
إلى موعدٍ آخر؟
هل تنظر نظرة تفاؤل إلى فتيان هذا الجيل وفتياته؟
• أنا متفائل جدًّا بفتيان
هذا الجيل وفتياته، وأرجو للأدب خيرًا على أيديهم؛ شرط أن يثابروا على
العمل ولا يطلبوا الشهرة على حساب غيرهم …
هل تحب الطرب؟ ومن هو أحب مطربٍ إليك؟
• أنا كالخليفة المنصور أحبُّ
الغناء القديم، وأكره المغنِّي الذي يتشبَّث بكلمة ويروح يُردِّدها
ويعلكها حتى يقتل الناس.
سمِّ لنا هواياتك المفضَّلة؟
• أن أبني كلَّ عام شيئًا
جديدًا، وأن أُدخل البيت صورة زيتية وكتابًا له قيمة.
كيف حال بطريركيتك في عين كفاع؟ وهل وصلوها بلبنان؟ أم أنها على
شهرتها ما تزال في «لا أدري أين» كماضي حال رشميا؟
• لا تسلني عن حال بطركيتي في
عين كفاع. أنا خائف وقلبي يدق، خائف أن «يُعيَّن» بطرك غيري، وهناك
المصيبة. أما اتصالها بلبنان فسيأتي
دورها بعد أن يتصل لبنان بالإسكيمو. أما إذا بقي عاصمة أوروبية أو
أمريكية أو قطب جنوبي وشمالي لم نتصل بها، فلا أمل لنا ولا رجاء … في
أيام عزِّنا ما غنَّينا يا ليل … فلولا همة الشباب الذين يسبقون الطير
لما أدركني الطبيب في الصيف الفائت، وأفلتُّ من يد عزرائيل.