الفصل الثاني

نصائح ونواهٍ

(أ) إرشادات شوروباك

  • (١)

     [شوروباك] قدم الإرشادات لابنه،

  • (٢)

     [شوروباك]، ابن أوبارتوتو،

  • (٣)

    قدم الإرشادات لابنه زيوسودرا،

  • (٤)

    يا [ولدي]، إني أُقدِّم لك إرشادي، فخُذْ إرشادي،

  • (٥)

    يا زيوسودرا، كلمة أريد أن أقولها لك، فأَعِرْ أُذنك لكلمتي،

  • (٦)

    إرشادي لا تهمله،

  • (٧)

    كلمتي المنطوقة لا تخرج عنه.

فسد البشر وصعد شرهم إلى السماء؛ فسلطتَ عليهم الطوفان الذي اكتسح الأرض وأهلك الزرع والنسل. لكن شاءت رحمتها أن تحذر رجلًا واحدًا من المصير الذي قضيتَ به على جنسه كله؛ فأمرته أن يصنع الفلك التي ستنجيه وأهله ومئونته ومن كلٍّ زوجين اثنين، وسواء أكان هذا الرجل هو «نوح» الذي نعرفه من سفر التكوين ومن القرآن الكريم، أو كان هو «أوتا-نابيشتيم» الذي نلقاه في اللوح الحادي عشر من ملحمة جلجاميش، أو هو «أتراحاسيس» بطل الملحمة البابلية المعروفة بهذا الاسم، أو الملك «أكسوثروس» الذي تجلَّى له الإله «خرونوس» في الحلم وأخبره بنبأ الطوفان وأمره ببناء سفينة وكتابة ألواح عن بدايات كل شيء وأواسطه ونهايته (كما نرى في رواية بيروسوس من القرن الثالث قبل الميلاد عن الطوفان)؛ فالمهم في هذا الموضع أن الرب أو الأرباب الذين استفزهم وأثار غضبهم فساد البشر وإزعاجهم قد اصطفوا ذلك الرجل وعشيرته وحيواناته ونجوه من الدمار، ولم يحرموه كذلك ولا حرموا نسله من حكمتهم التي ألهموه بها وأجروها على لسانه. ففي سفر التكوين من التوراة ينزل الرب أوامره وتعليماته عن إباحة دم الحيوان وعدم إراقة دم الإنسان، وفي لوحٍ سومريٍّ قديم نقرأ الإرشادات التي ورد ذكرها في صدر هذا الكلام على لسان «شوروباك» ابن «أوبارترتو» التي وجَّهها إلى ولده «زويوسودرا» الذي يبدو أنه هو نوح السومري.

والواقع أن «شوروباك» هذا شخصية يكتنفها الغموض من كل ناحية؛ فهو يظهر في أحد الألواح التي نقشت عليها قائمة الملوك السومريين (سو كور لام) كأحد أبناء جيل يتوسط جيلَيْ أوبارتوتو وزيوسودرا، وفي الألواح الأخرى لهذه القائمة، وفي مواضع متفرقة يظهر الاسمان الأخيران في صورة الأب والابن على الترتيب؛ مما جعل بعض الباحثين يرجح أن تكون كنية الأب «رجل شوروباك» قد أخذت مأخذ اسم العلم، ومهما يكن الأمر في حقيقة هذه الشخصية فقد حفظ لنا الزمن كسرة من ترجمة بابلية للنص السومري السابق الذكر (الذي يرجع الفضل في ترميمه وجمع شذراته لعالم السومريات الشهير صمويل نوح كريمر)، وهذه الكسرة المترجمة إلى الأكدية البابلية١ تعود كتابتها إلى العصر الآشوري الوسيط، وتتطابق سطورها من الأول إلى السادس مع السطور من الثاني إلى السابع من النص السومري، مما يوحي بأن النص البابلي ترجمة دقيقة للنص الذي قرأناه قبل قليل.

ونرجع للأب المجهول أو المعلم الغريب الذي تُنسب إليه هذه الإرشادات التي أوصى بها ابنه في زمن الطوفان. فشخصية شوروباك الغامضة لم تظهر — كما سبقت الإشارة إلى ذلك — في معظم قوائم الملوك السومريين، كما أن اللوح الحادي عشر (من ملحمة جلجاميش) الذي ترد فيه قصة الطوفان، ورواية بيروسوس من العصر الهليني، لا يعرفان شيئًا عنه، ولكن النص نفسه من حيث بنيته ومضمونه يوحي بأنه واحد من أولئك المتنبِّئين والمنذرين الذين يظهرون في أوقات المحن والشدائد ليحذروا البشر من تكرار المصائب والأهوال التي ألمَّت بهم. لقد كان شرهم هو سبب الطوفان؛ إذ أفسدوا في الأرض وكثر شرهم كما ذكر سفر التكوين (الإصحاح السادس) وأزعجوا الآلهة وحرموهم نعمة النوم والسكون كما في ملحمة الخلق وملحمة «أترا-حاسيس» البابليتين؛ ولذلك لم يكن للسماء أن تتركهم بغير نذير، والسؤال الذي فرض نفسه هو هذا السؤال: لماذا لم يأتِ هذا النذير على لسان بطل الطوفان نفسه، كما نعرف من نوح في سفر التكوين والقرآن الكريم؟ إن «أوتانابشتيم» في جلجاميش لم يكن ليصلح لذلك؛ إذ يتضح من اللوح الحادي عشر أنه وزوجته وحدهما هما اللذان نجوا من الطوفان ورُزقا نعمة الخلود، والأمر نفسه يصدق على ملحمة أترا — حاسيس؛ ولذلك فلا جدوى من إلقاء نصحهما وتحذيرهما — بعد فناء البشر الذين لم يبقَ منهم أحد غيرهما — إلى سمع العلم أو المجهول. وتبقى رواية «بيروسوس» التي نعرف منها أن الإله اليوناني الذي تجلَّى للملك في الحلم قد علَّمه أن يُدوِّن «البدايات والأواسط والنهايات» على الألواح ويدفنها في مدينة الشمس «سيبار» ليعثر عليها الناس بعد الطوفان، ولا بد أن إرشادات «شوروباك» كانت تعدُّ على أيام «بيروسوس» جزءًا من هذا الكنز المخبوء. بيد أن روايته لا تخلو من التناقض؛ إذ ما الداعي لإخفاء الألواح في الوقت الذي يقول فيه إن سفينة الملك كانت تحمل عددًا آخر من البشر غير الملك والمقربين منه، وأن هؤلاء البشر قد عمروا الأرض بعد الطوفان؟!

وأخيرًا ربما جاز القول: إنَّ «شوروباك» كان معلمًا ابتُدعت شخصيته لتقال هذه الإرشادات على لسانه حكمة وموعظة للبشر، أو لعله كان إحدى الشخصيات المرموقة من تاريخٍ سابق على زمن الطوفان، ولأمر ما لم يشأ الكاتب أو الناقش المجهول أن ينسب إرشاداته لأبيه «أوبارتوتو».

والبقية الباقية من وجه وظهر الترجمة البابلية للنص السومري السابق الذكر مليئة بالفجوات مما لا يعطي معنًى متكاملًا؛ ولذا آثرنا عدم إيرادها.

(ب) نصائح حكيمة

هذه مجموعة من المواعظ الأخلاقية التي تتألف من نحو مائة وستين سطرًا، وذلك على فرض أن كمية النص المفقود قد قُدِّرت تقديرًا صحيحًا، وتنقسم حسب تغيُّر الوزن والمضمون إلى أقسامٍ صغيرة يدور كل منها حول موضوعٍ معيَّن يستغرق عددًا من السطور على النحو التالي:
  • (أ)

    من ١٩–٢٥ عن تجنب رفاق السوء.

  • (ب)

    من ٢٦–٣٠ عن الكلام المستهجن‌.

  • (جـ)

    من ٣١–… تجنُّب المشاجرات ومهادنة الأعداء.

  • (د)

    من …–٦٥ العطف على المحتاجين.

  • (هـ)

    من ٦٦–٧١ الترغيب عن الزواج من الأمة.

  • (و)

    من ٧٢–٨٠ أخطاء الزواج من عاهرة.

  • (ز)

    من ٨١– … آداب الوزير في خدمة أميره.

  • (ﺣ)

    من … –١٣٤ الكلام غير اللائق.

  • (ط)

    من ١٣٥–١٤٧ فروض الدين ومزاياه.

  • (ي)

    من ١٤٨–… خداع الأصدقاء.

يناقش العلماء مشكلة المؤلف الذي يمكن أن تنسب إليه هذه المجموعة على ضوء المعلومات الشحيحة عنها. وقد استبعدوا أن تكون إرشادات «شوروباك» — التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة — جزءًا منها، وأخذوا يتساءلون عن شخصية ذلك الناصح المجهول الذي يعظ مجهولًا آخر ويخاطبه بقوله «يا بني» (السطر ٨١).

والحقيقة أن صيغة هذا النداء تتردد في أدب الحكمة في الشرق الأدنى القديم (ويكفي أن نتذكر حكم بتاح حوتيب ونصائحه الشهيرة من أواخر الأسرة السادسة في مصر القديمة)، لم يكن من الضروري في كل الأحوال أن تكون موجَّهة من والد إلى ولده؛ إذ يمكن أن تكون صيغةً أدبية لجأ إليها الكاتب، أو تعبيرًا اصطنعه مُعلم يُكلِّم تلميذه (على نحو ما يفعل بعض أدبائنا الذين يضمون حكمهم وأمثالهم وانتقاداتهم اللاذعة لأوضاع المجتمع والسياسة والأدب على لسان المعلم الشيخ الذي يُوجِّه حديثه لتلميذه الفتى كما فعل طه حسين في «جنة الشوك»، أو تكون في النهاية أسلوبًا اتخذه الكاتب في مخاطبة القارئ).

وإذا نظرنا في القسم الذي يبدأ مع السطر الواحد والثمانين بصيغة النداء «يا بني» وجدناه ينطوي على نصيحةٍ صادرة من شخصٍ مرموق إلى ولده الذي ينبغي أن يتخلَّق بأخلاق الوزراء لكي يخلفه في منصبه؛ ولذلك يمكن أن يتبادر إلى الظن أنها مقصورة على دائرة أو نخبةٍ محدودة، على العكس من بقية النصائح التي يبدو أنها تهمُّ غالبية الناس، ومع ذلك فلا شيء يمنع من أن تكون المواعظ كلها بمنزلة تحذيرات يلقي بها أب إلى ابنه الذي ينتظر أن يشغل مكانه في خدمة الحاكم، لعله يستمع إليها فيتأدب بآداب الوزراء ويتحاشى ما يشينهم ولا يليق بسمعتهم.

مهما يكن الأمر في حقيقة الأب والابن اللَّذين لا تسمح المعلومات القليلة عن هذا النص بكشف النقاب عنها، فيمكن القول إنه يضم نصائح «رجلٍ حكيم»، وأن هذه النصائح والمواعظ التي صيغ أغلبها على هيئة حكم مُكثَّفة قد انتقل معظمها أو بعضها إلى التراث الشعبي الشفاهي والمدون، وربما تمتعت بالشهرة والانتشار في دوائر محدودة على أقل تقدير.

يدل على هذا أن بعض سطورها قد وجد بنصه في لوحٍ بابلي متأخر، وفي رسالة آشورية من العصور المتأخرة أيضًا،٢ وهذا كله يرجح أن هذا النوع من أدب الحكمة كان معروفًا ومنتشرًا على نطاقٍ واسع، بدليل أن عددًا من هذه النصائح يتردَّد في بعض شواهده التي تنتمي لعصورٍ مختلفة، مثل إرشادات شوروباك التي سبق ذكرها، ونصائح المتشائم التي سيرد الحديث عنها، والقسم الأخلاقي من الترتيلة المشهورة إلى الإله شمش.

أما عن زمن تأليف هذه النصائح الحكيمة فيُرجَّح أن يكون في عصر متأخر عن الدولة البابلية القديمة، ويرجح الأستاذ «لامبيرت» أن يكون هو العصر الكشي (من نحو ١٥٠٠ق.م. إلى نحو ١٢٠٠ق.م.) وذلك استنادًا إلى روح التقوى والتدين العميق الذي يسري فيه، كما يرجح أن يكون مؤلفه قد أخذ عن تراث شفاهيٍّ شائع، أو اعتمد على نماذجَ وتقاليدَ راسخةٍ من أدب الحكمة في وادي الرافدين. وإليك النص الكامل لهذه النصائح الحكيمة، أو بتعبيرٍ أدقَّ لما أمكن التوصل لقراءته منها:

(٨) ليذكروك بالخير على الدوام.
(٩) بيت،
(١١) أنت [أو هو] تتوجع،
(١٢) مصاب بالهم،
(١٣) المرء،
(١٥) سرعان ما يُبتلى بالفقر،
(١٦) … لا يفعل.
(١٧) (…) يتجول، لا يحكم بيته،
(١٨) (…) سينقلب شيطانًا عليه.
(١٩) (…) الذي يسبه.
(٢٠) كانت سمعته طيبة بين رعيته.
(٢١) لا تجادل من ينقل أخبار السوء،٣
(٢٢) لا تشاور [في الرأي] عاطلًا [متبطِّلًا]،
(٢٣) [إن] فضلك سيجعلك العقل المدبر لهم،
(٢٤) هنالك تقلل محصولك، [و]تتخلَّى عن طريقك،
(٢٥) وينظر إلى عقلك المتَّزن الحكيم وكأنما هو [عقل] متمرِّد.
(٢٦) احرص على التحكم في فمك ومراقبة كلامك.
(٢٧) ففيهما ثروة الإنسان — واجعل شفتيك معزَّزتين.٤
(٢٨) ولتكن القحة والتجديف أبغض شيء إليك.
(٢٩) لا تتفوَّه بلفظ دنس ولا تبلغ نبأً كاذبًا.
(٣٠) إن المفتري [على الناس بالكذب]٥ لملعون.
(٣١) لا تتردد على محكمة.
(٣٢) لا تتسكع في مكان تنشب فيه مشاجرة.
(٣٣) لأنهم [أي المتشاجرين] سيعتبرونك شاهد عيان.
(٣٤) ثم [يفرض عليك أن] تصبح شاهدًا لهم.
(٣٥) ويقحمونك في دعوى لا شأن لك بإثباتها.
(٣٦) إذا نشبت أمامك مشاجرة فامض في سبيلك، لا تعبأ بها.
(٣٧) وإن كنت [طرفًا أو سببًا] فيها، فإطفاء النار!
(٣٨) إن المشاجرات شراك.٦
(٣٩) سورٌ قوي يروع أعداءه.
(٤٠) إنهم يتذكَّرون ما نسيه المرء ويوجهون التهمة.
(٤١) لا تقابل شر رجل يتشاجر معك بشرٍّ مثله.
(٤٢) عامل بالإحسان من آذاك.
(٤٣) أنصف عدوك.
(٤٤) واجه خصمك بابتسامة.
(٤٥) وإذا كان من يُضمِر لك الشر (…) فقوِّمه.
(٤٦) لا تُبيِّت الشر [لأحد] …
(٤٧) (…) مرضي عند الآلهة.
(٤٨) الثر (…) بغيض [إلى] مردوخ.
(٥٣) لا تثق (…)
(٥٤) احترم الأخ الأكبر (…)
(٥٥) (…) التوقير و(…)
(٥٦) (…) الضعيف، أظهر له العطف،
(٥٧) لا تسب المضطهدين٧ و(…)
(٥٨) لا تزدرهم في تسلط.
(٥٩) فذلك يغضب إله الإنسان.
(٦٠) وهو لا يسر شمش، الذي سيعاقبه عليه بالشر.
(٦١) قدم الطعام ﻟ [الجائع]، والجعة للعطشان.
(٦٢) أعطِ السائل، وأغنِ العائل وأكرمه.
(٦٣) فهذا يُسعد إله الإنسان.
(٦٤) ويسر شمش الذي سيكافئه عليه.
(٦٥) أحسن بالصدقات، قدِّم المعروف ما عشتَ [من أيام].٨
(٦٦) لا تكرم أمة [بالدخول] في بيتك.
(٦٧) فلن تتولى مخدعك كزوجة.
(٦٨) … لن تذهب بنفسك إلى الإماء.
(٦٩) [إنها إن] صعدت … فلن تنزل أنت.
(٧٠) ليقل لك هذا [وسط] أهلك.٩
(٧١) «إن البيت الذي تتولى الأمة أمره، تدمره».
(٧٢) لا تتزوج بغيًّا أزواجها حشد [غفير].
(٧٣) ولا بغيَّ معبد وُهبت للإله.
(٧٤) ولا محظيةً منجبوها كثيرون.
(٧٥) إذا ألمَّ بك الهمُّ فلن تساندك.
(٧٦) وإذا [تورطت] في نزاع [مشاجرة] فستهزأ بك؛
(٧٧) فلا توقير ولا طاعة عندها.
(٧٨) حتى لو ترأَّست [شئون] بيتك فتخلَّص منها؛
(٧٩) لأنها وجَّهت انتباهها وجهةً أخرى.
(٨٠) [قراءة ثانية] ستخرب البيت الذي دخلته، وشريكها لن يصمد أمامها.١٠
(٨١) يا بني، إذا أبدى الأمير رغبته في أن تكون في خدمته،
(٨٢) وإذا أُنيط بك حمل خاتمه المصون.
(٨٣) فافتح خزائنه، وادلف إليها؛
(٨٤) إذ ما من أحد غيرك [يمكنه أن يفعل هذا].
(٨٥) ستجد فيها ثروة غير محدودة،
(٨٦) فحذارِ أن تمدَّ بصرك إلى شيء منها.
(٨٧) أو تُبيَّت النية على الخداع.
(٨٨) لأن الأمر سيُفحص فيما بعدُ،
(٨٩) وسيفتضح إثم الغش الذي اقترفت.
(٩٠) سيسمع [به] الأمير وسوف (…)
(٩١) ووجهه الباسم … (…)
(٩٢) هنالك تقدم الحساب (…)
(٩٣) … بالسمعة عند الناس (…)
(٩٤) … الاحتقار (…)
(١٢٧) لا تُشهِّر [بأحد]، ولا تنطق إلا بالخير.
(١٢٨) لا تغتبْ أحدًا، اذكر الناس بالخير.
(١٢٩) إن من يطعن [الناس] ويتكلم عنهم بالشر،
(١٣٠) سيوقعون به ويدينونه عند شمش.١١
(١٣١) كن حذرًا من هذا القول، احرس شفتيك.
(١٣٢) لا تخلف بالإيمان عندما تكون بمفردك؛
(١٣٣) لأن ما تقوله في لحظة سيلاحقك فيما بعدُ.
(١٣٤) وابذل ما في وسعك كي تتحفظ في كلامك.
(١٣٥) اعبد ربك كل يوم.
(١٣٦) التضحية والتبرك١٢ خير ما يرافق البخور.
(١٣٧) قدم قربانك طوعًا لإلهك؛
(١٣٨) فهذا هو الذي يليق بالآلهة.
(١٣٩) قدم له الصلاة، والدعاء، التضرع كل يوم.١٣
(١٤٠) وسوف تنال الثواب.
(١٤١) هنالك تفوز بالقرب من إلهك.
(١٤٢) [اهتد] بحكمتك وادرس اللوح.
(١٤٣) إن الخشوع يعقب الرضا.
(١٤٤) والتضحية تطيل الأجل.
(١٤٥) والصلاة تكفر عن الذنوب.
(١٤٦) ومن يخشى الآلهة لا يستخف به (…)
(١٤٧) من يخشى «الأنوناكي» يمد في أيامه.١٤
(١٤٨) لا تتكلم مع صديق ورفيق (…)
(١٤٩) لا تنافق، وتلطف في القول.
(١٥٠) إذا وعدت، فأعطِ (…)
(١٥١) إذا خلقت الثقة، فعليك (…)
(١٥٢) [وحقِّق] رغبة الرفيق.
(١٥٣) [إذا] جعلت صديقًا يثق بك (…)
(١٥٤) [واهتدِ] بحكمتك [في دراسة اللوح].

(ﺟ) نصائح متشائم

دونت هذه النصائح على لوحٍ صغير مستطيل الشكل، ويبدو أنها مقتطف من عملٍ أدبيٍّ أكبر، وهي على هيئة خطاب مُوجَّه إلى شخصٍ معين، أو ربما كانت موجهة ببساطة إلى القارئ، وهي تتألف من واحد وثلاثين سطرًا، تتعذر قراءة السطور التسعة الأخيرة منها التي نُقشت على ظهر اللوح، والسطور الثلاثة الأولى لا يستشف منها أي معنى، أما من الخامس إلى العاشر فالدلالة على فناء الحياة البشرية وزوال فاعلية البشر واضحة كل الوضوح، ولا بد أن الكاتب المجهول الذي دوَّن هذه النصائح قد أدرك هذا «الوضع» أو «الموقف» الإنساني كما نُعبِّر اليوم، فأخذ ينصح قارئه — أيًّا كانت طبيعة هذا القارئ ومنصبه وجاهه وانتماؤه — بأن يستمر في أداء الفروض الدينية ولا يهمل مهامه وأعماله الزراعية، وهو يؤكد له أن التبتُّل لآلهة المدينة (ومن الغريب أنه لا يذكر إلهه الشخصي) يؤدِّي إلى إنجاب الخلف الصالح، كما يُزوِّده فيها ببعض النصائح التي يستحيل تعرُّف معناها عن معاملة أطفاله (في السطرين الخامس عشر والسادس عشر)، ويتغير الموضوع على حين فجأة؛ فيتجه إلى التحذير من الأحلام السيئة أو الكوابيس! ويشرح الحكيم المتشائم ذلك (في السطر التاسع عشر) بأن القلق والعناء هما المسئولان عن تلك الأحلام المزعجة. ويختم الحكيم توجيهاته بتوصية قارئه بأن يعيش حياةً خالية من الهموم.

من العسير تحديد تاريخ هذه النصائح، ولكن يمكن القول إنه ليس متأخرًا عن عصر الملك الآشوري «آشور بانيبال» الذي وُجدت بين نفائس مكتبته الشهيرة (٦٥٠ق.م.)، كما يستبعد العلماء أن يكون سابقًا على عصر الأسرة أو السلالة الأولى للدولة البابلية القديمة.

والحق أن البقية الباقية من النص لا توحي — في تقديري على الأقل — بأن مؤلفه رجل متشائم؛ إذ إن تأكيد «الفناء» أو «التناهي» كما يقول فلاسفة الوجود المعاصرون، لا يدل على التشاؤم بقدر ما يكشف عن تبصُّر هذا الحكيم البابلي القديم بمأساة الوضع أو الشرط البشري بوجهٍ عام.

(١) [إذا] جلعت … [ك] مثل … إله.
(٣) (…) يجلب السرور (…)
(٤) (…) هو تراب.
(٥) (…) منته.
(٦) (…) يرتد إلى الطين.
(٧) (…) تحرقه النار.
(٨) … لا يستمر إلى الأبد.
(٩) [ومهما] يعمل البشر فلن تدوم [أعمالهم] إلى الأبد.
(١٠) البشر وأعمالهم زائلون.
(١١) [أما] عنك أنت، فقدِّم صلواتك لإلهك.
(١٢) واحرص على الدوام أن تهب قربانك للإله الذي أوجدك.
(١٣) اركع لإلهة مدينتك لتمنحك الخلف.
(١٤) اعتنِ بماشيتك، تذكَّر زرعك؛
(١٥) لأن ابنك [البكر] وابنتك …
(١٦) اجعل ابنك البكر وابنتك …
(١٧) لا تدع النوم السيئ يُضني قلبك.
(١٨) اطرد الشقاء والعناء من جانبك.
(١٩) إن البؤس والعناء يسبِّبان حلمًا،
(٢٠) وإن كان الحلم يضر … بقلبك.
(٢١) دع قلبك يتحرر من (…) أبعد (…)
(٢٢) وجهك (…) ليبتسم [محياك].

(د) نصح ونذير لأمير

كثيرًا ما صور المؤرخون ملوك وادي الرافدين القدماء في صورة المستبد الشرقي الذي يركب أهواءه ويشتط في طغيانه بلا قيد ولا حدٍّ، وربما قابلوا بينهم وبين ملوك الحيثيين الذين كان القانون سياجًا يطوِّق إرادتهم، أو أنبياء العهد القديم الذين كانوا يُعنِّفون ملوكهم على إساءة استخدم السلطة، وهذه النصائح التي كُتبتْ على لوحٍ وحيد وجد في مكتبات الملك آشور بانيبال تصحح تلك الصورة التي لم تسلم من المبالغة؛ فهي تُحذِّر ملكًا أو أميرًا بابليًّا من مغبَّة ظلم رعاياه، وتنذره بالعقاب الإلهي الذي ينتظره من جرَّاء اضطهاده لهم وبغيه عليهم. وهي لا تكتفي بذلك بل تمد التحذير والنذير إلى ضباطه وعساكره؛ حتى لا يرتكبوا إثمًا في حق السكان الآمنين في بعض المدن البابلية.

والنصائح مكتوبة بالأسلوب الذي كانت تُكتَب به النبوءات للتحذير مما سيقع في المستقبل أو للتبشير به. ويبدو أن شكل النبرة كان أنسب شكل أدبي يمكن أن يصاغ فيه النصح أو التحذير الموجَّه إلى ملك أو أمير، فمعظم عباراته تبدأ بالجمل الشرطية «إذا الملك …» لكي تلفت انتباهه إلى العواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على فعله أو فعل أعوانه، كما تتردد فيها بعض الصيغ والتراكيب النمطية المستعارة من النبوءات، مثل القول بأن بلده سيتمرَّد عليه أو أن الوضع القائم فيه سيتغير، بالإضافة إلى غلبة الكتابة التصويرية على النص حيث تشيع كتابة الكلمات على هيئة مقاطع في غيره من النصوص.

ومن الواضح أن الهدف من النص هو حماية حقوق المواطنين من سكان سيبار ونيبور (نفر) وبابل، وتأمينهم من شر السخرة وفرض الغرامات والضرائب الباهظة عليهم، ومن تجريدهم من ممتلكاتهم أو إساءة استغلالها، ويقترح بعض الباحثين إرجاع النص إلى العصر الآشوري المتأخر، استنادًا إلى تصريح الملك الآشوري سرجون الثاني (من نحو ٧٢١–٧٠٥ق.م.) في نقوشه بأنه قد اتخذ هذه الإجراءات نفسها مع المدن السالفة الذكر؛ ولذلك يرى «بيل» أن الملك المقصود بالنصيحة هو «ميردواخ-بالادان» الكلداني الذي وقف كهنة تلك المدن في وجهه، بينما يَفترِض «دياكونوف» أن يكون هو الملك الآشوري (سينحاريب ٧٠٤–٦٨١ق.م.) الذي اشتهر بسياسته المعادية للبابليين. غير أن العبارات الواردة في النص توحي بأن الشر الذي يمكن أن يحيق بتلك المدن سيصيب الملك أيضًا، كما يفهم من دلالة كلمة «الأجنبي» التي يستخدمها أنه لم يكن من الملوك الأجانب؛ ولذلك يصعب التسليم بأنه كان كلدانيًّا أو آشوريًّا. وليس من المستبعد أن يكون أحد الملوك البابليين الذين لم يكن لهم حظ من الشهرة والقوة؛ فاتبع من رعيته سياسة الابتزاز والاضطهاد، ولجأ إلى طلب العون من الكلدانيين والآشوريين ليستر ضعفه ويظهر في صورة الملك العظيم. ولعله أن يكون قد عاش — كما يقول الأستاذ لامبيرت — في فترةٍ زمنية تقع بين سنة ألف وسنة سبعمائة قبل الميلاد.

(١) إذا [تراخى] ملك عن إقامة العدل، فسوف يلقي شعبه في الفوضى (والاضطراب) وتخرب بلده.

(٢) إذا لم يرعَ العدل في بلده، فسوف يغير «أيا» ملك الأقدار (٣) من مصيره، ولن يكف عن ملاحقته بالأذى.

(٤) إذا لم ينتبه لنبلائه، فسوف تختصر حياته.

(٥) إذا لم يهتم [بما يقوله] ناصحه، فسوف يثور بلده عليه.

(٦) إذا قرَّب منه محتالًا، فسوف يتغير «الوضع القائم» في بلده.

(٧) إذا أخذ بحيلة [من حيل] «أيا» فلن يتوقف الآلهة العظام (٨) مجتمعين وبطرقهم العادلة عن إدانته.

(٩) إذا وضع مواطنًا من سيبار بغير حق في السجن وأفرج (في المقابل) عن أجنبي، فسوف يقيم شمش، قاضي السماء والأرض في بلده قضاءً أجنبيًّا لا يراعي الأمراءُ ولا القضاة فيه العدل.

(١١) إذا أحضر إليه مواطنو نيبور [نفر] للقضاء [في أمرهم] فقَبِل هدية وسجنهم بغير حق (١٢) فسوف يُسلِّط عليه أنليل سيد البلاد جيشًا أجنبيًّا (١٣) يذبح جيشه؛ (١٤) فيهيم أميره وكبار ضباطه في شوارعه مثل الديوك المتحاربة.

(١٥) إذا أخذ فضة سكان بابل وأضافها إلى خزائنه، (١٦) أو إذا سمع بدعوى مقامة على رجال بابل واستخفَّ بها (١٧) فإن مردوخ، سيد السماء والأرض، سيسلط عليه أعداءه (١٨) ويسلم أملاكه وثروته لعدوه.

(١٩) إذا فرض غرامة على أهالي نيبور [نفر] وسيبار أو بابل، (٢٠) أو إذا وضعهم في السجن، (٢١) فسوف تدمَّر المدينة التي فرضت عليها الغرامة تدميرًا تامًّا، (٢٢) ويشق جيش أجنبي طريقه إلى السجن الذي حبسوا فيه.

(٢٣) إذا عبأ جميع [سكان] سيبار ونيبور [نفر] وبابل (٢٤) وفرض السخرة على الشعب، (٢٥) وألزمه — على لسان المنادي — بالعمل بغير أجر (٢٦) فسوف يقوم مردوخ، حكيم الآلهة وأميرهم وناصحهم (٢٧) بتسليم بلده لعدوِّه (٢٨) بحيث تجبر قوات بلاده على أداء أعمال السخرة لعدوِّه؛ (٢٩) لأن الآلهة العظام، آنو وأنليل وأيا (٣٠) الذين يسكنون السماء والأرض، قد قرروا في مجمعهم إعفاء هؤلاء الناس من أمثال هذه الأعباء. (٣١)، (٣٢) إذا أخذ العلف الذي يملكه أهالي سيبار ونيبور وبابل [وقدَّمه] لخيوله [الخاصة] (٣٣) فإن الخيول التي أكلت العلف ستُساق إلى نير العدو ويعبأ هؤلاء الرجال مع رجال الملك عندما يُجنِّد الجيش الأهالي تجنيدًا إجباريًّا.

(٣٦) وسيقوم «إيرا»١٥ القوي، الذي يسير في طليعة جيشه، (٣٧) بتحطيم خطوط جبهته والانضمام إلى صفوف عدوه.
(٣٨) إذا أرخى نير ثيرانهم، (٣٩) ووضعها في حقوق أخرى، (٤٠) أو سلَّمها لأجنبي (…) فسوف تخرب (…) لآدو.١٦

(٤١) إذا استولى على (…) قطيع أغنامهم، (٤٢) فسوف يستأصل آدو، وهو المشرف على القنوات في السماء والأرض، (٤٣) بالجوع ماشيته، (٤٤) ويجمع التقدميات [القرابين والأضحيات] لشمش.

(٤٥) إذا الناصح [المشير] أو كبير المشرفين في [بلاط] الملك وجه الاتهامات إليهم [أي لأحد مواطني سيبار ونيبور وبابل] وحصل بذلك منهم على الرشا، (٤٧) فإن الناصح وكبير المشرفين (٤٨) سيموتان بالسيف، (٤٩) ويتحوَّل مقرُّهما إلى خرابة، (٥٠) وتذرو الريح بقاياهم، وتسلم أعمالهم (التي أنجزوها) للعاصفة.

(٥١) إذا أعلن بطلان معاهداتهم، أو غير الرقم [الألواح] التي نُقشت عليها، (٥٢) وزج بهم في معركة [حربية]، أو أجبرهم على العمل الشاق، (٥٣) فإن نابو، كاتب إيزاكيل١٧ الذي ينظم السماء والأرض جميعًا، ويوجه (بأمره) كل شيء، (٥٤) وينصب الملوك، سيعلن بطلان المعاهدات [التي أبرمتها] بلاده، ويقرر العدوان [عليه].

(٥٥) إذا راعٍ، أو مشرف على المعبد، أو أحد كبار المشرفين [في بلاط] الملك (٥٦) الذي يتولى تدبير شئون المعبد في سيبار ونيبور أو بابل، (٥٧) فرض السخرة عليهم [أي على سكان هذه المدن] [للقيام بأعمال] تتعلق بمعابد الآلهة الكبار، (٥٨) فإن [هؤلاء] الآلهة العظام سيعمدون في سَوْرة غضبهم إلى ترك مساكنهم (٥٩) ولن يدخلوا [بعد ذلك] هياكلهم.

تراتيل للآلهة

(أ) ترتيلة لنينورتا

نُقشت هذه الترتيلة للإله «نينورتا» — إله الري والسدود والقنوات وابن أنليل إليه الهواء والعواصف — باللغتين البابلية والآشورية على لوح يحمل رقم ١٠٦١٠ في قسم الألواح، والرُّقُم الطينية بمتحف الشرق الأدنى في مدينة برلين. ويُرجِّح أحد علماء الأكديات (وهو الأستاذ أ. فيدنر) أن يكون الملك الآشوري المشهور توكولتي نينورتا الأول،١٨ من العهد الآشوري الوسيط، قد جلبها إلى آشور مع الغنائم والأسلاب التي استولى عليها من مدينة بابل، كما يرى الأستاذ «لامبيرت» أن الترتيلة تُعَدُّ أحد النصوص الدينية القليلة التي بقيت من العصر الكشي. لم يحفظ الزمن اسم الإله الذي تُسبِّح الترتيلة بحمده، ولكن إشارة النص لدخوله معبد «أشوميشا» لا تدع مجالًا للشك في أنه هو الإله «نينورتا» الذي سبق ذكره. ويتضمن النص المدوَّن على وجه اللوح بعض الأوامر والتعليمات الأخلاقية التي تُذكِّرنا بالتراتيل السومرية، أما ظهر اللوح فيتجه فيه النص بالدعاء للإله أثناء دخوله هيكله بكلمات توحي بالتشابه بينها وبين ترتيلةٍ أخرى تُمجِّد الإلهة نينخرساك١٩ وعثر عليها في آشور، وغني عن القول أن الحكم الأخلاقية التي يشتمل عليها النص هي التي تجعلنا نذكر هذه الترتيلة القديمة لإله الشمس والعدل «شمش» في هذا الكتاب عن الحكمة البابلية، وإليك ما تبقَّى من نص الترتيلة البابلية للإله نينورتا على وجه اللوح الذي نقشت عليه:
(٣) من يعاشر زوجة رجلٍ آخر يرتكب ذنبًا فظيعًا.
(٥) من يتفوَّه بعبارات أسوأ «افتراءً على الناس» ويقترف إثم الغيبة و«النميمة»،
(٧) من ينشر الشائعات الحقيرة عن نظيره «أو زميله»،
(٩) من يُوجِّه التهم الخسيسة إلى أخيه،
(١١) من يضطهد الفقراء،
(١٣) من يسلم الضعيف لبطش القوي،
(١٥) من (…) مواطنًا بالأكاذيب،
(١٧) من يقتحم «بشراسة» حقل جاره (…)

ظهر اللوح

(٢) الطبول والصنوج تنطلق بالغناء لك.
(٤) الثيران السمينة والأغنام «السمينة» تُذبَح لك تَقْدمة من الملك،
(٦) الشباب اليافع النشيط يحارب في سبيلك ببراعة وقوة،
(٨) أهالي نيبورا «نفزًا» مع عائلاتهم (…) الرخاء،
(١٠) ذوو الرءوس السود يرددون أناشيد الحمد لك.
(١٢) عندما تمد عينيك إلى هذا المكان،
(١٤) عندما تدخل من بوابة [غير المطهرين] كالعاصفة،
(١٦) عندما تطأ [قدماك] ميدان بوابة [غير المطهرين]٢٠  الذي يموج بالفرح،
(١٨) عندما تدخل «أشوميشا»، وهو البيت الممتد إلى السماء والعالم السفلي،
(٢٠) عندما تشاهد محبوبك (…)

(ب) ترتيلة للإله شمش

تعد هذه الترتيلة — التي تتألف في جميع «مخطوطاتها» من مائتي سطر مدونة على أربعة أعمدة — من أجمل التراتيل وأكبرها حجمًا، ولا شك أنها كانت تُتلى مع الطقوس الدينية، وإن كان من المستبعد أن تكون قد استخدمت كمعظم التراتيل الدينية على صورة أدعية للرُّقى والتعاويذ والنبوءات.

والترتيلة موجَّهة إلى الشمس «شمش» الذي كانت له منزلته في الفكر الديني في وادي الرافدين، كما كانت له كذلك شعبيته باعتباره إله العدل (راجع المدخل العام للحكمة البابلية في هذا الكتاب) وإن لم يبلغ مقام الآلهة الكبرى مثل «مردوخ» في الدولة البابلية الأولى أو «نينورتا» في أواخر العصر الآشوري الأوسط، والمهم في هذا السياق أن الترتيلة تُسبِّح بحمده والثناء عليه بوصفه واهب النور للكون (من السطر الأول إلى السطر العشرين)، ثم باعتباره الإله الذي يشمل بعنايته كل المخلوقات (من السطر الواحد والعشرين إلى السطر الثاني والخمسين)، ويكشف الأسرار ويرعى المحتاجين إلى عونه (من الثالث والخمسين إلى الثاني والثمانين).

ويتحوَّل مسار الترتيلة إلى قضية العدل ومشكلاته في مجالات مختلفة من أهمها التجارة والتجَّار وما ينتظر المطففين منهم من عقاب وما يوعَد به الأبرار منهم من حُسن الثواب (من السطر الثالث والثمانين إلى السطر السابع والعشرين بعد المائة)٢١ ثم يبدأ تحولٌ آخر توصف فيه مجالاتٌ أخرى، تطَّلع عليهم عينا «شمش» الذي يرى ما لا تراه عيون البشر الفانين من أحوال الفقراء والصيادين والمسافرين ومَن عداهم مِن قُطاَّع الطرق والتائهين الهائمين بعيدًا عن مساكن الناس (من السطر الثامن والعشرين بعد المائة إلى السطر الثامن والأربعين). وينتهي هذا القسم من الترتيلة بالدعاء الحار لشمش ألا يصبَّ لعنته على هؤلاء البؤساء. وبعد سطور يُقدِّم فيها الثناء على الذين يتلون النبوءات الخاصة بالفأل (من السطر التاسع والأربعين بعد المائة إلى السطر الخامس والخمسين) تأتي الإشارة إلى الاحتفال الشهري الذي كانت تُسكَب فيه الجعة لشمش في مقابل استجابته لرغبات العابدين (من السطر السادس والخمسين بعد المائة إلى السطر السادس والستين). وبعد سطور لا تتسق مع السياق تمام الاتساق (من السطر السابع والستين بعد المائة إلى السطر الثالث والسبعين) نستمع إلى أصوات التسبيح بحمد النور الذي بعثه إله الشمس الذي يمجِّده الداعي مشيدًا بقوته التي تتحكم في الطقس والفصول (من السطر الرابع والسبعين بعد المائة إلى السطر الثالث والثمانين). وفي الختام تواجهنا سطورٌ تتعذَّر قراءتها، ويبدو أنها كانت تنتهي بالدعاء لشمش بأن يُنزل إلهٌ آخر السكينةَ على قلبه، وهي نهاية لا تليق بهالات التمجيد التي كَلَّلت بها الترتيلةُ رأس «شمش» ولا بمسارها الفكري العام.

أما عن تاريخ هذه الترتيلة فلا نكاد نعرف عنه شيئًا؛ فالألواح الطينية التي وصلتنا منها تنتمي للعصر الآشوري المتأخر، باستثناء «مخطوطة» غير كاملة من أواخر العصر البابلي عُثر عليها في مدينة الإله شمش نفسه وهي «سيبار». وقد وُجدت خمس نسخ منها بين كنوز مكتبات الملك الآشوري آشور بانيبال (حوالي سنة ٦٥٠ قبل الميلاد)؛ مما يؤيِّد الرأي السائد بأنها كانت تُتلى بكثرة في الطقوس الدينية لذلك العصر، كما كانت ألواحها تُستَغل في تمريض التلاميذ والمتعلمين على فنون الكتابة والتدوين، شأنها في ذلك شأن بعض النصوص الأدبية والدينية العريقة مثل لدلول (أيوب البابلي)، وملحمة الخلق أو التكوين، وملحمة إيرا (إله الأوبئة والدماء) وغيرها.

وقد محَّص العلماء أوجه التشابه والتناظر في العبارات والمصطلحات الأدبية والتجارية بين هذه الترتيلة وغيرها من النصوص الدينية والملحمية والأدبية ونصوص الحكمة والتعزيم والنبوءات. ولعل كاتب الترتيلة أو كُتَّابها قد استعاروا بعض النصوص والصيغ البديهة والمتحجرة (أكليشيهات) من نصوص أخرى سابقة؛ مما يدل على سطوة التقاليد الأدبية في الشرق بوجهٍ عام، واعتماد الكُتَّاب والأدباء على التراث القديم، بيد أن النصوص الأصلية توحي على الدوام بنضرة الأصالة التي تُفتقد عادةً في النصوص المتأخرة التي تحاذيها وتنسج على منوالها؛ ولهذا السبب يستبعد الأستاذ لامبيرت (ص١٣٣ من كتابه عن الحكمة البابلية) أن يرجع تاريخ هذه الترتيلة إلى العصر البابلي القديم (باستثناء القسم الخاص بالتجار وأحوالهم ومتاعبهم)، ولا شك أن العجز عن تحديد تاريخٍ دقيق للترتيلة لا يقلل في شيء من قيمتها التاريخية والأدبية الرفيعة.

ولا شك كذلك في أنها تُذكِّرنا بالنشيد المشهور الذي يُسبِّح فيه الملك المغترب المثقف إخناتون بحمد إلهه الواحد آتون أو قرص الشمس، إن المقارنة بينهما مُغرية، وربما تلقي الضوء على اختلاف روح التدين عند المصريين القدماء في الدولة الحديثة وعند البابليين المتأخرين، ولكنها تبعد بنا عن السياق الذي نحن فيه.

ترتيلة للإله شمش

(١) يا من تضيء (…) السماوات،
(٢) يا من تنير الظلام (…) في المناطق العليا والسفلى،
(٣) شمش، أيها المضيء (…) السماوات،
(٤) يا من تنير الظلام (…) في المناطق العليا والسفلى
(٥) أشِعَّتك كالشبكة تغطي (…)
(٦) [وأنت] تسطع بنورك [الذي يُبدِّد] عتمة الجبال الشامخة.
(٧) عندما تبزغ يبتهج مجمع الآلهة،
(٨) [و]جميع آلهة الأرض [الإيجيجي]٢٢ يفرحون بك.
(٩) أشعتك تمسك الأسرار بنير انقطاع،
(١٠) وبضوئك الساطع يكشف طريقها.
(١١) إن نورك الباهر يتطلع أبدًا (…)،
(١٢) [وأنت …] جهات العالم الأربع كإله النار.
(١٣) تفتح بوابات جميع (…) على اتساعها،
(١٤) وتُبارِك تقدمات الطعام لجميع آلهة الأرض جميعًا [الإيجيجي]
(١٥) شمش، عند بزوغك يركع البشر،
(١٦) (…) كل البلاد،
(١٧) أيها المضيء، يا مبدد ظلمات قبة السماوات،
(١٨) يا من تُشعِل الوهج في [لحية] الثور، وحقل القمح، وحياة البلاد.
(١٩) روعتك تنسدل على الجبال الشامخة،
(٢٠) ضوءك القوي يملأ البلاد إلى غاية حدودها.
(٢١) إنك تتسلَّق الجبال وتتقصَّى [أحوال] الأرض،
(٢٢) تُدلِّي من السماوات دائرة البلاد.
(٢٣) ترعى كل شعوب البلاد،
(٢٤) وكل ما خلقه أيا، ملك مجمع الآلهة، قد عهد به إليك.
(٢٥) كل ما يتنفس ترعاه بغير استثناء،
(٢٦) فأنت الذي تحفظهم في المناطق العليا والسفلى.
(٢٧) إنك تعبر السماوات بانتظام وبغير انقطاع،
(٢٨) وفي كل يوم تطوف فوق الأرض الواسعة.
(٢٩) فيض البحر، والجبال، والأرض، والسماوات،
(٣٠) تعبر فوقها كاﻟ (…) كل يوم بلا توقف.
(٣١) في العالم السفلي تعنى بجميع آلهة كرزو، وهم الأنانوكي،
(٣٢) من الأعالي تدبر كل شئون البشر،
(٣٣) يا راعي [الأحياء] في [المناطق] الدنيا، وحافظ [الأحياء] في الأعالي،
(٣٤) أنت المدبر يا شمش، وأنت نور كل شيء.
(٣٥) إنك لا تعجز أبدًا عن عبور البحر الواسع الشاسع،
(٣٦) الذي لا تعرف الإيجيجي [آلهة الأرض] أعماقه.
(٣٧) شمش، إن وهجك الساطع يبلغ عمق الهاوية،
(٣٨) بحيث تشاهد نورك وحوش الأغوار،
(٣٩) وأنت يا شمش تنكمش كخيط [الشبكة]، وتنتشر كالضباب،
(٤٠) وتشمل بحمايتك البلاد.
(٤١) وأنت لا تغتم أثناء النهار، ولا سطحك يغشاه الظلام،
(٤٢) وفي الليل يواصل لهيبك الاشتعال(.).
(٤٣) إلى مناطق مجهولة بعيدة ولأبعاد لا تحصى،
(٤٤) تندفع [في طريقك] يا شمس ذاهبًا بالنهار وآيبًا بالليل.
(٤٥) لا أحد من «الإيجيجي» جميعًا يكدح كدحك،
(٤٦) ولا أحد في مجمع الآلهة يتسامى إلى عليائك،
(٤٧) عند شروقك بتجمع آلهة البلاد:
(٤٨) وهجك العنيف يغطي البلاد.
(٤٩) وجميع [سكان] البلاد الذين تتنوع بينهم لغات الحديث،
(٥٠) تعلم خططهم، وتعرف كُنه طريقهم.
(٥١) البشر جميعًا يركعون أمامك،
(٥٢) والعالم، يا شمش، يحنُّ لنورك.
(٥٣) [في] طاسة العراف المكفتة بخشب الأرز.
(٥٤) تنير [أنت] بصيرة كهنة الأحلام وتفسر الأحلام.
(٥٥) (…) من الترتيبات (؟) يسجدون لك،
(٥٦) [كما] يسجد لك الأشرار والعادلون،
(٥٧) [ما من أحد] غيرك يهبط للأعماق،
(٥٨) (…) تطلق نيران أحكامك على المجرمين والمعتدين على القانون.
(٥٩) … (…)
(٦٠) وهي [هو] ينزل الضربات عليه … (…)
(٦١) وأنت تطارد الوغد الذي تحوطه (…) إلى العالم السفلي
(٦٢) وتأتي به من نهر العالم السفلي متلبسًا بتهمة (…)
(٦٣) ما تنطق به من حكم عادل يا شمش (…)
(٦٤) حكمك الصريح لا يجوز عليه التغيير وليس (…)
(٦٥) إنك تساند المسافر على طريقه الصعب،
(٦٦) والملاح الجزوع من الأمواج تعطيه (…)
(٦٧) أنت الذي تخفر الطرق الخفية.
(٦٨) وأنت الذي تسير باستمرار على الدروب التي تواجه [شمش وحده].
(٦٩) إنك تنقذ من العاصفة التاجر الذي يحمل معه رأس ماله،
(٧٠) واﻟ (…) الذي ينقص في المحيط تزوده بالأجنحة.
(٧١) إنك لتدل اللاجئين والهاربين إلى أماكن يأوون إليها،
(٧٢) والأسير تهديه للطرق التي لا يعرفها أحد غير شمش،
(٧٣) الرجل في (…)،
(٧٤) السجين الذي (…) في سجن (…)،
(٧٥) والذي [غضب] عليه إلهه (…).
(٧٦) (…)
(٧٧) إنك تقف بجانب المريض (…)،
(٧٨) تشخص (…)،
(٧٩) تحمل (…).
(٨٠) وأنت في الأرض التي لا عودة منها (…).
(٨١) الآلهات الغضاب (…)
(٨٢) تمجد (…)
(٨٣) يا شمش، في شبكتك (…)
(٨٤) من عيون [شبكتك] … لا [يفلت]
(٨٥) ذلك الذي يقسم القسم (…)،
(٨٦) والذي لا يخشى (…)
(٨٧) شبكتك الواسعة منشورة (…)،
(٨٨) الرجل الذي يشتهي زوجة جاره
(٨٩) سوف (…) قبل يومه المكتوب.
(٩٠) لقد أُعدَّ له شركٌ كريه (…).
(٩١) سيضر به سلاحك، [ولن] ينقذه أحد.
(٩٢) لن يقف أبوه بجانبه للدفاع عنه،
(٩٣) ولن يستجيب إخوته لطلب القاضي بالترافع عنه.
(٩٤) سيوقع به في فخٍّ نحاسي لم يتنبأ به.
(٩٥) إنك تحطم قرون الوغد الذي يدبر المكائد،
(٩٦) واﻟ… المتحمس، تقوض الأسس [التي وضعها].
(٩٧) تجعل القاضي الخرب الذمة يجري القيود والأغلال،
(٩٨) والذي يقبل هدية ومع ذلك لا يقيم العدل تنزل به العقاب.
(٩٩) أما من يرفض هدية، وبالرغم من ذلك يقف في صف الضعيف،
(١٠٠) فإن شمش يسعد به وسوف يطيل حياته.
(١٠١) والقاضي النزيه الذي يصدر الأحكام العادلة
(١٠٢) يسيطر على القصر ويحيا ومع الأمراء.
(١٠٣) أي فائدة يجنيها من يستثمر ماله في بعثات تجارية بائرة؟
(١٠٤) إنه ليخيب أمله في أمر الكسب ويضيع رأسماله
(١٠٥) أما من يستثمر ماله في بعثاتٍ تجارية بعيدة ويدفع شاقلًا واحدًا مقابل …
(١٠٦) فسوف يسر ذلك شمش ويمد في عمره.
(١٠٧) إن التاجر الذي يلجأ للغش في الميزان،
(١٠٨) ويستخدم نوعين من الموازين فيخفض من (…)
(١٠٩) يخيب أمله في الكسب ويضيع [رأسماله].
(١١٠) والتاجر الأمين الذي يزن بالقسط،
(١١١) يقدم له كل شيء بالحق (…).
(١١٢) إن التاجر الذي يغش في وزن القمح،
(١١٣) ويقرض [القمح] ويُطفِّف في الوزن إلى الحد الأدنى ومع ذلك يطالب بالثمن الباهظ؛
(١١٤) ستنزل عليه لعنة الشعب قبل أن يحلَّ أجله.
(١١٥) وإذا طالب بتسديد الثَّمن قبل الموعد المتفق عليه فسوف يؤخذ ذنبه.
(١١٦) لن يملك وريثه حق التصرف في ملكه،
(١١٧) ولن يستطيع إخوته أن يضعوا أيديهم على ضيعته.
(١١٨) والتاجر الأمين الذي يعدل في وزن [القمح] إلى أقصى حد فيضاعف من إحسانه،
(١١٩) سيُسرُّ به شمش ويطيل في حياته.
(١٢٠) سيزيد من [أفراد] عائلته، ويكسب ثروة [طائلة].
(١٢١) ومثل مياه ربيع لا يتخلف لن تفشل ذريته.
(١٢٢) لذلك الذي يحسن على النَّاس ولا يعرف الغش —
(١٢٣) الرجل الذي يستر نواياه دايمًا بالنفاق — تعرض حالته (عليك).
(١٢٤) إنَّ ذرية الأشرار ستمنى [بالفشل].
(١٢٥) والذين تقول أفواههم «لا» — تعرض قضيتهم عليك.
(١٢٦) في لحظة واحدة تدرك ما يقولون،
(١٢٧) تسمعهم وتختبرهم، وتفصل في دعوى المظلومين،
(١٢٨) إن كل فرد يوضع [مصيره] بين يديك،
(١٢٩) وأنت الذي تدبر النبوءات بفألهم، وتوضح ما التبس من أمرهم.
(١٣٠) إنك يا شمس تراقب الصلاة، والسجود، والتبرك [بالدعاء]،
(١٣١) والخضوع، والركوع، وتراتيل الطقوس والسجود …
(١٣٢) الضعيف يدعوك من تجويف فمه،
(١٣٣) والمتضع، والمغلوب، والمبتلى، والمسكين،
(١٣٤) والتي أُسر ابنها تواجهك دائمًا وبغير انقطاع.
(١٣٥) من كانت أسرته بعيدة [عنه]، ومدينته نائية،
(١٣٦) والراعي [الذي يلفه] رعب السهوب يواجهك،
(١٣٧) راعي القطعان في الحرب، وحارس الأغنام وسط الأعداء.
(١٣٨) هنالك، يا شمش، تواجهك القافلة، أولئك الراحلون والخوف ينتابهم.
(١٣٩) التاجر المسافر، والوكيل الذي يحمل رأس المال.
(١٤٠) هنالك، يا شمش، يلقاك صياد السمك [الذي ينشر] شبكته،
(١٤١) والصياد، ورامي القوس الذي يسوق الطرائد،
(١٤٢) ويقابلك صائد الطيور الذي يحمل شبكته.
(١٤٣) والسارق المتلصص، عدو شمش،
(١٤٤) والباحث عن الفريسة في شعاب السهوب يواجهونك.
(١٤٥) الميت المتجول، والروح الشريد،
(١٤٦) يقابلانك يا شمش وتستمع إليهم أجمعين.
(١٤٧) إنك لا تحبط مسعى من يلقاك …
(١٤٨) لا تلعنهم يا شمش، لأجل خاطري!
(١٤٩) أنت تجود بأنوارك يا شمش على أسر الناس،
(١٥٠) تعطيهم وجهك الصارم وتهبهم ضوءك الباهر.
(١٥١) تطَّلع على حظوظهم وتشرف على تضحياتهم،
(١٥٢) وعلى امتداد الجهات الأربع تُسيِّر شئونهم.
(١٥٣) وإلى المدى [الذي تصل إليه] مساكن البشر تتحفهم جميعًا بأنوارك.
(١٥٤) السماوات لا تكفي أن تكون وعاء تحدِّق فيه،
(١٥٥) والبلاد بأسرها لا تصلح أن تكون طاسة العراف.
(١٥٦) في اليوم العشرين تتهلل بالبهجة والفرح،
(١٥٧) تأكل، تشرب مزرهم٢٣ الصافي وجعة الساقي في السوق.
(١٥٨) إنهم يسكبون لك جعة الساقي، فتتلقاها بالقبول.
(١٥٩) وأنت تنجي الذين تحوطهم الأمواج العاتية،
(١٦٠) وفي المقابل تتقبل سكائبهم الرائقة الصافية.
(١٦١) إنك تشرب جرعتهم الباردة ومزرهم،
(١٦٢) ثم تُحقِّق الأماني التي ينشدونها.
(١٦٣) تفكُّ إسار … أولئك الذين يركعون لك،
(١٦٤) والذين يباركونك بانتظام تتقبل صلواتهم،
(١٦٥) إنهم يُسبِّحون بحمدك في خضوع،
(١٦٦) ويخشعون لإجلالك أبد الآبدين.
(١٦٧) [أما] الأنذال الذين يفترون على الناس،
(١٦٨) والذين هم كالسحب لا وجه لهم ولا …
(١٦٩) أولئك الذين يمرون على [سطح] الأرض الواسعة،
(١٧٠) ويصعدون الجبال العالية،
(١٧١) وحوش البحر التي يملأها الخوف [والفزع]،
(١٧٢) أضحية البحر التي تتحرك في الأعماق،
(١٧٣) وقربان النهر الذي يمر أمامك يا شمش.
(١٧٤) أين الجبال التي لا تغطيها أشعتك [بردائها]؟
(١٧٥) وأي منطقة لا يدفئها نورك الساطع؟
(١٧٦) يا مضيء العتمة، ويا منير الظلام،
(١٧٧) يا مُبدِّد الظلمات، وغامر الأرض الواسعة بالأضواء،
(١٧٨) يا من تجعل الأرض تسطع بالأنوار، وترسل الحرارة اللاسعة إلى الأرض في (وقت) الظهيرة.
(١٧٩) وتجعل الأرض الواسعة تتوهج كالشعلة الملتهبة،
(١٨٠) وتقصر الأيام وتطيل الليالي،
(١٨١) [وتسبب] البرد والصقيع والثلج والجليد،
(١٨٢) (…) تاج السماء، الذي يفتح أبواب الأرض على مصراعيها،
(١٨٣) السير، الخابور، المزلاج، ومقبض الباب.
(١٨٤) يا من تهب الحياة (…) لمن نُزعت منه الرحمة،
(١٨٥) (…) الأسير في معركة صراع مميت.
(١٨٦) كتمان، ومشاورة، ونقاش، ونصيحة،
(١٨٧) (…) للشعوب المنتشرة في الآفاق،
(١٨٨) … العرش، الديوان الملكي …
(١٨٩) … القوة …
(١٩٠) (١٩٢) محتاج …
(١٩٣) ساطع، [في] مقامك البهيج.
(١٩٤) (…) مأدبة لمناطق العالم،
(١٩٥) (…) حاكم، كاهن-آنو، وأمير،
(١٩٦) (…) ليوفوك حقك من الإجلال.
(١٩٧) (…) ثروة البلاد في التضحية،
(١٩٨) (…) لتجدد منصة عرشك.
(١٩٩) (…) يا من لا يتبدل قوله،
(٢٠٠) لتقل لك [زوجتك آيا] في المخدع [فلتهدأ نفسك].
١  وهي محفوظة في قسم الألواح الطينية من بلاد وادي الرافدين بمتحف برلين للشرق الأدنى تحت رقم ١٠١٥١ وسوف تأتي ترجمة وجهها وظهرها.
٢  راجع التفاصيل في كتاب و. ج. لامبيرت عن أدب الحكمة البابلية، ص٩٦-٩٧.
٣  أي مُروِّج الشائعات وناشر الفضائح وأحاديث الإفك والزور.
٤  أي نفيستين أو مُكرَّمتين إلى أبعد حد (ترجمة بفايفر، ص٤٢٦ من كتاب ريتشارد)، وانظر كذلك سفر الأمثال: من يحفظ فمه يحفظ نفسه، الإصحاح ١٣–٣.
٥  المغتاب وناقل أخبار السوء والشائعات والأكاذيب الذي يبدو أنه كان أبغض الناس إلى نفس البابلي القديم. وقارن الحكم التالية على لسان أحيقار الحكيم (ويرجع نصها الآرامي — الذي عثر عليه في جزيرة فيلة في صعيد مصر سنة ١٩٠٧ — إلى القرن الخامس قبل الميلاد. والحكم هنا مأخوذة عن الترجمة العربية للنص السرياني، بغداد، مطبوعات مجمع اللغة السريانية ١٩٧٦، ص١١٢ وبعدها)، والحكم على لسان أحيقار لابن أخته نادن الذي غدر به على أبشع صورة: «يا بني لا تبُحْ بكل ما تسمع، ولا تُشهِر كل ما ترى. يا بني إن كلام الكذوب كالعصافير السمية، وعديم الحكمة يأكلها، يا بني اجعل لسانك حلوًا وكلامك عذبًا فإن ذَنَب الكلب يطعمه خبزًا وفمه يكسبه ضربًا. يا بني إذا سمعت كلمة سوء فادفنها في الأرض عمق سبعة أذرع».
٦  حُفرٌ مغطاة أو مستورة. وفي ترجمة روبرت بفايفر، من كتاب بريتشارد، ٤٢٦: لأن المشاجرة إهمال لما هو حق، سورٌ حامٍ … لعرى الخصم أو العدو.
٧  أو المستضعفين الذين ديسوا بالأقدام. والملاحظ أن السطور من ٤١ إلى ٤٦ وما بعدها تذكرنا بموعظة الجبل (قارن إنجيل متى، الإصحاح الخامس: ٣٨–٥٠) وكذلك هذه الآيات من أسفار العهد القديم: الخروج، ٣٣: ٣-٤؛ الأمثال، ٢٤: ١٧-١٨، ٢٩؛ ٢٥: ٢١-٢٢؛ أيوب، ٣١: ٢٩-٣٠؛ واللاويين، ١٩: ١٨. قارن أحيقار الحكيم في المرجع السابق الذكر، ص١١٣: يا بني إذا جابهك مبغضك بالشر فجابهه أنت بالحكمة.
٨  أو طوال أيام عمرك. راجع الهامش السابق.
٩  شعبك أو رعيتك أو ذوي قرباك. والتحذير من الزواج بالبغيِّ أو القرب منها يتردد بكثرة في أسفار العهد القديم: اللاويين ٢١: ٧؛ الأمثال ٢: ١٦، ١٩؛ ٥:  ١–٢٣؛ ٦ : ٢٤–٢٩. قارن كذلك الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، ٦: ١٣–١٩.
١٠  في ترجمة بفايفر (من كتاب بريتشارد السابق الذكر، ص٤٢٧): سيَخرُب البيت الذي تدخله ولن يعرف زوجها الرخاء (أو لن يجمع ثروة). قارن سفر الأمثال، ٧: ٥–٢٧.
١١  في ترجمة بفايفر: سينتقم منه الإله شمش ويتعقَّب رأسه.
١٢  في ترجمة بفايفر: الصلاة والدعاء.
١٣  في ترجمة بفايفر: السجود على الأرض كل يوم.
١٤  تسمية أكدية لآلهة العالم السفلي، على العكس من إيجيجي آلهة السماء السبعة العظام، راجع قاموس الآلهة والأساطير في بلاد الرافدين، مرجع سابق، ص٢٨.
١٥   إيرا هو إله الأوبئة الفتاكة والدمار لدى البابليين، وهمه الدائم إشاعة الخراب والفوضى في العالم.
١٦   هو إله الرعد والمطر الذي أمره أنليل قبل الطوفان بأن يحبس المطر عن البشر.
١٧   الإيزاكيل هو اسم المعبد الذي رفعه مجمع الآلهة وسط مدينة بابل احتفالًا بتتويج مردوخ سيدًا للكون على نحو ما جاء في ملحمة الخلق البابلية أو «الإينوما إيليش».
١٨   هو الملك الآشوري، الذي حكم من ١٢٤٤ إلى ١٢٠٨ق.م.، وقد تمكَّن من تحرير مدينة بابل من حكم الكاشيين والقضاء على ملكهم كاشتيلياش.
١٩   حرفيًّا سيدة الجبال، وهي إله الخصب والإلهة الأم التي عبدت في كل أنحاء بلاد الرافدين، كان لها معبدٌ مُقام في مدينة ماري (تل الحريري في منطقة الفرات الأوسط وبالقرب من بلدة بوكمال السورية على الضفة اليمنى من نهر الفرات) وكان شعارها هو المحراث الذي يصوَّر غالبًا في نقوش الأختام الأسطوانية.
٢٠   هكذا في الترجمة الإنجليزية The Impure أي الملوَّثين أو المدنَّسين النجسين، ولعل الدخول من هذه البوابة أن يكون إيذانًا بتطهرهم من الذنوب والآثام …
٢١   جدير بالملاحظة أن التجارة عن طريق الملاحة في الخليج العربي قد ازدهرت منذ العصور السومرية القديمة على عهد الدولة أو السلالة الأكدية «أجادة» واستمرت خلال عهد سلالة أور الثالثة والعصر المعروف بعصر أزين-لاسا «أي بين سنتي ٢٠١٧ و١٧٦٣ق.م.» إلى أن بلغت نهايتها قبل سقوط الدولة البابلية الأولى.
٢٢   المعروف من ملحمة الخلق البابلية «الإينوما إيليش» أن الإله الأكبر مردوخ بعد انتصاره على قوى الظلام والفوضى والسكون بقيادة «تعاميت» أو تاميت فصل السماء عن الأرض، وخلق الخلق، ونظم الآلهة في فريقين فجعل الفريق الأول في السماء وهم «الأنوناكي» ووضع الثاني في الأرض وما تحتها وهم «الإيجيجي».
٢٣  شراب من نوع الجعة، ينبذ من الذرة خلصة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤