إدارة البريد – الأدب والسياسة
عزيزي الأديب السيد خالد سهيان في مدرسة الحلوة بالقامشلي:
لا تتعجَّب إن أتاك جوابي متأخِّرًا، فإذا كانت إدارة البريد — وهي إدارة مسئولة عن السرعة — قد بقيت لي فيها — في مركز بيروت — مسوَّدة مدة أسبوع، سُجِّلت وأرسِلت من مركز عالية يوم الأربعاء، فما وصلت إلى يد وكالة الآباء البولسيين إلا يوم الثلاثاء بعد الظهر.
انظر كيف يُعرقل المأمورون الساهون مصالح الناس، فهل تلومني بعدُ إذا تأخر جوابي ولي عذري؟
رحم الله عهد «المِرسال»؛ فقد كنا فيه أسرع عملًا.
وبعدُ، فسألتني أولًا إذا كنت أعتقد أنَّ الأدب شيء والسياسة شيء آخر، وإذا جُمعا بشخص هل تكون له بآنٍ واحدٍ عبقريةُ الأديب وحنكة السياسي؟
أما جوابي عن هذا، فهو أنَّ الأدب يتناول كلَّ شيء، ومهما حاول الأديب أن يتملَّص من السياسة في أدبه، فهو لا يقدر أن يُطهِّره منها.
أما إذا هما اجتمعا لواحد، فلا بدَّ من أن ترجح إحدى الكفتين.
وبكلمة أعم: إن الأدب الخالص لا يسلسُ قياده لرجال السياسة؛ لأن التفكير في أمرين متناقضين غير ممكن.
وتقول في السؤال الثاني: هل تتأسَّفون في المستقبل على أيام ستضيِّعونها في ميادين السياسة لو كان قُدِّر لكم الفوز بالنيابة في الانتخابات الماضية؟
أظنك لم تنتبه إلى أنَّ نبأ ترشيحي الذي قرأته كان تاريخه أول نيسان … فأنا رشَّحت نفسي هازلًا.
أمَّا أكرهُ ما أكرهه أنا فهو خوضُ غِمار السياسة.
أرجو أن تثق بأنني لا أحبها.
وبما أنني انتقدت مضاعفة معاش النوَّاب، رحت تطرح عليَّ هذا السؤال الثالث: فلو كنتم من جملة النوَّاب؛ فهل توافقون على هذه الزيادة أم لا؟
هاك الجواب يا صاحبي: قال النواب لنا عندما كان يدعون لأنفسهم أنهم رشَّحوا أنفسهم لخدمة الشعب، لا طمعًا بالجراية … حتى إذا ما ركبوا الكرسي جاءت تصرفاتهم مخالفةً تصريحاتهم.
بشعٌ جدًّا أن يقرر الرجل زيادة معاشه بنفسه.
فلو جاءت هذه الزيادة عن غير طريقهم ما قلت شيئًا.
أما قولك لي أخيرًا: «لو كنت منهم ألا أفعل ما فعلوا؟» فالجواب عنه: «إن النفس أمَّارةٌ بالسوء.» وبلغتنا العامية: النفس رخْوة … ولهذا أكره السياسة؛ لأني أخاف أن تُدخلني في التجارب … والسلام عليك.