دماء زائفة وعرق ودموع
«بنَكهة الكرز أو نكهة الفانيليا أو من السكر خالية، كوكاكولا قاتلة!» «بنَكهة الكرز أو نكهة الفانيليا أو من السكر خالية، كوكاكولا قاتلة!»
تصنَّعتُ المشاركة في الهتاف، ولكنني وجدت الأمر مضحكًا. فضلًا عن ذلك، فإن كوكاكولا هي مشروبي الغازي المفضل.
حضرتُ أول مؤتمر لحركة «مجتمعات دولية خالية من المصانع المستغلة» في مدينة منيابولس، بولاية مينيسوتا، مع عدد كبير من الشباب الغاضب الذين أدانوا شركة كوكاكولا بمقتل قادة النقابات العمالية في كولومبيا. ووفقًا لما قاله أحد المتحدثين: «إذا كانت الشركة كبيرة بالقدر الكافي الذي يجعل اسمها يَنتشر بيننا، فهي على الأرجح تُمارس انتهاكات ضد حقوق الإنسان.»
لم يكن المؤتمر من نوعية المناسبات التي قد تدخلها وأنت تَمضغ شطيرة هامبورجر كبيرة من ماكدونالدز، وتُمسك بكيس بلاستيك مطبوع عليه اسم وول مارت. انصبَّ أغلب تركيز المؤتمر، الذي استمر على مدار عطلة نهاية الأسبوع، على جرائم صناعة الملابس. ولم تسلم مؤسسة كبرى من تشويه سمعتها.
وفي منتصف جلسةٍ عُقدت بهايتي عن تعرُّض العمالة للإساءات، انفجر المشاركون في نوبة من التصفيق الحاد، وبالتدريج زادت حدة التصفيق أكثر وارتفع صوته، وصرخت مُواطنة من هايتي قائلة: «نحن بحاجة إلى شبكة تربط العُمال من جميع أنحاء العالم بعضهم ببعض!»
لم يدوِّن المشاركون في جلسات ورش العمل أيَّ ملاحظات، ولكنهم دوَّنوا بيانات رسمية في دفاتر جلدية أنيقة ذات شرائط أو أقفال لإحكام غلقها. وكانت أغلبية الحضور من الشباب الواعد الجيد التنظيم الذين كرسوا حياتهم لتغيير وجه العالم من حولهم، إلا أنه حضر أيضًا أشخاص من ذوي الشعر الأخضر وتسريحات الموهوك الذين امتلأت أجسادهم بالأقراط الكثيرة. وظهر أحدهم وهو يرتدي تي-شيرتًا ملطَّخًا بالدماء.
سألته: «ما الذي يلطخ قميصك؟»
رد قائلًا: «دماء مزيَّفة. لقد عدت توًّا من مظاهرة صامتة يُحاكي فيها المتظاهرون الموتى.»
قلت له: «وماذا تعني هذه المظاهرة؟»
أجاب قائلًا: «إنها مظاهرة تُلطِّخ فيها نفسك بالدماء المزيَّفة وتستلقي على الأرض مُتظاهرًا بالموت.»
قلت له: «أليس الجو شديد البرودة؟» بالنسبة إليَّ، لم يكن شهر أبريل في مدينة مينيسوتا وقتًا مناسبًا لتلطيخ نفسك بالدماء والاستلقاء على الأرض.
وجاء ردُّه: «الأمر ليس سيئًا للغاية. كان معنا شواهد قبور تصدُّ عنَّا الرياح.»
لم أتساءل حتى عما كانوا يتظاهرون ضده.
من السهل تجاهُل الرسالة الخاصة بالحركة المناهضة للمصانع المُستغِلة باعتبارها حركة مقاومة للأعراف الاجتماعية المألوفة، وعلى أيِّ حال فإنهم على الأرجح يَستنكرون الشاحنة التي أسوقها والملابس التي أرتديها والطعام الذي أتناوله. علاوةً على ذلك، لست مهتمًّا بالتصفيق والهتاف على الملأ؛ يبدو الأمر غريبًا بعض الشيء. ولكن خلال العقد الماضي، صارت هذه المجموعة بمنزلة الضمير الحي للمُستهلِك. ومع توافُر موارد مالية محدودة وكثير من الشغف، طاردَت هذه المجموعة الشركات من مختلف أنحاء العالم وكشفت النقاب عن ظروف العمل البغيضة. لولاهم ما كنت لأعرف شيئًا أبدًا عن حقوق العمال في الدول النامية أثناء دراستي مادة مقدمة إلى علم الاجتماع، وما كنتُ لأهتمَّ بالمكان الذي تُصنع فيه قمصاني أو الأشخاص القائمين على تصنيعها.
وبصرف النظر عن المظاهرات الصامتة المحاكية للموتى التي نُظمت في شهر أبريل في ولاية مينيسوتا، فإن الاستراتيجيات الخاصة بالحركة المناهضة للمصانع المستغلة منطقية جدًّا على ما يبدو. أولًا: استهدفت هذه الحركة الشركات الكبرى مثل نايكي وجاب، وهو ما زاد من وعي الجمهور. والآن تُركِّز هذه الحركة على المجالس المحلية والمدارس الحكومية والولايات من خلال الادِّعاء بأن أموال دافعي الضرائب تُنفَق على شراء زي رسمي يُصنع تحت ظروف غير مقبولة. والسوق التي تُمثِّل محور اهتمامهم كبيرة — تساوي مليارات الدولارات — وعلى عكس سوق البيع بالتجزئة، التي يُصوِّت فيها المستهلكون بمحافظ جيبهم، يمتلك المواطنون أصواتًا حقيقيةً. فإذا اشتكى مجموعة من المصوتين من أن العمَّال المكسيكيِّين — الذين يعانون من سوء المعاملة — يصنعون زيك الرسمي، فإنك ستُضطر للاستجابة لشكواهم وإلا فستخاطر بعدم إعادة انتخابك ثانيةً.
عند هذه المرحلة، تبنَّت ٩ ولايات و٤٠ مدينة و١٥ مقاطعة و١١٨ مدرسة حكومية سياسات الشراء الخاصة بالحركة المناهضة للمصانع المستغلة، وأكثر من ١٨٠ كلية وجامعة تبنت قواعد مشابهة أيضًا. قد لا يهتمُّ الطلاب بحجم الفوضى التي يُخلِّفونها وراءهم للحارس في أروقة السكن الجامعي، ولكنهم يهتمون بالمكان والظروف التي صُنع في ظلِّها الزي الرسمي الذي يرتديه الحارس. ولدافعي الضرائب ومصروفات الدراسة المعنيِّين صوت مسموع أيضًا.
منذ أن غادرتُ هندوراس، ووجه أميلكار يُطاردني في كل مرة أرتدي تي-شيرتًا. لقد صرت مهووسًا بملصقات الملابس. فإذا كانت قطعة الملابس مصنوعة في مكان لا أعرفه، أُخرج أطلس الخرائط وأبحث عنه. أدرك أن كلَّ ملصق لا بد من أن وراءه قصة؛ قصة وجوه وأماكن وأيادٍ وأسر وصراعات وأحلام. أردت أن أتعرف على المزيد من العُمال على شاكلة أميلكار من مختلف أنحاء العالم، ولهذا السبب حضرت هذا المؤتمر.
أغلب الحضور لم يَلتقوا قطُّ بالعمال الذين كرَّسوا من أجلهم الكثير من الدماء الزائفة والعرق والدموع. بالتأكيد، كانوا مُتلهِّفين لأن يطرحوا عليَّ أسئلة حين أخبرتهم بزيارتي إلى أحد المصانع بهندوراس.
والمشكلة أنني ليس لدي أيُّ إجابات؛ حيث باءت رحلتي إلى هندوراس بالفشل.
ترك المؤتمر لديَّ المزيد من الأسئلة التي أدركت أنني لن أحصل على إجابة لها ما لم أبحث عنها بنفسي.
لو أنني عرفتُ ما عرفه هؤلاء الناس، هل كنت سأغضب مثلهم؟ هل «يريد» العمال في هندوراس أو هاييتي أن يشارك طالب فلسفة يبلغ من العمر عشرين عامًا يعيش بولاية مينيسوتا في مظاهرة صامتة باسمهم؟ لعلهم سعداء بحصولهم على وظيفة — على الرغم من أنها وظيفة ذات أجر متدنٍّ للغاية وفقًا للمعايير الأمريكية — لأنها تَكفيهم وتكفي أسرهم للعيش على حد الكفاف.
أضفى المؤتمر ومشاركتي به طابعًا جديدًا وملحًّا على رحلتي الاستقصائية. فلديَّ أسئلة يجب الإجابة عنها قبل أن أرضى بحياة أمريكية خالصة. وبينما كانت آني تُخطِّط لزفافنا وتُرتِّب الانتقال إلى المنزل الذي اشتريناه في مدينة مونسي بولاية إنديانا حزمتُ أنا حقائبي. وبينما كانت آني تبدأ رحلة البحث عن فستان الزفاف المثالي، انطلقتُ أنا للبحث عن صنَّاع ملابسي الداخلية.