الفصل الرابع

حكم وأمثال وأقوال سائرة

(أ) أقوال شعبية سائرة

يقول عالم السومريات ص. ن. كريمر: «إذا كنت في ريب من الأخوة البشرية والإنسانية المشتركة بين جميع الأقوام والأجناس، فارجع إلى أقوالهم السائرة وأمثالهم وحكمهم ووصاياهم ونصائحهم، فإنها تفوق أي إنتاجٍ أدبي آخر في قدرتها على اختراق قشرة الاختلافات الحضارية وفروق البيئة، وتكشف أمام أعيننا طبيعة البشر الأساسية حيثما عاشوا وأنى عاشوا»،١ والحقيقة التي تشهد على صدق هذه العبارة هي أن الأقوال المأثورة — من حكم وأمثال وتعبيرات جارية على الألسن — تلخص تجربة حياة شعب من الشعوب أو طبقة من طبقاته أو جماعة داخل طبقة، وهي جميعًا — وبخاصة المثل الشعبي — من أهم المصادر التي يرجع إليها المؤرخ الاجتماعي والأخلاقي والفكري؛ فمنها نتعرف رؤية شعبٍ مُعيَّن، في زمان ومكان معينين، للحياة والوجود، ونظرته للعلاقات المختلفة بين الحاكم والمحكوم، والرجل والمرأة، والآباء والأبناء، ورجال الدين والسلطة، وشئون المال والاقتصاد والعمل والقضاء … إلخ.
ولعل من المفيد في هذا المجال المحدود أن نتحدث عن «المثل» الذي يعد أنضج أشكال التعبير عن الحكمة الشعبية وأبقاها على مر الزمن وأكثرها ورودًا بصور متشابهة تكاد تصل في بعض الأحيان إلى حد التطابق الحرفي — عند مختلف الشعوب والجماعات، ويمكن أن نحصر خصائص المثل الشعبي فيما يلي:٢
  • (أ)
    المثل ذو طابعٍ شعبي، فهو خلاصة التجربة ومحصول الخبرة في سياقٍ زمني ومكاني معين، وإذا كان من الممكن أن تُردَّ بعض الأمثال الشعبية إلى الوسط أو الزمن الذي قيلت فيه، بل ربما أمكن رد بعضها إلى أحد الحكماء البلغاء، أو إلى موقفٍ اجتماعي أو حادثة تاريخية معينة، فإن أكثر الأمثال لا يُعرَف قائلها ولا تاريخها ولا منبعها.٣ أضف إلى هذا أن المثل يُعبِّر عادة عن نتيجة تجربةٍ ماضية ولا يقال في بدايتها؛ ولذلك اكتسب مع تراكم المواقف والخبرات المماثلة طابعًا تعليميًّا يتيح للأجيال اللاحقة أن تستفيد منه وتستخلص العبرة التي يمكن أن تُجنِّبها الوقوع في التجربة نفسها التي تَمخَّض عنها المثل الأصلي. غير أن التجربة نفسها تدل على أن هذه الاستفادة ليست أمرًا ضروريًّا من الناحية المنطقية ولا الحياتية؛ ولذلك لم يخطئ «سباستيان فرانك» (١٤٩٩–١٥٤٢) — وهو الكاتب والمفكر الحر في عصر الإصلاح الديني ومن أوائل المهتمين بجمع الأمثال الشعبية وتدوينها — عندما قال: إن المثل حصيلة تجارةٍ مفلسة!
  • (ب)

    ينطوي المثل على معنًى يصيب التجربة والحقيقة الواقعية في الصميم، ويبتعد كل البُعد عن الوهم والخيال، وهذه سمة تُميِّز الأمثال عن الأقاويل الشعرية.

  • (جـ)

    يتميز المثل بالإيجاز وجمال البلاغة (من تشبيه وكناية وتكرار ووزن وإيقاع والتزام بالتقفية في بعض الأحيان …) وإذا كان المثل — كما يقول بعض الباحثين — قد نشأ في الأصل على لسان فردٍ مُبدِع مجهول، فلا شك أنه قد تعرَّض للتحوير والتعديل والصقل والتهذيب، حتى استقر في شكلٍ لغويٍّ ثابت أو تركيبةٍ مكتملةٍ مكثفة، يظل الشعب يُردِّدها كلما صادف موقفًا أو تجربةً محدَّدة ينطبق عليها المثل ويصور ما تنطوي عليه من مفارقات الحياة وسخرياتها وتناقضاتها.

  • (د)

    يحتوي المثل على فلسفة ليست بالعميقة، مصوغة في أسلوبٍ شعبي، بحيث يدركها الشعب بأسره ويُردِّدها، ويُيسِّر انتقالها إلى شعوبٍ أخرى في المرحلة التاريخية نفسها أو في مراحل وعصور حضارية تالية، الأمر الذي يؤكد وحدة الوجدان الشعبي للبشرية وأصالة اللُّب الإنساني المحض، قبل أن يتشوَّه ويتفرق ويصب في قوالب شتى متحجرة.

لا بد من القول — بعد هذه المقدمة الموجَزة — بأن شعوب سومر وبابل وآشور تمتلك رصيدًا غنيًّا من الحِكَم والأمثال والطرائف والأقوال السائرة التي راحت تنتقل انتقالًا حرًّا من فم إلى فم، ومن عصر إلى عصر. ومع أن معلوماتنا عن الحكم والأمثال والأقوال الشعبية السومرية ترجع إلى نحو نصف قرن مضى، ولا تزال في مجملها غير دقيقة ولا وافية، فيمكن القول: إنَّها أقدم من نظائرها البابلية والآشورية بعدة قرون، وربما تكون قد دارت على الألسنة قرونًا كثيرة قبل التفكير في تدوينها على الرُّقُم والألواح الطينية في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد. وإلى ما قبل خمسين أو سبعين عامًا خلت، لم تكن تحت أيدي العلماء أي أمثالٍ سومريةٍ مدوَّنة باللغة السومرية وحدها، وظلَّت معرفتهم بها مقصورة على عددٍ قليل من الأمثال المكتوبة بالسومرية مع ترجمتها الأكدية (البابلية السامية) على ألواح ترجع إلى الألف الأول قبل الميلاد، ثم نشر العالم إدوارد كييرا في عام ١٩٣٤ جملة ألواح وكِسَر من مجموعة «نفر» (وهي كما سبق المدينة السومرية القديمة نيبور التي عثر فيها منذ أواخر القرن الماضي على عشرات الألوف من الكتابات والنصوص الأدبية السومرية) تتضمن أمثالًا وأقوالًا شعبية يرجع عهد تدوينها إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وخصَّ عالم السومريات الشهير «صمويل كريمر» قسطًا كبيرًا من وقته وجهده لاستنساخ عددٍ كبير من الأمثال السومرية المحفوظة في متحف الشرق القديم في إسطنبول ومتحف جامعة فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وعهد بها جميعًا لتلميذه ومساعده النابغ «أدموند جودون» الذي توفَّر على جمعها وترتيبها ونشرها.

ويبقى الأصل السومري للأقوال والأمثال الشعبية البابلية والآشورية أمرًا لا يمكن البت فيه حتى الآن بصورةٍ مؤكدة، على الرغم من التشابه الملحوظ — إلى حد التطابق في بعض الأحوال — بين هذه الأقوال المتأخرة وبين الأصول السومرية، أضف إلى هذا أن وجود جنسٍ أدبي خاص بهذه الأشكال المعبرة عن الحكمة الشعبية عند البابليين والآشوريين، ومشابه لنظيره عنده السومريين أو متأثر به على الأقل؛ لا يزال محل خلاف بين العلماء والدارسين. والأمر الذي يعنينا على كل حال في سياق الحديث عن الحكمة الشعبية البابلية هو وجود مجموعةٍ وحيدة من الأقوال الشعبية السائرة المدوَّنة على لوحٍ كبير يرجع إلى العصر الآشوري المتأخِّر، وعلى وجه التحديد إلى السنة السادسة من حكم الملك الآشوري سرجون الثاني (٧١٦ق.م.)، وإذا كان حسن الحظ قد هدى الباحثين إلى هذا اللوح الفريد، فإن سوء الحظ — مع عوامل التعرية ورطوبة الأرض ومرور الأزمنة — قد تكفل بطمس وجه اللوح طمسًا تامًّا أو شبه تام؛ فلم يحفظ لنا إلا ظهره (الذي سنقدِّم هنا ترجمته الدقيقة التي تتابع فيها ترجمة لامبيرت الإنجليزية على صفحة ٢١٣ وما بعدها من كتابه عن أدب الحكمة البابلية) بالإضافة إلى شذرتَين صغيرتَين عُثر عليهما مع الكنوز التي وُجدت في مكتبات الملك الآشوري آشور بانيبال، وتنتميان إلى ذلك اللوح الكبير الذي ذكرناه، والذي يضمُّ مجموعة الأقوال السائرة التي اصطُلح على تسميتها بالمجموعة الآشورية، مع قولٍ واحدٍ من النوع نفسه محفوظٍ على قطعتين من أحد الألواح البابلية المتأخرة التي كانت تُستخدم لأغراض التعليم والتدريب على الكتابة.

والمادة التي يقدِّمها اللوح الآشوري تتألَّف من مجموعة من الأقوال السائرة التي تقوم على بعض النُّكت والطُّرف القصيرة التي ينظمها موضوعٌ واحد (مثل الأقوال من الخامس إلى السادس عشر التي تدور حول هجاء الخنزير وإظهار الاشمئزاز منه)، أو تربط بينها عبارةٌ بعينها (كالخندق المائي المحيط بالمدينة والذي يرد في نصوص الأقوال السائرة من الثاني والأربعين إلى السابع والأربعين)، أو تروي بعض الحكايات القصيرة المسلية عن الحيوانات والحشرات أو عن بني الإنسان. وربما كان الهدف من إطلاق هذه الأقوال هو السخرية من بعض النماذج البشرية (كما في القولين من ٤٢-٤٣ عن صائد الطيور الذي يحاول أن يصطاد السمك بشبكته!) أو إبداء الشفقة على أحوالها وهوان شأنها (كالعاهرة التي تستعرض براعتها في إفساد الزيجات، والعاهر الذي يشكو للسماء سوء أحواله المالية بسبب تحايل القَوَّاد عليه (٣–٧ من العمود الرابع))، أو عرض مساوئ النظام القضائي وما يدور في المحاكم من فساد (٨–١٤ من العمود الرابع) أو استخلاص العبرة والمغزى الأخلاقي (كالبعوضة التي أصابها الغرور وظنَّت نفسها على شيء، بينما الفيل لا يشعر بها سواء عند ركوبها على ظهره أو نزولها عنه، كما في القول السائر من ٥٠–٥٤ الذي ظهر بعد ذلك في ثوبٍ إغريقي وأخذ مكانه بين خرافات إيزوبوس)٤  أو مجرد التسلية كغاية في ذاتها كما سبقت الإشارة. ولعل الطابع المختلط لهذه المادة هو الذي حدا ببعض العلماء إلى تمييز الأقوال السائرة عن الحكم والأمثال التي سنذكرها بالتفصيل فيما بعدُ، وإن كان التمييز بينهما غير مؤكد ولا قاطع. والمهم على كل حال أن هذه الأقوال السائرة ذات طابعٍ شعبي لا خلاف عليه، وأنها جرت على الألسنة في ذلك العصر الآشوري المتأخر، مما يرجح القول إنها نشأت وانتشرت فيه باللهجة الآشورية المتأخرة التي دونت بها ولم تؤخذ عن أصولٍ أقدم منها، وأنها أخيرًا قد عُرفت أو عُرف بعضها على أقل تقدير في عصور وحضاراتٍ تالية، وانتشرت على أغلب الظن عن طريق اللغة الآرامية، بدليل ذلك القول السائر الذي سبقت الإشارة إلى ظهوره في أشهر مجموعة من الخرافات على لسان الحيوان عند إيزوبوس. وإليك نص هذه الأقوال الشعبية من ترجمة ظهر اللوح الآشوري بدءًا بالعمود الثالث ثم الرابع:
(١) الرجل (…)
(٢) الإله يسعى للشر (…)
(٣) الرجل (…)
(٤) يوجه انتباهه إلى السماء.
(٥) اﻟ… خنزير عديم الحس،
(٦) [فهو] يأكل طعامه … وهو راقد في …
(٧) إنهم لا [يقولون]: «أيها الخنزير، أي احترام لي؟»
(٨) إنه يقول [لنفسه]: «الخنزير سندي!».
(٩) الخنزير نفسه عديم الحس،
(١٠) … الشعير … في وعاء السمن.
(١١) في وقت الفراغ عندما (…) هزأ بسيده،
(١٢) تركه سيده (…) وذبحه الجزار.
(١٣) الخنزير غير مقدس (…) بتمريغ ظهره [مؤخرته] في الوحل،
(١٤) وجعل الشوارع كريهة الرائحة، وتلويث البيوت.
(١٥) الخنزير لا يصلح للمعبد، وينقصه الإحساس، ولا يُسمَح له بوطء الأرصفة،
(١٦) [إنه] مكروه من كل الآلهة، مثير لاشمئزاز إلهه، ملعون من شمش.
(١٧) فأر شهواني (…) في
(١٨) للنمس (…)
(١٩) هرب فأر من [طريق] نمس ودخل جحر ثعبان.
(٢٠) قال: «إن معزم ثعابين أرسلني. تحياتي!»
(٢١) الثعلب ﺑ … قلب كان يفتش عن «طريق الأسد».
(٢٢) ولكي [يعثر على] «طريق الذئب» راح يكتشف الأرض المكسوَّة بالمراعي.
(٢٣) لما اقترب من أبواب المدينة طاردته الكلاب.
(٢٤) ولكي ينجو بحياته انصرف كالسهم.
(٢٥) وعندما رآه عداء … بغير شعور [منه] …
(٢٦) … أدو ينبح …
(٢٧) … لأنليل …
(٢٨) أنا، مثل …
(٢٩) لما [وطئ] كلب زوجته.
(٣٠) أخذ وجهه يتوهج، وقلبه …
(٣١) ولينزل [عنها] …
(٣٢) فرَّ نمس من طريق كلب [ودخل] في مزراب.
(٣٣) وعندما قفز الكلب [انحشر] في فتحة المزراب؛
(٣٤) مما جعل النمس يهرب منها.
(٣٥) زوجة … أمه شابة …
(٣٦) … في بيت خليلة، أو أخت، أو أم …
(٣٧) … …
(٣٨) عندما قفزت بقوة …
(٣٩) في بيت جامع قرون الخروب لما …
(٤٠) بقدر ما يمتد بها العمر …
(٤١) ستجمع …
(٤٢) صائد الطيور الذي لم يكن يملك سمكًا، وإنما [اعتاد على صيد] الطيور.
(٤٣) قفز، وهو ممسِك بشبكته، في الخندق [المحيط] بالمدينة.
(٤٤) أخذ الثعلب يتجوَّل في خندق المدينة …
(٤٥) ولما أقبل عليه الذئب [قال له]: «تحياتي لك!»
(٤٦) ردَّ الأول [أي الثعلب] عليه قائلًا:
(٤٧) إنني سكران، ولا أستطيع …
(٤٨) الفأر الذي يجمع … في المراعي.
(٤٩) يهزأ بالدبابير التي تأكل فاكهة البساتين.
(٥٠) لما وقفت بعوضة على [ظهر] فيل،
(٥١) قالت: «يا أخي، هل ضغطتُ جنبك؟ سوف أهبط عند مجرى الماء.»
(٥٢) ردَّ الفيل على البعوضة قائلًا:
(٥٣) لست أبالي بأن تصعدي فوقي. وما هو شأنك [حتى أكترث بك]؟
(٥٤) ولا أبالي غن نزلتِ.
(٥٥) الذئب الذي لم يعرف مدخل المدينة.
(٥٦) راحت تطارده الخنازير [عبر] الشوارع.
(٥٧) الكلب الذي لم يُسمح له بدخول الدار،
(٥٨) يرقد [الآن] في بيت اﻟ…
(٥٩) الرجل المدين …
(٦٠) … القسم بالآلهة …
(١) عندما ذهب إلى مدينة كوته٥
(٢) ساقوه عند مطلع الفجر للمحاكمة من بوابة القاضي.
(٣) لما دخل العاهر إلى المبغى،
(٤) قال وهو يرفع يديه بالصلاة: «أجري يذهب إلى القَوَّاد.
(٥) [لك] أنتِ [يا عشتار] الثروة، [ولي] أنا النصف؟
(٦) عاهرة الطريق الحذرة (؟) تغتاب أد … المرأة.
(٧) بأمر من عشتار تنال زوجة النبيل سوء السمعة.
(٨) يقف المنافق في المحكمة عند بوابة المدينة،
(٩) ويفرق الرِّشا باليمين والشمال!
(١٠) إن المحارب شمش يعلم سوء فعاله.
(١١) الحقود يزيد كلمات السوء أمام المحاكم.
(١٢) يتحدث بخبث ودهاء ويطعن [في سيرة] الناس.
(١٣) ويتدبر الحاكم الأمر ويدعو شمش [قائلًا]:
(١٤) لا أنت العالم يا شمش، حمَّله مسئولية دماء الناس.»
(١٥) بينما كان فحلٌ شبق يمتطي ظهر أتان.
(١٦) همس في أذنها أثناء الجماع:
(١٧) «اجعلي من المهر الذي ستحملينه عدَّاء مثلي.
(١٨) ولا تجعليه [كالحمار] الذي يعاني السخرة.»
(١٩) لما مضى دبور الغابة على الطريق [لحضور] دعوى أمام القضاء.
(٢٠) استدعى اﻟ… دبور الصحراء للشهادة.
(٢١) ألْقت العناكب دبور الصحراء في الأغلال.
(٢٢) وعلى حافة الحقل عند مدخل جحر الفأر قُطِّع إربًا.
(٢٣) نسَج العنكبوت بيتًا [يصلح لاصطياد] ذبابة.
(٢٤) [لكن] وقعت فيه عظاءة.٦
(٢٥) وذلك لسوء حظ العنكبوت!
(٢٧) … عظاءة …
(٢٨) «عندما رأى صديقه الحميم».

(ب) حكم وأمثال

رأينا في الفقرة السابقة أن الحكمة الشعبية التي وصلت إلينا من أرض الرافدين، وعبَّرت عن نفسها من خلال الحكم والأمثال والأقوال السائرة؛ قد نشأت في الأصل عند السومريين وشكلت جنسًا مميزًا في أدبهم. والواقع أن الجانب الأكبر من نصوص هذه الحكمة الشعبية قد دُوِّن في العصر البابلي القديم باللغة السومرية وحدها، وإن لم يخلُ الأمر من عددٍ جدِّ قليل من الألواح التي دُوِّنت باللغتين السومرية والأكدية في ذلك العصر نفسه؛ مما يدل على أن ترجمة تلك الأصول قد بدأت منذ ذلك العهد المُبكِّر، ثم استمرت حتى العصر «الكشي» الذي توافرت بعده نسخ الألواح المكتوبة باللغتين السومرية والأكدية (البابلية والآشورية) بأعدادٍ كبيرة. وقد ذكرنا أن الحفريات التي تمَّت في المدينة السومرية القديمة نيبور (نفر) — بالإضافة إلى مدنٍ أخرى مثل «أور» وسوسة — قد كشفت عن القسم الأكبر من الحكم والأمثال السومرية التي صنفها العلماء إلى مجموعات مختلفة وفقًا للكلمات التي تبدأ بها أو حسب الموضوع المشترك بينها.

ونضيف إلى ما سبق أن معظم هذه الألواح قد دُوِّن بالسومرية وحدها، وبعضها بالسومرية مع الترجمة الأكدية أو مع تنويعات على النص الأصلي، والقليل النادر منها لم يُعثَر له حتى الآن على أي أصلٍ سومري.

والحكم والأمثال التي ستجدها في هذا الفصل شديدة التنوع في مادتها؛ فبعضها حكم وأمثال بالمعنى التقليدي المفهوم من هاتين الكلمتين؛ إذ يتوافر فيها الإيجاز والتكثيف والبلاغة والمفارقة الذكية، وبعضها الآخر قد دخلت فيه حكاياتٌ وطرائفُ قصيرةٌ، ومقتطفات من نصوص وأعمالٍ أدبية، وخرافاتٌ موجزة على لسان الحيوان، وموادُّ أخرى لم تُعرَف حقيقتها بعدُ. ولما كانت هذه الحكم والأمثال في مجموعها لا تزال موضع الدراسة والتحقيق والنشر — خصوصًا على يد أ. أ. جوردون الذي سبقت الإشارة إليه ويرجع له الفضل في نشر نصوصها الأصلية — فلا يزال الحكم النهائي عليها أمرًا سابقًا لأوانه، كما أن الصعوبات التي تواجه ترجمتها وشرح معانيها وفهم الكثير من كلماتها صعوبات لا يُستهان بها، وبخاصة حين يتعلق الأمر بالنصوص السومرية التي لم يُكشَف الحجاب بعدُ عن كل غوامضها. بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هذا: ما دمنا بصدد جنسٍ أدبيٍّ سومري في أصله وجوهره، فما الذي يدعونا للحديث عنه في كتاب عن الحكمة البابلية؟ والجواب أنه من المستحيل وضع حدودٍ فاصلة أو حاسمة بين الثقافة السومرية والثقافة السامية في القسم الجنوبي من وادي الرافدين. وقد ثبت للباحثين أن اللغة السومرية قد خضعت منذ أقدم العصور للتأثيرات السامية؛ ولذلك رجَّحوا أن تكون بعض الحكم والأمثال المدوَّنة بالسومرية قد انحدرت من أصولٍ سامية وانتقلت في تلك العصور المبكِّرة إلى هذه اللغة.

أضف إلى هذا أنهم وجدوا شواهد عديدة على تأثير الحكم السومرية في العديد من النصوص البابلية الأدبية وغير الأدبية؛ فالنصُّ البابليُّ الذي تحدثنا عنه وهو «حوار التشاؤم» أو «الحوار بين السيد والعبد» يقتبس إحدى الحكم السومرية في السطرَين الثالث والثمانين والرابع والثمانين: «من ذا الذي طالت قامته حتى ارتفع إلى السماء؟ من ذا الذي اتسع منكباه حتى احتضن العالم السفلي؟» وثمة حكمةٌ أخرى تظهر في الرسائل المعروفة برسائل العمارنة،٧ وهناك حكمةٌ سومريةٌ ثالثة وُجدت على لوحٍ من الألواح المدونة لأغراض التدريب على الكتابة من العصر البابلي المتأخر: «إن المعبد الذي بناه ميزا نيبادا قد خرَّبه نانا الذي اجتثَّ غرسه.» وحكمةٌ رابعة قد ضُمِّنت في نصٍّ أكدي (راجع حوار السيد والعبد، السطرين ٣٢-٣٣)، بالإضافة إلى حكمتَين أُخريَين وُجدتا بالأكدية على بعض الألواح المخصَّصة للتدريب على الكتابة من العصر البابلي القديم: «بالاقتران بزوجة مُبذِّرة وإنجاب ابن مُبذِّر (وجدت السلوى لقلبي الشقي وأكدتها)، إن المرأة المسرفة في البيت لأسوأ من كل الشياطين.»

ونبدأ الآن هذه الحكم والأمثال بالمجموعة المعروفة بين العلماء باسم المجموعة الآشورية التي وُجدتْ مدوَّنة على لوحٍ واحد مُكوَّن من أربعة أعمدة. وقد عُثر على خمس كِسَرٍ من هذا اللوح الفريد في مكتبات الملك الآشوري آشور بانيبال (ويرجع الفضل في الربط بينها لعالم السومريات الشهير توركليد جاكوبسون)، كما وجدت الكسرة السادسة (التي حققها الأستاذ لامبيرت وأثبت انتماءها للمجموعة) في مدينة آشور، وتدل طريقة الكتابة على أن اللوح قد دُوِّن في العصر الآشوري الأوسط، وإن كان من الضروري أن نلاحظ أن وصف كتابة اللوح والمجموعة بأنهما آشوريان لا يعني على الإطلاق أن الحكم والأمثال نفسها قد نشأت في العصر الآشوري؛ إذ لا شك في أنها ترجع كغيرها من الحكم والأمثال إلى العصر البابلي القديم.

وأخيرًا فإن النص — فيما يرى الأستاذ ب. لاندزبيرجر — ليس مُجرَّد مجموعة من الحكم، بل هو فيما يبدو من بدايته حوار بين رجلٍ عموري وزوجته، يتقمَّص فيه كلٌّ منهما دور الآخر ويتطبَّع بطباعه، وتجري الحكم على لسانهما على سبيل المداعبة والتسلية.

ولا بد في النهاية من تكرار ما قلناه من أن الترجمة والتعليق عليها ومحاولة تفسيرها ليست كلها نهائية ولا قاطعة؛ لأنها تعتمد في كثير من الأحيان على الحدس والتخمين بالمعنى المقصود، وربما يؤدِّي تطور البحث العلمي في هذه النصوص إلى ترجماتٍ أخرى أصح وأدق، وسوف نورد النصوص وفق الترتيب الذي اتبعه الأستاذ لامبيرت، مُغفِلين الإشارة إلى أرقام السطور والأعمدة والألواح المحفوظة في المتاحف المختلفة؛ إذ إن هذه الإشارات — كما قلنا في التمهيد — لا تهم إلا الباحث المتخصص في دراسة اللغات الأصلية، أما الشروح والتعليقات فسوف نثبتها في هامش المتن، مكتفين منها بالقدر اللازم لإضاءة النص، تيسيرًا على القارئ وحرصًا على الاختصار، راجين الصفح عما فيها من تقصير أو قصور. وأما الأمثال والحكم المناظرة التي أوردتها من الرصيد الفلكلوري العام أو من بعض أسفار العهد القديم — كالأمثال والجامعة والملوك — أو أناجيل العهد الجديد؛ فلم يقصد بها أكثر من إلقاء الضوء على الحكمة أو المثل القديم، ومحاولة القرب من معناه الذي يبلغ حد الإلغاز في بعض الأحيان لا سيما أن المختصين في الدراسات الأكدية لم يتوصلوا بعدُ إلى فهم عددٍ كبير من تراكيبها وغوامضها.

والواقع أن مسألة التناظر بين نصوص الحكمة البابلية والأدب الرافدي القديم بوجهٍ عام وبين نصوص التوراة تحتاج إلى دراسة أو دراساتٍ مستقلة يقوم بها غيري من العلماء المختصين باللغات السامية القديمة وباللغة العبرية قبل كل شيء. وقد أشرت إشاراتٍ خاطفةً إلى سفر أيوب عند الكلام عن أيوب «البابلي»، ولكنني لم أستسلم لإغراء المقارنة بينهما، تاركًا أمر هذه المقارنة وأمثالها لدراسة أخرى وباحثين آخرين أقدر مني على النهوض بها.

المجموعة الآشورية

  • يتحدث رجل [منحط] من [أمو] رية مع زوجته [ويقول]: «كوني أنت الرجل، [و]سأكون أنا المرأة، [منذ أن] … أصبحت رجلًا (…) مؤنثًا (…) ذكرًا».٨
  • ذهب ليصطاد [الطيور] بغير فخ [ﻓ]لم يمسك شيئًا.٩
  • عيني [عين] أسد، وجهي [وجه] ملاك حارس، … من ذا الذي يشتهي أن يكون زوجي؟

  • قلبي حكمة، كليتاي [نجم] النصح والمشورة (؟)، كبدي جلال [ومهابة]، شفتاي تنطقان بكلماتٍ حلوة. من ذا الذي سيكون زوجي المختار؟١٠
  • من الميال إلى الشح؟ ومن المنعم بثرائه؟ …؟١١
  • محبوبك من تتحمل نيره.١٢
  • أن تبذل جهدك يصبح ربك هو ربك، وإذا لم تبذل ما في وسعك فإلهك ليس إلهك.١٣
  • دعني أرقد معك! دع الإله يأكل ﺣﺼﺘ[ﻚ].١٤
  • أصلح نفسك فإلهك هو عونك.١٥
  •  [جرد] سيفك [من غمده]! إن إلهك هو سندك.١٦
  • إذا أهانك أحد، فاجعل صدﻳﻘ[ﻚ] يتصرف.

  • إذا كنت قد آذيت صديقك، فماذا ستفعل مع عدوك؟

  • إن مكسب اﻟ… مثل …

  • إن مكسب صائغ الفضة مثل …

  • ليس ثراؤك سندًا لك، [بل] إن إلهك [هو سندك].

  • لتكن صغيرًا أو كبيرًا، فإﻟﻬ[ﻚ] هو سندك.

  • … عساه لا يقف في حضرة إﻟﻬ[ﻚ] وملكه، إن آلهته ستتخلى عنه وستزول عنه هيبته، ولن يكون إلهه هو إلهه.١٧
  • الحكيم [يستره] ثوب يطوِّق خاصرته، [و]الأحمق يتلفع في عباءة قرمزية.١٨
  • لتدمر البلاد على رأس [حرفيًّا: على قمة] أعدائنا، وليسقط الحائط المتداعي فوق خصومنا، ولتُلقَ بلاد العدو بأكملها في [قيود] الأَسر.١٩
  •  [لتكن] سندًا لقصرك، [و]حتى إذا لم يعلم ملكك عن ذلك شيئًا، فإن شمش سوف يبلغه به.٢٠
  • إن شعبًا بغير ملك، [مثل] غنم بغير راعٍ.

  • إن شعبًا بغير قائد [مثل] ماء بغير مشرف على القناة [أو مراقب وناظر …]

  • العمال بغير مشرف عليهم [أشبه] بالحقل بغير حارث [يُفلِحه].

  • البيت الذي لا مالك له [يشبه] امرأة بلا زوج.٢١
  • لتعرف الإله الأعلى، لتعرف الملك، لتحترم الوزير.

  • عندما تدرك [حرفيًّا: ترى] الفائدة من إجلال إلهك، فسوف تُسبِّح بحمد إلهك [وتُقدِّم] التحية للملك.٢٢
  • أرفض رغبة صبي وسوف … ارمِ كسرة [خبز مغموسة] لجرو وسوف يهز لك ذيله.

  • أغضب صبيًّا وسوف يبكي، ألقِ كسرة خبز لجرو وسوف يعيدها لك.

  • إن أمر القصر مثل أمر آنو:٢٣ فلا يجوز إهماله، وأن كلمة الملك، مثل كلمة شمش، لمؤكدة، وأمره لا يضارع، وقوله لا يمكن تغييره.
  • أمر القصر قاطع مثل أمر آنو، ومثل شمش، يحب الملك الاستقامة ويكره الشر.

  • هو [أو هي] نظرت إليك، أين سيذهب [أو تذهب] معك؟

  • اذهب أو لا تذهب للرب إلهك.

  • الرجل الجائع يقتحم مبنًى من الآجر المحروق.٢٤
  • هل تضع قطعة طين [أو صلصال] في يد إنسان يرميها؟

  • دعني أشرب الجعة المشعشعة، دعني أجلس [في مجالس] الروعة و[الفخامة].

  • القماش [من الكتان] مفروش من أجل البراغيث، [واﻟ…] منسوج من أجل الذباب، ومخزن البيت مبنيٌّ لأجل العظاءة.

  • بطة لا تؤكل في الوقت المناسب.

  • لقد … وذبح خنزيره.

  • لقد … واستنفد خشبه.٢٥
  • إن الزوجة التي لا تحسن الكلام هي [في الواقع] أَمة.

  • إن فمي يجعلني أضارع الرجال.

  • إن فمي يجعل لي اعتبارًا بين الرجال.٢٦
  • لأجل أن يشاهد الريف غادر المدينة. – إنني أتجوَّل هنا وهناك، لكنني لا أتعب، إنني أتحرَّك باستمرار، ولكنني لا أخلد إلى الراحة.٢٧
  • إن الثعلب البري [الذي يعيش في العالم السفلي] هو الذي لا يأكل العشب، [و]إن الغزالة [التي تحيا] في الريف هي التي لا تشرب الماء.٢٨
  • لا تأكل الدهن، ولن يظهر الدم في برازك.٢٩
  • لا ترتكب جريمة، ولن يصل الحزن إلى قلبك.٣٠
  • لا تقترف شرًّا، ولن تعرف [حرفيًّا: تجرب] سوء الحظ المقيم [أو الحزن والأسف المقيم].

  • لدغت عقرب رجلًا، ماذا أفادت [من ذلك]؟ تسبب واش [من العامة] في موت رجل، ماذا كسب [من فعله]؟٣١
  • الشتاء شر، الصيف لطيف (؟)٣٢
  • هل حملت بغير جماع؟ هل أصابتها السمنة بغير طعام؟٣٣
  • الجماع يدر اللبن٣٤ [أي يدر لبن الصدر].
  • إذا وضعت الأشياء في المخزن، فسوف يسطو عليه اللصوص،٣٥ وإذا بذَّرت فمن يعطيني؟
  • حفَر بئرًا لم يكن فيه ماء، دبغ جلدًا بغير (…)

  • إن ظلي — الذي يلاحقني — يلاحقه [أحد آخر].٣٦
  • هل يتقاضى حوض القصب ثمن أقصابه، وهل [يتلقَّى] المرج ثمن أعشابه؟٣٧
  • القوي ينفق المال [المدفوع أجرًا له] على قوته، والضعيف ينفق المال الذي تقاضاه عن أطفاله.٣٨
  • إن … لطيف، لكن قومي يرون أنه لم يعد صالحًا.٣٩
  •  [إنه] لطيف من كل ناحية، وملفوف برباط [أو قماط].٤٠
  • أتضرب وجه الثور [الذي يدور] بسير من الجلد؟٤١
  • إن ركبي في حركةٍ مستمرة، وأقدامي لا تكلُّ، [ومع ذلك] يلاحقني أحمق بالمتاعب [أو الآلام والأحزان].٤٢
  • أنا حمار ركوب، [ومع ذلك] فإنني مشدود إلى حمار [حمل]، وأجرُّ عربة، وأتحمل [ضرب] السوط [أو العصا].٤٣
  • الجرح بغير طبيب، [مثل] الجوع بغير طعام.

  • إنني أعيش في بيت من القار والطوب المحروق، [ومع ذلك] تسقط على رأسي كتلة طين. أو في ترجمةٍ أخرى: إنني أعيش في بيت من الإسفلت والطابوق، إلا أن الطين يتساقط على رأسي (انظر ترجمة بفايفر في كتاب بريتشارد، ص٤٢٥. وكذلك سفر الجامعة، ٩–١٢).

  • في العام الماضي أكلت ثومًا، في هذا العام يحترق جنبي.

  • إن حياة الليلة الماضية [هي الحياة نفسها] كل يوم.٤٤
  • كمثل مقعد شهر «تبيت» [كانون الأول]، الذي تعبده وتضعه بجانبي.

  • مثل مقعد رجل إلهه هو شاحان: فأنت تبكيه، وتحرق جلده، وتشعل فيه النار.٤٥
  • حين تكون في النهر، تنبعث الروائح الكريهة من المياه المحيطة بك، حين تكون في مزرعة، يكون بلحك مر الطعم.٤٦
  • احرص على ألا تحمل غصون [الحقل] طلعًا سيئًا، و[الأفضل] ألا تنبت بذرًا.

  • هل سيفلح الشعير المبكر؟ من أدرانا؟ هل سيفلح الشعير المتأخر؟ من أين لنا أن نعرف؟٤٧
  • إن تحتم عليَّ أن أموت فسوف أبذر، وإن قُدر لي أن أعيش فسوف أقتصد.٤٨
  • دفعوني تحت الماء وعرضوا حياتي للخطر، لم أصطد وأضعت ثيابي.

  • إن العدو لا ينصرف عن بوابة مدينة أسلحتها غير قوية.٤٩
  •  [إنك] مثل فرنٍ قديم، من الصعب الاستعاضة عنك.

  • ذهبت ونهبت أرض العدو، [و]جاء العدو ونهب أرضك.

  • إن نشر الشعير المجفَّف في الشمس لا يأتي أبدًا بعد الأوان.٥٠
  • أتحاول أن تثني الدائرة؟

  • هل تدفع مالًا في صيء خنزير؟

  • إنني أفتش عن فلوِّ حمار؟٥١
  • العمر الطويل يجلب لك الإحساس بالرضا، إخفاء شيء [يصيبك بالهم و]الأرق، الثراء [يكسبك] الاحترام.

  • عندما ترتكب جريمة، فإن دجلة يحمل [معه الإثم]، وعندما تتغاضى عنها تنبذك الآلهة [حرفيًّا: السماء].٥٢
  • لما هربتَ تصرفتَ تصرف ثورٍ وحشي، [و]لما قُبض عليك، كنتَ كالكلب الذي يهز ذيله.

  • أنت كسيحٌ وعاجز عن القفز فوق قناة [مصرف أو خندق مائي].

  • إنك ترفع جبلًا، لكنك لا تستطيع أن [تعلق من قصبة].٥٣
  • النار تهلك النبيل [حرفيًّا: تُتلف الأرستقراطي]. [لكن] العامل لا يقول: «أين هو النبيل»؟٥٤
  • هنالك رجل يعول زوجة، [و]هنالك رجل يعول ابنًا، [أما] الخارج على القانون [و]الملك [فكلاهما] رجل لا يعول نفسه.

  • (…) أحيانًا يفعل الخير، وأحيانًا يقترف الشر.

  • بالابتهاج … مع شخصٍ قوي٥٥ … لن يعوقك أحد، لا تسارع إلى مأدبة في الحانة، ولن يكبلك قيد.
  • ضرب النظار، فاشتدت ذراعاي.٥٦
  • ثور الغريب يتغذى على النباتات، وثورك٥٧ يرقد في المراعي الخضراء.
  • العطاء طبع الملك، وفعل الخير طبع حامل القدح.

  • العطاء طبع الملك والإكرام طبع الناظر.

  • الصداقة تدوم يومًا [واحدًا]، وروابط المعاملات تبقى إلى الأبد.٥٨
  • شجار بين الزملاء، وغيبة ونميمة بين الكهان.٥٩
  • من يقيم في مدينة غريبة فهو عبد.

  • أنا/أنت لا تحتفظ بحجر رحى.

  • إن صنعة الكتابة هي أم الخطباء، و[فن الكتابة] هو أبو العلماء.

  • شيء لم يحدث من زمنٍ موغل في القدم: … …

  •  [إذا كان] الأمي عربة، [فإن] الجاهل هو طريقه.٦٠
  • أيتها العروس لقد … حماتك، والنساء سيفعلن نفس الشيء معك.٦١
  • قال الثعلب لزوجته: تعالي، هيا نسحق «أوروك» بأسناننا [كما لو كانت] كراثة، هيا نربط «كلاب» على أقدامنا [كما لو كانت] صندلًا، وما كادا يبلغان مسافة تبعد عن المدينة بستمائة «جار»، حتى بدأت الكلاب في ضواحي [أو من حول] المدينة في النباح، وأخذت الفتيات من إماء تومال٦٢ يصحن [قائلات]: «[اذهب] إلى بيتك! اذهب!» وهن يعولن [حول] المدينة.٦٣
  • ليجازَ بالإحسان من قدَّم الإحسان، [و]لينعم «حومًا» بفضله على من وعد بالفضل.

  • يتلفت طرف الفخار [أو نظرته] صوب المطر، ليت «أنليل» يلقي نظرة على المدينة التي قدرت عليها اللعنة.٦٤
  • هل يستطيع المحاربون الأشداء أن يقاوموا الفيضان؟ وهل يقدر [الرجال] الأقوياء على تهدئة [غضب] إله النار؟

  • إن مشيئة الإله لا يمكن أن تُفهَم، وطريق الإله لا يمكن أن يُعرَف، [و]أي شيء عن الإله يستعمي على الكشف.٦٥
  • بالزواج من امرأة مبذِّرة، وإنجاب ابن مبذِّر، [جلبت السلوى لقلبي الشقي وأكدتها]، إن [وجود] المرأة المسرفة في البيت لأسوأ من كل الشياطين.

  • تعثر على شيء، لكنه يضيع [منك]، [و]تلقي بشيء بعيدًا [عنك]، ولكنه يصان بلا حد.

  • هي التي نفذت تعاليم الآلهة بحذافيرها، [و]التي ضاعفت قواعد الملكية إلى الأبد، كيف قابل أنليل.

  • الإله الأعظم؛ عملها؟ لقد احتقر مؤسساتها كما لو كانت من القش.٦٦
  • أن تتكلم بوجه يتفجَّر غضبًا، أن تكتئب [وتغتمَّ]، أن تنكفئ على نفسك،٦٧ ليس هذا كله من الطبيعة البشرية [كما ينبغي لها أن تكون].
  • من يواجه محاربين أشداء لديهم هدفٌ واحد؟

  • نفذ رغبة الحاضر، افترِ [كذبًا] على الغائب، إن البشرية …٦٨
  • الخميرة الأم مُرَّة، كيف تكون الجعة حلوة؟٦٩
  • الدلو يطفو في النهر.٧٠
  • ما دام لا يملك الشعير الأخضر [أو الطازج]، فدعه يستهلك [ما عنده].

  • ما دام لا يملك الشعير الأخضر، فدعه يفترِ [على الناس كذبًا].٧١
  • ما دمت تجدُّ وتسعى، فأعطِ أخاك من الثروة [التي جاءتك] من الإله، لا (…) أختك (…) عائلتك (…) معارفك، عندئذٍ تبقى هذه الثروة معك ولا تنصرف [عنك] إلى مكانٍ آخر.

  • اللحم لحم، [و]الدم دم، الغريب غريب، والأجنبي في الحقيقة أجنبي.٧٢
  • إن حمار أنشأن و… براخشه، وقط ميلوخا وفيل البراري، [هي المخلوقات] التي تلتهم الصفصافة وكأنها كراثة.

  • المجراف المثبَّت في الأرض [مثل] النمس في مدينته.

  • قال الرجل «وا أسفاه!» فغرق قاربه. قال «مرحى» فانكسرت دفته، قال: «وا أسفاه!» و«أيارو» فمال قاربه جانبًا.٧٣
  • إنه يأخذ، ويمسك [بما يأخذه] في حضرة الملك،/وهو … لكي … يمسح بالزيت./وما دام الرجل لا يكدح، فلن يحصل على شيء./من [يرضى] أن يعطيه أي شيء/لأجل …؟/من كان دأبه الانتفاخ غرورًا فإنما يعتبر غبارًا/من ليس له ملك ولا ملكة، فمن هو سيده؟/إنه إما أن يكون حيوانًا وإما أن يكون شخصًا يرقد …٧٤
  • بئري لا يتعب [من إعطاء الماء]، [ولكن] عطشي ليس شديدًا./الشبكة مرخية، ولكن القيد ليس مشدودًا./شاركت في التجارة؟ الخسارة لا حد لها./ذهبت فما قيمة هذا؟ أقمت، فما قيمة هذا؟ وقفت، فما قيمة هذا؟ ورجعت، فما قيمة هذا؟٧٥
  • الفاكهة التي تنضج قبل الأوان [تجلب] الحزن.

  • إن قناة الري التي تجري في اتجاه الريح تجلب الماء الوفير.٧٦
  • … مثل الزيت الجيد الذي يستطعمه الناس [حرفيًّا: الذي يناسب فم الشعوب].

  • إن المعبد الذي بناه «ميسانيبادا»، قد خرَّبه «نانا» الذي انقطعت بذوره [أو اقتلع زرعه].٧٧
  • إن المثل القديم ينطبق عليه تمامًا: «الكلبة في بحثها عن الطعام ولدت جروًا مسكينًا» (أو بطنًا من الجراء الهزيلة).٧٨
  • يقول المثل الشعبي: «عندما يدخل كلب الفخار في التنور فسوف ينبح [صانع] الفخار.»٧٩
  • الرجل الذي أمسك ذيل الأسد سقط في النهر، والذي أمسك ذيل الثعلب هرب.٨٠
  • كما يقول الناس: «الرجل ظل الإله، والعبد ظل الرجل.» لكن الملك مرآة الإله.٨١
  • أين يهرب الثعلب من حضرة شمش؟٨٢
  • كالأحمق […] تؤدي [طقوس] تطهرك بعد [تقديم] الأضحية، وكاد (…) تركب المزراب بعد سقوط المطر.

  • عندما يضرب النمل، لا يأخذ الأمر [ببساطة]، وإنما يعضُّ اليد التي ضربته.

١   ص. ن. كريمر، من ألواح سومر، مرجع سابق، ص٢١٧ (مع تصرف بسيط في الترجمة).
٢   د. نبيلة إبراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، ص١٤٠–١٥٣ القاهرة، دار نهضة مصر، د. ت (وقد أوردت هذه الخصائص عن تعريف الأستاذ فريدريش زايلر للمثل الشعبي في كتابه علم الأمثال الألمانية الذي نشره في عام ١٩٢٢).
٣   أحمد أمين، قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، ١٩٥٣، ص٦١-٦٢.
٤   هذا هو نص الحكاية في خرافات إيزوبوس: وقفت بعوضة على قرن ثور لتستريح، ثم قالت وهي تصدر الطنين: «إذا كنتُ قد أثقلتُ عليك وضغطتُ على رأسك، فسوف أطير عن طيب خاطر وأستقر فوق شجرة على شاطئ النهر.» أجاب الثور قائلًا: «سواء لديَّ أن تبقي أو تطيري؛ لأنني لم أنتبه إلى مجيئك على الإطلاق.»
٥   أوكوتي، وهي إحدى المدن البابلية إلى الشمال من مدينة بابل التي كانت تتوسطها، كانت مركز عبادة «نرجال» إله العالم السفلي.
٦   دويبة من الزواحف ذوات الأربع، تُعرَف في مصر وفلسطين بالسحلية، وفي بعض بلاد الشام بالسفاية.
٧   يقتبس ريب-أدي حاكم بيبلوس أحد الأمثال الواردة في هذه المجموعة أربع مرات وهو «إن حقلي يشبه امرأة بلا زوج؛ إذ يعوزه الزارع الذي يفلحه!» (راجع الهامش رقم ١٤ على صفحة تالية).
٨  يشير النص إلى بعض الممارسات «التبادلية» التي كانت مُتَّبعة في الشرق الأدنى القديم ولم يُعرَف عنها شيء إلا بعد أن أدانتها التوراة في سفر التثنية (الإصحاح الثاني والعشرين: ٥) وحرَّمتها على بني إسرائيل: «لا يكن متاع رجل على امرأة ولا يلبس رجلٌ ثوب امرأة لأن كل من يعمل ذلك مكروه لدى الرب إلهك.» ويبدو من بعض الإشارات المتأخرة إلى هذه الممارسات — التي شاعت في سوريا وآسيا الصغرى بوجهٍ خاص — أنها كانت تقوم على تبادل الرجال والنساء الأزياء والطباع والحركات فيما يشبه طقسًا تمثيليًّا يقوم على المداعبة والتودُّد والخلاعة الفاضحة من الطرفين، وهذه الطقوس — التي لم يثبت وجودها في أي مكان ولا في أي عصر من عصور الحضارة العراقية القديمة — كانت فيما يبدو لونًا من ألوان الانحراف والشذوذ التي عرفت عند «الأموريين» (أو العموريين الساميين) الذين وضعوا نهاية السومريين كشخصيةٍ عرقية وسياسية ولغوية وإن أخذوا عنهم حضارتهم بصورةٍ كاملة. كما عُرفت أمثالها بين الذكور في سدوم وكونثوس وبلغاريا، وبين النساء «اللسبيات» في جزيرة لسبوس من بلاد الإغريق، وهي التي عاشت فيها أول وأعظم شاعرة غنائية في التراث الأدبي الغربي وهي سافو التي اتُّهمت بالشذوذ نفسه. ومن هنا تأتي قراءة الأستاذ لاندربيرجر لكلمة أموري في النص الأصلي وتفسيره للحِكَم والأمثال التالية بأنها تجري على صورة حوار بين هذا الرجل وزوجته … (راجع إن شئت كتابي عن سافو شاعرة الحب).
٩  حرفيًّا: لم يوجد شيء، والمقصود هو الشَّرَك الذي يُعدُّ لاصطياد الطيور على هيئة شبكة فيها فخ. وسوف يتردَّد هذا المثل في تنويعاتٍ أخرى، كالصياد الذي يحاول اصطياد السمك بشبكته التي لا تصلح إلا لصيد الطيور. وكلها تعزف على الوتر نفسه وتؤكد خيبة الإنسان الذي ربما عرف غايته، ولكن لم يعرف الوسيلة المؤدية إليها.
١٠  حرفيًّا: من يرغب في أن يكون زوجي الشهواني. ولا يختلف هذان المثلان إلا في استخدام الكلمة التي تدل على الأنثى أو الذكر، كما يُمكِن أن تُطلَق على الجنسين، ولا ندري إن كانا قد قيلا على لسان عانس تعبيرًا عن أزمة الزواج، أم أطلقهما القائل أو القائلة — اللذان يُحتمل انتماؤهما إلى الطبقة الفقيرة المطحونة — ترغيبًا في الزواج بوجهٍ عام. ومهما يكن الأمر فمان تركيبة المثلين تذكرنا بهذه السطور من نشيد الإنشاد: «ها أنت جميلة يا حبيبتي ها أنت جميلة، عيناكِ حمامتان من تحت نقابك، شعرك كقطيع ماعزٍ رابض على جبل جلعاد، أسنانك كقطيع الجزائر الصادرة من الغسل اللواتي كل واحدة متم وليس فيهن عقيم، شفتاك كسلك من القرمز، وفمك حلو، خدك كفلقة رمانة تحت نقابك، عنقك كبرج داود المبني للأسلحة، ألف مجن علق عليه كلها أتراس الجبابرة، ثدياك كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن … إلخ.» (الإصحاح الرابع، ١–٥).
١١  ليس من الضروري أن نفترض وجود تضاد بين البخل في السؤال الأول والثراء في السؤال الثاني؛ فربما يقصد المثل إلى التوازي والتكامل بينهما؛ إذ لا يبعد أن يفيض البخيل من عطائه أمام إغراء الجمال الحسي الذي يطغى على هذا أنواع من الأمثال.
١٢  حرفيًّا: إن من تحبه تتحمل نير(ه)، ولعله يُذكِّرنا بكثير من الأمثال العامية الشائعة في اللهجات العربية الحديثة مثل «حبيبك يبلغ لك الزلط …» والزلط هنا في اللهجة العامية المصرية هو الحصا وقطع الحجارة الصغيرة، وليس هو المال أو قطع النقود كما في اللهجة اليمنية!
١٣  بذل الجهد مساوٍ للإخلاص في خدمة الآلهة وطاعتهم، وهذه الخدمة أو الطاعة مساوية للنجاح في الحياة، والعافية في البدن، والوفرة في الرزق والأبناء، وفي هذه الحالة يصبح إلهك هو إلهك، ويكون لك ملاك يحرسك ويحميك، وملك يرضى عليك. ويتكرر هذا المعنى في نص الحوار بين المعذب والصديق أو النص المعروف ﺑ «الثيوديسية البابلية»؛ إذ نجد الصديق الحكيم يقول للمعذَّب الشقي (السطران ٢١ و٢٢): «إن من يقوم على خدمة إلهه يكون له ملاك يحميه، والمتضع الذي يخشى آلهته يجمع ثروة طائلة.» ونصادف هذا المفهوم نفسه لبذل الجهد والإخلاص في السعي والتدبير في نصوص أكدية أخرى، كما نرى على سبيل المثال في نقش أحد الأختام الأسطوانية التي ترجع للعصر الكشي: «لقد بذلت جهدي، فلتقبل عليَّ الوفرة في الثروة، والقطعان، والرضا الإلهي؛ وهي الأمور التي صليتُ من أجلها لمردوخ، ليكن الرضا الإلهي من نصيبي، ولتظل حياة من ينعم به.» (ل. ديلابورت، الأختام الأسطوانية في المكتبة الأهلية بباريس، رقم ٢٩٧، عن لامبيرت، أدب الحكمة البابلية، ص٢٣١). ولعل النص كله يذكِّرنا من بعيد بالسطرين اللذين جاءا على لسان الرحمن في حواره مع الشيطان، في المشهد الافتتاحي من فاوست لشاعر الألمان الأكبر جوته، وهما في تقديري مفتاح هذه القصيدة الدرامية الكبرى: «إن الذي يسعى بصدق وإخلاص، هو الذي يمكن أن نكتب له النجاة والخلاص.»
١٤  يبدو أن القسم الأول من هذا المثل يعبِّر عن تقرُّب رجل من إحدى البغايا ودعوته لها للجماع. قارن قول «يهوذا» لكنَّته — زوجة ابنه — ثمار: «فمال إليها على الطريق وقال هاتي أدخل عليك، لأنه لم يعلم أنها كنته … إلخ» (سفر التكوين، ٣٨: ١٦). أما القسم الثاني من العبارة فهو أكثر غموضًا. ولعل المقصود به أن رجلًا طلب إحدى بغايا المعبد الذي قدم له هبة أو إتاوة فطلبت منه البغي أن يهب الإله تلك التقدمة أجرًا لها على الاتصال به.
١٥  حرفيًّا: هيئ نفسك أو تأهب وتزود.
١٦  أو أظهره واصقله. ومن الواضح أن المعنى المتضمن في هذين المثلين هو التزود بالتقوى والصلاح وتقديم فروض الطاعة للآلهة.
١٧  راجع المثل السابق المشروح في الهامش رقم ٦. ولعل المقصود بالهيبة هو السلطة أو المكانة التي كان يحظى بها هذا الرجل المغضوب عليه من الملك والإله.
١٨  هذا المثل يردد الشكوى الأزلية من حظوظ الحكماء والفضلاء إذا قيست بحظوظ الحمقى والأوغاد والجهلاء، ويبدو من متابعة كثير من النصوص الأدبية في الشوق القديم أن رثاء النفس والبكاء عليها هو أحد «الألحان» الأساسية التي لم ينقطع رنينها إلى يومنا الحاضر (راجع على سبيل المثال النص الأدبي الشهير «حوار رجل مع روحه-با» أو في تسميةٍ أخرى «حديث متعب من الحياة مع روحه» الذي يرجع للأسرة الثانية عشرة في فترة من أحلك فترات التاريخ المصري القديم، تسلَّم فيها الأشرار مقاليد الحكم والجاه والثراء، وسقط الأبرار في حضيض البؤس والهوان والعناء؛ فاكتظت القلوب بالجشع، وفقدت الصداقة معناها، وتطاولت الوقاحة على كل قيمة، ونُسيتْ تقاليد الماضي، واختفت الرحمة والتراحم، وأشاح الأخ بوجهه بعيدًا عن أخيه، وأصبحت البلاد نهبًا للصوص ذلك العصر وأوغاده الذين أخذ شرهم يذرعها طولًا وعرضًا)، راجع الترجمات المختلفة لهذا النص ومن أحدثها ترجمة الأستاذة ميريام ليشتهايم في كتابها عن الأدب المصري القديم، لوس أنجلوس، ص١٦٣–١٦٩، وكذلك شكوى «إيب أور» المشهورة لتجد أن شقاء ذي العقل ونعمى أخي الجهالة — على حد تعبير المتنبي — بحيث يرفل الجاهل والأحمق في أفخر الشباب، بينما الحكيم لا يجد ما يستر عورته أو يسد رمقه أو يحفظ ماء وجهه.
١٩  من الملاحظ أن الأسر هنا — حسب الكلمات السومرية والأكدية الأصلية — ينصرف إلى الأَسر بمعناه السحري.
٢٠  الكلمة الأولى من عندي زيادة في التوضيح …
٢١  يتردد المعنى الواضح للأمثال الأخيرة في إحدى رسائل تل المعارضة التي أرسلها بعض ملوك الشرق القديم (من آشوريين وحيثيين وكنعانيين) إلى فرعون مصر، إلى ملك مصر: «إن حقلي يشبه امرأة بلا زوج؛ إذ يعوزه الزارع الذي يفلحه.» وواضح أن هذا المثل مرتبط بالمثل السابق عليه مباشرة.
٢٢  يبرز هذا المثل حقيقة الربط العملي أو النفعي بين التعبد للآلهة وطاعة الملوك وبين الكسب الشخصي المترتب عليهما في نظر سكن وادي الرافدين القدماء، كما يؤكد الارتباط المستمر بين الإله والملك (راجع على سبيل المثال السطور الثلاثة تحت رقم ٢٥–٢٨ في اللوح الثاني من النص البابلي المنشور في هذا الكتاب، وهو النص المعروف باسم «لدلول» لأمتدحن رب الحكمة: «ويوم الخشوع للإله صار يوم الفرح لفؤادي، كما كان يوم الاحتفال بموكب الآلهة هو الغنم والفوز لي، الصلاة للملك كانت هي فرحتي، والموسيقى المصاحبة لها كانت بهجة الفؤاد»).
٢٣  هو أكبر الآلهة وإله السماء، عن أوامر «آنو» كبير مجمع الآلهة راجع على سبيل المثال ملحمة الخلق والتكوين (إينوما إليش) اللوح الرابع، السطر الرابع، وتجدها في ترجماتٍ أجنبيةٍ عديدة، منها ترجمة ألكزندر هايدل في كتابه عن التكوين البابلي، شيكاغو ١٩٧٠ كتب فونيكس، وأ. شبايزر (المنشور في كتاب بريتشارد المعروف نصوص الشرق الأدنى القديمة، برينستون، نيوجيرسي، ١٩٦٩) وكذلك الترجمة العربية للأستاذ فراس السواح في كتابه مغامرة العقل الأولى، دراسة في الأسطورة، سورية وبلاد الرافدين، دمشق، العربي للطباعة والنشر، الطبعة السابعة، ١٩٨٧، من ص٥٥–٨٥.
٢٤  ربما يُفهَم من هذا المثل أن الجائع لا يتردَّد عن الاندفاع إلى «القمائن» أو «الأفران» التي كانت تحرق فيها الرُّقُم الطينية وألواح الآجر، ولعل المثل يذكِّرنا بالقول عن سيدنا علي بن أبي طالب مع تغييرٍ طفيف لا يمسُّ حكمته الخالدة؛ إذ لو كان الجوع رجلًا لقتلناه أو قتلَنا …
٢٥  من الواضح أن الأمثال — وغيرها كثير — يستحيل فهمها، إما لانقطاع النص بسبب انكسار اللوح، أو طمس النقش وتلاشي الكتابة، أو نتيجة الفجوات والثغرات التي لا تكاد تخلو منها الرُّقم والألواح، ولكننا نحرص على إثباتها — كما ذكرنا في التمهيد — احترامًا لهذه النصوص القديمة من ناحية، وانتظارًا لما تجيء به الكشوف الأثرية وتطورات البحث العلمي من ناحيةٍ أخرى.
٢٦  يوحي المثلان الأخيران بأن المتحدِّث امرأة، ولو قرأنا ما على ضوء المثل السابق عليهما مباشرةً لأدركنا قيمة الكلمة الحلوة الطيبة التي ترفع من شأن المرأة في عين الرجل عند أهالي وادي الرافدين القدماء، كما يمكن أن تنفع المرأة العربية الحديثة لو وعت الدرس العظيم.
٢٧  ربما كان هذا المثل في حقيقته لغزًا، وربما كان حله هو الريح أو الزمن أو الموت أو الحياة.
٢٨  ربما يؤكد هذا المثل بطريقةٍ ذكية وغير مباشرة تلك الضروريات التي لا يستغني عنها الإنسان؛ إذ لا يستغني الثعلب عن أكل العشب ولا الغزالة عن شرب الماء إلا إذا هبطا للعالم السفلي، ولعله أن يكون تلميحًا للحكام بضرورة توفير الشروط المادية لوجود الإنسان قبل مطالبته بأي واجب!
٢٩  من هنا تبدأ ترجمة الأمثال المدونة على لوحٍ مكوَّن من ستة أعمدة وجد في مكتبات الملك الآشوري آشور بانيبال ولم يُعثَر إلى اليوم على نسخة منه، ويحتمل أن يكون اللوح نفسه نسخة عن لوحٍ أصلي أصابه الفساد في مواضع غير قليلة.
٣٠  راجع النص السابق «نصح ونذير لأمير» سطر ٤٦ لارتباط الاتهام بالنميمة، وكذلك جلجاميش، اللوح التابع، ١–٤ حيث يبكي جلجاميش موت صديقه أنكيدو بكاءً مُرًّا ويقول: عندما أموت، ألن أكون مثل أنكيدو، لقد دخل الحزن جوفي.
٣١  لعل المقصود هو ناقل السوء الذي يوصف في المثل بأنه من الناس أو بالأحرى من السفلة والرعاع.
٣٢  المقابلة بين الشتاء والصيف شيءٌ مألوف ومتكرر في كثير من النصوص البابلية (انظر ما سبق أن قلناه عن أدب المناظرة)، والترجمة الإنجليزية التي تقول Summer has sense يصعب أداؤها؛ فقد تكون تعبيرًا عن الذكاء أو الإحساس أو اللطف في مقابل الشاء وجهامته …
٣٣  يختلف العلماء حول هذا المثل، سواء في ترجمته الأكدية أو في أصله السومري، وقد نقله كريمر (في كتابه من ألواح سومر، ص٢١٧ وما بعدها) على هذه الصورة: «أيكون حمل بلا جماع؟ وهل تحدث سمنة بلا أكل؟» ربما يدل المثل على شيءٍ مستحيل، وربما يكون قد أطلق على أولئك الثرثارين الذين يغرقون الناس في التأويلات والشروح والتبريرات الواهية، على الرغم من ظهور الأدلة الواضحة على عكس ما يقولون فهل نفترض أن سكان وادي الرافدين قد عانوا الأمرَّين من طغيان المذهبية والتعاليم و«الأدلجة» الزائفة على بعض الأدعياء مثلما نعاني اليوم؟
٣٤  لا أدري مدى صحة هذا المثل من الناحية الطبية، ويبدو أنه يقصد إلى معنًى بعيدٍ عن المعنى الحرفي، كأن يقول مثلًا إن الثمرة لا تطلع بغير حرث، أو إن النجاح نتيجة الجهد والعمل الجمعي؛ إذ إن لكل معلول علة، ولكل نتيجة سبب، راجع كذلك سفر عاموس: هل يسير اثنان معًا إن لم يتواعدا … إلخ (الإصحاح، ٣: ٣–٦).
٣٥  حرفيًّا: فسوف أُسرَق. وواضح أن المثل يُعبِّر عن حيرة الإنسان بين التقتير والتبذير، وسيأتي هذا المعنى بصورةٍ أروع وأدل على موقف الإنسان من التدبير والتبديد وضياعه بينهما في المثل التالي: إن تحتم عليَّ أن أموت فسوف أُبذِّر، وإن قُدِّر لي أن أعيش فسوف أقتصد (قارن إنجيل متى: «فلا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه، يكفي اليوم شره …» (الإصحاح، ٦: ٣٤)).
٣٦  ربما كان المعنى أن الإنسان لا ينجو أبدًا من رقابة الآخرين، أو أن المضطهد من ورائه على الدوام مضطهدٌ أعلى منه، ولعل القائل فردٌ عاجز من غمار الناس يعزي نفسه عن الظلم الذي وقع عليه … وما أشبه الليلة بالبارحة.
٣٧  ربما كان هذا المثل أيضًا نوعًا من العزاء لمن يجدُّ ويعمل فلا يلقى تقديرًا ولا جزاءً على عمله، بل ربما لا يلقى إلا الغدر والخسَّة، ولكن هل يجوز أن نستخلص منه قاعدة «كانطية» عن أداء الواجب للواجب في ذاته؟ أو عن عمل الخير و«رميه في البحر» كما يقول المثل الفلاحي؟! أو عن عمل الخير في كل الظروف والأحوال كما يقول الحديث النبوي الشريف؟ (افعل الخير في أهله وفي غير أهله، فإن صادف أهله، فهم أهله، وإن لم يصادف أهله، فأنت أهله …).
٣٨  يبدو أن بيع الأطفال اتقاءً لشر الجوع كان أمرًا معروفًا في العراق القديم كما كان مألوفًا في الصين إلى ما قبل الثورة الشيوعية. ويصور المثل الفرق الهائل بين الأقوياء والضعفاء أو — كما نقول اليوم — بين طبقة المستغِلين وطبقة المستغَلين.
٣٩  من الواضح أن المتكلِّم بغيٌّ تقدَّم بها العمر وتدافع عن قدرتها على الاستمرار في ممارسة حرفتها. ويترجم الأستاذ جاكوبسين الأصل السومري على هذه الصورة: «إن فرجي لطيف، [غير أن] من قومي من يقول لي: «لقد راحت عليكِ».»
٤٠  بيَّن الأستاذ جاكوبسين أن هذا المثل مرتبط بالمثل السابق عليه، وبهذا يكون الرباط نوعًا من الأربطة الصحية التي تستعملها النساء في حالات خاصة، أما الأستاذ «مايسر» فيرى أن المثل يشير إلى الوجاهة المترتبة على ارتداء الثياب الفاخرة.
٤١  حرفيًّا: وجه ثور متحرك، ولعل المقصود وجه ثور مُقبِل عليك، أما الكلمة الأصلية التي ترجمت بالسير الجلدي (وهي أبو UPPU) فيتفق بعض الباحثين على أنها تعني السير الجلدي الذي يرفع به مزلاج الباب لكي يفتح، وهو لا يزال مستعملًا في بعض الدور الريفية في مصر ويسمى «بالسُّقَّاطة»، ولعل هذا المثل أن يكون قريبًا في معناه من المثل الشائع: لا تنخس جوادًا حرًّا «بمهماز».
٤٢  ربما جاء هذا المثل على لسان عبد أو عامل أرهقته السخرة، وربما قيل على لسان أحد الحيوانات التي تُستخدَم للركوب والحمل (كما في المثل التالي مباشرةً). ولعل الحكمة الكافة وراءه أن الضعيف لا يذله إلا ضعيف مثله، وأن المضطهدين والمستذَلين — في المجتمع المتخلف القائم على الظلم الاجتماعي — يتسلط بعضهم على بعض بالاضطهاد والإذلال، بدلًا من الاتجاه إلى الظالم الحقيقي والاتحاد في وجهه، ومع ذلك فإن هذه فروض وتخمينات ينبغي الحذر في كل الأحوال من المبالغة فيها وإسقاط همومنا ومشاكلنا — التي تولدت عن ظروف وأسباب مختلفة — على شعوب انقرضت ويصعب علينا اليوم أن نجرب تجربتها أو نفكر تفكيرها … (وإن كان من الطبيعي أن نقرأ الحاضر في الماضي، كما سبق القول في التمهيد العام لهذا الكتاب، وفي مواضع أخرى فيه) قارن سفر الجامعة: «قعدت ورأيت تحت الشمس أن السعي ليس للخفيف ولا الحرب للأقوياء ولا الخبز للحكماء ولا الغنى للفقهاء ولا النعمة لذوي المعرفة …» (الإصحاح ٩–١١) وكذلك الهامش السابق تحت رقم ١١.
٤٣   وفي ترجمة أخرى لهذا المثل الصعب: ألست جوادًا أصيلًا (أو مطهمًا) ومع ذلك فأنا مشدود إلى بغل، وأُجبَر على جر عربة محمَّلة بالقصاب من ترجمة الأستاذ بفايفر في كتاب بريتشارد، ص٢٥.
٤٤   قارن سفر الجامعة: ما كان فهو ما يكون … ما كان فهو من القدم هو (١–٩، ١٠، ٣–١٥).
٤٥  يغيب عني معنى هذَين المثلَين تمامًا … وشاحان أو شاكان هو إله البادية والحيوانات البرية.
٤٦  لعل هذا المثل لغز يصعب علينا حله، ومع ذلك فقد تساعد ترجمة كريمر للأصل السومري على أن نستشفَّ هذا المغزى الذي يبين رأي السومريين في الفاشلين ويكشف عن تشاؤمهم من نحسهم: «لو وضعت في الماء لفسد الماء، ولو وضعت في البستان لبدأت ثماره تفسد …» وربما كان المقصود هو المنحوس لسوء بخته، أو هو الذي يجلب النحس على غيره بنظرة من عينه الشريرة الحاسدة.
٤٧  يعبر هذا المثل عن القلق والحيرة التي لا تنفك تشعر بها إزاء كل عمل نقوم به: هل ينجح لو بكرنا فيه؟ أم يُستحسن أن نتأنى؟ وفي تقديري أنه لا يعبر عن التردد أو العجز عن الاختيار بقدر ما يعكس شعور الإنسان بالارتباك إزاء طبيعة متقلبة المزاج، وربما يعكس أيضًا الحكمة من الحكمة (قارن سفر الجامعة ١–١٥، ٣–١١، ٧–١٣، ١٤).
٤٨  يترجم الأستاذ كريمر الأصل السومري على النحو التالي: كتب علينا الموت فلنتفق، وما دمنا نعيش عمرًا طويلًا فلنقتصد، والظاهر أن المثل يعكس قلق صاحبه في مواجهة الضائقة الاقتصادية والاضطراب الاجتماعي وسائر المحن والنكبات التي ما زالت تواجهنا مثله … وقد جاء المثل في ترجمة الأستاذ بفايفر على النحو التالي: «سوف يموت سريعًا (ولهذا يقول): لآكلن ما عندي! وسوف يتحسن قريبًا (ولهذا يقول): فلأقتصد!» (راجع كتاب برتشارد السابق الذكر، ص٤٢٥).
٤٩  هذه هي ترجمة هذا المثل السديد عن الأصل السومري: الدولة الضعيفة في العدة والسلاح لا يمكنها أن تطرد العدو من أبوابها، وكم نحن في حاجة اليوم للاعتبار به! (على الرغم من أن المثل نفسه يتذرع به العدوانيون على الدوام لإسكات المسالمين ومحبي السلام الذين يعبر عنهم مثل تالٍ).
٥٠  كان من عادة البابليين عند تخمير الجعة أن ينقعوا الشعير في الماء ليختمر، ثم ينشروه في الشمس أو يحمصوه في الفرن. والواقع أن نشره في الشمس لا يكون له داعٍ بعد تجفيفه أو تحميصه، ولكن ربما كان هذا بالذات هو مغزى المثل، ومما يذكر أن هذه العملية نفسها قد تحوَّلت في العصر الآشوري المتأخر إلى تشبيه مجازي ورد في النقوش الملكية عن قتلى الأعداء الذين كانوا يُذبحون وترقد جثثهم على الأرض كالشعير المنشور في الشمس.
٥١  ربما كان المثل الأخير والمثل السابق عن ثني الدائرة تعبيرًا عن عبث أي محاولة مع المستحيل؛ إذ لا ينجب الحمار فلوًّا (مُهرًا) ولا طائل من وراء ثني الدائرة.
٥٢  كان لمياه الأنهار شأنٌ كبير في طقوس التطهر عند سكان وادي الرافدين القدماء، كما توحي بذلك العبارة الأولى من هذا المثل، وللعبارة الثانية ترجمة أخرى تضع «المطر» في موضع الآلهة أو السماء. غير أن من الصعب أن نتصوَّر شكوى السومريين من انقطاع المطر في جنوب العراق، على العكس من المناطق الشمالية في العراق وسوريا وفلسطين التي عانت دائمًا من الجفاف.
٥٣  ربما يشير هذا المثل إلى قدرة القادرين على إتيان المستحيل، وعجزهم أمام صغائر الأمور، وربما ينطوي على السخرية ممن يقوم بالمعجزات (كرفع الجبل) وهو نحيلٌ ضئيل لا تتحمله قصبة! ولعله يقترب من المثل العامي المعروف: «يضع سره في أضعف خلقه!»
٥٤  يمكن هنا ملاحظة الصراع أو التمييز الطبقي الذي يبدو أن سكان بلاد الرافدين القدماء كانوا على وعي به، كما تشهد على ذلك نصوصٌ أخرى مثل العبارات المشهورة في حوار السيد والعبد حيث يقول الأخير لسيده: انظر إلى جماجم الأعلَين والأدنَين، هل تتبين مَن كان المحسن فيهم ومَن المسيء؟ (٧٧-٧٨). وثمة ترجمةٌ أخرى (يقترحها الأستاذ فالكنشتاين) على هذه الصورة: «النار تتلف النبيل [الأرستقراطي] ليس هذا هو الذي يقوله العامل [المأجور]، و[إنما] يقول: أين هو النبيل [الأرستقراطي]؟»
٥٥  حرفيًّا: مع شخصٍ صلب لا يلين، وربما كان المقصود أن يحرص الرجل العادي على أن يكون له «ظهر» يحميه، حتى حين تنازعه الرغبة في أن يسعد أو يبتهج قليلًا كي يتخفف من عبء الظلم الأزلي.
٥٦  المقصود بالنظار الذين ضربوا أو اضطهدوا هم المشرفون على المزارع والضياع، أما اشتدت ذراعاي فهي تصرُّف في الترجمة الحرفية التالية: وأنا ذراعاي أصبحتا مفتولتَي العضلات، وواضح أن المثل يذكرنا بالمثل الشعبي المعروف: «غاب القط، العب يا فار!»
٥٧  حرفيًّا: والثور الذي يملكه شخص ما. وربما ينطوي المثل على الشكوى أو السخرية من ظلم المستغِلين وترف المتجبِّرين. قارن كذلك المثل الإيطالي: إذا ذهبتَ إلى بلدٍ آخر، وجدتَ عاداتٍ أخرى.
٥٨  ربما تأتي أهمية هذا المثل من تأكيد الروابط والعلاقات القائمة على المصالح والمعاملات التجارية والعملية. وقد أورد الأستاذ كريمر مثلًا آخر لعله أن يكون ترجمةً أخرى للأصل السومري: «تدوم الصداقة يومًا، ولكن القرابة باقية إلى الأبد.»
٥٩  الكهان أو علية رجال الدين، وفي إحدى نسخ الأصل السومري: بين الإخوة الكبار.
٦٠  ما بين القوسين اجتهاد من عندي، كما أن الكلمة الأصلية للأمي هي «غير المتعلم»، ولعل المثل يتضمن التحذير من أن يتولى «المتعوس» شئون خائب الرجا، أو من أن يقود الأعمى أعمى مثله فيهلك كلاهما (انظر لوحة بروجيل المشهورة عن العميان والتعليق عليها في كتابي قصيدة وصورة، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد ١١٩، نوفمبر ١٩٨٧، ص١٣٤–١٤٢).
٦١  هل نعد هذا المثل تحذيرًا من سوء معاملة زوجة الابن لحماتها، على العكس من الشكوى المعروفة من الحماة في البلاد العربية؟!
٦٢  هو مزار الآلهة تنليل — زوجة الإله أنليل في مدينة نيبور (نفر) السومرية — وكلاب حي من أحياء أوروك (أو حارة من حواريها) أو بالقرب منها، وكثيرًا ما تذكر كلاب كلما ذكرت أوروك (الوركاء) …
٦٣  هذا المثل، الذي يتخذ صورة حكاية على لسان الثعلب، من ترجمة الأستاذ جوردون عن السومرية، وربما كان السر في جماله وطرافته أنه يتصل من ناحية اتصالًا وثيقًا بحكاية الثعلب التي سبق ذكرها وبادعاءاته الضخمة، كما يفضح كذب الكذابين وادعاء المدَّعين الذين يبدو أن الشكوى منهم أقدم بكثير مما نظن.
٦٤  يلاحظ أن النسخ السومرية الأخرى في مثل هذا المثل (وهي نحو ست نسخ) تختلف عن هذه الصيغة من جهة الاسم الذي يطلق على الحرفي؛ فهو تارة فلاح، وأخرى راعٍ، وثالثة صانع فخار.
٦٥  يمس هذا المثل لُبَّ الحكمة الدينية البابلية التي توصل إليها سكان وادي الرافدين منذ أقدم العصور، ورسا على شاطئها حكماؤهم المتمردون عن يأس أو تسليم (راجع الثيوديسية البابلية أو الحوار بين المعذب وصديقه الحكيم، وانظر كذلك السطور الثلاثة من ٣٦–٣٨ من اللوح الثاني من «أيوب البابلي» أو النص المعروف بلدلول «لأمتدحن رب الحكمة»: من ذا الذي يعلم إرادة الآلهة في السماء؟ ومن يدرك خطة الآلهة [التي تحيا] في العالم السفلي؟ وأين تعلم [البشر] الفانون طريق الإله؟).
٦٦  ربما قيل هذا المثل بعد تدمير إحدى المدن السومرية — مثل أور أو نفر — تدميرًا تامًّا، وهو يُذكِّرنا على كل حال بالتراتيل المأثورة عنهم في بكاء المدن (راجع كتاب ما قبل الفلسفة، الإنسان في مغامرته الفكرية الأولى، تأليف ﻫ. فرانكفورت وزملائه، بغداد، دار مكتبة الحياة، ١٩٦٥، ص٢٣١–٢٣٤). أما عن مضاعفة قواعد الملكية فربما تكون تعبيرًا عن تدعيم قواعد الملك بالأحكام والقوانين التي تكفل رعاية مصالح الناس وتردع المعتدين والمجرمين … إلخ. راجع أيضًا ما سبق قوله في «التمهيد» من أدب بكاء المدن عند السومريين.
٦٧  حرفيًّا: أن تركز انتباهك على نفسك، وفي الأصل السومري: وجه غاضب يتحدث، شخص مكتئب، الوجه متجه إلى الداخل …
٦٨  من الواضح أن هذا المثل — لم يصلنا للأسف كاملًا — مع المثل الذي سبق التعليق عليه، يعالجان مفهوم الإنسانية الصحيحة كما تَصوَّرها السومريون وحذَّروا في نصوصٍ كثيرة من تشويهها والانحراف عن طبيعتها الحقَّة وجوهرها الأصيل.
٦٩  ربما نلمح هنا إشارة إلى أن الفرع من الأصل، أو كما يقول المثل على لسان الفلاحين: دوَّر على الأصل.
٧٠  أي أن الفارغ والتافه هو الظاهر على السطح والمرتفع الصوت، ولعل المثل يُذكِّرنا بالمثل الشعبي «كالطبلة صوتها عالٍ وجوفها خالٍ»؛ (فتأمل وتذكر غابة الطبول الجوفاء التي نتلظى في جحيمها).
٧١  المعنى غامض، وأحسب أنه قريب من المثل الشعبي المصري «أقرع ونزهي»، فالمعدم يتمتع على الدوام بحرية الخروج على قواعد السلوك وقوانين الخلق والضمير.
٧٢  من الواضح أن المثل قريب من المثل الشعبي: «الدم لا يصبح ماء»، ومن المثل السومري: «الصداقة تدوم يومًا، ولكن القرابة باقية إلى الأبد»، ومن قول أبي مالك بن يربعل لإخوة أمه: «أيما هو خير لكم، أن يتسلط عليكم سبعون رجلًا جميع بني يربعل أم أن يتسلط عليكم رجلٌ واحد، واذكروا أني أنا عظمكم ولحمكم … إلخ.» (القضاة، الإصحاح التاسع: ٢). وأنشأن المذكور في المثال التالي هو حي من أحياء عيلام، وبراخشة حي أو ضاحية على حدود إيران، وميلوخا بلد لم يحدد بعدُ على السواحل الشرقية للجزيرة العربية.
٧٣  ربما كان المقصود أنه رسا على الشاطئ، ولعل هذا المثل — الذي وجد مدوَّنًا بالسومرية والأكدية على أحد ألواح التدريب على الكتابة من العهد البابلي القديم — لعله يعبر عن حيرة الكادحين بين التفاؤل والتشاؤم أمام تقلُّبات الطبيعة وأهوائها المفاجئة في العراق القديم، قارن المثل الذي سبق ذكره: «هل سيفلح الشعير المبكر؟ من أدرانا؟ هل سيُفلِح الشعير المتأخر؟ من أين لنا أن نعرف؟» وكذلك التعليق عليه.
٧٤  هذه حكم بابلية أو أكدية خالصة، والواقع أن ثمة شواهد عديدة تدل على وجود حِكم وأمثال بابلية تسرب بعضها إلى نصوص مختلفة من الأدب البابلي (على نحو ما أشرنا في التعليقات إلى بعض هذه الأمثال التي استشهد بها الكتبة والحكماء البابليون في حوار السيد والعبد، والحوار بين المعذب والصديق، وأيوب البابلي، وغيرها من النصوص والرسائل الملكية). ولا شك أن البابليين قد تداولوا الحِكم والأمثال بطريقة شفاهية لمئات من السنين؛ إذ لا يمكننا أن نتصوَّر شعبًا لا تجري الأمثال على لسانه، لكن المشكلة أن البابليين والآشوريين لم يجعلوا من المثل الشعبي جنسًا أدبيًّا مستقلًّا كما فعل السومريون، وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن علماء العصر الكشي المتأخر — الذي جاءتنا منه معظم النصوص الأدبية البابلية — كانوا ينظرون فيما يبدو بازدراءٍ شديد إلى الأدب الشعبي الشائع بين العامة، كما كان لهم رصيدهم الأدبي المأثور من هذا الأدب في نصوصه السومرية التي استغنوا بها عن الأدب الشفاهي. ولم تكشف الحفريات والبحوث الأثرية إلا عن «شذرة» من لوح يرجع للعهد البابلي القديم، بجانب كسرتين عُثر عليهما في عاصمة الحيثيين القديمة «بوغاز كوي» ووجد على إحداهما ترجمة حيثية لبعض النصوص المنقوشة عليها، والشيء الغريب أن مكتبات العصور المتأخرة — مثل مكتبة آشور بانيبال الشهيرة في خرائب نينوى — لم تجُدْ حتى اليوم بلوحٍ واحد عليه حِكم بابلية، باستثناء لوح من ألواح التدريب على الكتابة مع موادَ مختلطةٍ مما يتدرب المبتدئون على نسخه، وكسرة عثر عليها في المدينة السومرية القديمة «نفر» (نيبور) يرجح أنها ترجع للعصر البابلي القديم أو أن تكون نسخة نقلت في العصر الكشي عن نصٍّ بابلي قديم، وقد وجدت عليها الحِكم والأمثال التي تجدها في المتن … (راجع سفر الأمثال ١٠–٤، ١٢–١١، ١٣–٤) وقارن المثل الإنجليزي لا مكاسب دون متاعب، بالمثل المذكور: ما دام الرجل لا يكدح، فلن يحصل على شيء.
٧٥  هذه الأمثال والحِكم وُجدت على لوحٍ مدوَّن باللغة الأكدية — ويبدو أنه نسخة من مجموعات من الحِكم والأمثال البابلية التي لم يصل إلينا سواها، وقد عثر عليه في خرائب العاصمة الحيثية القديمة بوغاز كوي، ويحتمل أن يرجع تاريخه إلى نحو سنة ١٣٠٠ قبل الميلاد، وربما تذكرنا السطور الأخيرة بذلك القول السائر الذي اقتبس إيزوبوس في خرافاته المشهورة على لسان الحيوان عن الفيل الذي وقفت على ظهره بعوضة ظنت نفسها ذات أهمية (راجع هذا النص مع الأقوال السائرة وقارن ردَّ الفيل على البعوضة …) والمثل الأول عن البشر أو مستودع المياه يُذكِّرنا بالمثل السائر الذي يفيد أننا لا نقدِّر قيمة الماء حتى يجفَّ النبع. أما المثل التالي فقارن سفر عاموس: «كما إذا هرب إنسان من أمام الأسد فصادفه الدب أو دخل البيت ووضع يده على الحائط فلدغته الحية.» (الإصحاح ٥–١٩)، وكذلك المثل السائر: من المقلاة إلى النار، وأما المثل البابلي عن الفاكهة التي تنضج قبل الأوان فتجلب الحزن، فقارن بينه وبين المثل السائر الذي يقول إن ما ينضج سريعًا يفسد (أو يتعفَّن سريعًا).
٧٦  هذان المثلان عن اللوح المذكور في التعليق السابق، وهو اللوح الذي دُوِّنا عليه بالأكدية والحيثية.
٧٧  هذا المثل الأخير مع السابق عليه وُجدا على اللوح البابلي المخصَّص للتدريب على الكتابة والمذكور في تعليقٍ سابق.
٧٨  هذا المثل مع الأمثلة التالية مأخوذ من بعض رسائل الملوك الآشوريين التي اقتبسته، وهو مأخوذ من رسالة بعث بها الملك الآشوري شمش-أدو (حكم نحو سنة ١٧٠٠ قبل الميلاد) إلى ابنه يسمح-أدو حاكم مدينة ماري، وهو ينطوي على سخرية الأب من ولده الذي عجز عن الصمود في وجه عدوه وراح يُبدِّد طاقته في مناوراتٍ عقيمة لا تُغني عن المواجهة؛ فكان في رأي الملك كالكلبة التي أخذت تجري هنا وهناك بحثًا عن الطعام لكي تُعجِّل بالتخلُّص من حملها، وكانت النتيجة أن أخرجت للحياة مخلوقاتٍ هزيلةً بائسة.
٧٩  ورد هذا المثل في بداية رسالة وجَّهها الملك الآشوري أسرحدون (٦٨٠–٦٦٩ق.م.) إلى بعض البابليين الذين تمرَّدوا على الحكام الموالين له وبعثوا يشكونهم إليه، ويحتمل أن يكون الملك قد ضرب لهم هذا المثل ليقول لهم إنهم كان من الممكن أن يتعرضوا لعقابٍ أشدَّ، وأنهم في وضع لا يسمح لهم بالشكوى من عُمَّاله الموثوق بهم، شأنهم في هذا شأن كلب صانع الفخار إذا دخل الفرن أو التنور فلن يكون في وضع يسمح له بأن ينبح سيده. والمثل نفسه موجود في الصيغة السريانية من حكم أحيقار (كاتب الملك الآشوري سنحاريب ٧٥٤–٦٨١ق.م.) الذي غدر به ولده، حيث يقول هذا الحكيم لابنه: يا بني، لقد كنتَ عندي كالكلب الذي شعر بالبرد فذهب إلى بيت الفخار ليتدفأ، وعندما أحسَّ بالدفء بدأ ينبحهم (أي عائلة سيده) فطردوه وضربوه حتى لا يعضَّهم. وقد جاءت العبارة في الترجمة العربية عن النص السرياني على هذه الصور: كنت لي يا بني كالكلب الذي دخل إلى فرن الخزافين ليتدفأ، وبعد أن دفئ نهض لينبح على الخزافين (راجع كتاب أحيقار الحكيم، بغداد، مطبوعات مجمع اللغة السريانية، ١٩٧٦، ص١٣٢ والنص من تحقيق المطران غريغوريوس بولس بهنام الذي قدم له وعلق عليه).
٨٠  المعنى غامض، ولا ندري إن كان في الحقيقة مثلًا، وربما قيل على كل حال لتحذير الضعيف من بطش القوي وسلطته وتسلطه.
٨١  ورد هذا المثل في رسالة وجَّهها أحد الكتبة إلى ملكٍ آشوري يُرجَّح أن يكون هو أسرحدون (٦٨٠–٦٦٩ق.م.) ولا ندري إن كانت العبارة الأخيرة جزءًا من المثل أم إضافة من الكاتب المتملِّق لملكه وسيده. وجدير بالذكر أن الكلمتين الأصليتين المستخدمتين في النص للدلالة على المرأة تعنيان «النحاس العاكس».
٨٢  يبدو أن هذا المثل قد قيل على لسان أعداء الملك الآشوري أسرحدون إقرارًا منهم بأنهم لن يستطيعوا الهرب من عقابه، ولعله يشير ضمنًا إلى حكاية كانت معروفة ومتداولة عن الثعلب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤