الموت المجهول!
عندما انتهَت تدريباتُ إطلاق النار، في ذلك الصباح في مقرِّ الشياطين اﻟ ١٣، (ش. ك. س) … أسرع الجميعُ إلى حمَّام السباحة الكبير، وغمروا أنفسَهم في المياه الباردة … ولعبوا مباراةً ممتعة في كرة الماء.
لم تكن هناك تقاريرُ من رقم «صفر» … وبدَا المقرُّ هادئًا كأنه فندق كبير يقضي فيه الشياطين إجازتَهم … ولكن هذا الهدوء انقلب إلى حوار مثير بين رقم «صفر» والشياطين …
فقد وصل تقريرٌ من إحدى الدول العربية تطلب فيه معونة الشياطين اﻟ ١٣ في البحث عن عالم عربي يُدعَى «مشهور» … خرج مع بعثة إلى البرازيل للكشف عن كنوز «الأمازون» …
وقال رقم «صفر»: إن كنوز «الأمازون» مجموعةٌ نادرة من المجوهرات والعملات الذهبية القديمة تساوي مبلغًا خياليًّا … كانت تحملها طائرةٌ ألمانية بعد الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩–١٩٤٥م) … وتخصُّ عددًا من «الزعماء النازيِّين»، ولكن الطائرة سقطَت في غابات «ملكوجروسو» في وسط «البرازيل»، وهي غابات ما زالت مجهولةً بالنسبة للعالم … وتسكنها بعضُ القبائل البدائية …
وقد فشَلَت كلُّ المحاولات التي بُذلت للعثور على الطائرة رغم مرور أكثر من أربعين عامًا … والشيء المدهش أن كلَّ مَن يقترب من المنطقة التي يُظنُّ أن الطائرة قد سقطَت عندها يُصاب بمرض غريب يُشبه التسمم، فهو يصيب الكبدَ فيُتلفها، ولا يمكن إنقاذ المصاب من الموت.
وسكت رقم «صفر» لحظات، ثم مضى يقول: ومنذ أسابيع خرجَت بعثةٌ من علماء الأجناس، والجيولوجيا، والصيادين المحترفين للبحث عن «كنوز الأمازون» … ولكن منذ أيام قليلة انقطعَت أخبارُ البعثة، والذين عُثر عليهم منها كانوا مصابين بهذا السمِّ القاتل الذي أودَى بحياتهم … وبعضهم لم يُعثَر له على أثر، ومنهم العالم العربي «مشهور»!
وقال رقم «صفر»: إن الدولة العربية الشقيقة طلبَت معونةَ أجهزة البحث في مختلف الدول العربية … ولكن هذا النوع من العمل لا تصلح له الأجهزةُ الرسمية … فقد أرسلَت إحدى الدول بعثةً من رجالها إلى المكان فوجدوا استحالةً في الاستمرار في البحث خاصةً وسيف الموت الغريب مسلَّطٌ على رقابهم … وهكذا عادوا أمس، وأبلغوا فشلَهم في العثور على أي شيء!
اهتمَّ الشياطين جميعًا بحديث رقم «صفر» الذي مضى يقول: وطلبت الدولة العربية من الشياطين اﻟ ١٣ التدخُّلَ، ولكن هذه المغامرة لا أُحِب أن تدخلوها.
قال أحد الشياطين: «لماذا يا سيدي؟»
رقم «صفر»: لقد خرجت بعثات كثيرة خلال الأربعين عامًا الماضية للبحث عن هذه الكنوز الملعونة، ولكنها جميعًا باءت بالفشل … وأصيب أفرادها بالسم القاتل!
قال أحد الشياطين: إن هذا التحدي يناسبنا يا سيدي، خاصةً وأننا بلا عمل منذ شهور.
رقم «صفر»: إنني لا أحب أن أعرِّضَكم للموت من أجل أيِّ كنز على الأرض، خاصةً أن حكايات الكنوز حولها أساطير وأوهام كثيرة.
«أحمد»: اسمح لنا يا سيدي أن نجرِّب!
رقم «صفر»: وإذا أُصيب أحدُكم بالسم القاتل، ولم نستطع علاجه، فماذا نفعل؟
«أحمد»: لنكن متفائلين … ربما استطعنا الوصول إلى الكنوز أو على الأقل إنقاذ العالم «مشهور».
رقم «صفر»: ربما قد مات.
«أحمد»: وربما لم يَمُت.
رقم «صفر»: يجب أن تعلموا أن غابات «البرازيل»، خاصةً في الجزء الذي سقطت فيه الطائرة هي من أخطر الغابات في العالم، بل هي مجموعة من فخاخ الموت … وهناك «ثعبان الكوبرا» السام وهو من نوع «الأناكندة»، ويبلغ طولُه أكثر من عشرة أمتار … وهو قادر على اعتصار أيِّ حيوان وابتلاعه حيًّا … وهناك «أسماك كهربائية» تشلُّ حركة مَن تلمسه، ثم يهجم عليه سمك «البرانيا» المتوحش … وهو سمك صغير الحجم نسبيًّا، ولكن مجموعة منه قادرة على أكل «بقرة» كاملة في دقائق، إضافةً إلى الحيوانات الأخرى المتوحشة … ثم هناك «قرد البرازيل» الشهير …
ضحك الشياطين، وقال «عثمان»: إنني أحب القرود … ولعلنا نجد قردًا ذكيًّا يساعدنا في المغامرة!
رقم «صفر»: لقد سبق لكم استخدام القرد في غابات «أفريقيا».
«عثمان»: قرد إفريقي مرة … وقرد برازيلي مرةً أخرى!
رقم «صفر»: هل أنتم مصرُّون؟ … الذي يوافق أرجو أن يرفع يده!
وارتفعت أيدي الشياطين اﻟ ١٣، وعاد رقم «صفر» يقول: اختاروا خمسةً فقط من بينكم … وليستعدَّ بعدهم خمسة آخرون إذا طلبوا المساعدة.
ثم أضاف رقم «صفر»: ثم عليكم قبل السفر أن تذهبوا إلى قسم البحوث والمعدات … فسوف تحتاجون إلى أشياء أخرى كثيرة غير الأسلحة وأتمنى لكم التوفيق.
انفض الاجتماع، ولكن الشياطين اﻟ ١٣ لم يتركوا أماكنهم، كانت المغامرة بالنسبة لهم شيئًا جديدًا … فهم لم يذهبوا إلى «البرازيل» مطلقًا … هذه الدولة الشاسعة التي تكاد مساحتها أن تكون نصف مساحة «أمريكا الجنوبية» … والتي تحوي كما يقال رئة العالم؛ لأن غاباتها الكثيفة تُنتج أكبر كمية من الأوكسجين والكلوروفيل في العالم … وهما مادتان لا يمكن الحياة بدونهما.
اتفق الشياطين اﻟ ١٣ على أن يسافر «عثمان» و«بو عمير» و«أحمد» و«إلهام» و«زبيدة». وتركوا للباقين اختيار الخمسة التالين … ومضى ذلك اليوم في مناقشة طريقة السفر، فنشروا الخرائط … وبدأ قسم الاتصال في حجز الأماكن اللازمة على الطائرات، وكانت رحلتهم تنتهي على الطائرات إلى «بورت سبين» في ترينداد ثم يأخذون السفينة إلى «ماكابا» على نهر «تاباخوس» ثم يأخذون طائرةً عمودية تصل بهم إلى «ماتاجروس» حيث تبدأ عملية البحث.
قضى المغامرون يومين في الاستعداد للرحلة … وزوَّدهم قسم البحوث والمعدات بكل المعلومات اللازمة للرحلة … من خرائط للأماكن وأماكن التوقف … والخناجر الحادة، والمسدسات الضخمة، والبنادق ذات المناظير المكبرة … وحصل لهم رقم «صفر» على موافقات جهات الأمن على سفر هذه المعدات والأسلحة معهم.
وفي تمام الساعة العاشرة صباحًا من اليوم الثالث … بدأ الشياطين الخمسة رحلتهم الشاقة التي كان من المتوقع أن تستغرق نحو ٣٦ساعةً من الطيران، والانتظار حتى يصلوا إلى «بورت سبين»، وكان آخر اتصال بينهم وبين «ش. ك. س» ينتهي في مدينة «ماكابا» … وهي آخر مدينة مأهولة في هذه المنطقة … ولرقم «صفر» عميل فيها يمكن أن يزوِّدَهم بآخر المعلومات عن الرحلة التي انضم إليها العالم «مشهور».
كانت الرحلة مجهدةً … ولكنهم بعد ٤٠ساعةً من مغادرة «ش. ك. س» وصلوا إلى مدينة «ماكابا» الصغيرة وسط الغابات العملاقة.