أعداء في كل مكان!
وقف الجميع ينظرون إلى أفراد قبيلة «التوباهو» وهم ينظرون إلى الحُليِّ المنثورة أمامهم دون أن يتقدموا لالتقاطها … ثم تحدَّث إليهم «موكامبا» بلغتهم … ولاحظَ الشياطين أن الحديث يدور في شكل عصبي وأن إشاراتهم إلى الحلي إشارات غاضبة، وظنَّ الشياطين أن أفراد القبيلة لا تُعجبهم الحلي … ولكن المشكلة كانت أكبر من هذا …
قال «موكامبا» للشياطين: إن قبيلة «التوباهو» تتهمنا بخطف ثلاثة من أبنائها!
«أحمد»: ألم تقل لهم الحقيقة؟
«موكامبا»: قلت لهم إنكم لم تمروا هنا من قبل، وإن أشخاصًا آخرين هم الذين خطفوا أبناءَهم الثلاثة!
«أحمد»: قُل لهم إنهم خطفوا ابنَك أيضًا.
«موكامبا»: لقد قلت لهم ذلك … ولكنهم لم يصدقوني … إنهم يريدون إعادة أبنائهم، وإلا قضَوا علينا.
كان مأزقًا فريدًا وخطيرًا لم يسبق للشياطين اﻟ ١٣ المرور بمثله … وقالت «إلهام» مشيرةً إلى زوجة «موكامبا»: تحدَّثي إليهم أنتِ أيتها السيدة «موكامبا» … إنهم سيعرفون أنكِ لا تكذبين!
تقدمت السيدة «موكامبا» من القبيلة، وأخذَت تتحدَّث إليهم … وهي ترفع يدَيها إلى فوق … ثم عندما جاء اسمُ ابنها «سانشيز» في الحديث بكَت … وانهالَت دموعها بشدة … وأخذ الشياطين يرقبون التعبيرات على وجوه أفراد القبيلة … لقد بدءوا يتأثرون بالحديث فعلًا!
ساد الصمتُ لحظات بعد حديث السيدة «موكامبا» … ثم تقدَّمت سيدة ضخمة نسبيًّا … وأمسكَت بذراع السيدة «موكامبا» ووجَّهت الحديث إلى القبيلة … وكان واضحًا أنها تدافع عنها … واستمرت السيدة تتحدث … ثم تقدَّم زعيم القبيلة بما يضعه على رأسه من تاج من خرز وأمسك أحد الأساور وأخذ يتأملها بإعجاب، وعرف الشياطين أن القبيلة قد اقتنعَت.
تحدث «موكامبا» مع الزعيم الذي شرح له ما حدث … وكيف مرَّت قبيلة بيضاء «يقصد قافلة العلماء»، وأهدوهم بعض الهدايا، ثم انتهزوا فرصة الظلام وخطفوا ثلاثةً من شباب القرية، وعندما طاردوهم، فوجئوا بأنهم يحملون أسلحةً فتاكةً تقتل من إصابة واحدة «يقصد البندقية» … وأنهم تراجعوا خوفًا من أن يقضوا عليهم … وترجم «موكامبا» هذا الحديث للشياطين …
فقال «بو عمير»: إنهم عصابة من القتلة وليس العلماء.
«زبيدة»: إن مَن يسعَون للاستيلاء على كنز من هذا النوع لن يترددوا في القضاء على كلِّ مَن يتعرض لهم.
قال «أحمد» لموكامبا: اسأل زعيم «التوباهو» عن الكنز … وماذا يعلم عنه؟
وتحدث «موكامبا» … إلى الزعيم ورد عليه، ثم ترجم «موكامبا» الحديث إلى الشياطين.
قال «موكامبا»: الزعيم يقول إن الكنز موجود … وإنهم سمعوا عنه منذ سنوات بعيدة … وهم يسمعون أنه موجود في وادٍ يُسمَّى «وادي الضفادع» … وأن هذا الوادي خطيرٌ جدًّا … ولم يستطع أحد أن يخرج منه حيًّا … وأن هناك رجلًا يسيطر على هذا الوادي … ويسعى للحصول على الكنز … ولكنه حتى الآن لم يتمكن من العثور عليه.
قال «أحمد» لموكامبا: اطلب منه أن يصحبَنا مع مجموعة من رجاله … لعلنا نعثر على أبنائهم المخطوفين، وقل له إننا لا نطمع في الكنز … ولكننا جِئْنا للبحث عن صديق.
ونقل «موكامبا» هذا الحديث للزعيم الذي تحمَّس جدًّا … واختار خمسة رجال من رجاله الأقوياء … وقال إنه يعرف طريقًا مختصرًا إلى «ماتوجروسو» يمرُّ عبرَ سلسلة من البحيرات الصغيرة، ولكن المشكلة أن هذا الطريق هو موطن «الأناكندة» الأفعى العملاقة …
سأل «أحمد»: كم يوفر هذا الطريق من الوقت؟
تحدَّث «موكامبا» إلى الزعيم، ثم قال: إنه يختصر أكثر من سبعة أيام من الطرق الوعرة في الغابة.
«أحمد»: إذن سنسلك طريق البحيرات … إنه يستحق المغامرة، ولنكن على حذر!
قضى الجميع ذلك اليوم في الاقتراب من منطقة البحيرات … وعندما وصلوا إليها لم يصدق الشياطين عيونهم … لقد كانت أجمل منطقة في العالم … جمال طبيعي لم تُفسده يدُ الإنسان، وكانت هناك مجموعة من القوارب الصغيرة المصنوعة من الخشب والجلد … وأخذ الزعيم يوزِّع الموجودين على هذه القوارب، ثم ركب قارب القيادة وطلب منهم أن يتبعوه … فتبعوه جميعًا، وقفزت القردة الثلاثة إلى القوارب …
قالت «زبيدة»: إنها جنة.
«عثمان»: لا تنسَي أن بها «الأناكندة».
«زبيدة»: ليست «الأناكندة» بأخطر من غيرها على الأقل أنها أفعى ضخمة يمكن رؤيتها!
وسارت قافلة القوارب مع التيار فترةً من الوقت، حتى انقضى النهار تقريبًا، وأشار الزعيم بالتوقف عند جزيرة صغيرة، ربط بها قاربَه وفعل الجميع مثله.
كان ثمة كوخٌ من الخشب وغصون الأشجار في وسط الغابة، وأحاط معسكر القافلة بهذا الكوخ … واجتمع الزعيم مع رجاله الخمسة وأخذ يتحدث إليهم حديثًا سريعًا موجزًا … ثم استدعى «موكامبا»، وقال له: في الغد سوف ندخل أرض «الأناكندة» … فهل عندكم أسلحة لقتلها؟
قال «موكامبا»: نعم أيها الزعيم … إن عندنا أسلحةً مثل التي رأيتها عند الرجال البيض … يمكن أن تقتل بطلقة واحدة!
قال الزعيم: إننا سنذهب معكم وقد لا نعود … فإذا عاد منكم أحدٌ فيجب أن يُخطرَ قبيلتنا بما حدث.
نقل «موكامبا» هذا الحديث إلى «أحمد»، فقال: قُل للزعيم ألَّا يخاف شيئًا وهو معنا … إننا مقاتلون أشداء … قد تمرَّسنا على القتال … وسوف نستطيع اجتياز الطريق ومعرفة مكان أبناء القبيلة.
وعندما نقل «موكامبا» حديث «أحمد» إلى الزعيم ابتسم، وأخذ يشدُّ على يد «أحمد»، قام شباب القبيلة بالنزول إلى المياه … ومعهم شباك بدائية بسيطة ولكن … قبل أن تُغرب الشمس شاهدهم الشياطين وهم يعودون بحصيلة رائعة من الأسماك … قاموا بتنظيفها سريعًا بخناجرهم الحادة … ثم ألقَوها في النيران …
تناول الجميع عشاءً فاخرًا من الأسماك المشوية … ثم وُضع نظام للراحة، ونام الجميع حول النيران المشتعلة وبدا كلُّ شيء هادئًا في تلك الليلة … ولكن قرب منتصف الليل شاهد أحدُ الحراس ضوءًا يتحرك على مياه النهر … وأخذ يرقب الضوء لحظات ثم أسرع إلى زعيم القبيلة فأيقظه من النوم … وأخذ الزعيم ينظر إلى الضوء المتحرك ثم أسرع يوقظ «موكامبا» …
بعد دقائق كان الجميع قد استيقظوا … وكان الزعيم أكثرهم اضطرابًا … كان يقول «لموكامبا»: هذه القوارب خاصة بقبيلة «كوكو» أخطر قبائل النهر … إنهم أعداء ألدَّاء لنا … وسوف يقضون علينا!
ترجم «موكامبا» الحديث إلى «أحمد» …
فقال له «أحمد»: قل للزعيم إننا سندافع عنه.
ثم استعدَّ الشياطين الخمسة كلٌّ منهم ببندقيته الآلية، ووقفوا جميعًا ينظرون إلى المياه السوداء … والضوء يتحرك قادمًا في اتجاههم.