الخال «فانيا»
«أليس يَرون عَبْر كل شيء — الروسيُّون؟ رغم كلِّ أقنعة التنكر الصغيرة التي وضعناها؟ الزهور في مواجهة الذبول؛ الذهب والمُخمَل في مواجهة الفقر؛ أشجار الكَرَز، أشجار التفاح — إنهم يرون من خلالها كذلك،»
في تلك اللحظة دوَّت طلقةٌ نارية.
«هنالك! الآن، ها هو قد أطلقَ النار عليه. إنها رصاصة الرحمة. أوه، لكنَّ الطلقات طاشت! الوغد العجوز، ذو اللحية المصبوغة عند الفودَين في معطفه الأيرلندي ذي المربعات لم يُصَب بأدنى سوء.
… كان ما زال يحاول أن يُطلقَ الرَّصاص عليه؛ وفجأةً، انتصب واقفًا، استدار وارتقى السُّلَّم الدائري وأحضرَ مسدسه، ضغطَ على الزناد. استقرَّت الرصاصة في الحائط؛ ربما في ساق الطاولة. الرصاصة ضاعت سُدًى على أية حال.
«دعنا ننسى الأمر كلَّه يا عزيزي «فانيا». لِنَعُدْ أصدقاءَ كما كنا في القديم،» كان يقول ذلك — والآن، كانوا قد ذهبوا. الآن بدأنا نسمع أجراس الخيول تُجلجِل في البعيد. وهل هذا حقيقي بالنسبة لنا أيضًا؟» قالت ذلك، فيما تتكئ بذقنها على يدها وتنظر إلى الفتاة التي تقفُ فوق خشبة المسرح.
«سوف نستريح،» كانت الفتاةُ تقول ذلك الآن، وهي تُمسِك الخالَ «فانيا» بين ذراعَيها. «سوف نستريح،» قالت. كلماتُها كانت مثل قطرات، تتساقط — قطرة، في إثر قطرة أخرى. «سوف نستريح،» قالتها مرةً أخرى. «سوف نستريح أيها الخال «فانيا».»
وأُسدلَت الستار.
«بالنسبة لنا،» قالت بينما زوجُها يساعدها كي تضع عباءتَها فوق كتفَيها، «نحن حتى لم نقمْ بحشو المسدس بالرصاص. نحن حتى غير متعَبين.»
وفي ممر الجمهور، وقفا ساكنين للَحظة، فيما كانت الفرقةُ الموسيقية تعزف: «فليحفظِ اللهُ الملكَ».
– «أليس الرُّوسُ رهيبين وغيرَ أسوياء؟»
قالت، وهي تأخذ ذراعه في ذراعها.
وتجدر الإشارة هنا إلى مسرحية أنطون تشيكوف Anton Pavlovich Chekhov (١٨٦٠–١٩٠٤م) التي كتبها عام ١٨٩٦م وتحمل العنوان ذاته Uncle Vanya. تشيكوف هو أشهر كُتاب المسرح الروسي وأحد أهم أعلام الفن المسرحي في العالم، كما يُعدُّ مؤسسًا لفن القصة القصيرة الحديثة والدراما النثرية. من أعماله الكبرى الأخرى: الأخوات الثلاث، النورس، وبستان الكرز. مسرحيته Uncle Vanya هي بنية درامية سيكولوجية مركَّبة وقعت أحداثها في روسيا القرن ١٩. تتناول العلاقات الأسرية المعقَّدة بين بروفيسور متقاعد وزوجته الثانية الشابَّة وابنته من زوجته الأولى وأخ الزوجة الراحلة وهو الخال فانيا. نسيج النزعات الإنسانية المتشابكة بين الضعف والوهم والإحباط في اتزان مع خيوط من الجسارة والأمل جعل من هذه المسرحية إحدى علامات تشيكوف البارزة. في متن المسرحية تُسمَع طلقات نارية وليس من جثة تسقط، وتلك هي اللقطة التي جعلت منها وولف بؤرةَ قصتها. (ت)