الفصل الثالث

مناظرات وحكايات خرافية على لسان الحيوان والنبات

احتفظت الحكاية الخرافية على لسان الحيوان منذ القدم بشعبيتها في الشرق بوجهٍ عام، والشرق الأدنى بوجه خاص. وعندما تُذكر حكايات الحيوان تقفز «كليلة ودمنة» لعبد الله بن المقفع إلى ذهن القارئ مع غيرها من الحكايات النثرية أو الشعرية التي يحفل بها تراث الأدب العربي الرسمي والشعبي منذ عصوره الأولى وحتى شوقي شاعر العصر الحديث. وربما خطر كذلك على أذهاننا أحد المنابع المباشرة أو غير المباشرة لهذا النوع من أدب الحكمة والتسلية الذي كان ولا يزال يحظى بحب الرجل العادي واستمتاعه بما ينطوي عليه من سخرية ونقدٍ اجتماعي لاذع. وأقصد بهذا المنبع تلك المجموعة العجيبة من الحكايات المروية على لسان الحيوان والمنسوبة إلى العبد اليوناني الذي نُسجت الأساطير حول حياته وموته، وهو «إيزوبوس» الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد في «ساموس» وأُلقي به من حالق في «دلفى»، ولم يخلُ أحد من كُتَّاب هذا النوع من الحكايات الخرافية من التأثر به واستلهامه، وسواء في العصور القديمة نفسها (مثل الشاعر الإغريقي بابريوس من القرن الثاني للميلاد، أو الشاعر الروماني فايدروس الذي عاصر حكم أغسطس وتيبريوس في القرن الأول) أو في العصور الحديثة (مثل لوثر زعيم حركة الإصلاح الديني، ولافونتين أشهر من استوحاه وأعاد صياغته، وجيلرت وليسينج من أدباء الألمان)، بيد أن القارئ قد لا يتذكر أن أمثال هذه الحكايات الخرافية عمرها أقدم من ابن المقفع ومن إيزبوس بعشرات القرون، وأنها عُرفت ورويت على ألسنة السومريين وسُجِّل بعضها على الرُّقم الطينية لملوك سلالة أور الثالثة (خلال القرن الأخير من الألف الثالث قبل الميلاد) لكي يستمعوا إليها في حفلات البلاط واحتفالاته بالمناسبات والأعياد المختلفة … ولا شك أن هذا النوع من الحكايات قد عرفته اللغة الأكدية أيضًا وشاع على ألْسنة العامة والبسطاء من الناس في العهود البابلية، فقد احتوت مجموعة متأخرة من الأمثال البابلية التي سيرد ذكرها فيما بعدُ على نماذج منها، واحتلت إحداها مكانًا مرموقًا في الأدب البابلي المأثور، هي حكاية الثعبان والنسر التي أدمجت، لسبب غير معروف، في الأسطورة المشهورة باسم أسطورة إيتانا،١ وربما يرجع خلو الأدب البابلي التقليدي من هذه الحكايات إلى السبب نفسه الذي يُعلِّل به الباحثون ندرة الأمثال الشعبية فيه، وهو أن علماء العصر الكشي الذي وصلتنا منه معظم النصوص الأدبية «المحترمة»، قد اضطهدوا هذا الأدب الشفاهي الذي انتشر على ألسنة العامة ولم يروا أنه يستحق التدوين والتسجيل!

ومع ذلك فلم يخلُ الأدب البابلي التقليدي من نوعٍ معين من الحكاية الخرافية التي تختلف كل الاختلاف عن نمط الحكاية الخرافية التي نعرفها من إيزبوس ومَن نسجوا على منواله، ذلك هو أدب المناظرة الذي يسجل مبارزةً كلامية يتبارى فيها زوج من الآلهة أو البشر أو الظواهر الطبيعية أو النبات أو المعدن أو الحرف والمهن اليدوية وأدوات الزرع والصنع — في محاولة لإثبات تفوق أحد الطرفين على الآخر، وبيان مدى منفعته للإنسان بوجهٍ عام، أو للملك بوجه خاص، وهكذا نشأت تلك المناظرات البديعة — التي تذكرنا بالمناظرات التي كنا نرفع بها أصواتنا ونحن تلاميذ في المدارس الأولية والابتدائية في دروس الإنشاء، بين الصيف والشتاء، والطير والسمك، والشجر والقصب، والفضة والنحاس، والفأس والمحراث، وإلهة الماشية وإلهة الحنطة.

وكما كان السومريون سبَّاقين إلى ابتداع ألوان الأدب والحكمة التي ورثها عنهم البابليون وأضافوا إليها وطوروها، فقد ابتدع الكتاب السومريون الجنس الأدبي الذي نسميه أدب المناظرة ودونوه شعرًا، ومهدوا لكل مناظرة بمقدمةٍ أسطورية مناسبة تبين في الغالب كيفية خلق المتناظرين، يليها تمهيد للدخول في تفاصيل الموضوع الذي يبدؤه أحد المتناظرين بالحديث عن نفسه وتعداد مزاياه على خصمه، ويردُّ نظيره بالمثل. ويستمر الطرفان في أخذٍ وردٍّ حتى يضطروا للاحتكام إلى طرفٍ ثالث، يكون في الغالب أحد الآلهة البارزين في مجمع الآلهة السومرية، فيُصدِر حكمه الفاصل في النزاع بتفضيل أحد الطرفين على الآخر، ويَنزل الطرفان على حكمه فينتهي الخصام ويسود الوئام.

عُرف من هذه المناظرات السومرية سبع، أهمها المناظرة بين الماشية (التي يمثلها الإله لهار) والغلة (التي تمثلها الإلهة العذراء الرحيمة أشنان)، ومناظرة الصيف والشتاء (بين الأخوين إيمش الموكل بالإسطبلات وحظائر الغنم والمعادن، وأنتين فلاح الآلهة الذي ينتصر له الإله أنليل ويردُّ له اعتباره)، ثم المناظرة الجميلة «طلب يد نانا» (وهي إلهة الخصب والحب العذراء التي صارت عشتار البابلية فيما بعدُ) على هيئة تمثيلية من أربع شخصيات يدور فيها الحوار أو بالأحرى المونولوج الطويل حول إقناع «أنانا» بالزواج من الراعي المحب الأمين «دوموزي» الذي كانت قد فضلت الفلاح «أنكمدو» عليه. ولا تلبث العذراء أن تقتنع بحجج الراعي الطيب الذي يدعو غريمه السابق إلى حفل عرسه — بعد أن سلم بهزيمته وتنازل عن معركته بأسرع مما يجب. وفي النهاية يعرض الفلاح على الراعي بعض نتاج مزرعته من الحنطة والفول والعدس هدية بمناسبة زفافه، ولسنا نعرف ماذا وعد بتقديمه للعروس التي خيبت أمله، إذ تمتلئ سطور اللوح الأخيرة بثغرات يصعب تبيُّن شيء منها باستثناء هذه الكلمات التي يبدو أنها تعبر عن تلعثم المحب الصامت الصابر: «وأنت أيتها العذراء … مهما أردت!»٢

نسج البابليون في أدب المناظرة على منوال السومريين، وإن كانوا قد خرجوا على النموذج الأصلي في بعض الأحيان. وقد بقيت ست مناظرات أثبتناها على الصفحات التالية، ومن أهمها المناظرة بين الظرفاء (الأثل) والنخلة، والمناظرة بين الثور والحصان اللتان تحافظان على المدخل الأسطوري الذي نجده في المناظرات السومرية. ويظهر الثعلب في إحدى هذه المناظرات، كما تظهر فيما تبقى من المناظرات الأخرى ثلاثة حيوانات هي الذئب والكلب والأسد، وفيها جميعًا يتمثل الخروج على النموذج السومري في التركيز على مكر الثعلب وعدم الالتزام بالحوار بين خصمين.

أما المشهد الأخير الذي يصدر فيه الحكم الفصل بين الطرف الثالث فقد بقيت منه آثارٌ قليلة في نصَّين بابليَّين هما «نيسابا والغلة»، و«خرافة الثعلب» اللذان لا يسمحان بالمقارنة بينهما وبين النموذج السومري، وليس فيما بقي من النصوص الأكدية البابلية ما يؤكد بصورة قاطعة أنها قد حافظت على مشهد الحكم الأخير.

ونبدأ بالمناظرة بين الظرفاء التي تستهل المباراة ثم تردُّ عليها النخلة بالحديث عن مزاياها ومنافعها للملك والناس.

والجدير بالذكر أن الباحثين قد درسوا ثلاث نسخ مُنقَّحة من هذا النص، رجع أولاها إلى العصر البابلي القديم، وقد اكتشف الرقمان اللذان دونت عليهما في مكتبة «تل حرمل» (في مداخل بغداد وتقع في المنطقة المعروفة الآن باسم تل محمد بداية بغداد الجديدة)، وتعود الثانية إلى العهد الآشوري الأوسط، وقد كُتب معظمها باللهجة الآشورية، أما الثالثة فيُرجِّح بعض العلماء أنها قد كتبت بعد العهد الآشوري الأوسط، بقرن أو قرنين، وأنها تشبه الوثائق التجارية في مظهرها وطريقة كتابتها؛ مما يحمل على الظن بأن ناسخها كان من المتمرِّسين على تدوين الرسائل والعقود أكثر من تمرُّسه على كتابة النصوص الأدبية؛ ولذلك احتشدت بالأخطاء اللغوية والإملائية التي لا يمكن أن يقع فيها كاتب تلقَّى تدريبًا منظمًا في مدارس النسخ والتعليم والتدوين (الأدوبا). وتحتفظ النسختان الأولى والأخيرة بالتمهيد، وتختلف النسخ الثلاث في نسبة النص الذي تورده من الجولات الكلامية الثلاث بين الطرفين المتنافسَين، إلى أن تتقارب جميعها في تسجيل نص الجولة الثالثة بصورة تكاد أن تكون متساوية.

وأهم ما يهم القارئ غير المتخصص في الكتابة المسمارية باللغات واللهجات المختلفة في شتى عصور الحضارة العراقية القديمة أن البقية الباقية من هذه المناظرة تدل على أنها قد احتذت بنية النموذج الذي ابتدعه السومريون للحكاية الخرافية على لسان الحيوان والنبات، فهي تبدأ، بالتمهيد الأسطوري الذي اختُصِر اختصارًا شديدًا، وإن كان يتضمن الإشارة إلى الزمن الذي جادت فيه الآلهة على البشر بالملك والملكية، وهو يقع وفقًا للتاريخ السومري مرة مع بداية التحضر ونشأة الحياة المدنية، والمرة الأخرى بعد الطوفان «وأنين الأرض»، ثم يتطرق الحديث إلى غرس الشجرتين في ساحة القصر الملكي، وإقامة مأدبة في ظل الظرفاء احتفالًا بتنصيب الملك الجديد، بجانب القيام بشيءٍ آخر لم ينص عليه في ظل النخلة، وبعد أن تتحدد معالم المشهد تنخرط الشجرتان في معركتهما الحامية.

وأخيرًا فإن بعض الباحثين قد درسوا احتمال تأثير هذه المناظرة في حكايات وأعمالٍ أدبيةٍ أخرى: مثل حكاية الشجرة الآشورية (أو البابلية) التي نشر الأستاذ ج. م. أنفالا نصها المكتوب باللغة البهلوية في مجلة مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية (المجلد الثاني، من ص٦٣٧–٦٧٨) وهو يدل على تأثُّر ملحوظ بالمادة الأصلية وإن كان الكاتب الفارسي قد تصرف في صياغتها وأضاف إليها، ومثل الجغرافي والمؤرخ والرحالة الإغريقي المشهور سترابون (من حوالي ٦٣ق.م. إلى حوالي ٢٠م) الذي يذكر في كتابه (الجغرافيا، ١٦، ١، ١٤) أنه سمع أغنية فارسية أحصت فوائد النخلة وبلغت فيها ثلاثمائة وستين فائدة؛ مما يرجح اعتماد هذه الأغنية على الأصل البابلي المعروف آنذاك أو المتداول بصورةٍ شفهية. وأخيرًا نجد أن أصداء من المناظرة في إحدى الشذرات الباقية من الشاعر والعالم السكندري المعروف كالليماخوس (من حوالي ٣٠٠ق.م.–حوالي ٢٤٠ق.م.) (وقد نشرها هيرمان ديلز — الذي يرجع إليه الفضل في نشر شذرات الفلاسفة السابقين على سقراط — في المجلة الأسبوعية الدولية، المجلد الرابع، ص٩٩٣–١٠٠٢).

وإليك نص المناظرة كما ورد في النسخ الثلاث التي تحدثنا عنها، وسوف تلاحظ الفروق الدقيقة بينها، وسواء في التمهيد الأسطوري أو في متن الحوار بين الطرفين المتباريَين وتفصيلاته وموضوعاته، واستئثار النخلة بنصيب الأسد في عرض منافعها ومزاياها على الظرفاء لا شك أن الثغرات والفجوات التي شوهت النص في نسخه الثلاث تحول دون الخروج منها بسياق مترابط، ولكنها تجعل المقارنة بينها أمرًا ممتعًا وضروريًّا حتى للقارئ غير الملم بلغاتها الأصلية. والترجمة تتابع ترجمة لامبيرت الإنجليزية التي تبدأ بوجه اللوح وتنتقل إلى ظهره مع بداية كل ترقيم جديد للسطور، كما تتابع الفواصل التي وضعها بين السطور على شكل خطوطٍ فارقة بين «لازمة» وأخرى أو بين وحدة بنائية ووحدة مغايرة.

الظرفاء والنخلة

(أ) النسخة الأولى

(١) في الأيام السابقة، في السنوات السالفة
(٢) عندما حزنت «السماوات» وأنَّت الأرض في المساء، الآلهة …
(٣) سكن غضبهم على البشر ومنحوهم الوفرة …
(٤) وعينوا ملكًا ليقود البلاد ويقيم «شئون» العباد.
(٥) (…) ليحكم ذوي الرءوس السود، [العديد من الشعوب]،
(٦) غرس «الملك» النخلة في ساحته.
(٧) غرس الظرفاء، في ظل الظرفاء «أقام»
(٨) مأدبة، في ظل النخلة (…)
(٢) فتحت الظرفاء فمها ووجهت [كلامها] إلى النخلة،
(٣) «انظري ماذا يوجد في القصر من أجزاء عتادك.
(٤) إن الملك يأكل من طبقي، ومن سلة خبزي.»
(٥) يأكل المحاربون. إنني نساجة وأطرق الخيوط، ألبس القوات.
(٦) (…) أنا طاردة الأرواح الشريرة٣ وأقوم بتطهير المعبد.
(٧) ليس لي بين الآلهة منافس. أجابت
(٨) النخلة قائلة: على رسلك، إن (…) العظيم
(٩) عندما [أتغيب] لا يسكب الملك السكائب،
(١٠) (…) الأغصان غير مقطوعة.
(١١) (…) في ذلك الوقت تكونين في يد مخمر الجعة
(١٢) الملك (…) تكوم فوقك، فَتَحَتِ الظرفاء فمها
(١٣) ووجهت [الكلام] إلى النخلة: تمهلي، في أوقات الاحتفالات
(١٤) … تكون … الظرفاء، التي ليست …
(١٥) … إثم، في ذلك الوقت
(١٦) تكونين في يد الجزار وسط فضلات [الذبيحة] والدماء.
(١٧) (…) أجابت النخلة [قائلة]:
(١٨) (…) المشرف على قنواتنا … الذي [تكون] ثماره
(١٩) (…) هي ثماري، ثماري أنا …

(٢) النسخة الثانية

(٣) فتحت الظرفاء فمها [و…]:
(٤) إن لحمي إذا قورن بلحمك (…)،
(٥) حزامي الثمين اللطيف [الذي يستخدم للتسلق عليه]
(٦) مثل أمة صبية (…) سيدتها.
(٧) أجابت (النخلة) بلهجة فيها مبالغة (…):
(٨) «…» إن لحائك المزود بالأعواد (…)
(٩) حين ندعو إلهًا (…) اللحم [كفارة عن] الإثم.
(١٠) فالظرفاء لا تعرف أفضل ما … أفضل ما (…)
(١١) إنني متفوقة عليك، متمكنة من كل صنعة، اﻟ (…)،
(١٢) كل عتاد الفلاح قد قطعه من أغصاني (…)،
(١٣) إنه يتخذ مجرافه من قلبي، وبمجرافي (…)
(١٤) يفتح (…) لكي تشرب قناة الري، لقد رتبت الحقل (…)
(١٥) أما عن رطوبة التربة … (…)
(١٦) فإني أدرسها، كما أدرس الحنطة التي يعيش عليها البشر.
(١٧) إنني متوفقة عليك، متمكِّنة من كل صنعة. الفلاح … (…)
(١٨) وكل عتاده [من] لجام وسط ونير، و(…)
(١٩) وعدة الثور ونيره، وغطاء اﻟ… الشبكة والعربة (…).
(٢٠) … الفلاح، كل ما عنده … (…)
(٢١) انظري إلى عتادي في قصر الملك، ما الذي [يوجد] منه
(٢٢) في بيت الملك؟ إن الملك يأكل من طبقي، من قدحي (…)
(٢٣) من صحني، المحاربون يأكلون من سلة خبزي (…)،
(٢٤) يأخذ الخباز الدقيق، أنا نساجة، [وأطرق] الخيوط
(٢٥) [من نسجي] تلبس القوات (…)
(٢٦) … للإله، أنا رئيس طاردي الأرواح الشريرة وأصلح٤ المعبد. أنا في الحق شريفة (…)٥
(٢٧) (…) ويقينًا لا منافس لي.
(١) في الموضع الذي تُقدَّم فيه الأضاحي لسين … سين النبيل (…)
(٢) حيث أكون غائبة … لا يسكب الملك السكائب (…)
(٣) تؤدَّى شعائري [وطقوسي]، وتُكوَّم فوق الأرض فروعي (…)
(٤) في ذلك الوقت [تقوم] النخلة بتخمير [الجعة]؟ … ك …٦
(٥) تعالي، دعينا نذهب، أنا وأنت، إلى مدينة كيش (…)٧
(٦) حيث يتم عمل الحكيم تكون ثَم علامات [تدل على] غير مليء (…)
(٧) غير معبأ بالبخور. البَغِيُّ قد نثرت الماء و(…)
(٨) تأخذه ويتعبدون ويقيمون الاحتفال، في ذلك الوقت (…)
(٩) في يد الجزار،٨ فروعها في فضلات «الذبيحة» …
(١٠) تعالي دعينا نذهب، أنا وأنت، إلى مدينة (…)
(١١) حيث توجد [الخطايا] والآثام، يكون هذا ميدانك، أيتها الظرفاء، إن النجار (…)
(١٢) يحزمني ويثني [عليَّ] كل يوم.
(١٣) الذي (…)
(١٤) أرفع. سائقو الماشية (…) هراوات كبيرة.
(١٥) إنني أشطر قوتك مثل العامل في [حزم] القصب الذي (…)
(١٦) سوف أبتهج بقدرة قوتي العظيمة (…)
(١٧) جعلتك سيدة، متفوِّقة (…)
(١٨) إنني متفوقة عليك، أبزك ست مرات، وسبع مرات (…)
(١٩) أنا التي تأتي بعد إلهة الغلة، لشهور ثلاثة (…)
(٢٠) اليتيمة، والأرملة، والفقير (…)
(٢١) لا يشبعون من تمري الحلو (…)
(٢٢) مكسور (…)،
(٢٣) ويتعبدون لذريتي (…)

(٣) النسخة الثالثة

(١) الشعوب في الأيام السالفة …
(٢) حفرت آلهة القدر الأنهار؟
(٣) آلهة البلاد، أنو وأنليل وآيا، عقدوا اجتماعًا.
(٤) اتخذ أنليل والآلهة مجلسهم،
(٥) وتوسطهم شمش،
(٦) كما جلست وسطهم سيدة الآلهة العظيمة.٩
(٧) لم تكن الملكية [في ذلك العهد القديم] قد وجدت في البلاد،
(٨) وكانت [مقاليد] الحكم [في يد] الآلهة.
(٩) (١٠) [غير قابلة للترجمة].
(١١) غرس الملك
(١٢) النخلة في قصره،
(١٣) وغرس معها … [شجرة] الظرفاء.
(١٤) في ظل الظرفاء أقيمت مأدبة.
(١٥) وفي ظل النخلة
(١٦) … أصلح …
(١٧) يفتح … طريق الملك.
(١٨) كل منهما جدير بالآخر …
(١٩) الظرفاء والنخلة …
(٢٠) كذلك [قالت؟] الظرفاء، «بصورة عظيمة …
(٢١) إذا كانت النخلة متفوقة» …
(٢٢) «أنت، أيتها الظرفاء، شجرة عديمة الفائدة.
(٢٣) ما هي أغصانك؟ بلا ثمر!
(٢٤) [أما] ثمري …
(٢٥) … يتبع …
(٢٦) إن البستاني يثني عليَّ.
(٢٧) وأنفع العبد والسيد معًا.
(٢٨) ثمرتي تساعد الطفل على النمو،
(٢٩) والكبار يأكلون من ثمري.»
(٣٠) مساوية للملك …
(٣١) العتاد [والأدوات] في قصر الملك،
(٣٢) ماذا يوجد مني في قصر الملك؟
(٣٣) إن الملك يأكل من (…)
(٣٤) [و]الملكة تشرب من قدحي،
(٣٥) أنا النساجة وأطرق الخيوط (…)
(٣٦) أنا رئيس طاردي الأرواح الشريرة وأطهر (…)
(٣٧) … لا … يتبع …
(٣٨) … لا … هنالك أجابت (…)
(٣٩) موجهة الحديث إلى أختها النخلة (…)

(ب) حكاية الصفصافة

وهذه حكاية أخرى عن شجرة الصَّفصاف، ذُكرَت في قوائم النصوص الأدبية، وورد اسم مؤلفها أو ناسخها «أورنانا»، ولم يتفق العلماء بإجماع الآراء على إطلاق اسم الصفصافة عليها؛ إذ اقترح الأستاذ سالونين (في كتابه عن أدوات النقل الزراعية ص١٤٣) تسميتها بشجرة التوت، كما ترجم الأستاذ أوبنهايم العلامة المسمارية الأصلية بشجرة الحور، وذلك خلافًا للتسمية الواردة في قاموس النبات الآشوري للأستاذ طومسون (ص٢٩٢–٢٩٦). ولعل الصفصافة هي أرجح التسميات؛ إذ عُثر على قطعة من نص الحكاية تتكلم فيه الصفصافة وتردُّ عليها شجرة الغار، كما أن السطر السابع من نَصِّها المنشور فيما بعدُ يشير إلى خصلات الصفصافة التي كانت تدخل في مستلزمات بعض الطقوس، ويحتمل أن يكون النص الأصلي قد تضمن أسماء أو أحاديث أشجار أخرى لم يرد ذكرها في هذه البقية الباقية منه، ولكن يُحتمل أيضًا أن تكون الصفصافة قد قامت بالدور الأساسي في الحوار.

وجدير بالذكر أن عالم الآشوريات جورج سميث قد تصوَّر خطأً أن النص جزء من اللوح الثامن من ملحمة جلجاميش الشهيرة، وترجمه بالفعل إلى الإنجليزية في كتابه عن «العرض الكلداني لقصة الخلق» (طبعة ١٨٧٦، ص٢٤٣، وطبعة ١٨٨٠، ص٢٥٤) وأن الأستاذ ب. مايسنر في الجزء الثاني من كتابه عن بابل وآشور (ص٤٢٩) هو الذي حقَّق هوية النص وأكد — مع الأستاذ لاندزبير جر — أنه شذرة من حكايةٍ شعبية تنتمي إلى أدب المناظرة … وإليك ترجمة النص الذي حقَّقه الأستاذ لامبيرت (ص١٦٤–١٦٧ من كتابه عن أدب الحكمة البابلية):

(٢) أو شجرة الرمان (…)
(٣) شجرة الأرز، والسرو (…)
(٤) في حوض القصب والأجمة (…)
(٥) أنت …
(٦) …
(٧) في كل شيء …
(٨) تدمرين الكثير (…)
(٩) الحمقاء [بين] أشجار
(١٠) في … [ك]، شجرة الغار، جعلت …
(١١) جذورك ليست بالغة القوة (…)
(١٢) ظلك ليس وفيرًا (…)
(١٣) قمة فرعك ليست مزدهرة (…)
(١٤) فتحت [شجرة] الغار [فمها] غاضبة وردَّت على الصفصافة،
(١٥) واستفزتها وهي تجادلها
(١٦) كالظرفاء (…) لا لحم (…)
(١٧) كالنخلة، ملكة الأشجار (…)
(١٨) [ومثل] غبار الجبل، الذي يغمر أرض العدو (…)
(١٩) … مطروحة، تعالي (…)
(٢٠) [… ك] لن يربط (…)
(٢١) [بعيدًا] عنك … لا يضع (…)
(٢٢) للقوي والضعيف …
(٢٣) (…) يجرف الأخاديد …
(٢٤) … يجعل …
(٤) يسحقون العاصي …
(٥) أجعل الضيف قويًّا، و(…) المقعد [الأشل]
(٦) بغير أن تسمعها أجعل الكلمات معروفة [مبينة]
(٧) بخصلات مني يحمون الملك (…)
(٨) ويزود[ون] الشريف و[الرجل] العامي (…)
(٩) لمدينة وحيدة (…)
(١٠) يحمون الباب والمزلاج (…)
(١١) (…) توضع لتأمين السقف.
(١٢) كالتاج يزين المعبد ﺑ (…)
(١٣) ويتطلعون للدوارة لمعرفة اتجاه الريح
(١٤) … ويحمل الملاح …

(ﺟ) نيسابا والغلة

ربما كانت هذه الحكاية الشعرية أعجب الحكايات البابلية على لسان النبات والحيوان … وأشد ما يثير الحيرة في أمرها أن يدور النص المتبقي منها حول نزاع غير مفهوم بين إلهة الغلة نيسابا (التي أخذها البابليون فيما أخذوه عن السومريين حتى أصبح اسمها نفسه يدل في البابلية على الغلة) وبين نوع معين من الحبوب يطلق التهم عليها بغير مسوغ معقول ولا مقبول.

عُثر على شذرةٍ كبيرة من هذه الحكاية في «سلطان-تبه» بتركيا، كما اكتشفت فيها قطعة أخرى صغيرة يُظَن أنها جزء من الرقيم الذي دُوِّنت عليه تلك الشذرة، والجزء المحفوظ من العمود الأول هو خاتمة حديث أو ضراعة للآلهة لتحقيق الرخاء، ويبدو أن «نيسابا» نفسها هي التي تتضرع أو تُوجِّه الحديث، يتبع ذلك حديث القمح أو الحنطة التي تخاطب نيسابا بوصفها إلهة العالم السفلي، وتوجه إليها تهمة نشر الكراهية في كل ركن من أركان العالم، ولا يوضح النص سبب هذا الاتهام، وإن كانت العلاقة بين إلهة الغلة والعالم السفلي أكثر وضوحًا، إذ إن النبات يستمدُّ غذاءه من أعماق الأرض، ويستطيع القارئ أن يجد شاهدًا على هذا من واحد من أهم نصوص الأدب البابلي، وهو «لدلول بيل نيميقي» (لأمتدحن رب الحكمة) الذي يثبت في السطر السابع والخمسين من اللوح الثاني أن شياطين العالم السفلي تصل إلى عالم البشر بالخروج من باطن الأرض كما تخرج النباتات (انظر النص الوارد في هذا الكتاب). أما عن حالة هذه الشذرة كما تدل عليها الرُّقُم المدونة عليها البقية المتبقية من النص، فإن تغير الزمن وعوامل الطقس والتعرية لم تترك منه سوى كلماتٍ قليلة لا جدوى من نقلها، باستثناء أسماء بعض الآلهة الكبار المذكورين فيه، مثل آيا والأنوناكي (مجمع الآلهة) وأنو، والعبارة التي تقول في السطر الرابع عشر: «أجابت أرشكيجال» بعد الإشارة في السطر السابق مباشرة إلى الرعب والرهبة؛ مما يوحي بأن الكلمات الباقية عن مملكة العالم السفلي قد تكون جزءًا من مشهد محاكمة لم تصلنا، إذ ارتبط اسم هذه الملكة بالحكم المخيف والقضاء المهيب، وقد امَّحت الكتابة من العمود الثالث، وتبقَّى جزءٌ أساسي من العمود الرابع، وهو في الحقيقة ترتيلة تمجيد وثناء على الإلهة نيسابا، مما يوحي بأنها قد كسبت المناظرة، وأن هذا الجزء يُمثِّل خاتمة الحكاية.

من الصعب تحديد زمن كتابة هذه الحكاية، وإن كان بعض العلماء يُرجِّح أن يقع بين سنتي ألفين وثمانمائة قبل الميلاد، كما يلاحظ أن الإلحاح على المطر لإخصاب الأرض (السطور ١٧-١٨–٢١-٢٢ من العمود الأول) يؤكد أن الحكاية قد نشأت أصلًا في شمال بلاد الرافدين لا في الجنوب الذي اعتمدت فيه على الري:

(٣) أب الآلهة (…)
(٤) ضوء شمش (…)
(٥) عند شروق [شمش] …
(٦) ليكرموا (…)
(٧) مخزن القمح و(…)
(٨) فليؤمن بستان الفاكهة (…)
(٩) ولينم بستان الفاكهة (…)
(١٠) لكل الحياة النباتية (…)
(١١) ﻟ… الجبال (…)
(١٢) … … …
(١٣) لتُبنَ قاعدة المعبد (…)
(١٤) وليرتفع مزار الآلهة العظام.
(١٥) ولتعمَّ بركة الآلهة كل مؤسسات [المعبد].
(١٦) للأماكن الباردة (…) القيم عليها.
(١٧) وليتمزق ثوب السماء على صرخة أدو،١٠
(١٨) ولتهطل العاصفة الممطرة حتى تبزغ مزروعات [الأرض].
(١٩) لتتكاثر مخلوقات شاكان١١ … في المرعى،
(٢٠) ولينعم الجنس البشري بالرخاء [وتستقر] جميع البلاد.
(٢١) ليدمدم إدو [وينزل] الرخاء،
(٢٢) وليترك إيشوم مسكنه مثل …
(٢٣) لتجد أرورو، أم الآلهة، بنعمة الإنجاب المواتي،
(٢٤) ولتكثر الشياه في حظائر الأغنام.
(٢٥) فتحت الحنطة فمها وقالت،
(٢٦) مخاطبة نيسابا، سيدة العالم السفلي،
(٢٧) لم، يا نيسابا، تثيرين الحرب في البلاد؟
(٢٨) لقد خاصمت كل نبات،١٢
(٢٩) أوجدتِ الصراع وأثرتِ الشر،
(٣٠) إنك تفترين كذبًا وتقذفين ألفاظ السوء،
(٣١) وقد نشرتِ الكراهية بين الإيجيجي والآنوناكي،١٣
(٣٢) وتفرقين شمل (اﻟ… …) الآبسو١٤ بغير استثناء،
(٣٣) … ك واصلت وضعه في كل ركن من أركان العالم،
(٣٤) ستغضبين الحكيم، وتدمرين الخلق.
(٣٥) سمعت نيسابا [هذا] الحديث الكريه،
(٣٦) (…) صرخت في يأس.
(٣٧) (…) ودبرت بنفسها خطة،
(٣٨) (…) وتوسَّلت لصديقتها.
(٣) (…) الشافية العظيمة [جولا؟]١٥
(٤) (…) …
(٥) الضوء الساطع الذي ينير [الظلام].
(٦) … عن طريق الامتناع عن النظر …
(٧) نيسابا تومض متألقة وسط جميع الآلهة (…)
(٨) ليرتفع صوتها عاليًا، د … صرختها ألا (…)
(٩) ولتكن مؤازرتها محببة ﻟ (…)
(١٠)(…) ولتخضع كل البلاد وتقدم [إتاواتها]،
(١١) ليخرج كل ما زرعته شطاه وينمو.
(١٢) و ﻟ (…) نسلها وحيوانها، والجنس ذو الرءوس السود،
(١٣) ليركع عند قدميها كل ما خلقته أرورو،
(١٤) لتتم عودهم وتضيء [وجوههم].
(١٥) ﻟ (…) جنس البشر كله، بقدر ما يوجد منهم، لنيسابا.
(١٦) إن الكائنات [التي تدب] في الدغل، والوحوش، تُمجِّد عظمتها؟
(١٧) نيسابا نسيج وحدها، وهي تهب الحياة (…)
(١٨) والرجال الذين لا حصر لهم يباركون (…) باستمرار
(١٩) ليتصل ذكرها على الدوام، ود … أن لا … اسمها
(٢٠) تمجد عباراتها الجليلة (…)
(٢١) الخشوع والدعاء لنيسابا التي (…)
(٢٢) التي عينت … لكي ينظر إليها (…)
(٢٣) طوبى لنيسابا، ما أغلى [… ها]
(٢٤) الكبار والصغار يتحدثون (…)
(٢٥) (…) الثناء عليها، ويمجدون (…)
(٢٦) (…) أرباب الحرف الذين (…)

(د) الثور والحصان

لم يتبقَّ من هذه الحكاية سوى بضع كسر قليلة عُثر عليها في مكتبات الملك الآشوري آشور بانيبال، وأكبر هذه الكسر تؤلِّف جزءًا من لوح أو رقيم من عمودَين، يمثل القسم الأول من الحكاية الأصلية الطويلة، والشارة التي تُزوِّدنا بهذه المعلومات — وهي التي تكتب عادةً في نهاية المخطوطة وتسجل اسم الناسخ أو الكاتب — تتضمن كذلك نصف السطر الأول من الحكاية الذي يقول: بينما عشتار المجيدة … وليس لدينا من المقدمة الأسطورية إلا الجزء الأخير الذي يصف ارتفاع الفيضان السنوي، كما يصف الثور والحصان اللذَين يتطلعان إليه — ثم تأتي المناظرة التي يحاول فيها كل طرف أن يُثبت تفوُّقه على خصمه. ولا بد أن الحصان قد استرسل في الكلام عن بسالته في الحرب؛ إذ يرد عليه الثور بأن العديد من أدوات الحرب يُصنَع من جلده، والغريب أن الأجزاء الباقية لا تنطوي على أي إشارة إلى الخدمات التي يُقدِّمها الطرفان المتنافسان للبشر، فضلًا عن أن الجزء الخاص بالفصل في النزاع لم يُعثَر عليه.

يُرجِّح الدارسون أن الحكاية لم تُستمَدَّ من أصلٍ سومري؛ لأن الحصان لم يكن قد عُرف بعدُ في المناطق الجنوبية من وادي الرافدين في تلك العصور المبكِّرة. لقد كان الحصان شيئًا نادرًا في العصر البابلي القديم، ولم يبدأ في الانتشار على نطاقٍ واسع إلا في أوائل العصر الكشي نتيجة لقيام الميتانيين١٦ في سوريا والمناطق الشرقية من آسيا الصغرى بتربيته والعناية الشديدة به. وقد نشر أحد الباحثين (وهو الأستاذ ج. أ. بوتراتز في كتابه عن الحصان في العصور المبكرة، ١٩٣٨) مجموعة نصوص باللغة الحيثية تُبيِّن فن تربية الخيل وتدريبها ورعايتها، وأثبت أن مؤلفها الذي يسمى «كيكولي» من أصل ميتاني، كما نشر باحثٌ آخر، هو الأستاذ أ. إيبلينج مجموعة نصوص أخرى من العصر الآشوري الوسيط تحتوي على أصول تربية الخيول وتدريبها على جر العربات، وكل هذا يؤكد أن الحصان قد حظي في ذلك الزمن القديم بمثل ما يحظى به اليوم من رعاية لا يمكن أن يحلم بها الإنسان؛ ولذلك لم يكن من قبيل المبالغة أن يُسرِف الحصان في هذه الحكاية في التفاخر بمآثره ومزاياه.

وأخيرًا فإن الحكاية ترجع على أرجح الآراء إلى العصر الكشي، وسوف نقتصر على النُّسخ التي يمكن الخروج من نصوصها بمعنًى مترابط، على الرغم من الثغرات والفجوات والسطور الضائعة. ونبدأ بالنسخة الأولى فنقرأ على وجه اللوح بعد ما يقرب من تسعة سطور مفقودة ما نصه:

(٥) أنليل الملك …
(٦) دعوات …
(٧) سمع و…
(٨) نباتات …
(٩) جداول (…) أنهار.
(١٠) للفرات (…) وفرة.
(١١) فيضان مياهه (…) دجلة …
(١٢) التي ارتفعت …
(١٣) [وأزاحت] مروج الضفاف [وغمرت] الحقول،
(١٤) [واكتسحت] الروابي وأغرقت السهوب،
(١٥) [وجرفت] تربة السهل إلى المنخفضات [والمنحدرات].
(١٦) [وسيطرت] على المناطق الواطئة وسالت على الأراضي،
(١٧) [حتى] تحوَّلت [المساحات] غير المنزرعة إلى مستنقعات.
(١٨) ونمت النباتات في القصبة [والدغل]،
(١٩) وانشق صدر الأرض البور،
(٢٠) وجعلت الكلأ يزدهر من أجل القطعان، ووفَّرت الخصب والنماء.
(٢١) صار الثور والحصان صديقين،
(٢٢) شبعت بطونهما بالعشب الذكي،
(٢٣) وفي غمرة اللذة انخرطا في الجدال.
(٢٥) عندما أنظر حولي، أجد أن فألي يبشر بالخير؛
(٢٦) فنصيبي من الكلأ موفور من بداية العام إلى نهايته.
(٢٧) لقد جاء الفيضان الطامي مبكرًا، وتجمعت المياه السائلة من أعماق الأرض،
(٢٨) اكتسحت مروج الضفات وروت التربة،
(٢٩) وجرفت [تربة] السهل إلى المنخفضات ومن فوق المنحدرات،
(٣٠) وأزاحت الروابي وغمرت الحقول بالمياه،
(٣١) وسيطرت على المناطق المواطنة وأغرقت السهول،
(٣٢) أخذ مخصب [البراري]١٧ يحرث الأرض التي لم تفلح،
(٣٣) والعامل الصناع …
(٣٤) إن عجولنا تثب وتنتظر (…)
(٣٥) لكن الحصان، الذي لا علاقة له بالسهل، يطأ الأرض بخيلاء (…)
(٣٦) غيِّر نفسك، وابتعد عن (…)
(٣٧) تقدم …
(٢) قدري وقدرك …
(٣) النحاس القوي الذي يشق (…)
(٤) لباسي يشبه الثوب (…)
(٥) من دوني لا [يسرع] العداء …
(٦) ولا الملك والحاكم، والكاهن، والأمير يسيرون على الطريق (…)
(٧) فتح الثور فمه مخاطبًا الحصان [المجيد في المعركة]:
(٨) أنت وحدك القوي [الجبار] …؟
(٩) ما في معركتك (…)
(١٠) إنني أضع اللمسات الأخيرة في العربة الكاملة، و… عدتها،
(١١) بجلدي يتغطى اﻟ…
(١٢) وبجلدي يتغطى اﻟ (…)
(١٣) سهام المحارب، والجعبة (…)
(١٤) الرماح الضارية تحمل (…)
(١٥) فئوس المعركة التي [يُمسك بها] سيدك (…)
(١٦) إنك لا تستطيع أن تبصر الطريق، [فأنت كاﻟ…] ضعيفٌ متهالك،
(١٧) عيناك تحدِّقان، ولكنك لا (…)
(١٨) وأنت لا تقطع الطريق، فعلى الزمام (…)
(١٩) فتح الحصان فمه وقال مخاطبًا [الثور الجليل]:
(٢٠) عندما أطلق الصهيل (…)
(٢١) فئوس المعركة (…)
(٢٢) الأسلحة (…)
(٢٣) … التي تطرح أرضًا (…)
(٢٤) … قلب أسد (…)
(٢٥) عند مخاض نهر (…)
(٢٦) على الطريق [الممتدِّ] فوق الجبال (…)
(٢٧) تكون متعبًا، أيها الثور، وقيد (…)
(٢٨) في أداء مهمتك لا يصمد (…)
(٢٩) علف من النخالة، والأرض [فراشك]!
(٣٠) كيف يمكنك أن تنافس الحصان؟ …
(٣١) فتح الثور فمه وقال مخاطبًا [الحصان، المجيد في المعركة]:
(٣٢) أما عن القيد الذي ذكرته (…)

(٢) النسخة الثانية

(٩) دموعه تنسكب كالماء من زُق.
(١٠) … الحصان، … جدير بالتكريم [والتبجيل].
(١١) لكنك أنت والحمار تتحملان السخرة.
(١٢) … طريق … تقرب …
(١٣) فتح الثور فمه وقال مخاطبًا الحصان، المجيد في المعركة:
(١٤) (…) رجل لا يعتمد عليه.

(٣) النسخة الثالثة

(٢) (…) الثور نفسه (…)
(٣) الشهر [الأول] والثاني، و[الثالث].
(٤) (…) الحب يفتح، واﻟ (…) يرتوي،
(٥) (…)
(٦) … مقدس في نظر الآلهة (…)
(٧) (…) يباركونني بدعواتهم الطويلة عندما أسقط صريعًا [ويضحَّى بي].
(٨) … لا أنكفئ على وجهي في الحر.
(٩) فتح الحصان فمه وقال [مخاطبًا] الثور الجليل:
(١٠) أنا (…) وأخطو على رصيف من الآجر المحروق١٨
(١١) [بالقرب من] الملك والمشير يقع مربطي،
(١٢) [والسياسي] يقدمون [لي] النباتات وخضار الأرض،
(١٣) (…) ويعنون بموردي البديع١٩
(١٤) (…) ويُقطِّع العشب الشهيَّ قِطعًا صغيرة.
(١٥) (…) فائق، حصة مخصوصة للمهر.
(١٦) ولحمي لا يؤكل (…)

(ﻫ) حكاية الثعلب

كان من الطبيعي ألا يغفل أدب الحكمة البابلية في روايته للحكايات الخرافية على لسان الحيوان موضوع الثعلب؛ فهو الموضوع الأثير في كل مكان وعند كل الشعوب، ويحتمل أن يكون سكان وادي الرافدين قد تناولوا هذا الموضوع في سلسلة من الحكايات التي لم يتبقَّ منها إلا كِسَر وشذراتٌ متفرِّقة لا تخلو من التكرار هنا وهناك، بلغ مجموعها ثلاث عشرة كسرة، هي في رأي الدارسين أجزاء من مؤلَّفٍ كبير تعذَّر عليهم حتى اليوم أن يرتِّبوا قِطَعه في نظامٍ متَّفق عليه، أو أن يستخلصوا منه الخيط المتَّسق للأحداث. وترجع إحدى هذه القطع إلى العصر البابلي المتأخر، كما تعود اثنتان منها للعصر الآشوري الأوسط، وتِسعٌ للعصر الآشوري المتأخر.

وعلى الرغم من المادة الشحيحة المشتَّتة التي لم يجمع العلماء على ترتيب أجزائها، ومن احتمال أن تكون هذه المادة بقايا من مجموعة من الحكايات التي تدور حول دهاء الثعلب ومكره الذي ظل على الدوام مضرب الأمثال، فقد يمكن تتبع مضمون الحكاية — من خلال النصوص التي نقدمها — على الصورة المؤقتة التالية:
  • (١)

    تبدأ الحكاية بشكوى الثعلب للإله «أنليل» من القحط والجفاف الذي نزل بالأرض وأهلك الزرع والضرع. ويبدو من بعض الكسر أن «أنليل» هبط إلى الأرض ليُفتِّش أحوالها، وأنه هو الذي أمر بتسليط الجفاف عليها عقابًا لها ولسكانها على الفوضى التي انتشرت فيها ولم يجد وسيلة للقضاء عليها إلا بالقضاء على الحياة نفسها! وربما يكون هذا الموقف كله، أو شيءٌ آخر لا نعلمه على وجه التحديد، هو الذي أدَّى إلى المناظرة التي يشترك فيها الذئب والكلب مع الثعلب، مع تدخُّل الأسد عدة مرات بصورة غامضة.

  • (٢)

    يُوجِّه الأسد عبارات التهديد ويشرع في وضعها موضع التنفيذ، والظاهر من بعض النصوص المتفرقة أنه يمثل قوة تدمير لا يمكن الوقوف في وجهها، وربما كان كذلك رمزًا مُعبِّرًا عن الغضب الإلهي على التعدي على الحقوق — خصوصًا حق الملكية الذي يتمتَّع به الأسد غير منازع — وأداة لإقرار القانون والعدل، والحد من خداع بعض المخلوقات ومكرها، وعلى رأسها الثعلب بطبيعة الحال!

  • (٣)

    يشكو الثعلب للذئب من أنه قد ضُلِّل به وأُكرِه على المشاركة في مهمةٍ معينة، وعندما يظهر الكلب يتوارى الثعلب والذئب في جحرهما، وينطلق الكلب في التفاخر بقوَّته، والتباهي بأمانته وثقة الناس بحفاظه على العهود وحراسته للبشر والأغنام … ويُنهي الكلب حديثه بالإشارة إلى جرائم الذئب، الذي يسانده فيها الثعلب، والتهديد بالانتقام منهما.

  • (٤)

    يرد الذئب بلهجةٍ شديدة التواضع والتملُّق للكلب الذي يشيد بقوَّته، وهنا ينبري الثعلب للردِّ على الذئب وتوجيه قائمة اتهامات طويلة إليه: من خيانة الصديق، وإثارة الفتن، والتعدي على أملاك الأسد، ويتبع ذلك حديث للكلب تتعذر قراءته.

  • (٥)

    يعود الكلب إلى الضرب على طبلة الادعاء، فيُعدِّد مآثره و«بطولاته» في حراسة الحياة والملكية في الريف والمدينة، وزعامته لفريق من ذكور الكلاب وإناثها لإيقاف أعمال السلب والنهب التي يقترفها الذئب والثعلب، ويضيف الكلب إلى ذلك أن القط والنمس كليهما يعيشان في خوف منه، وهنا يتدخل الذئب فيَعتِب على الكلب لأنه لا يقوم بدوره الطبيعي، على الرغم من أن نسبه يتصل بالنار … والواقع أن هذه الإشارة إلى اتصال نسب الكلب عن طريق أمه بالنار أو بإله النار مسألة يكتنفها الغموض، وربما كان لها أصلٌ أسطوري غير معروف، ولا يكفي أن نفسِّر القول بأن النار هي أم الكلب وأن إخوته هم ألْسنة اللهب التي تفيء ظلام الليل — لا يكفي أن نُفسِّره بأنه مجرد صورةٍ بلاغية أبدعها الخيال الشعري؛ لأنه يرد على لسان الذئب الذي يعود الثعلب فيتهمه بإشعال النار في الأشياء — وإذا اتخذنا النار رمزًا للتدمير والتخريب، فكيف يقال هذا على لسان الذئب في معرض نفاقه للكلب؟ أم أن النار لا تزيد كونها إشارة إلى النشاط الفائق الذي يدَّعيه الكلب لنفسه؟

  • (٦)

    يردُّ الثعلب على الذئب بالدفاع عن نفسه وعن أبويه، ثم يشرع مخلوق غير معروف في الكلام عن الافتراء والتزوير، يتبع ذلك حديث الكلب عن الهجمات التي تتعرض لها الحيوانات الأليفة، وذلك بعد انتهاء متكلمٍ مجهول من كلامه.

  • (٧)

    ويأتي مشهد حكم أو محاكمة أمام إله الشمس والعدل شمش، فيلحُّ المتكلم — ويحتمل أن يكون الذئب — على الإله ألا يترك الثعلب بغير عقاب، ويردُّ الثعلب بالدفاع عن نفسه، ويبدأ في حديثٍ مُوجَّه على أغلب الظن إلى الذئب.

  • (٨)

    ونسمع الأسد وهو يُهدِّد الثعلب الذي تملَّقه ويحاول أن يتقي شره.

  • (٩)

    ينكر الذئب — وربما كان على الأرجح هو الثعلب — تهمة الهجوم على الحيوانات الأليفة، ويتهم الكلب بالافتراء عليه كذبًا.

  • (١٠)

    يبدأ متحدثٌ مجهول في إدانة الثعلب المكار؛ مما يدفع الثعلب للدفاع عن نفسه.

  • (١١)

    ويرجع الكلب للدق على طبلة الادعاء والتفاخر بقوَّته، ويهاجم الثعلب والذئب معًا فيردُّ عليه الأخير.

  • (١٢)

    ويأتي كلام (ربما قيل على لسان الثعلب) يتبعه الرد عليه.

  • (١٣)

    وأخيرًا يأتي اتهام الكلب للذئب والثعلب بالافتراء عليه وتشويه سمعته أمام الإلهين شمش وأنليل، حتى لقد وصل بهما الأمر إلى المطالبة بموته، وهنا يتكلَّم الذئب مع الثعلب.

  • (١٤)

    وأخيرًا يبدأ الثعلب في تقديم فروض الصلاة والعبادة للإله أنليل في معبده في نفر (نيبور) مع الخاتمة التي تنتهي بها حكاية الثعلب — أو حكاياته — التي تستند طرافتها إلى قدرته على الخروج منتصرًا من المآزق التي دبرت له والتهم التي كيلت إليه، حتى لو كلفه الأمر أن يتجه — في صحبة الذئب الذي ينقلب عليه في بعض الأحيان كما ينقلب هو نفسه عليه — إلى شمس وأنليل لعرض حالته على الأخير ومطالبته بتخليصه من الكلب وإصدار حكمه عليه بالموت.

وفي النهاية نستطيع أن نقول إن حكاية الثعلب البابلية لا تكتفي بمحاكاة النموذج السومري، وإنما تطوره تطويرًا أساسيًّا، يدل على هذا أنها لا تلتزم بالخطوات المرعية في ذلك النموذج، من البدء بمقدمةٍ أسطورية تنتقل منها إلى المناظرة وتختتم بالقرار الفاصل من الآلهة، والأمر المُحيِّر في هذه الحكاية أنها لا تُدين الثعلب المعروف بإيذائه للإنسان في حيواناته الأليفة، وإنما تقسو على الكلب المعروف بوفائه ومحافظته على أملاكه وأغنامه … فهل كل هدف الكاتب الشعبي المجهول هو إبراز مكر الثعلب وحيله البارعة، حبًّا في الدعابة والسخرية لا في العبرة والموعظة؟ أم أن المقصود من الأمر كله هو إظهار مهارة الكاتب في تدبيج العبارات الدقيقة وخلق المواقف المثيرة لتأمل جمهور القراء أو المستمعين؟

وأخيرًا فإن تأليف الحكاية يمكن أن يقع في العصر البابلي القديم — بما لا يبعد عن عهد السلالة البابلية الأولى — ولا يتأخر عن العصر الكشي، كما أن الحكاية نفسها ترتكز من الناحية الفنية والأدبية على تراثٍ ثقافي حظي فيه موضوع الثعلب بالاهتمام، وتعدَّدت أشكال صياغته سواء في أدب المناظرة والأمثال عند السومريين أو عند البابليين والآشوريين.

وإليك نصوص النسخ المختلفة كما رتَّبها وحقَّقها الأستاذ لامبيرت، مع العلم بأن الانتقال إلى ترقيمٍ جديد يدل — كما سبق القول — على الانتقال من وجه اللوح إلى ظهره:

(أ) النسخة الأولى

(٢) عندما (…)
(٤) حبس المطر عن البلاد (…)
(٦) قال الثعلب كلمة،
(٧) «[لينزل] المطر على البلاد ليومٍ واحد، المطر …»
(٩) الثعلب الذي استولى الغضب على قلبه٢٠ [قال كلمة] لأنليل،
(١١) يا سيدي أنليل، لا تخرب ما خلقت!
(١٣) إن أعدائي بغير استثناء قد تصالحوا (…)
(١٤) أولئك الذين يكرهونني (…) قدمك.
(٢) معلم (…)
(٣) [سوف] أقوم٢١ … سوف أقوى (…)
(٤) [سوف] أقبض على رقبته، [وسوف أخنق] حلقه،
(٥) [سوف] … رأسه فلا يستطيع أن يرفع (…)
(٦) [سوف] … أذنيه وأقتلع عينيه،
(٧) [سوف] … في موضعٍ مهجور …
(٨) [سوف أُسلمه] لأيدي الأسود الجائعة،
(٩) وستُمزِّق الأسود الجائعة لحمه.
(١٠) … في حضرة شمش … العابد …
(١١) الأسد الجليل [طرحه أرضًا] و… فوق …
(١٢) [قبض] على رقبته [وخنق] حلقه،
(١٣) … رأسه فلم يستطع أن يرفع …

(ب) النسخة الثانية

(٢) (…) يجري، وهو مع نفسه (…)
(٣) (…) شيطان يدمر أطرافي.
(٤) (…) لو كنت عرفت لما خرجت، ولبقيت في جحري،
(٥) … حياتي الغالية. مرة … وثانية …
(٦) سألت …
مثل نصيب [خالص]، نصيبي٢٢ (…)
(٧) وقد رحلت الآن وأبقيت على حياتك،
(٨) وسوف أقدم أضحية مع كل أهلي وذريتي.
(٩) دعاهم، الكلب، والذئب، و…
(١٠) بعد ذلك سيقطعون [كالثوم]، كالسحب التي (…) العاصفة،
(١١) كالأفراخ المطاردة ستدق قلوبهم.
(١٢) دفعا بعيدًا ودخلا جحورها، الثعلب انسلَّ إلى قاع جحره،
(١٣) الذئب جثم داخل جحره، الكلب وقف حارسًا على مداخل [جحريهما] وسعى …
(١٤) فتح الكلب فمه وهو ينبح، ومخيفًا لهما كان نباحه،
(١٥) انقبضت قلوبهما حتى أفرزا المرة٢٣
(١٦) إن قوتي قاهرة، أنا مخاطب طائر «الزو»، أسد حقيقي.
(١٧) أرجل تعدو أسرع من الطيور المجنَّحة.
(١٨) عند [سماع] عوائي المخيف [تجمد] الجبال وتجف الأنهار.
(١٩) أقعد كالشحاذ أمام قطيع [الأغنام]،
(٢٠) أكلف [بالقيام] بالدورة المنتظمة في الريف [المفتوح] وفي أماكن الشراب، وأطوق الحظائر.
(٢٢) بصليل أسلحتي المخيفة أستأصل …
(٢٣) وعلى [صوت] زئير يلوذ الفهد، والنمر، والقط البري بالفرار،
(٢٤) ويعجز الطائر عن التحليق، ولا يشق سبيله.
(٢٥) حظائري لا [يجرؤ المتلصص] على نهبها.
(٢٦) … لقد أثار الذئب غضبي،
وأحضر [معه] الثعلب حانث العهود …
(٢٧) سأسفك دماء حشودهم، وسأقضي على حياتهم.
(٢٨) … إله …
(١) [سمع] الذئب كلمة الكلب
واستولى الخوف على قلبه، …
(٢) … أيها القوي [القادر]، يا من وُهبتَ الشدة، البأس، أيها العداء السريع.
(٣) (…) شريكه، الذي … كل …
(٤) معك يوجد (…) أنت يا من …
(٥) (…) في شبكتك يقع الخفيف والسريع (…)
(٦) [تجلس] مثل إله، مرتديًا ثوب الرهبة والهيبة، بلا نسل (…)
(٧) قبضتك على [أطفالي] قاسية، رعبك المخيف (…)
(٨) أنا (…) إطلاق سراحهم، لقد خبرت قبضت، الثعلب أرسلني (…)
(٩) جعلني أتوجه صوب بوابة الكلب،٢٤ الذي يطارد [الحيوانات] المتوحشة.
(١٠) إن رعبك المخيف، الذي يفزع منه الصغار في بيتي على الدوام لا يخطئني (أيضًا).
(١١) [و]الخوف منك ينتابني من أمام ومن خلف.
(١٢) ردَّ الثعلب، وهو يبكي بكاءً مُرًّا، وقد ضاق قلبه، وانسكبت دموعه،
(١٣) خاطبهم قائلًا: أنت، أيها الذئب، صورة [مجسدة] للطعن في الظهر،٢٥
(١٤) شرير يقطع رقبة صديقه.٢٦
(١٥) لم تشعل النار في حقل [القصب] الملتهب …؟
(١٦) ترسل الدخان من الدغل الجاف؟
(١٧) تحرق … آبار القار؟
(١٨) تصبُّ لهيب السائل القلوي في تنور الفخار؟
(١٩) … لقد راق للكلب أن يرفع قضية ضدي.
(٢٠) هذا هو حكم الإله، دع الكلب (…) شره.
(٢١) [دعه] يسفك دم الأعداء ويقتلهم بأسلحته.
(٢٢) لقد لمست أملاك الأسد (…)
(٢٣) لم تثقل همي،٢٧ تافه (…؟)
(٢٤) فتح [الكلب] فمه وهو يتكلم، وقد أخافهم نباحه،
(٢٥) [وانقبضت] قلوبها حتى أفرزت المرة.

(ﺟ) النسخة الثالثة

(٣) حيث يكون … أكون هناك (…)
(٤) [أنا] رقيب مدينتي (…)
(٥) [أنا] مزلاج سقطة الباب وخابور الإغلاق
(٦) [أنا …] عند رأس النائم،
(٧) [أنا …] عند حظائر القطيع و…
(٨) عندما ينقض الذئب على (…)
(٩) عندما يتهور الثعلب (…)
(١٠) انظر، سوف أفتح فمي [وسيجتمع] إخوتي،
(١١) إناث الكلاب المتلألئة كالنجوم في السماء (…)
(١٢) بالرغم من أن القوي يجرح ويقتل (…)
(١٣) [ستنهش …] إناث الكلاب مثل مشط الراعي٢٨
(١٤) وأنا أعرف كيف أقهر أجسادهم.
(١٥) إن القط البري ينشر الأكاذيب … [وهو الآن] جاثم في جحره،
(١٦) والنمس [رابض] في المجارير (…)
(١٧) [سمع] الذئب كلمة [الكلب]،
(١٨) في طيش ردَّ على [الكلب] قائلًا:
(١٩) أيها الكلب، أمك التي حملتك هي النار، وأبوك …
(٢٠) إخوتك [ألسنة] اللهب التي تضيء الليل (…)
(٢١) غير أنك (…) الماء، [وهو] حياة الشعوب.
(٢٢) إن [أعمال] البطولة التي تعرفها، أفضلك (…)
(٢٣) أنليل خلقك لتساعد (…)
(٢٤) أما عنا نحن (…)
(٢٥) … [فقد] رأينا (…)
(٣) رد الثعلب وهو يبكي بكاءً [مُرًّا].
(٤) أثار الغضب فؤاده [وانسكبت دموعه]،
(٥) خاطب [الذئب] قائلًا:
(٦) إن بوابة مدينة أبيك٢٩ وحنجرته (…)
(٧) قد صاروا ضعافًا و(…)
(٨) إنه يعرف الجحر، فراش (…)
(٩) جوانب الجحر (…)
(١٠) إن أبي لا (…)
(١١) أمي (…) لحظائر الأغنام.
(١٢) لن أرحم … (…)
(١٣) في عشيرتك، أيها الذئب، ولد (…)
(١٤) الأب الذي أنجبك انتزع (…)
(١٥) والأم التي حملتك … (…)
(١٦) وأنت، سليلهما، قد …

(د) النسخة الرابعة

(٦) أبي (…)
(٧) أمي (…)
(٨) قوة أبي (…)
(٩) جريت (…)
(١٠) فوق الحياة (…)
(١١) في ذلك الحين وقفت (…)
(١٢) أنت تعرف اللص، … الساحر٣٠
(١٣) لقد تخلَّى عن شريعة الحق والباطل٣١
(١٤) منذ أن ظهر الثعلب وأرسلني
(١٥) وضعوا … في الطريق عند قدمي.
(١٦) وأنا تقي قد استُدعيتُ بالأمر للمحاكمة.
(١٧) [إلهي] شمش، لا تدع الظالم يهرب من حكمك.
(١٨) دعهم يقتلوا الحكيم، الساحر، الثعلب.
(١٩) عندما سمع الثعلب هذا [الكلام] رفع رأسه وأخذ يبكي [أمام]
(٢٠) انحدرت دموعه أمام أشعة شمش،٣٢
(٢١) لا تستدعني، يا شمش، في هذه المحاكمة.
(١) من يهبط دغلي لا يخرج منه،
(٢) لا يفلت منه ليبصر ضوء الشمس.
(بينا) قلبي يتميز غيظًا ووجهي [يحتقن] شراسة.
(٥) سآكلك ولن أرثي [لك]
(٦) سألتهمك دون مقاومة منك (…)
(٧) سأمتص دماءك ولن … (…)
(٨) سأمزق لحمك و(…)
(٩) الثعلب يبكي (…)
(١٠) يتلفَّت أمامه ووراءه (…)
(١١) أنت، أيها الأسد (…)
(١٢) أيها الفاتح [المنتصر] …
(١٣) الوحش (…)
(١٤) الجبار (…)

(ﻫ) النسخة الخامسة

(٢) [لم] أعض اللحم، ولا مصصت الدم،
(٣) لم أمزِّق الجلد، ولا سببتُ القرحة المؤلمة،
(٤) … عدو، وأنا مقيد.
(٥) إن كنتُ قد آذيت [أحدًا]، فسوف أتحمل العقاب.
(٦) (…) منذ أن افترى الكلب عليَّ كذبًا،
(٧) (…) أطفالنا، مستقر الحقيقة (…)
(٨) أنا … لا يزينا أنليل.
(٩) لم يعض اللحم، ولم تمص الدماء.
(١٠) … لم أعرض الحياة للخطر.
(١١) … الأسنان حادة …
(١٢) … مقيد …
(١٣) … مليء بكل أنواع إراقة الدماء.
(١٤) … لي [أو مني …]
(١٥) … مغلوب.

(و) النسخة السادسة

(٢) أحشاء وأمعاء (…)
(٣) الحكم٣٣ (…)
(٤) في فمه يوجد (…)
(٥) صدقني، أن تجديفه (…)
(٦) إنك لا تعرف الحكيم٣٤ (…)
(٧) [ما] في قلب الثعلب (…)
(٨) الثعلب هو لص الأرياف، وهو المتلصص على (…)
(٩) إنه يختبئ عن الراعي٣٥ (…)
(١٠) يتخذ طريقه إلى كل حظيرة (…)
(١١) يراقب اللص [الذي يسطو ليلًا]، ينظر إلى …
(١٢) … الراعي
(١٣) … يأخذ (…)
(١٤) وفي ذلك الحين … الثعلب الراعي.
(١٥) قال للصانع الحرفي: ماذا (…)
(١٦) … الكلب الراعي (…)
(١٧) أجاب الثعلب، وقلبه يتميز غيظًا،
(١٨) (…) أصم (…)

(ز) النسخة السابعة

(١) [فتح الكلب فمه] وهو يتكلم.
(٢) أخافهما نباحه.
(٣) انقبض قلباهما حتى أفرزا المرة.
(٤) … شر
(٥) الحكيم (…)
(٦) القوي (…) الظالم،
(٧) هو الذي يعفو عن (…) الإساءة للعدل.
(٨) … الجريمة … الإهمال والارتجاف.
(٩) من يُبقِ على ولدٍ وقح [فهو] لا يحقق رغبته،
(١٠) الشفقة تعقب الولد الجاحد٣٦
(١١) … القوي يسعى [إلى فرض عقوبة] الضربة،
(١٢) المحارب المأسور يجد في طلب اللحم
(١٤) توصلا إلى اتفاق وتوسلا إلى شمش وأنليل،
(١٥) وسعيا لإيذاء الكلب، راعيهما:
(١٦) عند هذا [الحد] لا تترك الكلب يعيش، دعه يموت!
(١٧) [لما] … تملكه الغضب، ولكن لم يلق … هما …
(١٨) عندما سمع الذئب هذا،
(١٩) كلَّم الثعلب [الجاثم] في جحره،
(٢٠) … صداقتك عاصفة، إعصار.
(٢١) … رعب.
(٣) (…) للأغنام
(٤) (… …) القذف بألفاظ السوء
(٥) (…) خرج ودعا في معبده الباب!
(٦) (…) تومال٣٧ وأمة أوزوما،
(٧) (…) افتحا لي!
(٨) (…) دعوني أحضر للمعبد مشعلًا وإبريقًا.
(٩) (…) لتطرح (؟) خلفكما،
(١٠) وسوف أضحي مع عائلتي لإلهي «أنليل».
(١١) (… …) الثعلب صلى لأنليل.
(١٢) (…) لم تؤرق،
(١٣) (…) لم تتم،
(١٤) (…) القائم بالصلاة يوهب الصحة.

(الشعار)٣٨

(١٥) [لوح …] عندما قام أنليل بتفتيش الأرض.
(١٦) (…) أكمل.
(١٧) [طبقًا ﻟ…] لوح كبير، أصله من بابل،
(١٨) (…) وفق نسخة محروقة، هذه الوثيقة ملك مردوخ-شومي-أوسور،
(١٩) (…) نابو-نادين-إبري سليل كودورانو كتب [هذه].
(٢٠) (… …) عدد السطور.
١   تُمهد هذه الحكاية للأسطورة التي تروى عن إيتانا أحد ملوك سلالة كيش الأولى (تل الأحيمر حاليًّا) وصعوده إلى السماء على جناحي نسر لمناشدة الإله آنو أن يدله على نبات النسل ليكون له ولد يحمل اسمه. والحكاية التمهيدية أن الملك توسل للإله شمش قبل ذلك فهداه إلى حفرة يقبع فيها نسرٌ جريح — وكان هذا النسر قد غدر بصديقه الثعبان وأكل صغاره، فانتقم منه الثعبان بإيقاعه في حفرة عميقة بعد تحطيم جناحيه — فضمد الملك جراحه، وحمله النسر إلى السماء … … …
Imsher(hrsg), Lexikon der antike, Leipzig, VEB Bibliographisches Institut, 1972.
٢  ص. ن. كريمر، من ألواح سومر، ترجمة طه باقر، ص٢٣٦.
٣  أي المعرفة أو العزامة أو المعودة، وهي الكاهنة التي تطهر المعبد من الأرواح الشريرة عن طريق الرقى والتعاويذ …
٤  أُصلح أو أُجدد، والمراد تطهير المعبد وبث الحياة والبركة في أرجائه.
٥  أرستقراطية أو نبيلة ورئيس.
٦  تكون النخلة هي المخمِّرة، أي تقوم بدور مخمِّر الجعة من التمر والشعير …
٧  وهي تل الأحيمر حاليًّا، بالقرب من مدينة بابل، وكانت مقر عدة سلالات سومرية حاكمة [من الأولى إلى الرابعة].
٨  حرفيًّا: مُقطِّع اللحم.
٩  هي الإلهة الأم ننخرساك.
١٠  هو إله الرعد والمطر الذي أمره أنليل — قبل الطوفان — بأن يحبس المطر عن البشر لتهلكهم المجاعة والقحط والجفاف جزاء لهم على الإزعاج الذي سببوه لكبار الآلهة.
١١  هو إله البادية والحيوانات البرية وأحد آلهة العالم الأرضي، يقابله جلجاميش في العام السفلي، ويظهر في رؤية لأنكيدو مع [إتانا] عند إلهة العالم السفلي (انظر ملحمة جلجاميش، اللوح السابع).
١٢  أو بدأتِ التنازع والخصومات وجررتِ الشَّكَل معها.
١٣  هم على الترتيب مجمع آلهة السماء وآلهة الأرض.
١٤  هو معبد الإله «آنكي-أيا» إله الحكمة وإله المياه الجوفية في مدينة أريدو (أبو شهرين حاليًّا) وكانت مركز عبادته وكشفت فيها التنقيبات عن مرحلةٍ حضارية سابقة على بداية العصور التاريخية في جنوب وادي الرافدين.
١٥  لعلها هي الشافية العظيمة جور إحدى إلهات الطب والشفاء ويعني اسمها في السومرية «الكبيرة» وتعادل في مرتبتها إلهة الشفاء نينسينا في مطلع العصر البابلي القديم، ويرمز لهما في اللغة الأكادية بالكلب كشعار.
١٦  أسس الميتانيون دولتهم في شمال الرافدين، وأخضعوا آشور وشمال سوريا فترة من الزمن، هزمهم الحيثيون في منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ثم الآشوريون في القرن الثالث عشر ق.م.
١٧  تسمية شاعرية للمحراث.
١٨   أو الطوابق.
١٩   أو النبع البديع الذي أشرب منه.
٢٠  حرفيًّا: قال الثعلب في غضب قلبه …
٢١  الكلمة الإنجليزية تفيد كذلك معنى التنفيذ والقضاء على …
٢٢  أو حصتي.
٢٣  أي الصفراء أو المرارة.
٢٤  ربما كان المراد بهذه الصورة الشعرية هو فم الكلب المخيف …
٢٥  أو الغيبة والنميمة والافتراء كذبًا وزورًا وتشويه السمعة وسائر ألوان الغدر …
٢٦  حرفيًّا: يقطع حنجرته أو زوره …
٢٧  أو لماذا تزيد غضبي …
٢٨  هو من فصيلة النباتات الشوكية ويسميه «المورد» أيضًا بالدبساسية …
٢٩  أي فم الذئب وحنجرته أو حلقه، وهو تكرار للصورة الشعرية التي وردت في السطر التاسع من ظهر اللوح الذي دونت عليه النسخة الثانية.
٣٠  أو المشعوذ.
٣١  أو أوامر الصواب والخطأ …
٣٢  حرفيًّا: جاءت أو ظهرت دموعه أمام شعاع شمش.
٣٣  أو القرار والاتجاه.
٣٤  أو العاقل، والمراد به الثعلب.
٣٥  يحفر جحرًا تحت الراعي، وربما كان المقصود أنه يُضلِّل الراعي.
٣٦  أو الذرية الجاحدة المحدقة.
٣٧  هو مزار الإلهة ننليل — زوجة الإله أنليل إله العواصف الجبار — في مدينة نيبور [نفر] السومرية، ولم أعثر على معنى كلمة [أوزوما] فيما تحت يدي من مراجع …
٣٨  هو المثبت عادةً في الطرف الأسفل من الكتابة المدونة على الرقيم، ويحمل بيانات النسخ واسم صاحب الوثيقة أو كاتبها والسطر الأول منها وعدد سطورها … إلخ (ويعرف في اللغات الأجنبية بالكولوفون).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤