مدرسة «البارودي»
يُسعدنا أن تصل إلى يدنا مجلات ثقافية بلغتنا الشريفة من أقطار شتى بين عربية وإسلامية وسواها؛ لأنها تحمل الدليل العملي على حيوية لغة الضاد ومبلغ انتشارها أو نفوذها الأدبي، ومن بين هذه المجلات التي تلقيناها أخيرًا مجلة «هنا طرابلس الغرب»، وهي مجلة نصف شهرية مشرقة يصدرها «مكتب إذاعة طرابلس الغرب»، ويرأس تحريرها الأستاذ «علي مصطفى المصراتي»، ويُسْهم في تحريرها صفوةٌ من الأديبات والأدباء الليبيين وبعض أعضاء البَعثة المصرية التعليمية، وقد استرعى انتباهَنا بعددها الصادر في نوفمبر سنة ١٩٥٤ مقالٌ بعنوان «مدرسة حافظ إبراهيم» للأستاذ «محمد المهدي أبو حامد»، فأحببنا أن نقول إن ما نُعِتَتْ بمدرسة «حافظ إبراهيم» هي ما تعرف من قديم «بمدرسة البارودي»، فحافظ إبراهيم هو تلميذ «البارودي» شاعر «الثورة العرابية» الأول، أو على الأقل شاعر الوطنيين المثقفين في عصره حينما كان «عبد الله نديم» شاعرَ «الشعب»، فجاء «حافظ إبراهيم» يقتفي خطوه ويستوحي رُوحَه، وكلاهما كان جنديًّا ونصيرًا للحرية ومولعًا بالفصحى. جاء «حافظ إبراهيم» مكمِّلًا لرسالة البارودي أستاذه الرائد، وزاوجَ في التبسط بين «أسلوب البارودي» و«ديباجة النديم»، فجاء أغلب شعره أسلس، وأقرب إلى التذوق العام.
ولكن الأهمَّ من الديباجة والتناول، الروحُ الوطنية الصادقة النبيلة التي نبض بها شعره، وقد أوحت إلى جيله وإلى شعراء الوطنية بعده، فإذا ذُكر «الشابي» من بينهم فما في ذلك افتئات من وجهة عامة، ولكن «الشابي» كان أقرب في ذوقه الفني إلى الرومانسيين والواقعيين معًا من «مدرسة أبوللو»، ومَنْ أَحَبَّ أن يعرف نفسية الشابي الحقة وكفاحه الوطني فليرجع إلى كتاب «كفاح الشابي أو الشعب والوطنية في شعره» للأديب التونسي اللامع الأستاذ أبي القاسم محمد كِرُّو»، فهو ابن وطنه ومحبُّه وخيرُ من أرخ له عن فهم ومقدرة، وستكون لنا وقفة بل وقفات مع الشابي الحبيب، ومع الصديق الوفي المترجم له، وبحسبنا هنا أن نقول: إن «مدرسة البارودي» الرائدة هي مدرسةُ وطنيةٍ وبعث أدبي، وقد تأثر بها جميع الشعراء الوطنيين المجلين في أواخر القرن الماضي خاصةً.