طريق الأهوال!
بعد يومين من الاستعدادات تحرَّكَت القافلة المكونة من الشياطين الخمسة و«موكامبا» وزوجته … وفي البداية سار «موكامبا» وخلفه البغال التي تحمل المؤن والذخائر … ثم الشياطين ومعهم زوجة «موكامبا» …
كانت الغابة كثيفةً والأشجار متلاحقةً بشكل غريب، والطيور من جميع الأشكال والألوان تطير في كل اتجاه.
أخذت «إلهام» تتحدث إلى زوجة «موكامبا» عن حياتها، وفجأةً قفز قردٌ صغير على كتف «إلهام» وهو يصرخ … وظهر خلفه قردٌ كبير يطارده … وارتعدَت «إلهام» للحظات … ولكن القرد الصغير الفَزِع تشبَّث بها وكأنه يستغيث من مطاردة القرد الكبير له … وأخذ القرد الكبير يتنقل من فرع إلى فرع … وهو يصرخ ويشير إلى القرد الصغير الذي ظل متشبِّثًا ﺑ «إلهام» وأحسَّت بجسده الصغير يرتعش خوفًا …
أخذ الشياطين يضحكون على «إلهام» وعلى ولدها الصغير الذي أنزلَتْه من على كتفها وأمسكَتْه بيدها.
وقال «عثمان»: إنه يُشبه «شيتا» في أفلام طرزان!
وقالت «زبيدة» ضاحكةً: حضرتك أم شيتا.
ولكن «شيتا» الصغيرة تسبَّبت في مشكلة لم تكن متوقعةً؛ فقد انحرفت القافلة شمالًا على أحد فروع نهر «تاباخوس» وساروا بمحاذاة شاطئ النهر … وما زال القرد الكبير يتبعهم، ثم فجأةً قفز قفزةً هائلة، وأصبح بجوار «إلهام» وأمسك بذراع «شيتا» الصغيرة وحاول انتزاعها من «إلهام» … وأسرع «عثمان»، و«أحمد» لنجدة «شيتا» …
ولكن القرد العملاق كان شرسًا، وكشَّر عن أنيابه … وكان يمكن لأي واحد من الشياطين أن يقتله برصاصة … ولكن كان من الظلم قَتْلُ حيوان … خاصةً ويبدو أنه أب يعاقب ابنَه الصغير على خطأ ما.
استطاع الشياطين طرْدَ القرد بفروع الشجر … ولكنه ظل يسير موازيًا لهم … وأخيرًا، قال «عثمان»: لماذا لا نضم هذا القرد إلينا؟
«زبيدة»: كيف؟
«عثمان»: إذا جلسنا للطعام دعوناه.
«أحمد»: وليمة للقرد؟
«عثمان»: بعض الطعام الحلو سوف يجذبه.
وعند الظهيرة توقَّفت القافلة عند نقطة في منحنى النهر … وجاء «موكامبا» وقام هو وزوجته بإعداد الطعام … وجلس القرد الصغير على ركبة «إلهام» وأخذ «عثمان» يشير للقرد الكبير بقطعة من الحلوى … وأخذ القرد يصيح ثم يقترب ثم يبتعد … ثم يعود ويدور حول نفسه … و«عثمان» يدعوه … وأخيرًا اطمأن إليهم … وتقدم في هدوء، ومد «عثمان» يده بقطعة الحلوى … وخطفها القرد وابتعد ولدهشة الجميع اختفى تمامًا …
بعد ساعة من الراحة استأنفوا المسير … وبعد ساعة أخرى سمعوا صيحة القرد الكبير … ولكنه هذه المرة لم يأتِ وحده … بل جاءت معه قردة، وعرف الشياطين أن القرد الصغير هارب من أسرته … لسبب لا يعلمونه طبعًا …
توقفت «إلهام» هي و«شيتا» وأخذ «عثمان» يقدم للقرد الكبير قطعةً أخرى من الحلوى، ولكن في هذه المرة اقتربت القردة من «عثمان» وأخذت قطعة الحلوى، ثم أخذت تتذوقها، ولما أعجبها مذاقها مدَّت يدها بها إلى ابنتها الصغيرة …
كانت مفاجأةً مفرحة للشياطين … فقد قفز القرد الصغير إلى حضن أمه، وأخذ يأكل قطعة الحلوى … وسارت القافلة وقد انضم إليها القردة الثلاثة …
قضى الجميع الليل بجوار النيران … بينما أخذ «موكامبا» يتجول حول المعسكر ليلًا … ثم تسلَّم منه «أحمد» الحراسة … وفي الواحدة صباحًا كان الجميع قد ناموا.
وفجأةً أحسَّ «أحمد» بحركة في الأدغال المحيطة بالمعسكر فأعدَّ بندقيته الآلية للإطلاق، ولكن فجأةً قفز القرد الكبير صائحًا، وأخذ يولول ويقفز في كل اتجاه … واستيقظ الجميع … وأسرع «موكامبا» يجول في المنطقة المحيطة ثم عاد وهو يقول: إننا نمرُّ في منطقة «التوباهو»، وهي قبيلة متوحشة يشتهر أفرادها بالبأس والشدة … وهم قصار القامة أشبه بالأقزام … ولكنهم رماة مهرة بالأسهم والحراب!
«أحمد»: لماذا لم تَقُل لنا من قبل؟
«موكامبا»: لم أُرِد إثارة فزعكم.
«أحمد»: هل سمعت من قبل عن بعثة بها عالم عربي اسمه «مشهور»؟
«موكامبا»: لا.
«أحمد»: إن جزءًا من مهمتنا أن نبحث عنه.
«موكامبا»: هل كان يحاول البحث عن كنوز «الأمازون» أيضًا؟
«أحمد»: نعم! …
«موكامبا»: سأقول لك شيئًا هامًّا … إن القبائل التي تعيش في هذه المناطق تعتبر الكنز ملكًا لها … وأي شخص يحاول الوصول إلى الكنز لا بد أن يقضوا عليه!
«أحمد»: هل تعتقد أنهم قتلوا «مشهور»؟
«موكامبا»: لا أستطيع أن أعرف … ولكن معلوماتي أن عددًا قليلًا فقط من الناس الذين ذهبوا للبحث عن هذا الكنز هم الذين عادوا أحياءً.
«أحمد»: ألَا نستطيع التفاهم مع هذه القبائل لسؤالها؟ … إن هذا الأمر يهمُّك أيضًا في العثور على ولدك «سانشيز»!
«موكامبا»: إنهم سيطلبون هدايا.
«أحمد»: معنا بعض الأشياء تصلح لهذا!
«موكامبا»: في هذه الحالة لا بد من الانتظار للفجر.
«أحمد»: وماذا ستفعل؟
«موكامبا»: سنُشعل نارًا ثم نُطلق دخانها بأساليب معينة … إنها إشارة يفهمونها.
قرر الجميع أن يتولَّى الحراسة شخصان بدلًا من شخص واحد … ثم نام الباقون، وفي الفجر … جمع «موكامبا» مع الشياطين بعض الأغصان الجافة … ثم أشعلوا فيها النار … وأخذ «موكامبا» يغطي النيران حتى يتجمع الدخان ثم يطلقها … واستمر هكذا بضع دقائق … وفجأةً سمع الجميعُ صوتَ طبول تدق!
قال «موكامبا»: لقد تسلَّموا الرسالة.
«أحمد»: وماذا بعد ذلك؟
«موكامبا»: إنهم ينظرون إلينا الآن من خلال الأغصان … أخرجوا الهدايا.
أسرعت «إلهام» و«زبيدة» بإخراج بعض العقود والأساور الملونة، فأخذها «موكامبا» ثم علقها على بعض أغصان الشجر …
وسمع الجميع صوت أقدام مسرعة … ثم ظهرت بعض الوجوه السمراء … والأجساد التي لا تغطيها إلا قطع صغيرة من الأقمشة … وبدت الحراب تتقدم خلال الأغصان.
أخذت الشمس تُشرق على استحياء في الغابة الكثيفة … وفي وسط الأحراش بدأ الشياطين ومن معهم داخل دائرة يتقدم إليها رجال «التوباهو». كانت لحظات مخيفةً … وكان الجميع قد وضعوا أسلحتهم ليبدوا مسالمين، وأخذت الوجوه تقترب وتقترب، ووقف «موكامبا» في وسط الحلقة مستعدًّا للحديث.