كلمة المؤلِّف
الفلسفة بحر لا يُعرف له قرار. تحتاج في معرفتها إلى العلم بما قاله القدماء، وما ذكره المُحدثون، وهو شيء لا تُحيط به إلا المتون والمطوَّلات.
وليس غرضنا الإحاطة الشاملة بما يُقال في الفلسفة قديمًا وحديثًا. وإنما رأيت أن أُضيف إلى الموجود في اللسان العربي فصولًا لم يلتفت إليها غيري من المؤلِّفين، فتلقي الضوء على بعض الجوانب المجهولة، أو تزيد الناس بها بيانًا.
لذلك كان هذا الكتاب جَوْلةً في عالم الفلسفة، لا إحصاءً لدقائق هذا العالم الفسيح. أو هو زهرات من بستان الفلسفة، أُقدِّمها للقُرَّاء باقةً يَشُمُّون منها عبير الفكر.
وبعض هذه الفصول يُعبِّر عن رأيي الخاص، وهي ثمرة تفكير متصل طويل.
وقد تختلف معي في بعض الآراء التي انتهيت، وعلى الخصوص ما كان منها مبتكرًا.
ولكني لا أرهب الخلاف في وجهة النظر؛ لأن استقلالك بالرأي هو الدليل على عمق النظر.
ومن العسير الاتفاق في الفلسفة على رأي واحد، وهذا تاريخها يُفصح عن تباين شديد قد يذهب إلى حدِّ التناقض. والخلاف بين أفلاطون وأرسطو أشهر من أن يُذكر، حتى لقد احتاج الفارابي إلى تأليف كتاب في الجمع بين رأيَي الحكيمَين والتوفيق بينهما.
والغرض الذي أرمي إليه، إلى جانب العلم بموضوعات لم يسبق معرفتها، أن أُثير اهتمام القارئ حول هذه الموضوعات، فيسعى إلى التوسُّع فيها.
وممَّا يُشجِّعني على ذلك إقبال الجمهور على قراءة كتب الفلسفة، بعد أن أُحسن استقبال كتابي السابق «معاني الفلسفة».
وهذا دليل على اليقظة الفكرية، والنزعة إلى التقدُّم والرُّقي.
نوفمبر ١٩٤٨