أهل القلم والقلم المستقل
يا أعزَّ أصدقائي.
هكذا وقَّعتَ مسألتك اللطيفة التي كلَّفت نفسك عناء إرسالها إلى عين كفاع. قد تعجبت مثلك من ظهور اسمي بين أسماء إخوان القلم المستقل وأنا في عين كفاع، حتَّى ظننت أنَّني صرت قدِّيسًا من حيث لا أدري، أفعل العجائب عفوًا؛ فأكون في عين كفاع وبيروت في وقت معًا، كما ظهر القديس أنطونيوس البادواني في بادو وباريس في وقتٍ واحد.
لقد صحَّ فيَّ مع أهل القلم والقلم المستقل قول أبي تمام:
فأنا يا «أعز أصدقائي» ما أنتسب — ولا أنتسب أبدًا — إلى جمعية أدبية. قد أكون من المجنَّدين، ولكنِّي ما كنت قط من المنتسبين، ولا أكون.
سمعتك تنادي رجال القلم، فتذكَّرت رسالة عبد الحميد بن يحيي إلى الكُتَّاب، ولعلَّ تلك الرسالة قد كانت أول دعوة إلى ما نسميه اليوم «نقابة».
لم تقصر يا أخي عن عبد الحميد في تقويم الكاتب وتقديره، فعبد الحميد قال لهم في ذلك الزمان: «فموقعكم من الملوك موقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بها يبصرون، وأيديهم التي بها يبطشون.»
وأنت يا أخي استعرت كلمة الإنجيل، وما أحلاها! فقلت لهم مرة واحدة: أنتم مِلح الأرض.
كبرت كلمةً خرجت من فمك.
أجل، إنَّهم مِلح الأرض، ولكن خبزهم — ويا للأسف — بلا ملح يأكله الناس، ثمَّ ينسون مطعمه بعد القيام عن السُّفرة.
سمعتك تدعوهم إلى التضامن والاتحاد، ولكن أخلاق الأدباء — وبنفسي أبدأ — تضيق بذلك، قد عُرفوا بذلك منذ كانوا؛ ولهذا يقول لهم عبد الحميد في موضع آخر من تلك الرسالة: وتحابُّوا في صناعتكم. فلولا تباغضُهم ما أوصاهم بذلك.
ما أفلحت يا أسمر في ندوتك إلا لأنَّك وحدك، ولو كان لك فيها شريك لفسدت. لا أنسى أبدًا قول طانيوس عبدو حين فَصَمَ عُرَى شركته مع أحدهم:
وأتمنى من كل قلبي أن يقع نداؤك في آذان ليس فيها وَقْر؛ حتَّى لا يقال فينا: لقد أسمعت … فنحن معشر يصح فينا قول المتنبي مع بعض التحريف:
وقبل وبعد، فليتك تجمعهم، فلعل أحدًا يحسُّ بوجودهم، وإذا لم يتجمَّعوا فلا تيأس: إنَّ لبنان بلد النسور، والنسور لا تكون قط أسرابًا … وكما في السماء كذلك على الأرض.