إلى دولة اليافي
كثيرًا ما كان الخلفاء والولاة يقولون لمن يَفِد عليهم من رجال الفضل والتُّقى: عِظنا، فيعظهم على مقدار صفاء نفسه وضميره، وجرأته عليهم.
من عدل في سلطانه استغنى عن أعوانه، ومن أكثر التعدِّي لم يأمن أبدًا، ومن حسنت سيرته لم يَخَفْ أحدًا.
من خادع ضميره خُدع، ومن صارع الحق صُرع.
أقبح الأشياء في الدنيا سُخْفُ الولاة، وجور القضاة، وأخسر الناس من أخذ بغير حق، وأنفَق على غير مستحق، وشر الأقوال ما أوجب الملام، وشر الأفعال ما حلَّل الحرام.
اعتبر بمن مضى من قبلك، ولا تكن عبرة لمن يأتي بعدك.
من لبس ثياب الكِبر تمنَّى الناس ذلته، ومن ركب الظلم تمنَّى الناس زلته؛ فاذكر من مضى، واعتبر بمن خلا.
آفة السلاطين سوء السيرة، وآفة الوزراء خبث السريرة، وآفة الرعايا ضعف السياسة، وآفة العلم حب الرئاسة، وآفة القضاة شدَّة الطمع، وآفة الفقهاء قلة الورع، وآفة الملك اختلاف الآراء فيه.
من ضعفت آراؤه قويت أعداؤه، ومن أساء تدبيره وقلَّ مِلاكه كان في ذلك هلاكه.
علَّة المعاداة قلة المبالاة.
من استناب غير كافٍ خاطر بملكه، ومن استشار غير أمين أعانه على هلكه.
لا تأنف من الاسترشاد، ولا تستنكف من الاستعداد، ولا تستحِ من الازدياد، فإنَّك إن تسأل وتسلم خيرٌ من أن تأنف وتندم.
تاج السلطان عفافُه، وحسنه إنصافه، وسلاحه كفاته، وماله رعيته، فاستعْمِل في الضعفاء حسن الحراسة، وفي الأقوياء حكم السياسة.
إذا عقدت فاحكم، وإذا دبَّرت فأبرم.
من أسلم لغير الكُفاة أعماله؛ ضيَّع ولايته وأمواله.
أربعة أشياء لا يبقى معها مُلك: غش الوزير، وسوء التدبير، وخبث النية، وظلم الرعية، وأربعة لا تستغني عن أربعة: الرعية عن السياسة، والجيش عن القيادة، والرأي عن الاستشارة، والعزم عن الاستخارة.
وختامًا، تفضلوا سيدي بقبول تهنئتي، ولو على غير معرفةٍ عيانية، وإنِّي أتمنى لكم أن تنالوا ثقة الأمة كاملة بالعمل، كما نلتم بالقول ثقة معظم نوابها، والسلام عليكم.