زوج طاغية
بنفس متعبة، وبدن مجهد ضعيف، وقفتُ في مطبخ داري أهيئ العشاء والشمسُ تعدل إلى المغيب، وما لبثت أن سمعت مواقع قدم صغيرة آتية نحوي، وما لبث أن دخل ولدنا الكبير فؤاد خائفًا وجلًا يصيح: إنه قادم يا أماه! … فاضطربت من هذا النذير وأخذت أنظر إلى وجهه الناحل وعينيه المسكينتين وفمه الدقيق الحساس، وأنا أغالب النفس أمنعها أن تنظر أو تتألم لما تنظر …
قلت في عجلة: وأين أختاك «سميحة وسوسنة»؟ قال: هما آتيتان بالبقرات من الحقل يا أماه، وقد تأخرنا في الرجوع لأن «سوسنة» تشكو عثرة أليمة أصابت قدمها.
قلت: وهل علفت أنت وأخوك الأغنام وسقيتها؟ قال: نعم يا أمي لقد فعلنا، وقد ذهب ليُحضر الوقود والحطب وأنا ماضٍ لأعينه عليه، وإنما جئت اللحظة لكي أنبهك يا أم إلى أن أبانا قد حضر.
قلت: أسرِع يا بني وجِئْ بالدلو ممتلئًا، فأنت تعرف غضبة أبيك كلما رأى الدلو فارغًا.
وأخذت أعدو وأروح في المطبخ مسرعة لهفة أعد العشاء جاعلة من يدي الاثنتين أربعًا، وإذا بطفلي الصغير سعد الذي لم يعد الحول الثاني قد جاء من فناء البيت باكيًا صائحًا، وكان قد جرح إصبعه فأبكاه الألم ولعب النعاس بعينيه، ووقف يقول: جوعان يا ماما.
قلت: لا بكاء أيها العزيز، وستأخذك أمك إليها إذا فرغت من تجهيز العشاء.
فعاد يصيح ويتململ.
وسمعت وقع أقدام دانية … فهمست للوليد أقول: سكوتًا، ها هو ذا بابا قادم إلى البيت فخيرٌ لك أن تكف عن البكاء فإن بابا لا يحب أن يسمع صوتك باكيًا، فكَف الوليد عن العويل مرة واحدة وإن ظلت شفتاه تختلجان وتضطربان، وارتفع صوت أجش خشن النبرات عند الباب يقول: ألم ينته تجهيز العشاء بعد؟
فأخرجت الصينية من الفرن بسرعة وقلت: ها هو ذا قد تهيأ … فزمجر وأرعد قائلًا: وأين كنت إلى الآن، وفيما قضيت هذا الأصيل يا لكاع؟ وها هو ذا الليل قد أقبل، وعلام كان هذا الخنزير باكيًا؟
قلت خائفة: لا شيء ما به من سوء، وإنما جرح إصبعه.
قال: عليه السوء إن لم يكف عن «زنه» الدائم وبكائه المقيم لا ينقطع، أسامع هذا يا ملعون؟
ولكن الطفل أخذ (يزوم) ويبكي بكائًا صامتًا، فتألم له فؤادي وخفق؛ إذ خشيت أن يسوِّطه أبوه إذا لم يكف، وتذكرت آخر مرة علاهُ بالسوط ولم أستطع عنه دفاعًا أو أن أحميه من سوطه.
قلت — لأُلهيه عن الوليد —: ها هو ذا العشاء قد تهيأ.
فتولى منصرفًا كاشرًا، وما كاد ينصرف عن المطبخ حتى تناولت الوليد في أحضاني وهمست له أقول وأنا ألتقط صندوقًا صغيرًا من فوق الرف: خذ هذا الزبيب واسكت، فاحتجز الوليد عبرته المختنقة ومد يده إلى الزبيب فملأتُ حفنته منه وأجلسته فوق مقعد بجانب المائدة.
وكان الطعام قد صُف فوق الخوان، فجلس زوجي إليه، وتسلل الصبيان إلى مقعديهما من المائدة وهما يختلسان النظر في رعب ووجل إلى أبيهما. وكان فؤاد قبل الذهاب إلى الخوان قد مر بالمطبخ، فسألني في همس: أغضبان هو اليوم؟
قلت: لا أدري، أحسبه في بعض الغضب، اذهب فإن العشاء قد وجب.
وأخذت سعيدًا الوليد في حجري فجلست إلى المائدة.
وقطب زوجي حاجبيه الغزيرين وقال: ما لي لا أرى «سميحة» و«سوسنة» على المائدة؟ أين ذهبتا؟ فوجمنا جميعًا، وبدا الرعب على الصبيين، ولم يحرْ أحد منا جوابًا. فعاد يزمجر قائلًا: لِمَ لا تجيبون؟ أعُدتم صمًّا بكمًا لا تسمعون ولا تنطقون؟
قلت: إنهما قادمتان بعد لحظة … عندما يفرغان من حلب البقرات. فسكت وانثنى يأكل في صمت، وما لبثت الصبيتان أن دخلتا فاحتلتا مقعديهما المعتادين منكستي الطَّرْف خائفتين، وما عتم أن ترك الأكل هنيهة ونظر إليهما قائلًا: لماذا تأخرتما في حلب البقرات اليوم؟ فوقفت اللقمة في حلق سميحة وتلعثمت قائلة: لقد آذت «سوسنة» قدمها فلم نستطع أن نعود بالبقرات مسرعتين، فاضطربت المسكينة ووجلت وازدردت لقمتها في ألم وقالت: عثرت رجلي … فالتوت … قال: حقًّا سأنظر فيما قلت، وإن وجدتك كاذبة فوالله … ولم يتم وعيده وإنما راح يثأرها بنظره الحاد. فامتقع محياها ورجفت شفتاها واضطربت اللقمة في يدها، وفي تلك اللحظة أحدث سعد الصغير على المائدة حادثًا فجائيًّا، وكان المسكين لا يزال في الحول السادس، وقد حل عليه التعب وأثقل النعاس رأسَه فأصابت المائدة وحطَّم القدح، فوثب أبوه من مجلسه متنمرًا، ووجدتني أنا كذلك قد نهضت، ورحت أتوسل إليه وأتشفع قائلة، وأنا أدور حول المائدة لأمنعه من الإمساك بالصبي: إنه لم يقصد. ولكنه دفعني عنه دفعة ردتني إلى الجدار متراجعة وهو يصيح بي مرعدًا: إليك عني، ودعيني أعرف شغلي! ووثب على الطفل فهزه من فوق كرسيه ومد يده إلى عصا معلقة فوق الجدار وسحب المسكين إلى خارج الحجرة وهو يصيح به: سأعلمك أدبًا غير هذا الأدب، وأُحرِّمك تحطيم الأكواب والأقداح أيها الخنزير القذر. ورأى الفلاحان الأجيران ما جرى فأسرعا في الأكل وخرجا هاربين. واحتملتُ الوليد النائم من فوق حجري فأضجعته في فراشه وعدت إلى المطبخ لغسل الأطباق وأنا لا أزال أسمع صيحات الصبي من ألم الضرب، وكان دمعي قد نضب من زمان طويل، فلم أعد أشعر من هذه المشاهدة المتكررة صباح مساء بشيء غير خفقان شديد وهزة عصبية أليمة!
وفي تلك الليلة، وقد آوى الجميع إلى المراقد، تسللت من جانب زوجي وهو نائم يغطُّ، فدببت إلى حجرة ولدي فألفيته لا يزال يبكي ويئن في مضجعه، فرقدت بجانبه وجمعته في أحضاني، فلصق الصبي بي وأخذ يبكي بكاء يقطع الأكباد. قلت: صمتًا يا بني وإلا سمعك. فازداد نحيبًا وجعل يقول: ولكني لم أفعل شيئًا. قلت: دع البكاء يا بني لكي أقص عليك أحدوثة (الفتاة الذهبية الشعر والدببة الثلاث). ولبثت معه حتى نام وعدت إلى مضجعي وما كدت أضع رأسي فوق الوسادة حتى شعرت بيد تهزني وسمعت صوت زوجي وهو يصيح بي: ألم يأن لك أن تصحي؟ فنهضت متعبة ضعيفة الأوصال فذهبت إلى المطبخ وما لبثتِ البنتان أن جاءتا تسألان: هل قلت له يا أماه؟ وكنا قد اتفقنا فيما بيننا أن أتشجع فأستأذنه في الذهاب إلى البندر لعرض أمر صحتي على الطبيب؛ إذ كنت أشكو ألمًا شديدًا في جنبي الأيسر … وقد علمت أن طبيبًا جديدًا قد نزل بالمدينة وتسامع الناس بحذقه ونطسه، وكان الأولاد في لهفة على الذهاب إذا أذن أبوهم — لما في ذلك من مسرة مشاهدة المدينة والخلاص يومًا من طغيانه — فقلت للصبيتين: لم أفعل بعدُ. ووعدتهما أن أفاتحه عقب الفراغ من فطوره. وانتظرت حتى همَّ بالنهوض عن المائدة فقلت خائفة مترددة: هل تسمح بأن أذهب أنا والأطفال إلى البندر غدًا؟ قال: وعلام تريدين ذهابًا؟ قلت واجفة: إن جنبي الأيسر في ألم شديد، وأريد أن أذهب إلى الطبيب. فقال مرعدًا مبرقًا: ما شاء الله! هذا ما كنت أنتظر، إن في هذه المسالة إذن رجلًا! أتريدين رؤية الطبيب الجديد؟ ذلك عذرك القديم وحجتك كلما أردت على الرجال ظهورًا! كلا، لا يمكن أن تذهبي غدًا.
ولوى عني عنقه وانصرف، وعدت إلى الأولاد أحمل إليهم نبأ رفضه، فتلقوه صامتين واجمين، ولكنه صمت الخيبة ووجوم الحزانى البائسين. وكان يومنا يوم الغسيل فاجتمع الأولاد له ليتولى كلٌّ منه نصيبه، وجعل سعد الوليد يجري على قدر ما تحمله ساقاه الصغيرتان معطلًا الأولاد عن أعمالهم وهو يحسب أنه معينهم. وفيما نحن في شغل بالغسيل وغَلْي الثياب إذ حضر زوجي فجأة حوالي الضحى فقال: إننا نقيم سورًا حول الغيط القبلي فجهزي لنا في الحال غداء ورَكِبَ منصرفًا.
فلم أكد أخلو إلى الأولاد حتى ألقيت الغسيل جانبًا وصحتُ أقول في سخطة البائس الضجر: رباه! ما العمل الآن وقد زحمنا الغسيل اليوم ولم نفرغ لغدائه!
ونهضنا جميعًا لنهيئ طعامًا وذهبت العجلة بصوابنا، فلم نكد نصنع شيئًا حتى عاد يطلب الغداء. قال: هل انتهى؟ قلت: بل كاد. فمضى يرسل صيبًا من شتائمه ونُذره. وانتهى الغداء فحزمناه له وتناوله لاعنًا ساخطًا وتولى ذاهبًا يرعد ويقصف.
وتهالكنا جميعًا بعد ذهابه على المقاعد لنملك أنفاسنا الصاعدة الراجعة، وانثنت الصبية «سميحة» المتمردة الثائرة تقول: يا للشيطان إنه لوحش كاسر! فلم يعترض أحد عليها فيما قالت، ولم يقل أحد: قد أخطات! ونظر «الصغير» إلى وجهي في إشراقة وجه المؤمل وقال: هل سيغيب عن البيت النهار طوله؟
قلت: لعله. ففرح الأطفال وتهللت أساريرهم.
وفي اليوم التالي بينما كنت أنثر الماء رشاشًا على الثياب المغسولة استعدادًا لكَيِّها، إذ دخل علي زوجي فقال في لهجة المزمجر الساخر: لقد مضى عليك وقت طويل تهرفين فيه بسيرة الذهاب إلى البندر، فهلمي تأهَّبي للذهاب الآن وعجلي. ففرحت بهذا النبأ المباغت وإن آلمني أنه جاء على غرة فلم أهيئ للأولاد ثيابهم. وكان ذلك دأب زوجي، كلما أراد شيئًا زحمني به، وأخذني في غفلة الغافل، وذهبت الصبيتان لشَدِّ الحصانين إلى العجلة وخرج إليهما أبوهما فرأى «سميحة» قد أسرجت الفرس البيضاء فصاح بها قائلًا: ما الذي أوحى إليك أيتها الخرقاء أن تشدي هذه الفرس العرجاء الجريح إلى العجلة، على حين قلت لك: شدي الحصان الأشقر؟ حقًّا ما رأيت امرأة عنيدة مذهوبة اللب مثلك، ورفع كفه فلطمها لطمة عنيفة على خدها وزمجر قائلًا: ارددي هذه الفرس إلى المربط وامكثي في البيت اليوم لا تذهبين معهم. وسمع الأولاد النبأ فذهب عنهم الفرح بالفسحة وتهيأنا بعد قليل لركوب العجلة ووقفت المسكينة ممسكة بالأعنة، وصاح زوجي بنا: أريد منكم أن تعودوا إلى هنا الثانية عشرة، أسامعة ما أقول يا امرأة؟ فهززت رأسي هزة الإيجاب، وأنشأت أقول مضطربة المنطق واجفة: وأجرة الطبيب كيف أدفعها؟ فدس يده في جيبه وأرعد قائلًا: تريدين نقودًا؟ يا للعنة! لا تفتأين تطلبين نقودًا، ها هو ذا نصف جنيه وهي أجرة الطبيب القديم في البندر، فخيرٌ لك أن تذهبي إليه وإن كنت أعرف أنك تبتغين إلى الجديد ذهابًا. وتناولت المبلغ مترددة وقلت: ولكن أحسب الأولاد قد يحتاجون إلى شيء من الحلوى. فألقى بضعة قروش إلى الصبي الكبير وقال: هاك هاك يا فؤاد فأنت العاقل الأوحد بين هؤلاء الحمقى المجانين.
وأمسكت بالأعنة وبدأت العجلة تتحرك فصاح مناديًا: قِفوا قليلًا، والتفت إلى الصبية فقال: اطلعي معهم وعليك اللعنة. ولكن الصبية تذمرت قائلة: ولكن لا أستطيع أن أذهب هكذا يا أبت. وكانت حافية القدمين في ثوب ناصل اللون ممزق ابتذلته في خدمة البيت، فصاح بها ثانية: اطلعي قلت لك يا فاجرة. وفيما كانت الصبية تتسلق إلى العجلة قلت: يا إلهي! لقد نسيت قائمة البقول والأصناف التي نريد أن نجيء بها معنا من البقال في البندر. فبدأ يسخط ويلعن وقال: وأين هي؟ قلت: لا عليك سأنزل لإحضارها. وانطلقتُ عادِيةً إلى البيت ثم عدت بعد لحظة وسارت بنا المركبة …
وكانت المدينة منا على مسيرة عشرة أميال، وكان حتمًا لزامًا علينا وقد خرجنا على دقة الثامنة أن نقطع الشقة خببًا إذا أردنا أن نعود في الثانية عشرة كما وعد وأنذر. وقد قدرت على هذا الحساب أن الذهاب والأوبة سيستغرقان من هذه المهلة الضيقة ثلاث ساعات ونصف ساعة، ولن يبقى أمامنا لرؤية الطبيب وفسحة الأولاد في البندر والتعريج على البقال غير دقائق معدودات.
وراح الأولاد يختلفون على خير الوجوه لتضييع النقود، فمن قائل: نشتري ملبنًا، ومن قائلة: ملبسًا، وانثنت سميحة الناصحة العملية تقول: سأشتري بحصتي منه لبانًا أمضغه فذلك أطول متعة وأكثر لذة ومكثًا.
ولما ابتعدت بنا العجلة عن القرية أوقفت الجوادين وأطلعت من تحت ثوبي فستان سميحة وحذاءها وجوربها، فلم يكد الأولاد يرونها حتى هللوا وصفقوا.
وانثنت سميحة من فرح تقول: إذن لم تنسي يا أماه كشف البقال، وإنما تلك حيلة لطيفة لتعودي بثوبي، فشكرًا لك يا أم … شكرًا.
وأخذ الأطفال على الطريق في لغوهم وفاكة حديثهم، ولكني لم أكن إلى لغوهم ملقية سمعي، فقد عادت بي الخواطر إلى ذكرى طفولتي الرغيدة الناعمة في أكناف أبي الناعم العيش الموفق، فمضيت أوازن بين طفولتي وطفولة هؤلاء الصغار المساكين أفلاذ كبدي، فتذكرت أن سميحة أدركت سن العذارى وبدأت تستقبل مطالع الشباب، تذكرت أنها قد صارت ابنة أربعة عشر ثم لم تدخل مدرسة ولم تجد من حسن التأديب والعناية ما تجده الأتراب الشبيهات بها المثيلات، وكانت «سوسنة» في الحادية عشرة ومن شهدها ثم منع الفؤاد أن يحبها؟ فقد كانت في الصبيات الحسناء الحنون الوادعة.
وكان فؤاد لا يزال ابن ثمانية، وكان أحبهم جميعًا إلى فؤادي، إذ كان أكثرهم مواساة لي وترضية، ولو كان أبي شهد سعدًا ابن السادسة، سعدًا الشجاع القوي، لأحبه وأكبره، ولكن أبواي ماتا قبل أن يرياني زوجًا لذلك الرجل، وحمدًا لله إذ لم ينسأ في أجليهما ليشهداني في شقوتي الحاضرة.
وبلغنا المدينة فتركت الأولاد في حانوت البدال، ومضيت إلى الطبيب، وفيما كنت أصعد السلم إلى طبقاته وددت لو أنني لم أجئ إليه ومضيت إلى الطبيب الجديد الذي يلهج الناس بحذقه ونطسه، وما كدت أقف ببابه حتى علمت أنه غائب عن عيادته ولن يعود قبل الأصيل، فتولاني اليأس وكبر عليَّ أن أعود إلى القرية ولم ألتمس طبيبًا، فخطر لي أن أذهب إلى الآخر ففعلت، وكان الدكتور رجلًا مكتهلًا صادق القول رحيمًا وإن قستْ حقائقه، فراح يقول في بعض ما قال: دعيني يا سيدتي أُسر إليك الحق غير موارِب، إن هذا الألم الذي تشعرين به هو من قلبك، إن قلبك في أسوأ حال، فقد أجهد إجهادًا شديدًا طيلة السنين والأيام.
فوجمت ولم أقل شيئًا.
قال: أراك لم تفهمي الأمر جليًّا، إنني إذا كنت قد قلت لك أن قلبك مجهد واهن فقد أردت أن تعلمي أن أيامك في الحياة أصبحت معدودات، ومن العبث أن أشرح لك ذلك بلغة الطب ومصطلحات الأطباء، وإنما حسبي أن أقول لك: إذا كان لك أمر تريدين إنجازه فبادري إليه، وإن كان لك أقرباء تريدين لقاءهم فخيرٌ لك أن تبعثي في طلبهم.
فحملقت إليه البصر مبهوتة واجمة ثم انثنيت أقول: أتعني بهذا أيها الطبيب أنني على الرحيل موشكة؟
فتولى الرجل عني ليخفي ألمه.
وما لبث أن عاد يقول في حنان ورفق: إن خير شيء أفعل هو أن أصارحك الحق يا سيدتي، فاعلمي إذن أنك إذا لم تجهدي البدن ولم تتأثري بعوامل قاهرة غالبة فقد تعيشين شهرًا آخر، فإذا جاوزتِه إلى خمسة أسابيع كان ذلك إحدى المعجزات، أما الحياة بعد الأسابيع الخمسة فذلك ضرب من المستحيل، ونذيري إليك أن قلبك إذا هاجته هائجة من خوف أو حزن أو مسرة أو فرح، فلن يلبث أن ينطفئ كما تنطفئ ذبالة المصباح الذي نفد زيته.
قلت كأنما أحدث نفسي ذاهلة شاردة اللب: أربعة أسابيع؟!
قال: هلا جلست هنا قليلًا حتى أعود إليك؟
ومضى إلى الحجرة الأخرى وبقيت وحدي.
يا لله! ما كان أعجب المشاعر المتضاربة التي جالت في نفسي، ولكن لم ألبث أن أحسست خاطرًا شديد السلطان قد تملكني، وهو … إذا كنت للحياة عما قليل مودعة، فلا حاجة بي إلى الخوف من زوجي بعد اليوم، والخشية من جبروته وطغيانه، ما دمت بعد أيام معدودة مفارقته متخلصة من وحشيته وبغيه وعدوانه.
يا لله! لقد بدا بين عيني صغيرًا ضئيلًا لا يُخاف شره، ولا يُؤبه بأذاه وضره.
ونهضت من مجلسي فوقفت إلى المرآة أتطلع إلى وجهي …
وا حزناه! أذلك وجه امرأة في الثامنة والثلاثين! أم تلك الثياب الناصلة اللون بزة صالحة لزوجة رجل رب مزرعة حسنة الغلة، درارة الرزق؟
لقد كان أولى بي من زمان بعيد أن أكون رافلة في المطارف وأن يكون أولادي سعداء ينعمون بكل مباهج الحياة وأطايب العيش. فما لبثت في موقفي أن رحت أناجي النفس قائلة: لم يعد لي في الحياة غير أربعة أسابيع أو قرابتها فلن أتطامن خلالها لمذلة، ولن أصبر على سوء، ولن أدع الأولاد أشقياء أذلاء مساكين، يملأ الخوف من أبيهم أفئدتهم الصغار الوادعة، وماذا هو بي صانع إن خرجت على طغيانه وشققت الطاعة عليه؟ أقاتلي هو؟ وما شأن أيام تزيد أو أيام تنقص؟ …
وعاد الطبيب بزجاجة، فقال: هذه الزجاجة تحوي دواء يخفف الألم إذا أمضَّ حينًا وأوجع.
فتناولتُها ودفعت الأجر وانصرفت.
ولما عدت إلى الأولاد أحاطوا بي متوثبين متحدثين في نَفَس واحد مسائلين: ماذا قال الطبيب ووصف؟
فأريتهم الدواء وكتمتهم الخبر، وما نفعُ القول وما مرده، وهم صغار لا يدركون شيئًا؟
واهًا للمساكين! لقد هجم الدمع في عيني عندما طاف بهم ناظري واستعرضهم البصر، أربعة أسابيع معهم ثم أرحل عنهم آخر الدهر وأحقاب الأبد! إذن لا بد لهم من أعوام الشقاء والبأساء والخوف والألم!
وهالني قِصر المهلة في تلك اللحظة، فخطر لي أن أبدأ من تلك الساعة وأعجل.
قلت فجاة: ماذا أنتم صانعون إذا قيل لكم اللحظة ستبقون في المدينة النهار كله؟
فبُهتوا وتبادلوا النظر واجمين، وأقبل بعضهم على بعض يتسائلون: ولكن كيف نستطيع ذلك يا أماه؟ إنه ولا ريب سيغضب وينالنا بسوء وقد ينالك يا أم كذلك.
قلت: لا عليكم، فلنبق اليوم في المدينة مَرِحين.
فتهللت منهم الأسارير وقالوا: لا بأس يا أمنا، وإنما ينبغي أن نريح الحصانين.
قلت: نعم ونجيء لهم بعلف صالح.
وتذكرت أننا بحاجة إلى نقود إذا أردنا في البندر مكثًا.
فتركت الأولاد مع المركبة ومضيت إلى المصرف الذي كان زوجي يعامله ووقفت حيال العامل المنشغل بما في يديه من العمل خافقة الفؤاد أسائل النفس: أتراهم سيقبلون دفع شيء من حساب زوجي إذا طلبت؟ أم تراه نبههم إلى رفض الدفع إلى أحد غيره؟
ولكني ما عتمت أن استجمعت جأشي فتناولت شيكًا أبيض فطلبت خمسة جنيهات وأمضيته.
وكان العامل يعرفني وطالما شهدني مع زوجي في المصرف لتوقيع أوراق أراد أن أوقعها، فتناول الرجل الشيك متلطفًا مترفقًا فأجال فيه عينه، ثم دفع القدر المطلوب بلا تعليق ولا اعتراض البتة. وتناولت المبلغ ذاهلة كمن هو في حلم وانصرفت. وكانت تلك هي أول مرة منذ زواجنا ويقع في يدي أكثر من جنيه واحد، وعجبت لنفسي كيف كان الحصول على المال سهلًا، ثم لم أفكر فيه طول السنين الماضية!
ووافيت الأولاد فقلت: لنتناول طعامنا أولًا في خير مطاعم المدينة.
فنظر الأطفال إلى وجهي غير مصدقين ولا مدركين شيئًا، وكأنما عجبوا ما بالي قد تغيرت هكذا ولم أعد أحسب لأبيهم الجبار حسابًا؟
قلت: هيا ليختر كل منكم أبدع طعمة يقترح.
فقالت «سوسنة»: أريد جبنًا، وصاح «سعد»: وأنا موزًا، وطلبت «سميحة» سردينًا، واختار فؤاد تفاحًا.
فكان ما طلبوا …
ولما فرغنا من الطعام طُفنا بالحوانيت أبتغي لكل واحد منهم هدية، ثم قلت لهم — بعد اقتناء التحف المختلفة —: تعالوا أيضًا نشهد الصور المتحركة، فوجموا وعقلت الدهشة ألسنتهم ولم يكونوا قد رأوا الصور المتحركة من قبل، فجلسوا ينظرون إليها متلذذين حائرين …!
وكان مساء عندما ركبنا عائدين إلى القرية، ولم أحمل على الجوادين، بل تركت العجلة تمضي في رفق، فقد مضيت عدة سنين لم أشهد فيها الشمس في المغيب، ولم أُمتع العين برؤية القمر بازغًا، وفيما كنا ندنو من القرية تذكر الأولاد أنهم عما قليل مواجهون أباهم فانزووا في مجالسهم من العجلة خائفين.
وكانت التاسعة لما وقفتْ بنا المركبة فإذا به منتظرٌ أوبتنا لدى الباب، فأجفلت لمرآه في موقفه لأنني كنت قد نسيته كل النسيان.
قال: ما شاء الله! حقًّا إنه لوقت بديع فيه تعودون، أين قضيتم هذه الفترة المتطاولة؟ ألا تعرفون أنني سأعود من العمل عشاء لأجد طعامًا فلا أجده؟ اللعنة عليكم.
وراح يمطرنا وابلًا من سبابه ولعناته.
ووقف الأطفال ينظرون إلينا مبهوتين جازعين.
قلت عابثة مفاكهة: هراء ما تقول، أنت لم تعمل شيئًا كثيرًا سحابة نهارك وعندك الأجيران يتوليان العمل عنك، أفيؤودك أن تصنع عشاءك بنفسك ولو مرة في العمر!
ولو أن السماء خرت عليه في تلك اللحظة لكان ذلك عليه أهون، فقد شك لهذه المفاجأة الجريئة، فوقف يُحملق في وجهي البصر معقول اللسان، وقبل أن يستجمع لبه الذاهب كنت قد جمعت ما جئت به معي في المركبة ومشيت بالأولاد إلى البيت.
فانفجر قائلًا: أنت مجنونة! مجنونة ولا شك. يا عجبًا! ما سمعت هراء كهذا في حياتي. تريدين أن تمرحي في البنادر وترتعي وتبددي مالي ونشبي وتُعلمي أولادي ليكونوا غدًا لصوصًا وسفلة مشرَّدين مجرمين؟ ولا مليم أنت مصيبة، أسمعت نذيري؟ نعم، لن تنالي مني شيئًا، ولئن لم يسمع أولادك ما آمرهم به لأرجمنهم ولأصلبنهم في جذوع الشجر، وإذا لم تنتبهي لنفسك وتأخذي بالحكمة والعقل في مسلكك فسيصيبك غدًا ما هو مصيبهم.
ونظرت إليه في تلك اللحظة وهو كالمجنون الراعد الراعش، فلم ألق بالًا إلى ثورته وغضبه، وكأنما وهبني الله في تلك اللحظة قوة من لدنه فمضيت أقول: لقد كان لي خمسة آلاف جنيه يوم الزواج بك، ذلك مال تركه لي أبي، ولقد مضى علي ستة عشر عامًا وأنا أتوسل إليك، وأستندي كفك لكل درهم أنفقه، وكل قليل ضئيل أحتاج إليه، وما أذكر أني أصبت منك في كل هذا الدهر الطويل غير دراهم معدودات، ولكني اليوم عاملة على أن أسترد بعض ما وهبت، ولست أسألك أكثره، وإنما فضلة منه أريد، ولقد أردت أن أدع لك الفرصة لتظهر شيئًا من رجولتك فأبيتَ إلا أن تسلك مسلك الجبناء، فعلى رأسك إذن فلتقع التبعة، ولتحمل إصر ما جنيت.
ولويت عنه نحري وانطلقت وهو يذرع الفناء ساخطًا صائحًا متنمرًا يقول: إذا خرجت اليوم من البيت وذهبت إلى المدينة، قتلتك كما يُقتل الكلب العقور المسعور.
ومضى إلى حصانه فاعتلاه وترك للريح ساقيه.
•••
ولما بلغنا المدينة تركت الأولاد يلعبون ومضيت إلى المصرف فسألتهم بيانًا عن حساب زوجي ووقفت خافقة الفؤاد أنتظر، ولما تناولت الحساب وألقيت عليه نظري لم أكد أصدق ما أرى … ألفان وخمسمئة!
وكنت بالأمس أستنديه نصف جنيه للطبيب أجرًا …!
فتولاني الغضب وأخذ الغيظ بنحري ووددت لو أضع يدي على ذلك القدر كله، ولكني عدت إلى نفسي فكتبت صكًّا بألف فقط، وذلك خمس ما كان لي يوم المقترن به.
ونظر الصيرف إلى الصك نظرة المستريب المتردد ثم قال: إن هذا المبلغ كبير، والأفضل أن تقابلي المدير، فمشيت في إثره.
ولما علم المدير الخبر تطلع إلي قائلًا: أمتاكدة يا سيدتي أن زوجك يريد سحب هذا المبلغ كله اليوم؟ معذرة عن سؤالنا هذا وتدقيقنا.
قلت في أتم سكينة: نعم، يريده لسداد دين استحق الوفاء.
قال: إذن لا بأس، اصرفه لها، شكرًا يا سيدتي، وعذرًا …
وتناولت الأوراق حيرى لا أدري أين أخفيها … ولكن ما لبث خاطري أن عاد بي إلى رجل كبير محام مدره حاذق كان صديقًا لأبي، فذهبت إليه ونفضت له جملة الخبر. فأقرني على ما فعلت، وشدد عزمتي وألهم روحي الإقدام، فأودعت لديه نصف المال لكل ولد منه مائة، ووضعت أربعمئة في غلاف وكتبت اسمي عليه، ودسست المائة الباقية في حقيبتي، وانطلقت إلى الأولاد مسرعة، فأخذتهم إلى مطعم فخم أنيق حيث أكلوا واستمرأوا الصحاف المختلفة الألوان، ولما خرجنا من المطعم قلت: هلموا بنا نطوف الحوانيت مستقضين، فهللت «سوسنة» وفرحت «سميحة» وطرب وانثنى «سعد» يقول: بل خير لنا لو أننا ذهبنا إلى الصور المتحركة، فاحتجَّت الصبيتان على هذا المقترح وصاحتا: بل الحوانيت لنبتاع ما يروقنا، قلت: ليذهب الصبيان إلى السينما ولنذهب نحن إلى الحوانيت، فهل تعدنا يا «فؤاد» أنك راع أخاك الصغير «سعدًا» إذا تركناكم هناك، فطفر الغلام من الفرح وبرعاية أخيه وعد، فذهبنا بهم إلى دار الصور فأجلسناهم في أماكنهم ورجعنا إلى المدينة نلتمس المتاجر، فاخترت منها أفخم متجر للثياب فدخلناه وجعلنا نُقلب الثياب حتى راق الصبيتين آخر البحث والتقليب ثوبان بديعان نفيسان فابتعتهما لهما، واقتنيت كذلك ثيابًا لردئة المدرسة وهما ذاهلتان فرحتان بما ابتاعتا من نفيس وحَسَن. وعدنا إلى الصبيين فأخذناهما بدورهما إلى الحوانيت لفرجة وشراء، وفيما نحن خارجون من باب المتجر لقينا زوجي وجهًا لوجه، فجمد الأولاد في أماكنهم، ورأيت وجهه تعلوه فترة وفيه لون الغضب. قال: اركبوا العجلة إلى البيت فإني سائِطُكم ومُلهِبُكم بالعصا أجمعين. ووثب إلى صهوة حصانه ومضى، فأنشأت «سوسنة» تقول خائفة: ماذا ترينه سيفعل بنا يا أماه؟ وقال «فؤاد» وما العمل يا أمنا؟ قلت: لا عليكم يا بَني ولا خوف ولا رهق، ألستُ أمكم، أليس لي من الخطر والشأن ما لأبيكم؟ قالوا جميعًا: ولكن كيف نستطيع الذهاب إلى البيت وعلينا هذه الثياب الحسنة والمطارف ونحن نخشى عليها أن تفسد في العجلة؟ ففكرتُ في الأمر مليًّا، وما عتمت أن رحت أسائل نفسي: علام الرجوع في تلك العجلة القديمة القذرة بعد اليوم؟ ألم يَكْفِ أن ركبناها ستة عشر عامًا كاملًا؟ إن إنسانًا لم يعد له في الحياة إلا أربعة أسابيع — بل ثلاثة ونصف — فإن النصف الآخر انقضى — لأَوْلى به أن يكون أحسن ركبة من هذا وأفضل مستقلًّا، وفيم حرصي على البقية من المال التي أودعتُها لدى ذلك الشيخ الصديق إن لم أنفقها في نعمة ومتاع طيب؟
فذهبت إليه من لحظتي وقلت له: إنني سأذهب لأبتاع سيارة، فامتدح الشيخ الفكرة ومضينا معًا إلى مخزن للسيارات قريب، فاشترينا واحدة بثمن معتدل، وما كاد الأصيل يجيء حتى دربني القوم على سوق السيارة، فركبناها إلى البيت والأولاد من الفرح بها ذاهلون عن خوف أبيهم وخشية لقائه. وبعد العشاء ذهبت بهم إلى المضاجع باكرين، وظل زوجي على المائدة صامتًا، ولما مضيتُ إلى المطبخ جاء ورائي فقال محتدمًا: تعالي هنا. وكنت في الأيام القلائل الفارطة لم أعد أستشعر منه خوفًا، ولكني في تلك اللحظة خفت منه خيفتي الماضية، وانطلق هو يهز قبضة يده في وجهي صائحًا: هيا احزمي ثيابك. ورأى مني في تلك اللحظة انزواءتي منه فترك للغضب سبيله وعاد يصيح: احزمي ثيابك يا فاجرة فلن يحتويك البيت بعد اليوم. قلت: والأولاد، واختنق صوتي فأمسكت، فمشى يريد حجرتهم. فوثبت من مكاني فعدوت في إثره، قلت: ماذا تريد أن تفعل؟ فالتفت إلي مزمجرًا فقال: ما لك ولما أريد أن أفعل؟ سأسيطهم حتى أهرأ بالسوط أبدانهم. وأدار الأكرة فألفى الباب موصدًا، فأمسك بكرسي ومشى يريد تحطيمه، ولكن ما كدت أسمع صوت الضربة الأولى حتى عاودتني شجاعتي في خطفة البرق وفي غضبة المجنون الثائر، وسمعت دويًّا في أذني ورأيت العالم قد استحال في ناظري بلون النجيع الأحمر! فوثبت إليه فأمسكت بالكرسي قبل أن يهوي بالضربة الثانية. وزأر هو صائحًا: إنني قاتلك أيتها الشقية … فتماسكنا بالمقعد ولست أدري حتى الساعة أين لي بكل تلك القوة التي أحسستها في تلك الساعة. وانتشب بيننا عراك عنيف، وجعل يهوي بلكماته ويهزني هزًّا، ورحت أخدشه وأركله وألعنه وأُغيب أسناني في لحمه، وعدت في لحظة وحشًا كاسرًا ضاريًا، ورأيت ثغرة أمامي فمددت إليها يدي فإذا هي محجر عينه فدفعت أصابعي فيه، وما لبث أن سادني ظلام دامس واستولت علي غشية غاشية …
•••
ولما فتحت عيني ألفيتني طريحة على فراش في مستشفى والطبيب مكب علي والممرضة مشرفة، فأغمضت العين ثانية وعدت أهبط سباتًا عميقًا …
وتتالت الأسابيع، وأقبل مع الطبيب طبيب طار في الآفاق بالنطس ذكرُه. فتوليا فحصي ودققا الفحص جهدهما، وطلع علي في ذات يوم — وقد أخذت أبل من مرضي — الطبيب بالبشرى.
قال: إن زميله رأى أنني مع الرعاية والفراغ من الهم والخلاء من المتاعب ستطول بي الحياة وأعمر.
وفي أصيل اليوم التالي صحوت من إغفاءتي فرأيت زوجي واقفًا عن كثب من مضجعي.
ولم أدر كم طال بي موقفه، وإنما كذلك وقف خاشعًا محزونًا يكاد يلوح أشيب حطمته الأعوام.
قال في رفق وحنان: كيف تجدينك اليوم؟
قلت: أخف حالًا ولله الحمد.
فمشى إلى مرقدي فأهوى على يدي ووجهي تقبيلًا في بكاء وخشوع.
وقال: أواه لك! لماذا لم تشاجريني من عهد بعيد وتعتركي، فلطالما لهفت على المشتجر وأحببت المعارك المناجز! صفحًا ونسيانًا! قلت: من أجل الأولاد صفحت ونسيت …