الاثنين أو الثلاثاء
كسول وغير مبالٍ، بخِفَّة ينفضُ الفضاءاتِ عن جناحَيه، يعرف طريقه، مالك الحزين الذي يمرق فوق الكنيسة، وتحت السماء. أبيض وقَصِّي. مستغرِقٌ مُنشغِل بذاته، إلى ما لا نهاية، حيث السماء تغطي ما تغطي، وتكشف ما تكشف، تتحرك، أو تبقى ساكنةً. بُحَيرة؟ سيطمسُ شواطئها! جبل؟ أوه، يا للكمال — الشمسُ تسيل كالذهب فوق منحدراته. وفي الأسفل تلك الشلالات. وبعد ذلك نباتاتُ السَّرْخس، أو ربما الريش الأبيض، إلى الأبد، إلى الأبد —
التَّوق إلى معرفة الحقيقة، انتظارها، الاجتهاد في استخلاص المعنى من كلمات قليلة تقطُر، الرغبة الأبدية — (صرخة تنطلق جهة اليسار، أخرى جهةَ اليمين. عجلاتُ العربات تضرب ثم تتباعد. الحافلات العامة تكتظُّ في تصارع) — الرغبة والتَّوق الأبدي — والساعة الضخمة تُقسِم مؤكِّدةً بدقَّاتها الاثنتَي عشرة الحاسمة أنه وقتُ الظهيرة؛ الضوءُ يتساقط مثل رقائقِ قشورٍ ذهبية؛ تُظلِّل حشودَ الصغار — إنها الرغبةُ الأبدية تتوقُ إلى الحقيقة. الأحمر قُبَّة السماء؛ عملاتُ النقدِ المعدنيةُ تتدلى من الأشجار؛ ودخانٌ يزحفُ بطيئًا من المداخن مثل الذيول؛ نباح، صياح، هُتافٌ «حديد للبيع» —
والحقيقة؟
مختالًا كطاووس، خفيفًا، كورقةِ شجر — ينجرف نحو الزوايا، يهبُّ كعاصفة على جوانب العجلات، مثل رشَّاش الفِضَّة، وطنٌ أم ليس وطنًا، مجتمِعةٌ أوصالُه، منتثِر، مُبدَّد في قشورٍ مبعثَرة، مُنجرِف في الأعالي، مُنحدِر نحو السفح، ممزَّق ومجروح، غارق، مُحتشِد ومترابِط —
والحقيقة؟
والآن، عليه أن يستجمع ذِكراه جوار المدفأة المثبَّتة على مربَّع الرخام الأبيض. من عُمقِ العاج تطلعُ الكلماتُ وتثورُ وتنفضُ عنها عتمتَها، تُزهِر وتخترقُ دائرةَ الإدراك.
الكتاب يسقط في وهج اللهب، في الدخان، في شرارات الومضة الخاطفة — أو يُبْحر الآن، الساحةُ الرُّخامية تتدلى كالمرمر من المآذن في الأسفل، والبحار الهندية، بينما الفضاء يتدفقُ أزرق مُندفعًا، والنجوم تُومض متلألئةً — الحقيقة؟ أم القناعة والرضا بالنهايات؟
كسول وغير مبالٍ، يعود مالكُ الحزين؛ السماء تحجب النجوم بغلالةٍ شفيفة. ثم تُعرِّيها.