الارتجال في الشعر
من روائع الشعر العربي آيات ألهمها الارتجال، وقد اشتهرت في كتب الأدب عن طائفة كبيرة من الشعراء؛ «كأبي نواس» و«أبي العتاهية» و«ابن حمديس» وغيرهم، في مواقف دعت إليها الإجازة الشعرية، وإنها في الحق لنوادر من الفطنة والألمعية، أما الارتجال النظمي في حد ذاته فلا قيمة له؛ لأن غاية ما يدل عليه هو الطبع الموسيقي لدى صاحبه، فإذا لم يساند هذا الطبعَ خيالٌ وعاطفةٌ وفكرةٌ، فغاية ما يأتينا بها كلام مرصوف قد لا يخلو أحيانًا من مُلحة أو نُكتة، ولكن شتان ما بين هذا وبين الشعر الصحيح!
ولعل أقوى الشعراء المعاصرين في الطاقة الارتجالية كان شاعر العراق الشهير عبد المحسن الكاظمي، وكان يجمع إلى جانب الارتجال المعانيَ الشعرية البليغة، وكان طويل النفس يملي شعره بسرعة مدهشة، كذلك كان «حافظ إبراهيم» — وقد خبرْنا شخصيًّا الشاعرين — ولكن حافظًا كان يتهيب نشر شعره المرتجل على الرغم من طلاوته وأصالته.
وهذه أمثلة من الشعر الارتجالي نعرفها ونعرف أصحابها شخصيًّا منذ عهد الصبا، وبعضها ضمنوه قصائدَ لهم، قال السيد «مصطفى لطفي المنفلوطي»:
وقال السيد «محمد توفيق البكري»:
وقال «خليل مطران»:
وقال «حفني ناصف»:
وقال الأمير «شكيب أرسلان»:
وقال «مصطفى صادق الرافعي» (ثم بنى على هذين البيتين قصيدة عامرة له):
هذه نماذج لما وعته كُنَّاشَتُنَا من شعرٍ ارتجالي معاصر، وقد سألنا بعضُ الزملاء أن نذكر نموذجًا من شعرنا الارتجالي فنقول: إن نماذجه مبثوثة ومُشار إليها في دواويننا، ومن هذا القبيل الرباعية التالية بعنوان «اليد الدامية» عن ديوان «الإنسان الجديد»، وكانت مناسبتُها حوارًا وعتابًا مع نفر من المريدين إبَّانَ أزمةٍ نفسية:
ولا ريب أن شعره المرتجل أو شبه المرتجل لا يخلو من طرائفَ، وبعضُه نظم خَبَري، ومنه ما يسمو نفسُه به كقصيدته في «فلاح مصر» التي استهلها بقوله:
ومنه ما يترقرق بالظرف كقصيدته في أزمة تموين البترول بمصر التي تذكرنا بشعر أسعد رستم.
ومهما يكن من شيء فالارتجال في الشعر ظاهرة فسيولوجية فحسب؛ أي إنها في ذاتها ليست معيارًا للتفوق الفني ما لم يصاحبْها بالفعل ذلك التفوقُ الفني دون جهد، وهذا أمر نادر.