ملحق ج: أين تُدَرِّس؟
لقد انتهيتُ من قراءة هذا الكتاب، مثلك تمامًا، وبدأت الأفكار تتوارَد على ذهني. كنت قد انتهيت من قراءة الكتاب في وقتٍ مُبكِّر من خريف عام ٢٠١١، ولم أكفَّ عن التفكير في أميلكار وعريفة وناري وآي وديوان وتشو تشون — وغيرها من الأسماء التي لا حصر لها والتي لم تظهَر على صفحات هذا الكتاب — والتساؤل عما آلت إليه حياتهم. هل حققت ناري حلمها بافتتاح صالون تجميل خاص بها؟ أم أنها ما زالت تكوي سراويل ليفايس التي أرتديها قبل أن تُشحن إلى الولايات المتحدة؟ لعلها انتقلت للعمل الحِرَفي، وبالحركة الرشيقة من قدمها وانزلاق يدها بسهولة، تحيك الملصق الشهير للسراويل الجينز ماركة ليفايس. أتمنى فعلًا أن تكون قد حققت حلمها، وإن لم يكن الأمر كذلك، فأتمنى أنها على الأقل تتقاضى أجرًا عادلًا، وتعمل لعدد مُنصِف من الساعات وتتمكَّن من زيارة أسرتها أكثر مما كانت تفعل عام ٢٠٠٧.
باعتباري معلمًا ومربيًا، بدأت أفكر في إمكانية تطبيق هذا الكتاب في الحياة اليومية للطلاب الجامعيِّين بالولايات المتحدة. وحسبما اقتضى القدر، أعيش في المدينة نفسها التي يعيش فيها كيلسي تيمرمان؛ أقصد مدينة مونسي، بولاية إنديانا. وقبل أن أقرأ هذا الكتاب، لم يكن لديَّ أدنى فكرة عمن يكون كيلسي، بالرغم من أنني أتخيَّل حتمًا أننا تقابلنا مرة أو مرتين في متجر البقالة دون أن نُومئ أو يبتسم أحدنا للآخر، كما هي عادة الأمريكيِّين هذه الأيام. حينئذ طرأت على بالي فكرة. لقد أخذني هذا الكتاب في جولة حول العالم وملأ رأسي بأفكار عن الجغرافيا والسياسة والثقافة والشعوب والأماكن التي تصنع ملابسي. ما الذي يُميِّز هذا الكتاب ليجعلني ليس فقط مُستهلكًا مؤثرًا أكثر، وإنما مستهلكًا أشمل على مستوى الجغرافيا والسياسة والثقافة والناس والمدينة التي أرتدي منها كل يوم؟ ربما يبدأ الأمر بإدراك «الآخر» الذي نمر بجواره كل يوم، ولعلَّ هذا الدرس العام هو إحدى الطرق لتطبيق ما قرأته وتعلمته على أرض الواقع.
الآن، تعرفت على كيلسي، ونظرًا للقرب الجغرافي فإنني أحظى بفرصة مميزة لطلب نصيحته بانتظام. وعلى الرغم من أنني المُعلِّم والمربي، بحكم دراستي، فإنني تعلمت الكثير من مغامراته. وإحدى «الاكتشافات» التي توصلت إليها من كلِّ هذا هو ما يُطلِق عليه كيلسي، سمة العالمية–المحلية، أو بعبارة أخرى، تطبيق تجربة عالمية وتنفيذ تلك الطموحات ليس فقط في سياق عالمي، بل الانتقال بها إلى سياق محلي أيضًا. وبعد قراءة هذا الكتاب، ليتني أنا وغيري من المعلمين والطلاب، لا نرتدي قطعة ملابس أخرى دون التفكير في الأنسجة العديدة التي تُشكل حياة من يَصنعون ملابسنا — فكيف يتسنى لنا الانتقال من جديد إلى مكان آخر في البلدة دون التفكير في الأطفال الذين نعلمهم والتفكير في أسرهم ودائرة الفقر المحيطة بهم؟ — والتفكير في الطريقة التي يُمكننا بها تغيير مجتمعاتنا المحلية ومجتمعاتنا العالمية من خلال التعليم والوقت والقيم والفضائل والاهتمام الحقيقي.
الانخراط في الخدمة المجتمعية: «هي أيُّ محاولة لدمج المجتمع في الحرم الجامعي ودمج الحرم الجامعي في المجتمع، على نحو متبادَل، ويكون ذلك عادة بهدف التعامل مع مشكلة اجتماعية ما. وتشتمل أشكال الانخراط في الخدمة المجتمعية: تعلُّم الخدمة الاجتماعية، وخدمة المجتمع في إطار المناهج التعليمية، والعمل التطوعي، وبعض دورات التدريب التخصُّصية والتجارب الميدانية. ومجموع هذه الأنشطة يقود إلى توفير حرمٍ جامعيٍّ مُنخرِط مع المجتمع انخراطًا كاملًا.»
تعلُّم الخدمة المجتمعية: «هي تجربة تعليمية محسوبة بالدرجات يشارك من خلالها الطلاب في نشاط خدمي مُنظَّم يُلبي احتياجات المجتمع المحددة ويتأملون النشاط الخدمي بطريقة تُمكنهم من اكتساب فهمٍ عميق لمحتوى المقرر، وتقديرٍ أشمل للتخصص الدراسي، وشعور مُعزَّز بالمسئولية المجتمعية.»
لكي تؤسس حرمًا جامعيًّا يهتم بالانخراط في الخدمة المجتمعية ويرغب في إعداد مواطنين مستقبليِّين يُفكرون بعمقٍ فيما يقرءون وفي تصرُّفاتهم في السياق العالمي والمحلي، فعادةً ما تكون الخطوة الأولى هي بدء دورات تعلم الخدمة المجتمعية. وكلمة تعلم أُضيفت إلى كلمتَي الخدمة المجتمعية عن قصد لأنهما لا تَنفصلان وإنما تقترن دومًا كلٌّ منهما بالأخرى لكي يُصبح تعلم الخدمة المجتمعية في أفضل أحواله وحتى يتحقَّق التغيير المنشود.
اسمحوا لي أن أضرب لكم بضعة أمثلة على ما قد يبدو عليه هذا الأمر:
(١) التخصص: تصميم الأزياء والترويج: المستوى الثاني فما فوق
المحتوى داخل قاعة الدرس يُركز على تاريخ الصناعة وفهم المنسوجات وتطوير نماذج العمل، ولكن ما قدر المحتوى الذي يُركِّز على فهم الناس وطبيعة حياة مَن يصنعون ملابسنا؟ ما التأثير الذي قد ينجم عن تصميم الأزياء مستقبلًا والمصنِّعين المستقبليِّين على الاقتصاد العالمي وحياة الناس إذا ما تفهموا هذه التعقيدات من البداية؟ كيف يُمكن للمرء أن يصنع ويبيع منتجات مستدامة لا تضر بالبيئة ومناسبة للناس؟ لعل التعلم يبدأ من نطاق تخصُّصك أو اهتمامك. فربما تشجع الطلاب مثلًا على قراءة هذا الكتاب وقضاء وقتٍ لدى مؤسسة مجتمعية محلية تركز على الفقر أثناء التعرف على قصص من تُقدِّم لهم الخدمات. وربما يتعاون الطلاب مع المؤسسة لتنظيم عرض أزياء لتعليم المشاركين والجمهور كيفية اختيار الملبَس كعامل لتحقيق النجاح خلال التسوق في متاجر السِّلَع المستعمَلة. وفي قاعة الدرس، ما أوجه الربط بين القصص المحلية والقصص التي تدور داخل المصانع؟ وكيف يُؤثر كلا النوعين من القصص على طريقة التصميم أو البيع أو كليهما؟ كيف سيكون مستقبل تصميم الأزياء والترويج إذا تعرفنا على المُصنِّع والمُستهلِك؟
(٢) التخصص: علم الاجتماع: المستوى الأول فما فوق
يُشجِّع المحتوى داخل قاعة الدرس الطلاب على التفكير في الذات والمجتمع والعرق والنوع الاجتماعي والطبقة. هل توجد طريقة أفضل لتعلم هذا أكثر من إشراكهم في مجتمعاتهم المحلية أثناء التفكير في السياق العالمي لما يتعلمونه داخل قاعة الدرس وخارجها؟ أثناء قراءة الطلاب لهذا الكتاب، يمكنهم التطوع بوقتهم في مأوًى للمُشرَّدين أو تقديم خدماتهم في مأوًى للسيدات اللاتي يتعرَّضن للعنف من أجل الاستكشاف، من خلال التجربة المباشرة، للطبيعة المعقَّدة للحياة أثناء كسر القوالب النمطية الخاصة بالطبقة الاجتماعية والنوع الاجتماعي. وأثناء المحاضرة يُمكن للطلاب التفكير مليًّا وربط محتوى المقرَّر مع ما تعلموه من قراءة هذا الكتاب، وما عايَشوه في تجربتهم في الموقع المجتمعي الذي زاروه، ومقارنة حياة مَن جاء ذكرهم في الكتاب مع حياة من يعيشون في مجتمعهم المحلي. إلى أي مدًى تختلف حياتهم؟ وإلى أي مدًى تتشابه؟ وباعتبارك عالم اجتماع، كيف سيُعمِّق هذا من فهمك للذات والمجتمع والنوع الاجتماعي والطبقة الاجتماعية؟
(٣) التخصص: إدارة الأعمال/الاقتصاد: المستوى الثالث فما فوق
طلاب إدارة الأعمال/الاقتصاد هم قادتنا المستقبليُّون. فإذا أشركنا هؤلاء الطلاب في تعلُّم الخدمة المجتمعية، فإننا نُعد قادة مستقبليِّين يهتمون أيضًا بالشأن الاجتماعي. وخلال استعداد الطلاب للتجارب الميدانية، بإمكانهم قراءة هذا الكتاب أثناء تطبيق مهاراتهم على أرض الواقع مع مؤسسة مجتمعية محلية. وبإمكانهم التعاون مع مواقع المركز المجتمعي المحلي خلال الفصل الدراسي؛ وذلك من أجل تدريس الثقافة والتاريخ والاقتصاد الخاص بعالمنا — المتجه نحو العولمة — للمُراهقين المحليِّين، ولا سيما الأماكن التي تُجري فيها الولايات المتحدة معظم صفقاتها التجارية. وفي قاعات الدرس الخاصة بالتعليم العالي، يَنبغي أن يُعزِّز الربطُ بين محتوى المادة ومحتوى هذا الكتاب، المرتبط بتجارب تعلم الخدمة المجتمعية، الإجراءاتِ التي يتخذها قادة إدارة الأعمال المستقبليون في ظل اقتصادٍ عالمي.
هذه الأمثلة موجزة وبالتالي قد تستغرق قدرًا أكبر من التفكير بخصوص الأشخاص المعنيين وقدر التعلم المتضمَّن، ولكن ينبغي أن تعطيك الأمثلة فكرة عن الكيفية التي يُمكنك بها أن تُحوَّل قاعة الدرس إلى قاعة من شأنها أن تساعد الطلاب في فهم محتوى المُقرَّر والعالم المتجه نحو العولمة الذي نعيش فيه. وأهم معلومة يُمكنني أن أختتم بها بخصوص تعلم الخدمة المجتمعية هو أنه أشبه بطريقٍ ذي اتجاهين؛ فلا يمكنك أن تُطوِّر مشروعًا أو برنامجًا ثم تتعامل مع مؤسسة مجتمعية. بدلًا من ذلك، يجب أن تتعامل مع المؤسسة المجتمعية وبحوزتك أفكار محددة وأن تشجعهم — باعتبارك معلمًا مشاركًا — على التوسع في تطبيق هذه الأفكار وإتمام المشروع. فأنت تعرف المحتوى وهم يَعرفون التعقيدات الواقعية للمجتمع المحلي.
سل نفسك هذا السؤال: أين تُصنع ملابسي؟ باعتباري مستهلكًا في نطاقٍ أوسع على مستوى الجغرافيا والسياسة والثقافة والشعب والمدينة التي «أرتدي» منها ملابسي كل يوم.
مصادر الملحق ج
-
Bringle, R. G., and J. A. Hatcher. 1996. “Implementing Service-Learning in Higher Education.” Journal of Higher Education 67: 221–239.
-
Jamison, J., and J. McCracken. 2007. “Enhancing Student Learning and Retention through Service-Learning.” Funded grant No. 2007 0320-000 from the Lilly Endowment Inc., 2007–2010.
-
Jamison, J., D. Nickolson, and J. Bryant. 2011. “Setting Sail into Service-Learning and Navigating the Workbook.” In Charting the Course for Service-Learning: From Curriculum Considerations to Advocacy—A Faculty Development Workbook, ed. M. Eisenhauer, N. Marthakis, J. Jamison, and M. Mattson, 1–4. Indianapolis, IN: Indiana Campus Compact.