تحديث النسخة المنقحة
قالت لي آي عام ٢٠٠٧: «إذا دفعوا ٤٥ دولارًا مقابل سروال جينز، فهذا سيُساعدنا. وإذا توقَّف الناس عن الشراء، لن يُسعدني ذلك لأنني لن أجد عملًا.»
من الواضح أن آي كانت محقة.
فنحن — المُستهلِكين الأمريكيين العظماء — توقفنا عن شراء الكثير من المنتجات، بما فيها الجينز، لدرجة أن التأثير كان محسوسًا حول العالم.
عندما كانت الأمور على ما يرام — خلال الوقت الذي كنا نشتري فيه الكثير من الملابس وتحديدًا في العام ٢٠٠٧ — كان الناتج المحلي لكمبوديا ينمو بنسبة تفوق ١٠ بالمائة وخرجت نسبة ١ بالمائة من الكمبوديِّين من دائرة الفقر كل عام. ولكن كل هذا توقَّف فجأة عندما حدثت الأزمة المالية العالمية. ووفقًا للتقرير النهائي لاستطلاع الرأي الذي أجرَتْه لجنة بتكليف من منظمة العمل الدولية، بعنوان: «فهم أثر الأزمة الاقتصادية العالمية على قطاع الملابس في كمبوديا»، أغلق ٧٠ بالمائة من المصانع أبوابها وسُرِّح ٧٠ ألف عامل بحلول ديسمبر ٢٠٠٩.
حاولت متابعة أحوال ناري وآي عن كثب من خلال أحد المُترجمين الذين تعاملت معهم، ولكن أرقام هواتفهما توقَّفت عن العمل بعد مرور بضعة أشهر على زيارتي. قال لي مترجمي إنني لا ينبغي أن أقلق؛ فالناس يُغيرون أرقام هواتفهم باستمرار. لم يكن بمقدوري تخمين ما قد حلَّ بحياتهما إلا من خلال متابعة أخبار كمبوديا وعمال الملابس. ولم تكن أخبارًا جيدة.
قال دوجلاس برودريك، مُنسِّق الأمم المتحدة المُقيم في كمبوديا، في تصريح صحفي من مكتبه: «الأزمة الاقتصادية العالمية لها وجه إنساني؛ ففي كمبوديا ليست لقمة عيش الناس وحدها هي المهددة، وإنما حياة الناس أيضًا.»
تُظهر المؤشرات الأولية أن الكثير من العاطلين عن العمل عادوا إلى قراهم؛ حيث فرص كسب العيش، وهي في الأساس من خلال الزراعة، لا تَتجاوز حد الكفاف وهي فُرَص محدودة للغاية. ومن أجل البقاء قد يجد المزيد والمزيد من السيدات والأطفال الكمبوديين أنفسَهم داخل إطار الاقتصاد غير الرسمي راضين بأجور أقل وظروف أفقر ومَخاطر أكبر للاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر.
قرأتُ ذلك وفكرت في حلم ناري أن تكون خبيرة تجميل. تمنَّيت أن تكون قد انتهت من تدريبها وأن تكون الآن منشغلة بتزيين وتجعيد شعر السيدات في قريتها وتقليم أظافرهن. وإن لم يكن الأمر كذلك، فأتمنى أنها لا تزال تَحتفظ بوظيفتها في مصنع سراويل الجينز الأزرق. أتمنى أن تكون قد وجدت شيئًا آخر لتفعله بدلًا من الاضطرار إلى العمل كعاهرة. ولكن الحقيقة هي أن فتيات كثيرات لا حصر لهنَّ مثل ناري وآي اللتين تعولان أسرتَين مكوَّنتَين من ستة أو سبعة أفراد في قريتَيهما بأجرَيهما من العمل في تصنيع الملابس؛ قد اتجهن إلى البغاء. فقْد وظيفتك هو عذر جيد لتبرير عدم إرسال الأموال إلى أسرتك، ولكن لن تَدفع لك الأعذار ثمن علاج جدتك أو ثمن مصاريف مدرسة أخيك أو ثمن الطعام.
ونظرًا لعجزي عن السفر إلى كمبوديا بنفسي وقطع الرحلة من مدينة بنوم بنه إلى قريتَيهما، حيث لا تزال أسرتاهما تعيشان على الأرجح، لم أكن متيقنًا مما ينبغي عليَّ فعله. تواصلت مع صديق بجامعة كمبوديا أوصلَني بطالبة، تُدعى سيما، كانت على استعداد للقيام بالرحلة بدلًا مني.
ومما أسعدني أنها وجدتهما!
•••
تركَت ناري العمل بالمصنع في عام ٢٠٠٩، قبل أن يُغلَق بخمسة أشهر. أصابها العمل بالدوار.
الإغماءات الجماعية ليسَت نادرة وسط عمال الملابس في مصانع الملابس بكمبوديا؛ ففي عام ٢٠١١، ذكرت التقارير أن ١٥٠٠ عامل فقدوا وعيهم أثناء العمل: «… كشفت التحقيقات أن الكثير من أسباب حالات الإغماء، تتراوَح بين سوء التهوية والكيماويات السامة وبين «الأمراض النفسية الجماعية وأسلوب الحياة غير الصحية».» وفقًا لصحيفة بنوم بنه بوست. «ورغم ذلك، أشار قادة النقابات العمالية إلى الأجور المتدنية وساعات العمل الإضافية على نحو مُبالَغ فيه، مُفسِّرين أن العمال، وهم بالأساس شابات من القرى، يَعولون أسرًا كاملة اعتمادًا على الأجر الأساسي …» في الواقع، التقليل من نفقات مأكلك معناه أن تُرسل المزيد من المال إلى الأسرة، ولقمة الطعام التي لا تأكلها هي لقمة طعام لأسرتك.
عادت ناري إلى العيش مع والدَيها وبدأت العمل نحو تحقيق حلمها لامتلاك مشروع خاصٍّ بها كخبيرة تجميل؛ ففي عام ٢٠١٠ افتتحت متجرَها ولكنه لم يكن مربحًا ولذا اضْطُرت إلى إغلاقه.
ثم تزوَّجت من أحد مُعلِّمي المرحلة الابتدائية وكانت تقضي يومها في العناية بابنها الصغير ذي التسعة أشهر وبيع الحلوى والشامبو والكعك من كشك صغير أمام منزلهم. وداخل الكشك وُضع كرسي حلاق مُحاط بالمرايا.
إنها لا تَتخلى عن حلمها؛ هي لا تزال راغبة في أن تصير خبيرة تجميل شهيرة.
•••
أبلغتْني سيما قائلة: «كانت آي ودودة للغاية بوجهها البسام في كل مرة تحدَّثتُ فيها معها. جلسنا في الغرفة وسعدنا بالثرثرة.»
سافرت سيما إلى قرية آي. لقد جاءت آي ورحلت. عندما أُغلق مصنع سراويل الجينز الأزرق، حصلت آي على وظيفة في مصنَع آخر لتعمل كمُفتِّشة. فرَضت عليها وظيفتها الجديدة أن تقف طوال اليوم، مما تسبَّب في شعور بآلام بساقيها. كانت في السابعة والعشرين من عمرها، أكبر بعامٍ من السن الأساسي لعُمال الملابس، وقررت أن تعود إلى قريتها لتُساعد في أعمال الزراعة.
وفي نهاية عام ٢٠١٠، سمعتْ عن فرصة عمل في فندق لاكي ستار. سعر المبيت في الغرفة ليلة واحدة هو ١٥ دولارًا كما أن الغرفة مزوَّدة بتليفزيونات ذات شاشات مسطحة وخاصية الاتصال اللاسلكي بشبكة الإنترنت مجانًا. تُنظِّف آي الغرف وتنام فيما وصفته سيما ﺑ «مكان عشوائي». إنها تعمل ثماني ساعات في اليوم طوال أيام الأسبوع. ويُقيم الفندق حفلات زفاف في المساء، تعمل آي فيها وتحصل على أجر نظير العمل لساعات إضافية. تتقاضى آي ٧٠ دولارًا في الشهر، أي بزيادة مقدارها ٢٠ دولارًا عما كانت تَكسبه كعاملة ملابس في عام ٢٠٠٧، ولكن بزيادة بضعة دولارات عما يكسبه العامل العادي في عام ٢٠١٢. وعادةً ما تُعاني آي من الأمراض ولا يُمكنها تحمُّل تكاليف الرعاية الطبية.
قالت آي لسيما: «أظنُّ أن هذا يَكفي مقارنة بعملي في المصنع.»
كتبت سيما في تقريرها: «في النهاية، كانت مُندهشة للغاية من التواصُل مع السيد كيلسي. كادت لا تصدق بأنه لا يَزال يَذكرها.»