تمايُز الخلايا والخلايا الجذعية
تُعرف عملية نمو الأنواع العديدة المختلفة من الخلايا، مثل العضلات والدم والجلد، باسم التمايز الخلوي، وهي عملية تبدأ في الجنين النامي وتستمر بعد الولادة وطوال مرحلة البلوغ. تَنتُج خواص الخلايا المتخصصة، مثل الأعصاب أو العضلات أو الجلد، من نمط معين من النشاط الجيني يحدد نوع البروتينات التي تُخلَّق. يوجد أكثر من ٢٠٠ نوع من الخلايا المتخصصة والمعروفة جيدًا في الثدييات. ويبقى السؤال المحوري في عملية التمايز هو: كيف تتطور هذه الأنماط المخصوصة للنشاط الجيني؟ يخضع التعبير الجيني لمجموعة معقدة من الضوابط التي تشمل أفعال عوامل النسخ، والتعديلات الكيميائية للدنا، وتلعب الإشارات الخارجية دورًا أساسيًّا في التمايز بأن تشغِّل مسارات الإشارات بين الخلوية التي تؤثر على التعبير الجيني.
في البداية تكون الخلايا الجنينية متشابهة، ولكنها سرعان ما تصبح مختلفة وتكتسب هويَّات متمايزة ووظائف متخصصة. الخلايا الجنينية المبكرة المقدَّر لها أن تصبح أنواعًا مختلفة من الخلايا، تختلف فقط بعضها عن بعض أساسًا في نمط النشاط الجيني لديها؛ ومن ثَمَّ في البروتينات الموجودة. يحدث التمايز على مر أجيال متعاقبة من الخلايا، وتكتسب الخلايا بالتدريج مميزات جديدة بينما تصبح مصائرها المحتملة أكثر حصرًا. الطلائع المبكرة لخلايا الغضروف والعضلات لا توجد اختلافات بنيوية واضحة فيما بينها؛ ولذلك يشبه بعضها بعضًا ومن الممكن وصفها بأنها غير متمايزة، إلا أنها سوف تتمايز إلى غضاريف وعضلات على التوالي، عند استزراعها تحت ظروف مناسبة. وبالمثل، في مرحلة مبكرة من تمايُز طلائع خلايا الدم البيضاء، تكون غير مميزة بنيويًّا عن خلايا الدم الحمراء، ولكن تختلف عنها في البروتينات التي تعبر عنها.
من المعروف أن تمايز الخلايا تتحكم فيه مجموعة واسعة من الإشارات الخارجية، لكن من المهم تذكُّر أنه في حين أن هذه الإشارات الخارجية كثيرًا ما يشار إليها بأنها «إرشادية»، فإنها في الواقع «انتقائية»؛ بمعنى أن عدد الاختيارات النمائية المتاحة لخليةٍ ما في أي وقت معين يكون محدودًا. وتتحدد هذه الاختيارات بالحالة الداخلية للخلية، التي تعكس تاريخها النمائي. لا تستطيع الإشارات الخارجية، على سبيل المثال، تحويل خلية أدمة باطنة إلى خلية عصبية أو عضلية. تكون معظمُ الجزيئات التي تعمل كإشاراتٍ نمائيةٍ مهمةٍ بين الخلايا أثناء النمو بروتينيةً أو ببتيديةً، ويكون تأثيرها عادة هو الحثَّ على التغيير في التعبير الجيني. ترتبط هذه البروتينات والببتيدات بمستقبلات في الغشاء الخلوي، ويتم نقل الإشارة إلى نواة الخلية بواسطة مسارات إشارات بينَ خلوية؛ أي نقل الإشارة بالوساطة. يمكن استخدام نفس الإشارة الخارجية مرات ومرات مع وجود تأثيرات مختلفة؛ لأن التواريخ التي مرت بها الخلايا سابقًا مختلفة.
تنطوي الخلايا الجذعية على بعض الخصائص المميزة المتعلقة بالتمايز؛ فمن الممكن أن تنقسم خلية جذعية واحدة لتُنتج خليتين وليدتين، تبقى إحداهما خلية جذعية بينما تُنتج الأخرى نسلًا من خلايا متمايزة. يَحدث هذا في جلدنا وأمعائنا باستمرار وأيضًا عند إنتاج خلايا الدم، كما يَحدث هذا أيضًا في الجنين. أحد الأسس التي بُني عليها هذا السلوك هو وجود اختلاف جذري بين الخليتين المتولدتين؛ لأن الانقسام الخلوي في الخلايا الجذعية غير متناظر؛ مما يَنتج عنه حصول الخليتين الجديدتين على مكونات بروتينية مختلفة. السبب المحتمل الآخر هو أن الإشارات الخارجية تجعل الخليتين الوليدتين مختلفتين: خلية وليدة تبقى في محراب خلوي جذعي وتستمر في تجديد نفسها بسبب إشارات واردة من الخلايا المجاورة، بينما الأخرى ينتهي بها المطاف خارج المحراب وتقوم بالتمايز. الخلايا الجذعية الجنينية الموجودة في الكتلة الخلوية الباطنية لجنين الثدييات المبكر، عند تكوُّن الخط البدائي، يمكنها أن تتمايز إلى أنواع كثيرة من الخلايا عند استزراعها، ولها استخدامات محتملة في الطب التجديدي. وكما سنناقش لاحقًا، أصبح من الممكن الآن تحويل خلايا الجسم البالغ إلى خلايا جذعية؛ الأمر الذي توجد له تطبيقات هامة في الطب التجديدي.
تكوُّن الدم مثال تطبيقي لتمايز الخلايا تمت دراسته بعناية على وجه الخصوص. تَكُون الخلايا الجذعية المسئولة عن تكوُّن الدم متعددةَ القدرات؛ إذ يمكنها أن تُنتج أنواعًا متعددة من الخلايا. يمكن الاستدلال على وجود خلايا جذعية متعددة القدرات لتكوُّن الدم من خلال قدرة الخلايا في نخاع العظام على إعادة بناء النظام الدموي والمناعي عند زرعها في أفراد دُمِّر نخاع العظم لديهم، وهذه الخاصية تم استغلالها علاجيًّا في استخدام زرع نخاع العظام لعلاج أمراض الدم وجهاز المناعة. يحتوي نخاع العظام على خلايا جذعية متعددة القدرات، وهي التي تُخصَّص بشكل لا رجعة فيه لإحدى السلالات المؤدية إلى مختلف أنواع خلايا الدم. تَحدث كل هذه الأنشطة في البيئة المصغَّرة لنخاع العظام ويتم تنظيمها بواسطة إشارات خارجية. عملية تكوُّن الدم هي بالفعل نظام نمائي كامل مُصغَّر، تُنتِج فيه خليةٌ جذعيةٌ منفردةٌ متعددةُ القدراتِ العديدَ من خلايا الدم المختلفة. هناك إحلال مستمر لخلايا الدم؛ ومن ثمَّ يكون حتميًّا استمرارُ عملية تكوُّن الدم طوال العمر. أحد المقاييس التي توضح مدى تعقيد عملية تكوُّن الدم، أن الخلايا المشاركة وُجد أنها تعبر عمَّا لا يقل عن ٢٠٠ عامل نسخ، وعدد مماثل من البروتينات المرتبطة بالأغشية، وحوالي ١٥٠ جزيء إشارة.
السمة الرئيسية لتمايز خلايا الدم الحمراء هي تكوُّن كميات كبيرة من البروتين الحامل للأكسجين؛ الهيموجلوبين؛ الأمر الذي يتطلب التنظيم المنسق لمجموعتين مختلفتين من جينات الجلوبين بواسطة عوامل النسخ. يُنتَج كل الهيموجلوبين الموجود في خلية الدم الحمراء المتمايزة بالكامل قبل إتمام التمايز النهائي — في الثدييات — عندما تطرد النواة من الخلية. يُصنَع الهيموجلوبين في الفقاريات من سلاسل الجلوبين؛ سلسلتين متماثلتين من النوع ألفا وسلسلتين متماثلتين من النوع بيتا. في الثدييات، يتم التعبير عن أعضاء مختلفِين من كل عائلة في المراحل المختلفة من النمو كي يتم إنتاج هيموجلوبين متمايز أثناء حياة الجنين البدائي والجنين والبالغ. وهذا أحد جوانب تكيف الثدييات للمتطلبات المختلفة لنقل الأكسجين في المراحل المختلفة من الحياة؛ فعلى سبيل المثال، هيموجلوبين جنين الإنسان لديه ميل أكبر للارتباط بالأكسجين من هيموجلوبين البالغين؛ وهو لذلك قادر على نقل الأكسجين بكفاءة للجنين. هذا التعبير المنظِّم للهيموجلوبين يعتمد على منطقة تقع على مسافة بعيدة من الجين الذي يلتفُّ بطريقةٍ تمكِّن البروتينات المرتبطة به من الاتصال والتفاعل مع البروتينات التي تعزز جين الهيموجلوبين. تسبب الطفرات في جينات الجلوبين ظهور العديد من أمراض الدم الوراثية الشائعة نسبيًّا. أحد هذه الأمراض — فقر الدم المِنْجلي — تسببه طفرة نقطية (تغير نيوكليوتيد واحد في الجين). في الأفراد الذين لديهم نسختان من هذه الطفرة، تتجمع جزيئات الهيموجلوبين غير الطبيعي في صورة ألياف؛ مما يضطر الخلايا إلى اتخاذ شكل المِنجل المميِّز للمرض. لا تستطيع خلايا الدم هذه أن تمرَّ خلال الأوعية الدموية الدقيقة بسهولة وتميل إلى إحداث انسدادٍ بها؛ مما يسبب العديد من أعراض المرض. كما أن لدى هذه الخلايا مدى حياة أقصر كثيرًا من خلايا الدم العادية. تُحدِث هذه التأثيرات معًا فقرَ الدم؛ يعني نقصًا في خلايا الدم الحمراء العاملة. فقر الدم المِنْجَلي هو أحد الأمراض الوراثية القليلة التي تم فيها فهم الصلة بين الطفرة وآثارها النمائية اللاحقة على الصحة فهمًا تامًّا. الأشخاص الذين لديهم نسخة واحدة فقط طافرة يكونون أكثر مقاومة للملاريا.
أنواع الخلايا الأخرى التي تنشأ عن خلايا الدم الجذعية تلك تشمل البلاعم، وهي خلايا تقوم بتنظيف البقايا حول الخلايا، وبخاصة تلك التي ماتت، وخلايا الدم البيضاء الليمفاوية التابعة لجهاز المناعة، وهي التي تُنتج الأجسام المضادة.
يمكن دراسة تمايز العضلات الهيكلية للفقاريات في المزارع الخلوية، وهذا التمايز يوفر نظامًا نموذجيًّا قيِّمًا. تنشأ خلايا العضلات الهيكلية من منطقة من مناطق الجُسيدات. يمكن عزل الخلايا المكونة للعضلات من جُسيدات فرخ أو فأر لعمل مزارع خلوية تقوم فيها الخلايا بالتكاثر حتى يتم إزالة عوامل النمو ويبدأ التمايز وتكوين الخلايا العضلية. بعد ذلك تبدأ الخلايا في تخليق بروتينات مخصصة للعضلات؛ وتخضع لتغيرات بنائية أيضًا، فتصبح الخلايا ثنائيةَ الأقطاب من ناحية الشكل أولًا، ثم تندمج لتَكُون خلايا كبيرة تشبه الأنبوب بها عدة نَوًى وتنمو لتصبح عضلة. تستطيع الخلايا العضلية الهيكلية، بعد تشكُّلها، أن تكبر بواسطة النمو الخلوي ولكنها لا تنقسم. توجد في عضلة الثدييات البالغة خلايا جذعية تابعة يمكنها الانقسام والتمايز إلى خلايا عضلية جديدة إذا أصيبتِ العضلة بالتَّلف.
يمكن للخلايا أن تنتحر أثناء النمو. موت الخلية المُبرمج هو عملية بيولوجية تختلف كثيرًا عن موت الخلية عند إصابتها بالتلف. ورغم أن هذه العملية ليست عمليةَ تمايُزٍ خلويٍّ، فإنه من المناسب ذكرها هنا؛ فهي على سبيل المثال موجودة في نمو أطراف الفقاريات؛ حيث يكون موت الخلايا بين الأصابع النامية أمرًا ضروريًّا لفصل الأصابع. كما يتضمَّن نمو الجهاز العصبي في الفقاريات موت أعداد كبيرة من العصبونات. يكون موت الخلية المبرمج مهمًّا بصورة خاصة في نمو الدودة الخيطية؛ إذ تنتُج ٩٥٩ خلية جسمية من البويضة وتموت ١٣١ خلية أثناء النمو. في جميع هذه الحالات، تخضع الخلية المحتضرة لنوع من الانتحار الخلوي الذي يتطلب تخليق كلٍّ من الرنا والبروتين. تتكسر الخلية المحتضرة إلى شظايا تقوم البلاعم بإزالتها في نهاية المطاف. هذه السمات تُميِّز موت الخلية المبرمج عن موتها بسبب تلفها؛ حيث تميل الخلية للانتفاخ بأكملها وفي النهاية تنفجر مفتوحةً. تكون الخلايا في جميع الأنسجة مبرمجة جوهريًّا للقيام بعملية الموت الخلوي، ويمنعها من الموت إشارات التحكم الإيجابية من الخلايا المجاورة. يلعب موت الخلية المبرمج أيضًا دورًا أساسيًّا في كلٍّ من السيطرة على النمو ومنع نمو الخلايا السرطانية.
ما مقدار انعكاسية التمايز الخلوي؟ إلى أي مدًى يمكن لنمط النشاط الجيني في الخلايا المتمايزة أن يرتدَّ لذلك الموجود في البويضة المخصبة؟ إحدى السبل لاكتشاف إمكانية هذا الارتداد تكون بوضع نواة خلية قد تمايزت في وسطٍ سيتوبلازمي مختلف، يحتوي على مجموعة مختلفة من البروتينات المنظِّمة للجينات. وقد أدَّت هذه التجربة إلى اكتشاف الاستنساخ. قامت أكثر التجارب المتعلقة بانعكاس التمايز إثارةً بفحص قدرة النوى المأخوذة من خلايا في مراحل مختلفة من النمو؛ على أن تحل محل نواة بويضة وأن تدعم نموها الطبيعي. إذا استطاعت تلك النوى فعل ذلك، فإنه سوف يدل على عدم وجود تغيرات غير قابلة للانعكاس في الجينوم أثناء التمايز، كما أنها سوف تبيِّن أيضًا أن نمطًا معينًا من النشاط الجيني النووي يتحدد بواسطة أيٍّ من عوامل النسخ والبروتينات المنظمة الأخرى التي يتم تخليقها في سيتوبلازم الخلية.
أُجريت تلك التجارب أولًا باستخدام بويضات الضفادع؛ لأنها تتحمَّل بشكل خاص المعالجات المخبرية. تقع النواة تحت السطح مباشرة في القطب الحيواني من البويضة غير المخصبة للضفدع. تحطم جرعةٌ من الأشعة فوق البنفسجية الدنا داخل النواة؛ وبذلك تمنع عمل جميع الجينات. بعد ذلك يمكن حقن هذه البويضات منزوعة النواة في نواة مأخوذة من خلية في مرحلة لاحقة من النمو، أو حتى خلية بالغة، لرؤية إن كان يمكنها العمل في مكان النواة المعطلة. كانت النتائج مدهشة؛ إذ أثبتت النوى المأخوذة من الأجنَّة المبكرة ومن بعض أنواع خلايا البالغين، مثل خلايا المِعى وبشرة الجلد، قدرتها على العمل بدلًا من نواة الخلية ودعم نمو الجنين حتى مرحلة الشرغوف، وفي عدد قليل من الحالات، حتى الضفدع البالغ. تسمى العملية التي يتم إنتاجها بها باسم الاستنساخ؛ لأنها تصنع حيوانًا له نفس طاقم الجينات الموجود في الخلية التي جاءت منها النواة. ومع ذلك فإن معدل النجاح مع نوى خلايا جسم الأفراد البالغين منخفض جدًّا، ونسبة صغيرة فقط من الاستزراع النووي يصل النمو فيها إلى ما بعد مرحلة التفلُّج. توضح هذه النتائج أن الجينات اللازمة للنمو لا تتغير بشكل غير قابل للانعكاس أثناء النمو، وأن سلوك الخلايا بالكامل يتحدد بواسطة عناصر موجودة في الخلية.
ماذا عن الكائنات الحية الأخرى غير الضفادع؟ كان أول حيوان ثديي يُستنسخ النعجة دوللي الشهيرة، في هذه الحالة أُخذت النواة من خط خلايا مأخوذة من الضرع. على وجه العموم، معدل نجاح الاستنساخ بنقل نوى خلايا الجسم في الثدييات منخفض، وما زالت الأسباب وراء ذلك غير مفهومة جيدًا. ومع ذلك فهناك أنواعٌ من الثدييات، مثل الماشية والأغنام والكلاب، وجملٌ تم استنساخها ونَمَتْ حتى مرحلة الكائن البالغ، بالرغم من عدم استنساخ أحد الرئيسيات مثل القرد حتى الآن. معظم الثدييات المستنسخة من الزرع النووي تكون عادةً غير طبيعية بصورة أو بأخرى؛ وسبب هذا الفشل هو عدم اكتمال إعادة برمجة النواة المانحة لإزالة كل التعديلات السابقة. قد يكون أحد الأسباب ذات الصلة بهذا الخلل أن الجينات التي أُعيدَ برمجتها لم تخضع لعملية الدمغ العادي التي تحدث أثناء نمو الخلية الجنسية؛ حيث يتم إسكات جينات أبوية وأمومية مختلفة. يتضمن الخللُ في البالغين الذين نَمَوْا من أجنَّة مستنسخة، الموتَ المبكر وتشوهاتِ الأطراف وارتفاعَ الضغط في الماشية، وضعفَ المناعة في الفئران. ويُعتقد أن جميع هذه العيوب تعود إلى خلل في التعبير الجيني الناشئ عن عملية الاستنساخ. بيَّنتِ الدراسات أن حوالي ٥٪ من الجينات في الفئران المستنسخة لم يتم التعبير عنها بشكل صحيح، وأن نصف الجينات المدموغة تقريبًا تعبيرها خاطئ. ولأن الطفل سيكون مشوهًا بشكل شبه مؤكد، فإن استنساخ البشر يجب منعه، وليس بسبب القضايا الأخلاقية التي لا يوجد حالات لها. وبالرغم من تقارير وسائل الإعلام التي تشير إلى أنه قد تم استنساخ البشر، فلم يتم — لحسن الحظ — تأكيد أيٍّ من هذه التقارير.
رأينا بالفعل عدةَ أمثلة للخلايا الجذعية المتعددة القدرات التي تقوم بتجديد نفسها وتنشئ أيضًا طيفًا من الخلايا المختلفة. إذا أمكن ضمان إنتاج مثل هذه الخلايا بأعداد كافية، فربما يكون من الممكن استخدامها كي تحل محل الخلايا التي تلفت أو فُقدت نتيجةً للمرض أو الإصابة. وهذا أحد الأهداف الرئيسية لمجال الطب التجديدي. سوف يعتمد الاستخدام العلاجي للخلايا الجذعية على الفهم الدقيق لكيفية التحكم في النشاط الجيني في الخلايا الجذعية لإنتاج نوع الخلية المطلوبة، وكذلك على مقدار مرونة الخلايا الجذعية.
الهدف من الطب التجديدي هو استعادة بنية ووظيفة الأنسجة التالفة أو المريضة. وبما أن الخلايا الجذعية يمكنها التكاثر والتمايز إلى مجموعة كبيرة من أنواع الخلايا، فهي مرشحة بقوة للاستخدام في مجال العلاج باستبدال الخلايا، واستعادة وظائف الأنسجة بواسطة إدخال خلايا جديدة سليمة. ربما يقدِّم هذا النوع من العلاج في نهاية المطاف بديلًا لزرع الأعضاء التقليدي من متبرع، وهو الذي يصاحبه مشاكل الرفض وقلة الأعضاء المتوافرة، وقد يكون هذا العلاج قادرًا على استعادة وظائف أنسجة مثل المخ والأعصاب. هناك مَن يدَّعي وجود قضايا أخلاقية مرتبطة باستخدام الخلايا الجذعية الجنينية من البشر؛ حيث من الممكن أن يموت الجنين عند أخذ الخلايا الجذعية منه، وهناك مَن يعتقدون أن هذا تدمير لحياة إنسان. لكن هناك أدلة قوية على أن الجنين في هذه المرحلة المبكرة لا يمثِّل بالضرورة فردًا حيًّا؛ حيث إنه ما زال قادرًا على الانقسام إلى توائم في مرحلة لاحقة. وعمليًّا، يتم التخلص من العديد من الأجنَّة أثناء المساعدة على الإنجاب في عمليات التلقيح الصناعي المسماة التخصيب في المختبر، وهو تدخل طبي مقبول على نطاق واسع. ويمكن اعتبار أن قبول التخصيب في المختبر ورفض استخدام الخلايا الجذعية الجنينية أمرٌ متناقضٌ.
يشكِّل توليد خلايا بيتا البنكرياسية المنتِجة للأنسولين من الخلايا الجذعية الجنينية، لتحلَّ محلَّ تلك التي دُمِّرت بسبب داء السكري من النوع ١؛ هدفًا طبيًّا رئيسيًّا. ما زال من الصعب بوجه خاص إيجاد العلاجات التي توجِّه تمايز الخلايا الجذعية الجنينية نحو عمل مشتقات الأدمة الباطنة مثل الخلايا البنكرياسية، ومع ذلك، فباستخدام المعرفة بالإشارات التي تحفز نمو الأدمة الباطنة والبنكرياس في أجنَّة الفأر، تم إحراز تقدُّم في ابتكار أساليب لتمايُز الخلايا الجذعية الجنينية البشرية إلى خلايا بنكرياسية سلفية. ويمكن استخدام استراتيجيات مماثلة في الأمراض الأخرى. ويمثل مرض باركنسون التنكسي العصبي هدفًا طبيًّا آخر.
استخدام الخلايا الجذعية المتعددة القدرات المأخوذة من مريضٍ ربما يجنِّبنا القضايا الأخلاقية المرتبطة بالخلايا الجذعية الجنينية، وكذلك يُجنِّبنا مشكلةَ الرفض المناعي للخلايا المنزرعة. يمثِّل توليد خلايا جذعية من نفس نوع نسيج المريض ميزةً كبيرة، وتقدِّم التطورات الحديثة في الخلايا الجذعية المحفَّزة المتعددة القدرات، فرصًا جديدة أكثر إثارةً. صُنعت خلايا جذعية محفزة متعددة القدرات من خلايا ليفية عن طريق إدخال وتنشيط جينات عوامل النسخ الأربعة التي ترتبط بتعدد القدرة في الخلايا الجذعية الجنينية. هناك خطر يتمثَّل في تحفيز الأورام لدى المرضى الذين يخضعون لعلاج استبدال الخلايا عن طريق الخلايا الجذعية الجنينية أو الخلايا الجذعية المحفزة المتعددة القدرات؛ فقد تسبِّب الخلايا المتعددةُ القدراتِ غيرُ المتمايزةِ المحقونةُ في المريض نموَّ الأورام. ولن يمكن التغلب على هذه المشكلة إلا باستخدام منهجيات اختيار صارمة تضمن عدم وجود خلايا غير متمايزة في مجموعة الخلايا المزروعة. وليس من الواضح حتى الآن كم ستكون الخلايا الجذعية الجنينية المتمايزة والخلايا الجذعية المحفزة المتعددة القدرات مستقرةً على المدى الطويل.