وادي الضفادع!
صوَّب الشياطين الخمسة بنادقهم … ثم أطلقوها دفعةً واحدةً على الضوء المتحرك … وارتعش الضوءُ لحظات … وارتفعَت صيحات … ثم غاب الضوء، وساد الظلام … ولكن الصراخ استمر من ركاب القارب الذي كان قادمًا إلى الجزيرة، وأطلق «موكامبا» صيحة ابتهاج …
وقال: لقد أصبتم «الكوكو» في مقتل … إنهم يخافون هذه الأسلحة الفتاكة التي تقتل من أول ضربة!
وأخذ «موكامبا» يتحسس البنادق في إعجاب فقال «أحمد»: سوف أعطيك واحدةً منها عندما نعود.
صاح «موكامبا» في سعادة: أنت شابٌّ عظيم!
وقضَوا ليلةً هادئةً … وفي الصباح غادروا الجزيرة إلى أرض «الأناكندة» … ومرة أخرى أخذ «موكامبا» يشرح لهم خطورة أرض الأفاعي … وأعد الشياطين البنادق … وعندما هبطوا إلى البر … أخذوا يتلفتون حولهم … لم يكن هناك شيء غير عادي …
قال «موكامبا»: إنكم لن ترَوها إلا إذا تحركت … فهي ككل الحيوانات تتلون بلون المكان الذي تعيش فيه!
وساروا عبر الممرات الضيقة … وسمعوا من بعيد صوت طبول تدق ثم تختفي شيئًا فشيئًا!
قال «موكامبا»: إنها طبول «الكوكو» … وهي رسالة تقول إنهم لن يتعرضوا لنا بأذًى بعد الآن!
«أحمد»: وكيف يعيش هؤلاء وسط الأفاعي؟
«موكامبا»: لقد عاشروها طول عمرهم … إنهم يرونها حتى لو كانت مختفيةً في أعماق الغابة … وهم يصطادونها كلَّ يوم تقريبًا؛ لأنهم يبيعون جلدها ويأكلون لحمها! …
ومضَوا في طريقهم نحو ثلاث ساعات … عندما أخذت القردة الكبيرة تدق رأسها وتُوَلول … وتوقَّف الجميع … فقد أدركوا أن خطرًا ما يَحدِق بهم، وفعلًا لاحظت «إلهام» حركةً في الأدغال … وأمعنوا النظر إليها. لقد كانت أفعى من «الأناكندة» تتحرك في بطء في اتجاه القردة الصغيرة «شيتا» …
وقال «أحمد»: اتركوها لي!
ووقف الجميع وقد احتبست أنفاسهم … وارتكز «أحمد» على ركبته، وحدد رأس الأفعى هدفًا … ثم انتظر وكتم أنفاسه حتى خرج الرأس يسعى إلى فوق … وأطلق «أحمد» طلقةً واحدةً شقت السكون في الغابة … وقفزت الأفعى قفزةً مخيفةً في اتجاه «أحمد»، ولكن وهي في الهواء، وقبل أن تسقط على الأرض عالجها «أحمد» بطلقة أخرى، فارتمت على الأرض تتلوَّى … وظلَّت حركتُها فترةً ثم هدأت … وسكنت إلى الأبد …
اقترب الجميع منها … كانت أفعى ضخمةً يزيد طولُها على عشرة أمتار … وانقضَّ عليها أبناءُ القبيلة … وأشهروا خناجرهم فيها يسلخونها … ويحتفظون بجلدها.
ساروا في الطريق … ثم توقفوا لتناول الغداء من بعض الطيور التي اصطادها أفراد القبيلة بالسهام الصغيرة … وكان غداءً شهيًّا … ومضوا في طريقهم مرةً أخرى عبر أدغال «الأناكندة» المخيفة.
وفجأةً توقف زعيم القبيلة، وأخذ يتحدث إلى «موكامبا» في عصبية، ونقل «موكامبا» الرسالة إلى الشياطين فقال … إن أحد رجاله قد اختفى، وبسرعة انتشر الشياطين.
في نفس اللحظة شاهد «بو عمير» مشهدًا قد لا يراه مرةً أخرى … كانت إحدى أفاعي «الأناكندة» تلتفُّ حول أحدِ شبان القبيلة، وقد بدَا عليه الرعب فلم يستطع حتى الصياح … كان يحاول التخلص منها، ولكن عضلاتها القوية كانت تقبض عليه، وكانت تُدير رأسها ناحيته لتعضه … وهو يضربها يمينًا وشمالًا، كانت لحظات مرعبةً، ولكن «بو عمير» الذي تعود المفاجآت استجمع كل مهارته ثم أطلق رصاصةً قاضيةً أصابت الأفعى في رقبتها فقطعتها وتركتها تتدلَّى …
كانت طلقةً موفقة … وارتخت عضلات «الأناكندة» سريعًا … واندفع بقية أفراد القبيلة لإنقاذ زميلهم وأخذوا يشدون جسم الأفعى الضخم، وتم إنقاذ الرجل …
مضى يومان دون أن يحدث شيء، ثم وقفوا أمام سلسلة من الجبال الشاهقة، وقال «موكامبا» إن زعيم القبيلة يقول: إننا الآن قرب «ماتوجروسو» وهي أشد مناطق البرازيل وحشيةً … هنا كما يقولون سقطت الطائرة … ولقي عشرات من الباحثين حتفَهم، فهل أنتم مصممون على المغامرة؟
رد «أحمد»: لا شك في ذلك … لقد قطعنا كل هذا الطريق من أجل هذا الهدف!
تحدث «موكامبا» مع الزعيم فترةً طويلة، ثم قال «لأحمد»: إن الزعيم يعرف طريقًا داخل الجبل، يمرُّ في مغارة هي معبد للهنود البرازيليين منذ زمن قديم، والذين نقلوا أخبار الطائرة يقولون إنها سقطت في وسط هذه الجبال؛ حيث يوجد «وادي الموت» … وهو الوادي الذي تسيطر عليه القوى الشريرة، وحيث لا يمرُّ منه إنسانٌ حيٌّ!
فكَّر «أحمد» لحظات ثم سأل: وكيف يموتون؟
تحدَّث «موكامبا» مع الزعيم لحظات، ثم قال: إن الزعيم يقول إنهم يموتون بالأرواح الشريرة … فهم يصابون بمرض قصير ثم يموتون دون أن يعرف أحد كيف ماتوا؟
قال «أحمد»: لا بأس … سنرى ما يحدث في هذا الوادي.
تحدث «موكامبا» إلى الزعيم الذي أبدى خوفه، ولكن «أحمد» طَمْأنه إلى أنهم يعرفون كيف يتعاملون مع الأرواح الشريرة …
قضوا الليل عند سفح الجبل، وفي الصباح قادهم الزعيم خلال ممرٍّ وسط الجبال تُغطِّيه الأحراش والأشواك … وتجري فيه عشرات من الحيوانات المتوحشة.
وعندما أشرفوا على نهاية الممر، شاهدوا تحتهم ما يُشبه أطلال مدينة قديمة قد طَفَت عليها الأعشاب … وحولَها ممراتٌ من المياه السوداء …
وقال «موكامبا»: هذه المياه تملؤها التماسيح!
وتحدَّث الزعيم إلى «موكامبا»، الذي قال: إن هذه التماسيح كما يقول الزعيم مفترسة … وتحرسها الضفادع العملاقة!
ابتسم الشياطين لهذه المعتقدات الغريبة، وقال «أحمد»: سنذهب وحدنا أولًا … انتظرونا هنا.
وأخذ الشياطين أسلحتهم، وحاولوا أن يتركوا الجميع خلفهم، ولكن القردة الثلاثة أخذوا يتقافزون حولهم … ورفضت تمامًا أن تبقى!
كان الوقت قرب الغروب عندما اقتربوا من المدينة القديمة … وكانت القردة تسبقهم، وعند أولِ مجرًى مائيٍّ شاهد الشياطين التماسيح الضخمة وهي تمرح في المياه.
تقدم القرد الصغير «شيتا» من النهر، ولكن القرد الكبير جرى خلفه … وأخذ القرد الصغير يصرخ، وفجأةً شاهد الشياطين ضفدعةً كبيرة الحجم تقفز من المياه ثم تلتصق بالقرد الصغير الذي صاح فزعًا …
أسرع الشياطين إلى القرد الصغير … وكم كانت دهشتهم عندما تحوَّلت صرخاتُه إلى بكاء هامس، ثم أخذَت حركتُه تسكن تدريجيًّا!
قالت «زبيدة»: ماذا حدث؟
التفَّ الشياطين حول القرد الصغير الذي أخذ يتنفَّس بصعوبة. وفي هذه اللحظة دوَّى طلقٌ ناري، ومرَّت رصاصة بجوار أُذُن «أحمد»، وارتطمَت بصخرة خلفه فأحدثَت دويًّا في الوادي الساكن.
استلقى الشياطين على الأرض، وزحفوا بجوار جدار قديم …
وقال «عثمان»: لقد أتَت الطلقة من اتجاه الغرب!
«أحمد»: إنهم بلا شك هؤلاء الذين سبقونا وخطفوا ابنَ «موكامبا» … وأبناء القبيلة!
«عثمان»: هل ننتظر الظلام؟
«أحمد»: على العكس … سنعود إلى أصدقائنا الآن … يجب أن ننتظر الصباح لنعرف ماذا نفعل.