بعنا واشترى
قال المؤرِّخ: «لمَّا قصد صليبيو الحملة الثانية مدينة دمشق كان فيها فقيهان من أكبر فقهاء الشام؛ وهما: الإمام يوسف الفندلاوي المالكي، والشيخ الزاهد عبد الرحمن الحلحول، فما كادا يَعلَمان بقدوم الصليبيين في جموعهم حتى تقدَّما إلى صاحب الأمر فيها — وهو رجل من مماليك طغتكين، واسمه معين الدين أنر — فسلَّما عليه واستأذناه في الجهاد، فقال لهما: أنتما معذوران ونحن نكفيكما، وليس بكما على القتال قوة.»
فقالا له: بعنا واشترى، إشارةً إلى قوله تعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.
ثمَّ قاتلا حتَّى قُتلا في مكان واحد، فكان استشهادهما باب النصر.
ما انتهيت من قراءة هذه النادرة حتَّى رُحت أسائل نفسي: «أعندنا اليوم من يقول هذا القول في الأزم؟ أم عندنا من يريد أن يشتري دائمًا ولا يبيع أبدًا؟ أتظل قوتنا في حناجرنا كضفادع الليل؟ أم تُرانا نبيع كما باع هذان الشيخان فربحت تجارتهما؟
أجل! إنَّنا لنفعل ما فعلا لو كان في صدورنا ما كتب الله في قلوبهم من إيمان، ولكن أنَّى لنا ذلك.
الإيمان وحده يقول للجبل: انتقل فينتقل، كما قال ابن البشر، ولكن أينَّ حبة الخردل؟ هل عندنا مقدار رُبْعِها؟
إنَّ أوطان هذا الزمان أمست تُباع هي، فكيف لها أن تُشترى؟»
لست أشك في أنَّنا ضعفاء، عُزَّل، ولكنَّا متى «بعنا واشترى» تم البيع، والعقد لا يحلُّ، وإذا نقضه عدوان الغدِ أبرَمه الدهرُ العتيد.
فإلى البيع أيُّها الإخوان، بيعوا ولا تندموا، ففي كل حركة بركة.