حقوق المرأة
سلامًا وتحيةً وبعدُ، فكنت قد أرسلت إليك فيما مضى من الأيام القريبة رسالة أشرح لك فيها عن رغبتي الصادقة وتشوُّقي إلى مناقشة الآراء والمسائل الأدبية والاجتماعية؛ إذ لا أحب أن أتقبَّل مسألة من المسائل أو فكرة من الأفكار إلا بعد الدرْس والتمحيص، وبعد أن أتفهَّمها وأكون على استعداد تامٍّ لإقناع من يريد المناقشة. وقد طرحت عدة مسائل وأفكار على بساط البحث ولمَّا أنتهِ منها، ومن هذه المسائل الاجتماعية أخذ المرأة حقوقها العامة والسياسية كاملةً. قد حاول الكثير من الأصدقاء أن يقنعوني بأنَّ أخذ المرأة حقوقها واجبٌ — وأنا على عكس هذا الرأي — ولكن حججهم واهية لا تستند إلى العقل، ولا على أساسٍ من المنطق.
ولمَّا كتبت لك راجيًا أن تجيبني وتسعفني برأيك بناءً على ما أعهده فيك من سعة الاطلاع في اللغة والأدب والاجتماع، كان أسفي شديدًا عندما لم أتلقَّ منك جوابًا يطفي ظمأ روحي.
أرجو أن تعطف هذه المرة وتحقق الوطر المنشود؛ لأني في أشد الحاجة إلى رأيك ومعونتك وعطفك. والسلام.
تعذرني يا أخي سامي إذا تأخر جوابي كثيرًا، قاتل الله السهو! توارت رسالتك عن وجهي بين أوراقي الكثيرة، وأمس وقعت في يدي بينا كنت أفرز أوراق هذا العام. وقبلُ وبعدُ فما أنا بالحكَم الذي يفصل في هذه القضية.
كان من النساء ملكات ونبيَّات فيما مضى، وكم من امرأة بزَّت الرجال في ميادين الأعمال! إلا أنني أخشى على مملكتها أن تخرب بعد نوالها حقوقها كاملةً غير منقوصة، ولكن خوفي يقِلُّ لأن ليس كلُّ امرأةٍ تنصرف إلى ميادين الأعمال، فشأنها في هذا شأن الرجال، فهل كل الرجال سياسيُّون؟
أما إذا كانت كل امرأة تُطلِّق البيتَ بتاتًا؛ لأنها نالت حقوقها السياسية، فلا يبعد أن تطالبنا المرأة يومًا بالحضانة؛ فيصير الذكر من الرجال كالذكر من الأسماك والضفادع الذي يحضن البيض حتى يفقس، أو على الأقل مثل ذكر النعام «الذابِّ عن فراخه ينفي عنها المدر، ويباعد عنها الحجر، ويكنها من المطر، ويحميها من الضباب، ويحرسها من الذباب.»
إن السياسة تُلهي عن كلِّ شيء حتى الأمومة. وأرى أن تظلَّ التي تتبع السياسة بلا رجل ولا أولاد؛ لئلا يحتاج البيت إلى قاضي صُلْحٍ يعقد جلساته فيه ولا يرفعها أبدًا.
لا أبحث قضية إعطائها حقوقها، فقد أخذتها اسمًا، أما فعلًا فهذا ما ستحققه الأيام.
أما أنت فلا تيأس من رحمه الله، ولا تخف من المستقبل، فالمرأة مرأة ولو ملكة.
إن الطبيعة حريصة على بقاء النوع، وسنتها لا تتغير بتغير الأنظمة الاجتماعية.