الفصل الرابع عشر
لا أحد يدري إن كانت هي مداعبات القدر، أم مداعبات شخص من البشر!
ذلك أن «زنوبة» جاءت تخبر يومًا بأن «البيانو» عند الجيران به بعض الخلل، وأنها وعدت «سنية» أن تسأل لها «سليم» عن محل تصليح «للبيانو»، باعتبار أن «سليم» يملك آلة موسيقية تشبهه وهي «الهارمونيكا».
وسمعها «سليم» باهتمام شديد، فما كادت تتم كلامها حتى نهض واقفًا. فأخبرته «زنوبة» في الحال أن لا داعي للتعب، المطلوب كله هو أن يكتب اسم محل «التصليح» الذي يثق به وعنوانه على ورقة صغيرة و«سنية» تتكفل بعمل الباقي.
ولكن «سليم» لا يكتفي بهذا، ولا يدع الفرصة تفلت منه، وإذا كان «عبده» الشاب الطائش الأهوج ابن الأمس في نظره، قد ذهب يصلح سلكًا في بيت الجيران، أفلا يذهب وهو الرجل المجرب المتفنن الراسي بأي حجة إلى بيت الأحباب؟
لذلك ما تأخر «سليم» عن إظهار المعرفة بشئون «البيانو» وآلات الموسيقى جميعها، وذكر أسماء المحلات المختلفة، وختم ادعاءه بقوله إن تلك المحلات تطلب أجورًا باهظة، ولا ينبغي أن يلجأ إليها إلا في أحوال ضرورية جدًّا وخطيرة، ومن يدري لعل «بيانو» الجيران أمره سهل جدًّا، ويمكن لخبير مثله، أي مثل «سليم» أن يعرف علته، وينصح بما يلزم له، ولا الحاجة إلى محل تصليح من تلك المحلات النصابة: أيوه أمال! لا بد من معاينة «البيانو»، لا بد أعاينه أولًا، على كل حال علشان أفتش فيه عن.
وكان «مبروك» الخادم حاضرًا سامعًا، فقال مبتسمًا: أيوه، علشان «سي سليم» يفتش.
وغمز بعينه «لمحسن».
ولكن «محسن» لم يبتسم، وظل باهت الوجه، وأخيرًا قال: مين قال «البيانو» مخروب؟
فأجابت «زنوبة»: «سنية» قالت لي وانت مش موجود.
فاكفهر قليلًا، وقال: أنا لسه ضارب عليه امبارح! لازم هي قالت عايز تنضيف، مش مخروب.
فتدخل «سليم» قائلًا بشيء من الغيظ: لا يا سيدي هي قالت مخروب … انكسف بقا.
– مستحيل، أنا لسه امبارح.
وكان «محسن» يتكلم بلهجة اليائس، وقد احمر وجهه.
وقد كادت تطول المناقشة لو لم يدخل «حنفي أفندي» آتيًا من الخارج حاملًا رزمة كراريس، فوضعها على المائدة وقال: خبر ايه؟
فلما أعلمه «مبروك» بالخبر تنحنح ونظر إلى «سليم» وقال: مبارك.
فأجابه «سليم» ببرود: نعم يا «سي حنفي»؟
– ولا حاجة … بس مش لازم لك صبي؟ … دا «بيانو»، مش حتة سلك.
فابتسم «سليم» قليلًا، لكنه عاد إلى الجد والفتور: أما والله أمرنا عجيب، ناس جيران يقصدونا في خدمة نعملها حكاية؟ المسألة في غاية البساطة، أنا رايح هناك علشان أكشف على البيانو، وأعرف اللازم له واشوف.
فقاطعه «حنفي»: ناظرًا إليه من تحت منظاره الغليظ في ابتسامة ماكرة: يعني بالاختصار رايح تفتش.
– وبعدين يعني معاك؟
– أنا قلت حاجة؟ … أستغفر الله.
وتحرك «حنفي» متجهًا إلى سريره؛ ليخلع ملابسه ويرتدي جلبابه وطاقيته، ويتمدد كالعادة.
كان «عبده» غائبًا عن المنزل لحسن حظ «سليم» ساعة أن جاءت «زنوبة» تحدث بمسألة «البيانو»، فلما عاد وجد «سليم» على قدم الاستعداد، وقد أخرج بذلته العسكرية من «الدولاب الكبير»، يريد ارتداءها رغم إيقافه الرسمي، ورغم معارضة الجميع … سأل «عبده» عن الخبر فلما علم به اكفهر وجهه ووجم، ثم ملك نفسه، ولكن ابتسامة غيظ باردة ارتسمت على شفتيه المرتجفتين. أخذ يلاحظ «سليم» بشاربه المفتول جيدًا «بالكوزماتيك»، وهو يمشط شعره باعتناء زائد ويقول «لمبروك» آمرًا مشيرًا إلى النجوم النحاسية على كتف السترة العسكرية، وقد صدئت من طول الترك وعدم الاستعمال، منذ انقطع عن الخدمة: بسرعة لمع الضبابير يا ولد.
– حاضر يا سعادة الحكمدار.
وذهب فأتى بخرقة، وجعل ينظف النجوم، وينظر إلى «عبده» و«محسن» الجامدين من طرف خفي، ويغمز بعينه لهما باسمًا.
وانتهى «سليم» من لبس البنطلون ذي الشريط الأحمر وجاء يطلب السترة، وهو يقول بلهجة الآمر الكاذب: خلاص الضبابير؟!
فأجاب «مبروك» في هدوء: خلاص الضبابير والصراصير.
ثم مد له يده بالسترة يساعده على ارتدائها، وهو يقول له في لهجة الجد والنصح: ويعني يا «سي سليم» إذا قفشوك بالبدلة دي؛ يبقى كويس؟
– مين يقفشني؟
– الحكومة بلا قافية.
عندئذٍ تدخل «عبده» ولم يطق صبرًا: سیبه … هو يعني مش عارف إنه مرفوت من الوظيفة.
فالتفت إليه «سليم»، وقال ببرود: من فضلك تسحب كلامك … أنا مش مرفوت، أنا موقوف فقط.
– وإيه الفرق؟
– أظن أي واحد متعلم يعرف الفرق بين مرفوت وموقوف يا حضرة المهندس.
ومضى «سليم» يرتب هندامه … وفي هذه اللحظة نهض «حنفي» من فراشه متثاقلًا، فما إن رأى «سليم»: حتى صاح دهشًا: دهده! … إنت لبست بدلة التشريفة؟
فأجاب «سليم» بفتور، دون أن ينظر إليه، وهو متجه بكليته إلى المرآة: أمال.
فقال «حنفي أفندي» محبذًا: عظيم! … روح يا عم، هنيالك … عقبال كده احنا كمان ما يطلبونا نصلح … نصلح إيه؟
فرد عليه «سليم» بسرعة من وجد القافية: تصلح كراريس.
وتناول الكرباج الجلد الضباطي، وضرب به الفضاء علامة الانتباه والإيذان بالذهاب.
•••
ما جاء العصر حتى كان «سليم» في بيت الجيران، وقد قادته «زنوبة» والخادمة إلى حجرة «البيانو»، فنظر في أرجائها فوجدها خالية، فانصرف إلى «البيانو» ورفع غطاءه ومر بأصابعه عليه، ثم ضرب بيد واحدة نغمة سريعة لأحد الأدوار المعروفة، والتفت إلى «زنوبة» وقال: ما له البيانو؟ … ماشي عال قوي.
– ياختي امال «سنية» كانت بتقول مخروب ليه؟
– يجوز فيه شيء لازم تصليحه … أظن الأحسن تتفضل «سنية هانم» تورينا بنفسها الشيء اللازم.
فخرجت «زنوبة» لتخبر بذلك، وتبعتها الخادمة.
ولم يمضِ قليل حتى سُمع وقع أقدام آتية، فاستعد «سليم» وفتل شاربيه على عجل، ورتب السترة وأصلح الهندام، والتفت إلى الباب فإذا به يرى «محسن»، فقطب «سليم» وجهه، وقال في ضيق وبرود: الله … إيش جابك؟
فأجاب الفتى في حيرة وغيظ: أنا دايمًا آجي هنا.
فلم يرد عليه «سليم» وأدار ظهره، وجعل يتمشى في الغرفة جيئة وذهابًا.
وكان موقفًا باردًا أحسه «محسن»، وأراد ترك الحجرة، غير أن الباب فتح، وظهرت «زنوبة» تطلب إلى «سليم» أن يخلي الغرفة، لأن «سنية» آتية لتريه عيب «البيانو»، وفتحت بابًا على شبه دهليز صغير، وأشارت إلى «سليم» أن يتبعها وأوقفته خلف الباب، وعندئذٍ أقبلت «سنية»، وتمهلت على باب الصالون قائلة بصوت كله دلال يسبي: آجي يا أبلا؟ … مفيش حد في الصالون؟
وسمع «سليم» هذا الصوت فنسي موقفه، ومد رأسه ونظر بعينيه الشائعتين الزائغتين، يفتش عن تلك الظبية الجميلة، وقال بصوت موزون يتكلف الرقة: مفيش حد يا هانم … تفضلي.
وأسرعت «زنوبة» إليها، وجاءت بها إلى «البيانو»، وطلبت إليها أن تخبر «سليم أفندي» بنفسها عما تراه.
فأسرع «سليم» قائلًا: لو تتفضل «سنية هانم» تضرب دور علشان أشوف صوت البيانو.
فتضاحكت «سنية» في حياء، وأمسكت «بزنوبة»، وقالت مشيرة إلى أحد مفاتيح «البيانو»: نوتة «الدو» بس يا أبلا هي اللي مخستكة، شوفي.
وضربت على مفتاح «الدو» عدة ضربات، فقال «سليم»، وهو ينظر إليها مختلسًا من خلف الباب: ماينفعش الكلام ده يا «سنية هانم»، لازم تضربي دور، اضربي يا «طالع السعد» مثلًا … دور حلو قوي، أنا قبل ما انتقل من «بورسعيد» كان عندي فرقة موسيقى البوليس السواري والبيادة، كل يوم الصبح بعد الطابور أعطيها أمر بضرب الدور ده، ومع ذلك أنا «بالهارمونيكا» بتاعتي كنت أضرب الدور ده أحسن من «مزيكة البوليس»، فين دلوقت، بقالي زمان تركت الهارمونيكا، علشان كده أحب أسمع الدور على «البيانو» من يد «سنية هانم».
فابتسمت «سنية» متخاجلة، ونظرت إلى «زنوبة» وإلى «محسن» بجوارها نظرة سريعة غير واعية وقد احمر وجهها وهمست لزنوبة: بعدين ماما تقول إيه؟
ولكنها لم تنتظر جوابًا، بل جلست على كرسي «البيانو» في الحال، وكان «سليم» خلف الباب يراقب حركاتها … وقد كاد يطير صوابه وهو يرى جسدها الممشوق ينثني، ونهديها يرتجان وهي تجلس.
وأخذت تضرب دور «يا طالع السعد» بقوة حينًا ورقَّة حينًا آخر، و«سليم» لا يرى خلف الباب من هذا كله إلا ثدييها الناهدين يهتزان، كلما اشتدت في الضرب؛ كأنما يرقصان على نغم الدور، فيصيح «سليم» في قرارة نفسه: يا عمري … يا عمري على دي النهود، برتقان بلدي لسه على أمه … يا عمري!
وانتهت «سنية» أخيرًا، وقامت عن «البيانو»، وهي تقول في خجل يزيد رنة صوتها دلالًا: سمعت ازاي يا «سليم بك» صوت البيانو متغير؟ مش عارفة بقا إذا كان ده من «الدو» ولا العدة كلها عايزة تنضيف؟
فأجاب «سليم» في الحال: والله يا «سنية هانم» أنا … أنا ما أخدتش بالي؛ لأن ضربك «يا طالع السعد» مفيش بعد كده أبدًا بقا، اسمحي لي أقول لك أنا ماسمعتش عمري أحسن من كده.
فنظرت «سنية» إلى «زنوبة» وقد احمر وجهها على شكل انقبض له «محسن»، ثم قالت بصوت خافت يسمعه «سليم»: مرسي!
انتقل بعدئذٍ موضوع الحديث إلى مسألة تنظيف «البيانو»، وقد نصح به «سليم» بعدئذٍ، ووعد أن يأتي بعد يوم أو اثنين بمصلح خبير يتولى شأنه، وسيكون هو المسئول شخصيًّا عن هذا التصليح وعن هذا «البيانو» بعد الآن … وأن كل ما تأمر به «سنية» هانم يجاب ويلبى على الفور في سرور واغتباط.
وشكرت له «سنية» ذلك بعبارات رقيقة مؤدبة، وفي تحفظ وحشمة، وجاءت الجارية بالقهوة فشرب «سليم» وانصرف، وهو يؤكد قائلًا في لهجة السلطة والخيلاء: إن شاء الله النهارده أبعت واحد عسكري والا أومباشي صف ضابط لأحسن محل تصليح.
وسار في الردهة بقوة وانتفاخ يهز أكتافه ذوات «الضبابير» اللامعة، ويُحدث في البيت جلبة وضجة وضوضاء بحذائه الحكومي ذي المهماز.
•••
ذهب «سليم» إلى المنزل توًّا ليخلع ملابسه الرسمية في الحال قبل أن يضبطه بها أحد … ودخل على «الشعب» دخول الظافر المنتصر، وقد انتصبت شواربه وهو ينفخ، كمن أتى بعمل كبير، وعلى وجهه دلائل الفرح و «الزأططة» … وابتدره «الرئيس حنفي» بقوله: عملت إيه يا بطل؟
فأشار إليه «سليم» من طرف أنفه قائلًا: اسكت … اسكت.
فألح «حنفي» في السؤال: إيه؟ … جرى إيه بالذمة؟
فأجاب «سليم» سريعًا، وهو يدخل غرفة النوم العمومية، خالعًا أزرار سترته: البنت واقعة خالص.
وحاول «حنفي» الاستيضاح منه، غير أن حضرة الضابط لم يجب بعد ذلك، بل نظر إلى غرفة النوم والأسرَّة الأربعة المصفوفة أحدها بجانب الآخر، وأبدى بشفتيه علامة الاحتقار، وأحس لأول مرة غرابة هذه المعيشة، ودهش كيف أنه استطاع حتى الآن أن يحيا مع أربعة أو خمسة في حجرة واحدة، غير أن إحساسه هذا كان مصدره الترفع والتعالي على رفاقه؛ لذلك ألقى بسترته بعيدًا، فوق أحد الأسرَّة، وخرج يقول: إحنا كلاب والا إيه؟ أنا لازم أنقل سريري، وأعزل أودة تانية، نص دستة في أودة زي الجحر؟ إحنا كلاب؟
فأجابه «عبده» وقد حاول عبثًا كتم ما به بكل قواه، غير أن الدم المحتقن بوجهه كان يدل على غيظه المحبوس: طول عمرنا عايشين كده … حضرتك ماعرفتش انك كلب غير النهارده؟
فضحك «حنفي» وحسبها نكتة، وضحك كذلك «مبروك» من قلبٍ صافٍ، فاكفهر وجه «اليوزباشي سليم» وقال: قصدك تهینني؟
فأجاب «عبده» في لهجة عصبية: قصدي أقول إن مفيش عندنا أودة تانية، واللي يعجبه على كده يعجبه واللي مايعجبوش.
فقال «سليم» ببرود: وانت ما لك؟ … أنا رايح أعزل فوق، في أودة السطح في أودة الغسيل … حد شريكي؟
وانقطعت المناقشة بدخول «زنوبة» و«محسن» وعم الهدوء وراح «سليم» يتم خلع ملابسه، وهو يدندن نغمة «يا طالع السعد».
وعندئذٍ ناداه «حنفي» وقال له في رجاء وسرور: قل لنا بقا يا «سليم»، البنت كانت واقعة فيك ازاي؟
وسمع «محسن» هذه العبارة فارتجف وغص بريقه، وذهب الدم عن وجهه دفعة واحدة، ولكنه سكت وخرج «سليم» يقول بإعجاب وخُيلاء: أما يا ولاد عليها نهود، صلاة النبي أحسن، برتقان حلو صغير على أمه.
وعندئذٍ شعر الفتى «محسن» بما يشعر به عابدٌ ورعٌ متنسك، وقد رأى أحدًا يهين معبوده بكلمات بذيئة، وسرت «زنوبة» مفاخرة بصديقتها، وقالت: شفت يا «سي سليم» الفستان اللي كانت لابساه؟
فأجابها «اليوزباشي»، وهو يحاول التذكر: فستان؟! … والله مش واخد بالي.
ومر في هذه اللحظة أمام خاطر «عبده» الصامت الكاتم ما بنفسه لون أخضر، وظل يكبر هذا اللون حتى امتلأت عيناه وفكره بالاخضرار … حرير أخضر يهف عليه كالنسيم على أوراق الربيع، فأحس قلبه يكاد يقع ملتهبًا ثائرًا، وود لو ينهض فيصفع «سليم» أو يضربه «بوكس»، ويقلب البيت حربًا وضجة وعراكًا، لكنه تجلَّد.
وما لبث «الرئيس حنفي» أن قال ردًّا على سؤال «زنوبة» في شيء من سخريته البريئة المعتادة، سخرية ذي القلب الهادئ الخالي المستغني عن كل وجع دماغ: بتسأليه عن لون فستانها؟ هو «سليم» شاف غير نهودها وبطنها وكوارعها؟
وسمع الصغير «محسن» هذه الكلمات أيضًا، وتمثل صورة «سنية» الملائكية، فثارت نفسه، وحاول أن يطرد من فكره معنى تلك الكلمات الفاحشة الوحشية، وأضمر «لسليم» شيئًا لم يدرك كنهه، وأحس ذلك الإحساس المبهم مرة أخرى بصورة أوضح، إحساس القصور والضعف المذل بالنسبة لسليم، وتصور «سليم» ذلك الرجل الذكر الذي يتغلب بسهولة على المرأة ولا قِبل لها بمقاومته، أو أن «سليم» رجل يعرف أشياء لا يعرفها هو، أو أن … أو أن … لا يدري الصغير «محسن» … إنها مجرد إحساسات غامضة لا يستطيع تحليلها، ولا يفهم منها إلا أنه بات يكره سليم، ويخشاه، ويشعر نحوه بشبه إذلال نفسي، وأنه بدأ يميل إلى «عبده» ويرى فيه زميلًا له، أو على الأقل نوعًا من البشر يقارب نوعه قليلًا، هذا النوع الذي لا يرى في المرأة نهودًا ولا بطنًا؛ بل شيئًا آخر، والذي يذهله ويجرحه سماع الكلمات المرعبة المذلة.
وصدق إحساس الصغير نحو «عبده»؛ فإن «عبده» ما كاد يسمع هو الآخر هذا القول حتى نهض مستنكرًا ثائرًا، والتفت إلى «زنوبة» وقال موجهًا إليها الكلام: إيه المسخرة دي وقلة الحيا؟ … مبسوطة لما تاخديهم حضرتك بيوت الناس، علشان يرجعوا يقولوا الكلام ده؟
وخرج «سليم» محتجًّا تاركًا لهم المكان.
ولكنه في الواقع خرج لأنه لم يطق صبرًا على سماع أكثر مما سمع، ونزل هذا الاحتجاج في قلب «محسن» الملتهب كالماء المثلج، فاطمأن قليلًا، وتعزى به عما في نفسه من قلق مذل.