مارون عبُّود
منذ سنوات وأنا أحمل على كتفي أثقال هذا الاسم، ومنذ سنوات وأنا ساكت.
إميل مارون عبود رسَّام له من العمر ٢٥ عامًا، درس أصول الفن في الأرجنتين مدة ثلاث سنوات، وكانت باكورة إنتاجه لوحة زيتية للرئيسة إيفا بيرون في إطار أبرز فيه بعض مناظر لبنان إلخ … إنني أهنئك بهذا الشاب، كما تعجَّبت في الوقت نفسه من عدم معرفتي له، وقلت: كيف خبَّأ عنا صاحبنا مارون هذا الولد؟ أنا أعرف أولادك الصبيان ثلاثتهم، ولا علم لي أنَّ لك ولدًا بهذا الاسم، وفي الأرجنتين؛ فهل أنت متزوِّج أكثر من مرة؟
وفي المكتوب كثير من المداعبة الخفيفة، ولكنها لا تناسب لأذكرها كلها …
أما الجواب عن السؤال الأخير الذي وجَّهه إلى صاحبي: فهو أنني تزوَّجت مرةً واحدةً غير كاملة، فلي ربع قرن وأنا مخالف المثل القائل: «أعزب دهر ولا أرمل شهر.» وإني أرجو صديقتي جريدة «الحياة» أن تُصحِّح هذا الخطأ، أو تجلو هذا الصواب، فأنا أفتخر بأن يُعزى إليَّ ولدٌ نابغةٌ في الرسم؛ لأني أحب التصوير، والشهود جدران بيتي.
هذا حساب إميل مارون عبُّود صفَّيناه الآن، كما صفَّينا منذ أسبوع واحد حساب السيد مارون نصر من كفر شيما.
أستاذي
تحيةً واحترامًا وبعدُ، فإنني أشكر القدر الذي جعلني أكتب إلى أديبٍ كبيرٍ نظيركم، أنا مارون نصر شاعر أغنية، أنظِم الشعر الغنائي للمطربين والمطربات. وقد سجَّل لي أحدهم في الإذاعة السورية أخيرًا ثلاث مقطوعات من تأليفي، كان نصيبي منها مبلغ إحدى وأربعين ليرة و٨٥ غرشًا، ولمَّا حَضَرْتُ البارحة إلى الإذاعة السورية لاستلام المبلغ قيل لي: إنهم أرسلوه إلى الإذاعة اللبنانية ضمن رسالة كُتب عليها خطأً السيد مارون عبُّود، وقد رأيت الرسالة اليوم في الإذاعة اللبنانية، فأوعزت إلى ساعي البريد أن يرسلها إليكم إلى عالية، بعد أن حصلت على عنوانكم، وسأحضر في هذين اليومين لاستلامها من حضرتكم … إلخ.
وحضر السيد مارون نصر واستلم الرسالة من سميِّه مارون «الترانزيت» …
وفي هذين اليومين حضر موزِّع البريد ومعه مكتوب مسجَّل ظنه لي، فأرشدته إلى طريق الصواب.
ومنذ سنوات، كتبت إحدى الصحف أنني كنت من المدعوين مع زوجتي إلى العشاء في القصر، فظنَّ أحدهم أنني تزوَّجت حديثًا، فكتب إليَّ يُهنِّئُني، فبعثت إليه ببطاقة كتبتُ عليها: إذا لم يكن «صحيح» ففَأْلٌ مليح.
ومرات عديدة تلقَّيت رسائل معنونة باسمي، منها ما عرفت أصحابها فبعثت بها إليهم، ومنها ما لم أهتدِ إلى أصحابها فرميتها في السَّلَّة.
والخبر الأعظم الأخير هو هذا: منذ سنتين (تقريبًا)، أُلصِق على جدران بيروت نعي مارون عبود، فقرأه الصديق الأستاذ يوسف يزبك، فأسف للخسارة الفادحة، وراح يُعزِّي كلَّ من رآه في طريقه من معارفي إلى أن التقى بعدَ قليل صديقي الشيخ فؤاد حبيش، وزفَّ إليه الخبر الأسود؛ فتعجَّب الشيخ كيف أموت ولا يعرف، أو ولا أخبره — كما عبَّر هو حين وَصَف لي كيف تلقَّى نعيي.
وفي مساء يوم دفن مارون عبود، دخل ابنُ رفيقي في الصف الدكتور يوسف سلامة على أبيه وقال له: صاحبك مارون عبود مات، فوجم الدكتور، وطلب أن يطَّلِع على الجريدة التي قرأ فيها ابنه النبأ المشئوم، ولمَّا عاينها قال له: لا يا بُنيَّ؛ هذا غيره.
ولكنَّ الرفيق الصديق جاء خصِّيصًا إلى عالية حتى رآني، فاجتمعنا بعد خمسين عامًا إلا … بفضل هذا الاسم الذي لا ينقطع عني سيل مشاكله.
وعلى أثر إذاعة نبأ موتي، كتب إليَّ أحدُهم من العراق يسأل عن صحة الخبر، فأجبته: الخبر صحيح، ولكنه سابق لأوانه! أبعدَ اللهُ تلك الساعة وأراحني من السهو.