الأعضاء
بمجرد وضع خطة جسم الحيوان الأساسية، يمكن أن يبدأ نمو الأعضاء التي يختلف بعضها عن بعض، مثل الأطراف والعينين. ويتضمن نمو الأعضاء أعدادًا كبيرة من الجينات، وبسبب هذا التعقيد؛ فإنه من الصعب تمييز المبادئ العامة. ومع ذلك تكون العديد من الآليات المستخدمة في تكوُّن الأعضاء مشابهة لتلك التي استُخدمت من قبلُ، وتستعمل إشارات معينة مرارًا وتكرارًا. يمكن تحديد تشكيل الأنماط في نمو مجموعة متنوعة من الأعضاء بواسطة «المعلومات الموضعية»، التي تتحدد بواسطة تدريج في بعض السمات. تتضح الفكرة الأساسية من خلال نموذج العَلم الفرنسي؛ فإذا كانت الخلايا تعرف مواقعها، يمكنها إذن تفسيرها بالتمايز إلى أحمر أو أبيض أو أزرق، كي تصنع العلم. لهذا النموذج ميزة أن النمط سيكون هو نفسه في الأحجام المختلفة. وربما تعرف الخلايا موقعها بواسطة تركيز جزيء مُدرَّج عبر المجال.
من الممكن أن تُرسِل مجموعةٌ متخصصة من الخلايا عند أحد حدود المنطقة المراد تنميطها إشارةً، ربما تركيزًا لأحد الجزيئات، الذي يقل مع المسافة من المصدر؛ ومن ثَمَّ تكوِّن تدريجًا معلوماتيًّا. ثم تقوم أي خلية ﺑ «قراءة» التركيز عند هذه النقطة بالتحديد، وتفسره بالرد بطريقة مناسبة لموضعها عن طريق تشغيل نمط معين من التعبير الجيني. الجزيئات التي لديها مثل هذا التركيز المتدرج ويمكنها تحفيز هذه التغييرات في مصير الخلية تسمَّى «مُحدثات التخلُّق». وقد تم اقتراح تدريجات للمعلومات الموضعية لأنماط متنوعة أثناء النمو؛ منها: تقسيم المحورين الأمامي-الخلفي والظهري-البطني إلى مناطق، وتنميط القطع والأقراص الحشرية اليافعة في الحشرات، وتنميط الأدمة الوسطى في الفقاريات، وتنميط الأطراف في الفقاريات، والتنميط على طول المحور الظهري-البطني للأنبوب العصبي في الفقاريات، وغير ذلك. ليس من الواضح بعدُ كيفية تكوُّن تدريجات المعلومات الموضعية، وعلى وجه الخصوص الأدوار النسبية لانتشار مُحْدِثات التخلق، والتفاعلات بين كل خلية وأخرى.
يمثِّل الطرف في الجنين الفقاري نظامًا جيدًا على وجه الخصوص لدراسة نمو العضو؛ لأن النموذج الأساسي بسيط جدًّا مبدئيًّا. وقد تم التدقيق بصورة واسعة في المبادئ الأساسية لتنميط الأطراف في أجنَّة الفراخ؛ وذلك لأن الأطراف النامية نفسها من السهل الوصول إليها والتعامل معها في الجراحة المجهرية. كما تُستخدم الفئران لدراسة بعض جوانب نمو الأطراف، في الغالب من خلال الفئران الطافرة الطبيعية والاصطناعية. في أجنَّة الفراخ تكون أُولى علامات الأجنحة هي زوائد صغيرة — البراعم الطرفية — التي تنشأ من جدار جسم الجنين. تتكون العناصر المكوِّنة للطرف أولًا كغضروف، ثم يستعاض عنها لاحقًا بالعظم، ثم تنمو العضلات والأوتار أيضًا. يوجد للطرف ثلاثة محاور نمائية: يتجه المحور القريب-البعيد من كتف الطرف إلى قمته؛ ويتجه المحور الأمامي-الخلفي عبر الأصابع من الإبهام إلى الأصبع الصغرى، يكون ذلك في جناح الفرخ من الأصبع رقم ٢ إلى الأصبع رقم ٤؛ ويتجه المحور الظهري-البطني من ظهر اليد إلى الراحة. يكون لدى البرعم الطرفي المبكر لبٌّ من خلايا طليقة متكاثرة محاطة بطبقة خارجية من خلايا الأدمة الظاهرة. تنمو العظام والأوتار من هذه الخلايا الطليقة، ولكن لدى عضلات الطرف نَسب آخر منفصل؛ فهي تهاجر إلى البرعم الطرفي من الجُسيدات.
ومع نمو البرعم، تبدأ الخلايا في التمايز وتبدأ بِنًى غضروفيةٌ في الظهور. يكون الجزء القريب من الطرف — أي الجزء الأقرب من الجسم — هو الأولَ في التمايز، ويتقدَّم التمايز في اتجاه النهاية (البعيدة) للطرف مع امتداد الطرف. وتوضع العناصر الغضروفية للجناح في تتابع قريب-بعيد في جناح الفرخ: العضد والكُعْبُرة والزند، وعناصر الرسغ، ثم الأصابع الثلاث السهلة التمييز ٢ و٣ و٤.
لا يوجد دليل على أن مُحْدِث التخلق يؤدي إلى تكوين الأصابع بشكل منفصل عن تحديد صفاتها. عند وضع خليط عشوائي من خلايا الطرف دون أيٍّ من الخلايا الاستقطابية في غطاء الأدمة الظاهرة للطرف، يمكن أن تنمو عناصر غضروفية تشمل الأصابع. يدل هذا على وجود بعض آليات التنظيم الذاتي في برعم الطرف قادرة على إنشاء مجموعة معتادة من عناصر تشبه الأصابع، ولكن لا يمكنها منحها هويات متميزة. يمكن لمثل هذه الآلية، على سبيل المثال، أن تقوم على مبدأ انتشار التفاعل، الذي اقتُرح أنه المسئول عن الأنماط المتكررة، مثل الخطوط الموجودة على السمكة الملائكية. توجد أنظمة كيميائية ذاتيةُ التنظيم لانتشار الجزيئات تولِّد ذاتيًّا أنماطًا مكانية من تركيز بعض مكوناتها الكيميائية. يكون التوزيع الأوَّلي للجزيئات منتظمًا، ولكن مع الوقت يشكِّل النظام أنماطًا تشبه الموجات. وقد كان آلان تورينج هو مكتشف نظام انتشار التفاعل؛ ومن ثم يمكن لهذه الآلية أن تولِّد أنماطًا دورية مثل ترتيب الأصابع، كما يمكنها أيضًا توليد أنماط الأصباغ في جلد الحيوانات.
ما زالت الآليات التي تؤدي إلى تنميط محور القريب-البعيد محلَّ شيءٍ من الجدل. تؤدي إزالة النتوء القِمي من طرف فرخ بواسطة الجراحة الدقيقة إلى انخفاض كبير في النمو ويصبح الطرف مبتورًا وتنقصه الأجزاء البعيدة، وكلما تمت إزالة النتوء مبكرًا عظُم الأثر. تقدِّم عوامل النمو في الخلايا الليفية إشارة أساسية من النتوء. وأطول النماذج القائمة عمرًا يقترح أن التنميط القريب-البعيد يتحدد بطول الوقت الذي تمضيه الخلايا في منطقة خلايا نهاية الطرف أسفل النتوء القمي؛ أي منطقة التقدم. وأثناء نمو برعم الطرف، تغادر الخلايا المنطقة بصورة مستمرة. ولأن برعم الطرف يمتد من القريب إلى البعيد؛ فإن أول الخلايا التي تغادر المنطقة تنمو إلى عناصر قريبة؛ وتلك التي تغادر أخيرًا تكوِّن أطراف الأصابع. يقترح هذا النموذج أن الخلايا تقيس الوقت الذي تقضيه في منطقة التقدم؛ وهذا هو ما يمنحها القيمة الموضعية على طول المحور القريب-البعيد. وتتماشى آلية التوقيت هذه للطرف مع الملاحظة التي مفادها أن إزالة النتوء القمي ينتج عنه طرف مبتور من الناحية البعيدة؛ حيث ستصبح منطقة التقدم غير موجودة. وهناك نوع آخر من الأدلة، وهو أن قتل أو منع انتشار الخلايا في منطقة التقدم من برعم جناح للفرخ في مرحلة مبكرة، على سبيل المثال، عن طريق التعرض للأشعة السينية، ينتج عنه غياب البِنى القريبة، بينما البِنى البعيدة تظل موجودة في حالة تكاد تكون طبيعية. ولأن كثيرًا من الخلايا في منطقة التقدم التي تعرضت للإشعاع لا تنقسم؛ فإن عددًا أقل من المعتاد من الخلايا سوف يغادر المنطقة أثناء المراحل المبكرة؛ مما يؤدي إلى غياب العناصر القريبة، ولكنها تصبح بالتدريج مأهولةً مرة ثانية بخلايا طبيعية؛ ولذلك تنمو البِنى البعيدة. مثل هذا النموذج يمكن أن يفسر غياب بِنى الطرف القريبة؛ ويفسر التشوه الذي أصاب المواليد الذين ولدوا في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات لأمهات حوامل تناولْنَ عقَّار ثاليدومايد للتخفيف من غثيان الصباح؛ إذ كانت أذرعهم عبارة عن يد متصلة مباشرة بالكتف. من المعروف أن عقَّار ثاليدومايد يتدخل في نمو الأوعية الدموية، وهذا قد يكون أدى إلى موت خلايا على نطاق واسع في جميع أنحاء برعم الطرف المبكر متضمنًا منطقة التقدم. ومع ذلك ثمة انتقادات لهذه النماذج وتم اقتراح نماذج أخرى. وهناك اقتراح أن تأثير كلٍّ من التعرض للإشعاع والثاليدومايد ربما يمكن تفسيره ببساطة من واقع أنهما يقضيان على خلايا الغضروف الطليعية في وقت تتكون فيه المناطق القريبة، ولكن التمايز البعيد لا يكون قد بدأ بعد.
تهاجر الخلايا التي تنشئ عضلات الطرف من الجسيدات إلى البرعم الطرفي، ويتزايد عددها وتشكِّل في البداية كتلًا ظَهرية وبطنية من العضلات الافتراضية. تخضع هذه الكتل لسلسلة من الانقسامات لتكوِّن العضلات الفردية. خلايا العضلات الافتراضية لا تكتسب قيمًا موضعية بنفس طريقة خلايا الغضاريف والنسيج الضام، وتكون كلها متساوية. يتحدد نمط العضلات بواسطة الخلايا التي من خلالها تهاجر العضلات المستقبلية، وقد يكون سبب هذا هو ارتباطها بالخلايا العضلية المهاجرة.
تحتوي الآلية التي بها تتأسس الروابط الصحيحة بين الأوتار والعضلات والغضاريف على خصوصية ضئيلة أو معدومة بالمرة؛ فهذه الخلايا ديمقراطية بحقٍّ. إذا انقلبت قمة جناح نامٍ ظهريًّا-بطنيًّا، يمكن للأوتار الظهرية والبطنية أن تتصل بالعضلات أو الأوتار غير المناسبة؛ فهي بكل بساطة سوف ترتبط بالعضلات والأوتار الأقرب إلى نهاياتها الحرة؛ فهذه الخلايا عديمة التمييز.
تمثِّل البِنى البالغة التعقيد، مثل الأعين المركبة للحشرات والأعين التي تعمل مثل الكاميرات في الفقاريات، إنجازًا مدهشًا للتطور. تحتوي جميعها على عدسة لتركيز الضوء، وشبكية تتكون من خلايا حساسة مستقبِلة للضوء، وطبقة صبغية تمتص الضوء الشارد وتمنعه من التداخل مع إشارات الخلايا المستقبِلة للضوء. وعلى الرغم من الاختلاف الكبير في تشريح العين النهائية، فإن بعضًا من عوامل النَّسخ عينها يقوم بتحديد تكوين العين في الحشرات والفقاريات.
تنمو عين الفقاريات من الأنبوب العصبي والأدمة الظاهرة للرأس، وهي أساسًا امتدادٌ للدماغ المقدم، بمساهمة من الأديم الظاهر المُغطِّي وخلايا العرف العصبي المهاجرة. يبدأ نمو العين بتكوين انتفاخ في الجدار الطلائي للدماغ المقدم الخلفي ليشكل الحويصلة البصرية، التي تمتد لتلتقي الأدمة الظاهرة السطحية. تتفاعل الحويصلة البصرية مع الأدمة الظاهرة للحث على تشكيل العدسة، وبعد الحث على تشكيل العدسة، تنغمد نهاية الحويصلة البصرية لتكوِّن كوبًا ثنائي الطبقات، الذي سوف تشكِّل الطبقةُ الطلائيةُ الداخليةُ له الشبكيةَ العصبيةَ، بينما الطبقةُ الخارجيةُ ستشكل الطلائيةَ الصبغيةَ الشبكيةَ. بعد ذلك تنغمد منطقة العدسة وتنفصل عن الأدمة الظاهرة السطحية لتشكل كرةً طلائية مجوَّفة سوف تنمو لتشكِّل العدسة، وتبدأ الخلايا في تصنيع بروتينات جلوبولين العدسة (الكريستالين). تفقد هذه الخلايا في نهاية المطاف بِنْياتها الداخلية وتصبح أليافًا عدسية شفافة تمامًا ومملوءة بالكريستالين. أما القرنية فهي نسيج طلائي شفاف يغلف الجزء الأمامي من العين.
تحتوي أجسام الحيوانات المتعددة الخلايا على العديد من الأنابيب مثل الأوعية الدموية وأنابيب الكلى والشُّعب الهوائية المتفرعة في رئات الثدييات. يقوم العديد من أنظمة الأنابيب هذه بعمل تفريعات واسعة النطاق أثناء نموها، ويُعد نمو القصبة الهوائية في الذباب نموذجًا ممتازًا لتخلُّق التفرعات، وقد أدى إلى معرفة الجينات التي تتحكم في هذه العملية، والتي تعمل أيضًا في تخلُّق رئات الفقاريات. يدخل الهواء إلى نظام القصبة الهوائية ليرقة الذبابة من خلال فتحات صغيرة في جدار الجسم، ويتم توصيل الأكسجين للأنسجة بواسطة ما يقرب من ١٠ آلاف من الأنابيب الدقيقة التي نَمت أثناء التخلق الجنيني من خلال ٢٠ فتحة؛ ١٠ فتحات على كل جانب. تنغمد الأدمة الظاهرة لتشكل كيسًا مجوفًا من حوالي ٨٠ خلية تقوم بإنشاء مئات من الفروع النهائية الدقيقة عن طريق التفرع المتتالي. الملاحَظ أن تمدد الأكياس لتشكيل أنابيب متفرعة لا يتضمن مزيدًا من التكاثر الخلوي، ولكن يتحقق بهجرة الخلايا الموجهة، وإعادة ترتيب الخلايا بواسطة الإقحام، والتغيير في شكل الخلايا. وبتقدم النمو تلتحم الأفرع لتكوين شبكة واسعة الانتشار في الجسم من الأنابيب المتصلة. على خلاف القصبة الهوائية للذبابة تكون زيادة نمو وتفرع الأنابيب في رئة الفقاريات نتيجة تكاثر الخلايا عند نهاية الأنبوب المتقدم، عوضًا عن هجرة الخلايا. ومع ذلك، فإن نمو وانتشار الأنابيب الدقيقة من الأنبوب الرئيسي يعتمد، كما في الذباب، على التفاعل بين الأنسجة الطلائية للأنابيب مع الإشارات القادمة من خلايا الأدمة الوسطى، والكثير من هذه الخلايا مماثل للخلايا الموجودة في الذباب.
ليس من المستغرب أن الجهاز الوعائي، بما في ذلك الأوعية الدموية وخلايا الدم، يكون من بين أوائل أجهزة الأعضاء التي تنمو في أجنَّة الفقاريات؛ وذلك حتى يتمكن الأكسجين والمواد الغذائية من الوصول إلى الأنسجة التي تنمو بشكل سريع. نوع الخلية المحدد في الجهاز الوعائي هو الخلية البطانية التي تشكِّل البطانة الداخلية لجهاز الدوران بأكمله، متضمنًا القلب والأوردة والشرايين. تتكون الأوعية الدموية من الخلايا البطانية، ثم تغطَّى هذه الأوعية بنسيج ضامٍّ وخلايا عضلية ملساء. تتعين الشرايين والأوردة من خلال اتجاه تدفق الدم وأيضًا من خلال الفروق في التركيب والوظائف؛ فيتحدد كون الخلايا شريانيةً أم وريدية قبل تكوُّن الأوعية الدموية، ولكن من الممكن تبديل الهوية. بعد ذلك يتم التوسع في الأوعية الأولية لتصبح جهازًا وعائيًّا متشعبًا في جميع أجزاء الجسم؛ حيث تمتد الأوعية وتتفرع لتشكِّل شرايين وأوردة وشبكة واسعة من الشعيرات الدموية.
يتطلَّب تمايز الخلايا الوعائية وجود عامل النمو المعروف باسم «عامل النمو البطاني الوعائي» ومستقبلاته، ويحفِّز عامل النمو البطاني الوعائي زيادة عدد الخلايا. يحفز نقص الأكسجين تعبير جين عامل النمو البطاني الوعائي؛ ومن ثَم يقوم العضو النشِط الذي يستهلك الأكسجين بتعزيز الأوعية الدموية الخاصة به، فتتكون شعيرات دموية جديدة تَنبت من الأوعية الدموية الموجودة ومن تكاثر الخلايا في نهاية البرعم. تَمدُّ الخلايا الموجودة في النهاية زوائدَ تشبه الأرجل الخيطية توجِّه البرعم وتطيله. تتنقل الأوعية الدموية، أثناء نموها، في مسارات محددة نحو أهدافها، وتكون الأرجل الخيطية في الطليعة لتستجيب للإشارات الجاذبة والطاردة الموجودة على الخلايا الأخرى وفي النسيج خارج الخلوي. يُنتِج العديد من الأورام الصلبة عامل النمو البطاني الوعائي وعوامل نمو أخرى تحفِّز نمو الأوعية الدموية؛ وبذلك تعزز نمو الورم؛ ولذلك يكون إيقاف تكوُّن أوعية جديدة وسيلةً للحد من نمو الورم.
تتضمن عملية نمو القلب في الفقاريات تحديدَ أنبوب من الأدمة الوسطى يكون قد خضع للتنميط على طول محوره الطولي، وهو أحد أوائل الأعضاء الكبيرة التي تتشكل في الجنين. يتكوَّن القلب أولًا كأنبوب واحد يتكون من طبقتَي خلايا طلائية، ستنشئ إحداهما عضلة القلب. وأثناء النمو ينقسم هذا الأنبوب طوليًّا إلى غرفتين؛ غرفة الأذين وغرفة البطين. ويتضمن النمو اللاحق للقلب تحلُّقًا غير متجانس لأنبوبة القلب، ويرتبط بانعدام تناظر اليسار-اليمين لدى الجنين. يشكل القلب ذو الغرفتين الشكلَ الأساسيَّ لقلب السمك البالغ، ولكن في الفقاريات الأعلى، مثل الطيور والثدييات، يَنتج عن التحلق والمزيد من التقسيم القلبُ ذو الحجرات الأربع. في الإنسان، من بين كل ١٠٠ طفل يولدون أحياءً يولد طفل واحد به بعض التشوه الخلقي في القلب، وأثناء الوجود في الرحم تَحدث حالات التشوه القلبي المؤدية إلى موت الجنين فيما بين ٥ إلى ١٠ بالمائة من حالات الحمل.
الأزهار
تنشأ الخلايا الأولية في أماكن محددة داخل النسيج الإنشائي؛ حيث تنمو إلى بِنًى مميزة. وشأن جينات الانتقاء المثلية التي تحدد هوية القطع في الذباب، تُسبِّب الطفراتُ في جينات الهوية الزهرية طفراتٍ مثلية تجعل أحد أنواع أجزاء الزهرة يُستبدل بآخر. في النسخة الطافرة من أزهار نبات أرابيدوبسيس الطافر، على سبيل المثال، تُستبدل الكرابل بالسبلات، والأسدية بالبتلات. حدَّدَت هذه الطفراتُ جيناتِ هويةِ العضو الزهري، ومكَّنت من تحديد أسلوب عملها. يمكن تفسير هذه الأشكال الطافرة بنموذج أنيق تحدِّد فيه الأنماط المتداخلة من نشاط الجين هوية العضو الزهري بطريقةٍ تذكِّرنا بالأسلوب الذي تحدِّد به الجيناتُ المثليةُ في الذباب هويةَ القطع بطول جسم الحشرة. لكن إذا نظرنا إلى التفاصيل، نجد العديد من الاختلافات، وتُشارِك جينات مختلفة تمامًا في الأمر. جوهريًّا، ينقسم النسيج الإنشائي بواسطة أنماط التعبير للجينات المثلية إلى ثلاث مناطق متداخلة متحدة المركز، (أ) و(ب) و(ج)؛ مما يقسم النسيج الإنشائي إلى مناطق مقابلة للجدلات الأربع. كل منطقة من المناطق (أ) و(ب) و(ج) تقابل منطقة عمل إحدى فئات الجينات المثلية، وتعطي التوليفاتُ المحددةُ لوظائف المناطق (أ) و(ب) و(ج) كلَّ جدلةٍ هويةً فريدةً؛ وبذلك تحدد هوية العضو. أوضحت دراسات عدة أن طبقات النسيج الإنشائي المختلفة تتواصل بعضها مع بعض أثناء نمو الزهرة، وأن عوامل النَّسخ يمكنها الانتقال بين الخلايا، وهو ما لا يحدث في عملية النمو لدى الحيوانات.