أحزان موكامبا!
كانت مدينة «ماكابا» أشبهَ بحديقة ضخمة بها عدد من المنازل الخضراء في كل مكان … مياه نهر «تابافوس» تحيط بكل شيء … وكان في انتظارهم «جاريثا» عميل رقم «صفر»، وهو رجل نحيف وشديد السمرة، ولكنَّ له وجهًا مبتسمًا … وقال لهم إن إقامتهم في «ماكابا» ستطول بضعة أيام، لأن الطريق إلى «ماتوجروسو» مقطوع بسبب الأمطار …
وذهب الجميع إلى فندق بديع يقع في وسط غابة ضخمة … وكانت القردة الملونة تقفز في كل مكان، وقد نبَّههم «جاريثا» أن هذه القردة يمكن أن تخطف أيَّ شيء فعليهم أن يكونوا في غاية الحذر.
نزلت «زبيدة» و«إلهام» في غرفة واحدة، بينما نزل كلٌّ من «أحمد» و«بو عمير» و«عثمان» كلٌّ منهم في غرفة منفصلة … وكان الجو حارًّا ممطرًا، ولكن الإحساس بالحياة وسط الأحراش كان ممتعًا.
وعندما اجتمع الشياطين مع «جاريثا» في المساء، قال لهم: «إن الرحلة إلى ماتوجروسو» هي أشق رحلة في العالم … فقد تحتاجون فيها إلى دليل يعرف الطريق … وإلى حرَّاس وصيادين أشدَّاء لحمايتكم.
«أحمد»: بالنسبة للحراسة نحن نعرف كيف نحرس أنفسنا جيدًا، ولكن ما يهمُّنا هو الدليل، فنحن نريد أن نتعاقد مع دليل ممتاز وأمين.
«جاريثا»: لقد تعاملتُ قبل الآن مع دليل شديد الأمانة يُدْعى «موكامبا»، وإذا وجدناه في المدينة فإنني أُرشِّحه لكم.
«أحمد»: لماذا لا نبحث عنه فورًا؟
«جاريثا»: هذا ممكن بالطبع، إنه يسكن عند أطراف المدينة، وسيستغرق هذا بعض الوقت.
«أحمد»: إنها فرصة للتفرج على المدينة.
استقل «أحمد»، و«عثمان»، و«جاريثا» سيارةَ أجرة، ولكنها سيارة قديمة من طراز «فورد» كانت تَئِنُّ وهي تسير على الطريق غير الممهد بين الأشجار العالية … ولكنها في النهاية وصلَت بهم إلى عشة من الصفيح والأخشاب تغطيها الأعشاب من كل الجوانب، وأشار «جاريثا» إلى العشة، وقال: هنا يسكن «موكامبا».
ظهرَت امرأة في منتصف العمر … جميلةً رغم الفقر البادي عليها، ولم تَكَد ترى «جاريثا» حتى صاحت: «موكامبا»!
وبعد النداء مباشرةً ظهر رجل متوسط القامة، متين البنيان، غزير الشعر، واللحية … يحمل في يدَيه بندقيةً من طراز «موزر» … وأخذ ينظر إلى «أحمد» و«عثمان» بحدة، ثم نظر إلى «جاريثا» الذي قال له: كيف حالك يا «موكامبا»؟
رد «موكامبا» على الفور: في أسوأ حال! «جاريثا»: ماذا حدث؟ يبدو على زوجتك الحزن!
«موكامبا»: إن ولدنا الوحيد «سانشيز» اختفى.
«جاريثا»: كيف؟ هل هي الحيوانات المتوحشة؟
«موكامبا»: لا يا سيدي … إن الحيوانات المتوحشة تخاف «سانشيز» فأنت تعرفه.
«جاريثا»: ماذا إذن؟
«موكامبا»: لقد جاء إلى هنا منذ أيام مجموعة من الناس يريدون التعاقد معي على رحلة … ولكني رفضت … إنني أعرف زبائني … وهؤلاء لم يكونوا أناسًا محترمين ممن أتعامل معهم رغم أنهم عرضوا أجرًا مجزيًا، ولكني رفضت.
«جاريثا»: وما دخل اختفاء «سانشيز» في هذا كله؟
«موكامبا»: لقد كان «سانشيز» سامعًا الحوار بينهم وبيني، وحاول أن يدفعني إلى قبول العرض لسوء حالنا، ولكني رفضت.
«جاريثا»: وهل ذهب هو معهم؟
«موكامبا»: هذا ما أظنه؛ فلقد انفردوا به وأقنعوه أن يكون دليلهم … وهو بالتأكيد أفضل دليل في هذه الغابات.
تدخل «أحمد» في الحديث لأول مرة، وسأل: وأين كان اتجاههم يا «موكامبا»؟
«موكامبا»: كانوا ذاهبين إلى «ماتوجروسو» يا سيدي.
تبادل «أحمد» و«عثمان» النظرات …
«جاريثا»: لقد جئت بهذين السيدين لهذا الغرض … إنهما يريدان الذهاب إلى «ماتوجروسو».
«موكامبا»: للبحث عن الكنوز. إن الناس أصيبوا جميعًا بحمَّى الكنوز كلهم يبحثون عن كنوز «الأمازون»، ولو كانت هذه الكنوز موجودةً لعثرت عليها أنا.
«جاريثا»: هل ترفض العرض؟
«موكامبا»: إنني أقبله ولو مجانًا … إنني أريد مَن يأتي معي إلى «ماتوجروسو»، ولن يستطيع شخصٌ بمفرده قطْعَ هذه المسافة … ولكن معذرةً … لنشرب القهوة أولًا ثم نتحدث في التفاصيل.
وأسرعت الزوجة التي كانت تتابع الحديث، بوضع إبريق الشاي على الفرن الصغير المشتعل ثم جلسَت تُنصت إليهم وهم يتحدثون.
كان «أحمد» مهتمًّا بمعرفة الرجال الذين طلبوا أن يذهب معهم «موكامبا» إلى الغابة المخيفة التي تحيط بها الأساطير …
قال «موكامبا»: عندما كنت شابًّا في سن «سانشيز» وكنت أصطحب أبي في رحلاته داخل الغابة، سمعنا جميعًا عن كنوز «الأمازون» … ورغم أن المكان الذي قالوا عنه إن الطائرة قد سقطت فيه يبعد عن «الأمازون» كثيرًا إلا أن شهرة النهر جعلَتهم يُطلقون على الكنوز التي قالوا إن الطائرة كانت تحملها … جعلتهم يُطلقون عليها اسم كنوز «الأمازون» … ومنذ ذلك التاريخ جاءت عشرات من البعثات للبحث عن الكنوز … وأنا لا أستطيع أن أجزم بأن الكنوز موجودة أم لا … ولكن من المؤكد أنها لعنة لكل مَن يبحث عنها … لقد هلك مئات الرجال … وأُنفقت مئات الألوف من الجنيهات في البحث عن الكنوز دون جدوى … وقد اصطحبتُ هذه البعثات … ولم أَنجُ من الموت إلا بأعجوبة … إن غابات «ماتوجروسو» هي مقبرة للإنسان!
تحدَّثَت الزوجة لأول مرة: ولكنك ستذهب معهم يا «موكامبا»، إنهم أشخاص طيبون … ثم لعلك تعثر على «سانشيز».
تحدث «أحمد» إلى السيدة قائلًا: لماذا لا تأتين معنا يا سيدتي … إن معنا زميلتَين، وسوف تحتاجان إلى رعايتك.
صاح «موكامبا»: تأتي معنا … زوجتي؟
ردَّت الزوجة: لماذا لا يا «موكامبا» … لماذا أبقى في البيت وحيدةً … إنكم تقضون وقتًا طويلًا … فكيف أبقى وحدي هنا؟
غمغم «موكامبا» معترضًا، ولكن «جاريثا» قال له: إنها فكرة طيبة يا «موكامبا» … دَعِ السيدة تذهب معكم!
ولم يردَّ «موكامبا» … ولكنه نظر إلى زوجته معاتبًا، فأحنَتْ رأسَها في حزن … وأخذت تُتمتم: «سانشيز» أين أنت الآن؟