أورفيوس والنِّحلة الأورفية
ويعتقد أرسطو أن أورفيوس لم يكن له وجود.
غير أن سائر المؤرِّخين كانوا يعتقدون أنه شخصيةٌ حقيقية، إلَّا أنه كان يعيش في أزمنة بعيدة.
وأغلبهم يعتقد أنه كان يعيش قبل هوميروس بعدَّة قرون، خصَّصها بعضهم بأنها أحد عشر جيلًا قبل حرب طروادة. وقال البعض الآخر: إن أورفيوس نفسه عاش من تسعة أجيال إلى أحد عشر.
ويقول هيرودوت: إن أورفيوس جاء بعد هوميروس، وبعد هزيود. ومصدر هذا الرأي في الغالب الاعتقاد بأن الأشعار الأورفية متأخِّرة عن إلياذة هوميروس. وهو عند هيرودوت يخلُف هوميروس مباشرة.
والرأي السائد في العصر الحديث هو أن أورفيوس أسبق من هوميروس. أمَّا الشِّعر الأورفي فلاحقٌ لهوميروس وهزيود، وأنه يرجع إلى القرن السادس قبل الميلاد.
ونسبه إلهي؛ فأُمُّه إلهة الشِّعر كاليوب، وهي المتربِّعة على عرش الشِّعر الغنائي.
ولسنا نعرف عن حياته إلَّا ما تذكره الأساطير.
ويُصوِّره أبولونيوس روديوس (٢٤٠ قبل الميلاد) في قصيدته الغنائية مغنيًا دينيًّا. ونجده في القرن الرابع بعد الميلاد مغنيًا في قصيدة لشاعر مجهول، وكذلك في كتابات أورفية أخرى.
وصاغ الرومان هذه القصة على نسق ما وجده في الإسكندرية. وفحوى القصة نزول أورفيوس، حيث يُشجي الآلهة في العالم السفلي بموسيقاه، ثم إطلاق سراح زوجته، وعدم الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه ألَّا ينظر إليها حتى يصعدا إلى السماء. وأكبر الظن أن هذه الخرافة التي تُحدِّثنا عن النظر إلى الخلف خُرافة قديمة، ممَّا يدل على قِدَم القصة نفسها.
وبهذه الطريقة تيسَّر لأورفيوس أن يطَّلع اطِّلاعًا مباشرًا على ما يجري في العالم السفلي، وأن ينقُل هذه المعرفة إلى أتباعه.
وبعد أن فقد زوجته أوريديس عاش أعزب. وتروي الأقاصيص المتأخِّرة أنه أصبح يُفضِّل بعد ذلك صُحْبة الرجال.
ويختلفون في قصة وفاته.
يقول بعضهم إنه انتحر، كما ذكر بوزانياس ولو أنه لا يُصدِّق الرواية.
ويقول البعض الآخر إنه مات ضحية الرعد.
ويذهب البعض إلى أن انتشار حملة الفلاسفة على المشبِّهة كان سببًا في عقاب أورفيوس؛ إذ تناول الآلهة بحديث سوء.
ودُفن في ديون من أعمال مقدونيا. ورأى بوزانياس قبره المزعوم.
ويذهب المتأخِّرون من المؤرِّخين إلى أن رأسه انتقل في نهر إيبروس إلى لِسبوس، حيث دُفن هناك.
•••
يُنسب أورفيوس إلى آلهة الشِّعر؛ فأُمُّه كاليوب إلهة الشِّعر الغنائي وأبوه أبولون. وكان مبشِّرًا بدين ديونيسوس.
وكانوا يَعُدُّونه في الزمن القديم مغنيًا صاحبَ صوت جميل، تنقاد إلى أنغامه وموسيقاه جميع الكائنات، كأنها واقعةٌ تحت تأثير السحر، ويستطيعُ أن يستأنسَ الوحوش الضارية في هذا العالم، والقوى المخيفة في العالم الآخر. وهو كذلك المعلِّم والنبي الذي يكشف الأسرار ويُفسِّرها؛ مثل أصل الآلهة وطبيعتها، والطريق الصحيح الموصل إليها، والسلوك الذي يجب على الناس اتِّباعه في الدنيا والآخرة، والقواعد التي تجري عليها النفس لتبلغ مقرَّها الصحيح.
كانت تعاليمه مزيجًا من التعاليم الآسيوية والإغريقية.
موسيقاه سحرية في تأثيرها، وكان كغيره من سَحَرة الشرق يُعلِّم تلاميذه تعاويذَ ورقًى تقيهم الشر والسوء.
ويظن بعض المؤرِّخين أن قصة مقتله على أيدي الميناديات تُبيِّن مقدار ما كان يُقاسيه من معارضة المظاهر المتطرِّفة في ديانة الخمر.
وقَبِل الإغريقُ التأليف الذي أحدثه، فوفَّق بين أبولون وديونيسوس، بين الشِّعر والخمر، كما نجد في دلفي.
غير أن تعاليمه المعقَّدة من الوجهة النظرية، والتي كانت تحتاج إلى مجهود عظيم في تأديتها من الوجهة العملية، لم تظفر إلَّا بعدد قليل من الأتباع، سمَّوا أنفسهم الأورفيين، وهم شِيعةٌ اتخذوا ديونيسوس إلهًا عبدوه على طريقتهم الخاصة، واتخذوا نقباءَ يقومون برسوم الطهارة لمن يُريد ذلك.
وبقي نفوذ هؤلاء النقباء موجودًا حتى القرن الرابع قبل الميلاد؛ فنحن نجد ثاوفراسطس، زعيم مدرسة المشَّائين بعد أرسطو، يُرسل إليهم «الرجل المتطيِّر» هو وزوجته وأبناءه مرةً كل شهر.
وكان اعتماد هؤلاء النقباء على كتب مقدَّسة تُعَد إنجيل النِّحلة الأورفية.
•••
وتختلف الأساطير الدينية والأغاني الشعبية في تصوير هذا المذهب، ولا نُحب أن نقف عند كل أسطورة، وإنما نستخلص من هذه الروايات ما ذكرته هذه النِّحلة خاصًّا بأصل العالم، وخلق الكون، وحقيقة الإنسان.
في المبدأ كان الزمان، وهو المبدأ الأول.
وكان الزمان وحشًا مخيفًا في صورة ثعبان له رءوس ثلاثة:
رأس ثور، ورأس أسد، ووجه إله بينهما.
وكان يُسمَّى أيضًا هرقل.
وفي رواية أُخرى أن البيضة انفلقت نصفَين فصار أحدهما السماء، والآخر الأرض.
وفي رواية ثالثة أن القشرة ذهبت فأصبحت قبة السماء، واتحد الأثير مكان الغرقى. أمَّا المُحُّ الذي يُمثِّل الخصب فهو السحاب.
ونحن نجد بين هذه الأسطورة التي تُصوِّر بدء الخلق، وأساطير قدماء المصريين شبَهًا عظيمًا.
وتطفو جزيرة على وجه الماء وعلى قِمَّتها بيضة.
ونرجع إلى أسطورة النِّحلة الأورفية.
فانس أو النور هو أول ما أنجبت الآلهة. والنور هو خالق هذا الكون وجميع ما يحويه. وهو يحمل أجنحةً ذهبيةً فوق كتفَيه، وهو كائن يتركَّب من الجنسَين، وله جسمان.
أمَّا رواية هيرونيموس وهلانيكوس فتجعل له رءوس ثور في جنبَيه، وفوق رأسه ثعبان يتصوَّر ويتحوَّل إلى جميع أنواع الحيوان، ومن هنا كانت له القدرة على خلق جميع الحيوانات ذكورًا وإناثًا. ومن أسمائه أو صفاته زيوس، وديونيسوس (الخمر)، وإيروس (الحب)، وبان (التناسل)، وميتيس (العقل)، وإيريكيبايوس. والأسماء الخمسة الأولى كانت من صفاته باعتبار أنه خلَقها كما خلق الآلهة، فجميع الأساطير تُحدِّثنا أنها انحدرت منه، وخرجت من صلبه.
أمَّا الصفة الأخيرة «إيريكبايوس» فليست إغريقية، والأغلب أنها اسم شرقي، ومدلوله غير معروف تمامًا. ويُؤوِّلونه بأنه القوة، ويذهب بعضهم إلى أنه «واهب الحياة».
ثم أنجبت النور ابنةً هي «الليل»، نقيضه وشريكه. ثم اتخذ هذان المبدآن مرةً ثانية فكوَّنا جايا وأورانوس؛ الأرض والسماء. واتَّحدت الأرض والسماء فأنجبا ثلاث بنات وستة بنين منهم الرعد والبرق.
وتغلَّب كرونوس فصرع أورانوس أباه، وتزوَّج أخته ريا، فلمَّا أنجبا ابتلع أبناءهما حتى لا يخلفاه في القوة.
ثم شرع زيوس يُرتِّب أمور العالم أو الكون، ولم يكن ذلك بغير معارضة.
واستطاع التيتان (مرَدة وشياطين) أن ينزعوا الطفل من حِراسة الكوريتين، بأن اجتذبوا أبصاره باللُّعَب ثم مزَّقوه إرْبًا إرْبًا، وأكلوا لحمه. ولمَّا علم زيوس بهذه الجريمة، أنزل عقابه على التيتان فأبادهم؛ إذ سلط عليهم الرعد والبرق. ثم أعاد ديونيسوس الطفل إلى الحياة، وأصبح ديونيسوس الجديد إله الأورفية. وُلد ثلاث مرات؛ فقد كان موجودًا في شخص فانس، ثم ابن برسيفوني، ثم الإله الذي عاد إلى الحياة.
وجمع زيوس رماد التيتان، وخلق منه الإنسان، فكان بذلك صاحب طبيعتين؛ طبيعة الإثم ورثها عن التيتان، وطبيعة إلهية أخذها عن ديونيوس الذي أكل التيتان لحمه.
وهكذا تتم الأجيال الستة للآلهة؛ الزمان والأثير والعماء، ثم النور ومعه نقيضه الليل، ثم السماء والأرض، ثم كرونوس وريا، ثم زيوس وبرسيفوني، ثم ديونيسوس.
فإذا وازنَّا بين هذه الأسطورة الأورفية، وأساطير اليونان الأخرى؛ وجدنا أن الأورفية عدَّلت في الأساطير الشائعة، أو أخذت منها ما يُلائم مذهبها. ونظرة يسيرة إلى أساطير هزيود تُبيِّن لنا ذلك. ونحن لا نجد في أسطورة هزيود الزمان، أو البيضة الخصبة، أو النور، أو ديونسيوس، أو التيتان، ولكنها ضرورية في مذهب أورفيوس لبيان أصل الأشياء، وطبيعة الآلهة والإنسان، وطبيعة الحياة الأورفية.
•••
وتُرَتِّب الأورفية على هذا التصوُّر الإلهي والكوني نظريةً تخص طبيعة الإنسان ومصيره؛ فالنفس في المذهب الأورفي تتميَّز تمامًا عن الجسد. فالبدن، وهو العنصر التيتاني، سجن أو قبر للنفس. وتذهب بعض الاستعارات الأخرى إلى أنه جلباب، أو شبكة، أو حصن. وتدخل أو تنفذ النفس، وهي العنصر الديونيسي، إلى البدن باستنشاق «الكل» الذي تحمله الرياح. وغاية الحياة في النِّحلة الأورفية أن نجنح نحو العنصر الإلهي، وأن نحفظ البدن في حالةٍ من الطهارة ما أمكن إلى ذلك سبيلًا، حتى يحين الوقت الذي تنطلق فيه تمامًا من عِقالها وتكتسب حريتها.
فالنِّحلة الأورفية تُعلِّم أتباعها الطبيعة الحقيقية للأشياء، ويدخل في ذلك مصير النفس، ومن جهة أخرى القواعد التي تسير عليها النفس لتبلغ مستقرَّها الصحيح.
وكانوا يعتقدون أن اتصال النفس بالبدن هو عقاب إثم قديم في حياة أخرى، أو عقوبة للخطيئة الأولى التي ارتكبها الجنس البشري، ونعني بها: تذوُّق التيتان لحم ديونيسوس، ومن التيتان نشأ الإنسان.
ولمَّا كان البدن بما فيه من شهوات هو منبع الشر، فينبغي للأورفيِّ أن يكون زاهدًا. لا يجب عليه أن يأكل لحم الحيوان، أو يُشارك في الذبح، وإراقة الدماء، ولكن له أن يُضحي.
وهناك بعض المجرَّمات عند النِّحلة الأورفية يُجهل مصدرها. مثال ذلك النهي عن لبس الصوف في المعابد أو الهياكل، وكذلك اتخاذ الأكفان من الصوف، وهي عادات موجودة عند قُدَماء المصريين.
ومع أن البدن شر، فلم تُجِز الأورفية الانتحار؛ إذ في ذلك هروب من الواجب. وهذا شبيه بما يُحدِّثنا عنه سقراط في محاورة فيدون، إذ لم يُجِز الانتحار.
يجب على النفس أن تبقى مع البدن حتى تستكمل مدة العقوبة المفروضة عليها من الذنب الأول.
وأكبر الظن أن الأورفية كالفيثاغورية، كانت تذهب إلى التناسخ. ذلك أن تناسخ الأرواح، وانتقالها من بدن إلى آخر مطلوب للطهارة. ونحن لا نجد نصًّا صريحًا لأورفيوس في هذا المعنى، إلَّا أن اللغة التي يستعملها أفلاطون في فيدر وفيدون وجورجياس ومينون والجمهورية، توحي إلينا أنها لغة أورفيوس وأسلوبه وتعبيراته.
وفي أثناء حياة النفس داخل البدن على وجه الأرض، يجب عليها أن تتبع قواعد الطعام والراحة، وأن تخضع لعباداتٍ منظَّمة تجري على يد الكاهن. أمَّا هذه العبادات أو الرسوم ما هي فنحن نجهلها. قيل في بعض الأحيان إنها شكلية بحتة، وإنه من الممكن شراء «كتب النجاة».
وأكبر الظن أن الأورفية كغيرها من الديانات الغامضة السرية، كانت تُقيم نوعًا من العبادة الجمعية، تجري فيها الأدعية والترتيل والأغاني والتضحية بغير الحيوان، ثم ذكر الأسطورة الأورفية، وما جرى لديونيسوس، وغير ذلك.
فإذا اتبع المُريد هذه العبادات كما ينبغي، وآمن بها؛ فقد يصل إلى السعادة الدائمة الأبدية في العالم الآخر، وذلك عندما يتخلَّص من البدن ويلحق بالصالحين. أمَّا أولئك الذين يعيشون حياة الفسق والفجور، فإن عقابهم لشديد أبدي؛ إذ يُلقَون في الوحل والطين، أو يُكلَّفون أعمالًا لا نهاية لها، كأن يملئوا الغرابيل.
ويبدو أن صورة هذه الحياة السعيدة تتخذ في بعض الأحيان صِبغةً مادية، على العكس من حياة الزهد المطلوبة في هذه الحياة الدنيا. فنحن نجد أوديمونتس في الجمهورية يتهم موزايوس وأورفيوس بأنهما يجعلان الحياة الطيِّبة ليست شيئًا آخر إلَّا الطعام والشراب الخالدَين. أمَّا مقر الروح الأخير، فالأغلب أنه وصف بأنه جزر السعادة، حيث يعيش القِدِّيسون في نعيم مُقيم كالآلهة، وهو وصف يُفسح المجال إلى المادية، كما يُفسح المجال للتأويل الشِّعري.
وعندما تُفارق الروح البدن عند الموت، فإنها لا تبلغ مقرَّها في الحال؛ إنها تسبح في العالم السفلي، وتصف الأورفية عباداتٍ خاصةً يقوم بها المُريدون. ونحن نعلم عن هذه العبادات ممَّا وصلنا منقوشًا على الألواح الذهبية التي كُشف عنها في مقابر إيطاليا وكريت. وآنية إيطاليا أقدم في التاريخ، وترجع إلى القرن الرابع قبل الميلاد. أمَّا آثار كريت فإنها ترجع إلى القرن الثاني قبل الميلاد. هذه الألواح كان الغرضُ منها أن يحملها الميت، وفيها أبياتٌ من الشِّعر تُبيِّن الطريق الصحيح لمن يُريد الوصول.
ويروى أن النفس سوف تذهب إلى ينبوعَين بجانب أبهاء زيوس؛ أحدهما إلى اليسار، وهذا الينبوع يجب تجنُّبه؛ لأنه ماء النسيان، تشربه الأنفس التي سوف تعود إلى هذه الدنيا.
أمَّا الينبوع الذي إلى اليمين فهو الذي تشرب منه النفس، هو الذاكرة، وإلى جانبه حُرَّاس تتوجَّه إليهم النفوس لتصل بينهما وبين الآلهة قائلة: إني ابنة الأرض والسماء، وأَمُت إلى الجنس السماوي، إنني أموت عطشًا. هبني ماءً زُلالًا من بُحيرة الذاكرة. وعندئذٍ يهب الحُرَّاس النفس ماء الينبوع الإلهي؛ فترقى إلى مرتبة الأبطال.
فالنفس تلتمس الآن وقد حضرت طاهرة، من برسيفوني أن ترقَّ لها وتُرسلها إلى مقرِّ الأبرار الأطهار. لقد خرجت النفس من الدائرة؛ أي خرجت من دائرة التناسخ، وخطت نحو التاج بخطًا سريعة، والتاج رمز النصر، وفرَّت من أحضان حادس أي الجحيم.
والجواب إذا كان ملائمًا أن ترفع النفس إلى درجة الآلهة لا البشر.
•••
وكانت تعاليم الأورفية الباطنة سرًّا محجوبًا إلَّا عن المريدين، كسائر الأديان السرية. وكان أصحاب الأورفية يعملون على حفظ أسرارهم، باستعمال لغة من الاستعارات، لغة رمزية لا يفهمها إلَّا المُريدون، وتحتاج إلى تفسير. ثم ظهرت معاجم في عصور متأخِّرة تُفسِّر وتكشف أسرارهم، كما نجد عند كليمان الإسكندري وهو يُفسِّر قصيدةً أورفية.
ولا نستطيع أن نُبيِّن أثر الأورفية في الفلسفة اليونانية على وجه التحقيق، نظرًا إلى غموض تاريخ الكتابات الأورفية. ومع ذلك فلا شك في وجود تفاعل كبير بينهما؛ فطاليس يُرجِع كلَّ شيء إلى الماء، والأساطير السابقة تجعل أصل الأشياء المحيط. وأنكسماندر يُرجِع كل شيء إلى الطين. وكان أنكسماس يعتقد في أن الهواء هو الروح؛ أي روح الحياة.
ولم يكن أفلاطون غريبًا عن آرائهم، وكذلك أرسطو؛ أمَّا أفلاطون فكان يميل إلى مذهبهم أكثر من أرسطو، وكثيرًا ما يقتبس الأبيات من قصائدهم، ولو أنه لا يذكرهم صراحةً فيقول عنهم: المؤلهة الأقدمين؛ ذلك أن مذهب التناسخ كان يُلائم مذهبه في التذكُّر والنسيان. ويُقال إن احتقاره للبدن، ولعالم الحواس، لا يخلو من التأثُّر بالنظرة الأورفية للحياة، ومن أنها طرد من النعيم، ومن أن البدن مصدر الشر وعدم الطهر. أمَّا أرسطو فكان يُعنى بالأورفية كذلك ويوازن بينهم وبين الفلاسفة الطبيعيين. ومن المؤرِّخين المحدثين مثل برتراند رَسل من يذهب إلى أن فلسفة أفلاطون تلبس أثواب الأورفية.
وقد تسرَّبت النِّحلة الأورفية كذلك إلى الفلسفة الإسلامية عن طريق الفلسفة اليونانية.