زوجي، لا أحبك!
أتخيلك الآن يا زوجي العزيز، وأنت جالس على حافة السرير، وعلى وجهك تلك الابتسامة البلهاء الغريبة التي لا تعبر عن شيء.
آه، كم كرهت ابتسامتك! لم أرَ فيها شيئًا، لا الرضا، ولا الضيق، ولا الفهم، لم أرَ لها لونًا، فلا هي صفراء، ولا حمراء ولا خضراء!
لماذا؟ لماذا تعجز شفتاك الرقيقتان عن التعبير؟
أتخيلك وأنت جالس تقرأ اعترافي هذا، وتتسع عيناك الزرقاوان الواسعتان، وتمتلئان سذاجة شديدة وتصرخ بعبارتك المألوفة: «مش معقول!»
كم كرهت نظرتك الزرقاء الضحلة، كأنها حفنة ماء في قاع بركة كبيرة.
أتخيلك يا عزيزي وأنت جالس وساقاك تتدليان على حافة السرير، وقدماك الصغيرتان الناعمتان تقززان عيني وتهتزان وحدهما، بلا سبب، وحينما تصل إلى نهاية اعترافي تهزهما أكثر وأكثر.
لماذا تنزعج يا صديقي لصراحتي؟ ألم تتخيل أن توجد امرأة بهذه الصراحة؟ ولكن لماذا أكذب؟ من أجل الزواج؟ ولكن ما هو الزواج؟ رجل يشتري امرأة! امرأة تبيع نفسها لرجل! في سبيل أي شيء، المؤانسة، ملء الفراغ؟
هل تذكر حينما لقيتك لأول مرة؟ كان ذلك منذ عشر سنوات، عدت من المدرسة يومها فوجدت أمي تنتظرني، وفي عينيها نظرة قلقة، وقالت لي في همس: «مع أبيك في حجرة الاستقبال ضيف.»
وفهمتها رغم أنني كنت في السادسة عشرة، إن ضيوفًا كثيرين يزورون أبي، ولا تهمس لي كما تهمس الآن.
وقلت: «لا! لا أريد أن أتزوج، أريد أن أتعلم، أريد أن أدخل الجامعة، أريد أن أصبح شيئًا!»
«إنني لا أعرفه، إن ملامحه غريبة، غريبة جدًّا، لا أستطيع أن أعيش معه، سأقتل نفسي، ارحموني!»
وبكيت، وصرخت، وضربت الأرض بقدمي، وأضربت عن الطعام، وطفت بالصيدليات أبحث عن سم قاتل، ولكنهم كانوا أكثر قوة مني، أخرجوني من المدرسة وساقوني إليك، كما تساق البهيمة إلى الجزار.
جزاري العزيز، لماذا عجزت عن أن تفهمني؟! لماذا قلت لي في أول ليلة وأنا أبكي: «كل البنات يبكين، كل البنات يتمنعن، ثم ذبحتني!»
آه يا رأسي! أريد أن أنسى! أريد أن أنسى منظر جثتك الضخمة وهي غارقة في بحر من العرق، وعلى فمك تلك الابتسامة البلهاء، وفي عينيك نفس النظرات الخاوية، وقدماك الصغيرتان الناعمتان تهتزان وحدهما، وتبعثان في نفسي شعورًا بالتقزز والغثيان.
ثم نمت، نمت وأنت راقد على ظهرك، وتوقفت قدماك عن الاهتزاز، وبدأت شفتاك ترتعشان، وقلت لنفسي وأنا أرتعد من الخوف: «يا إلهي! لماذا ترتعش شفتاه؟ هل هو مصاب بداء ما؟ آه يا ربي! لماذا تركني أهلي مع هذا الرجل الغريب؟»
واهتزت شفتاك أكثر وأكثر، وانخلع قلبي من الخوف، وخُيل إليَّ أنك مصاب بداء المشي أثناء النوم، والانقضاض على الناس وذبحهم، وتلفَّتُّ حولي في ذعر، أين أختبئ منك قبل أن تقوم وتنقض علي! وفجأة سمعتك تقول شيئًا، وقفزت مذعورة من السرير إلى الأرض، كيف هذا؟ إنه يتكلم وعيناه مغمضتان؟ هل يكلم الشياطين والجان؟ وظلت عيناي مثبتتين على يديك وشفتيك ترقبان أي حركة.
حتى رأيتك تتقلب وتتمطى وتتثاءب، ثم تفتح عينيك، وسمعتك تقول لي: «صباح الخير»، وزال عني خوف الليل حينما رأيت نور الصباح يملأ الحجرة.
جاء أبي وأمي وأقاربي، وسمعتهم يقولون لي مبروك، مبروك علي أي شيء؟! من هؤلاء القوم؟ هل هم أبي وأمي وأقاربي حقًّا؟ أم هم غرباء جاءوا ليطمأنوا على سلامة الذبيحة؟
وبكيت في حجر أمي، وتشبثت بملابسها، وتوسلت إليها: لا تتركيني، لا تتركيني هنا، خذيني معكم، لا أحبه، لا أتصوره، سأموت! وتركوني، تركوني لك، لم أمت كما ترى، فأنا ما زلت أتنفس، وما زلت قادرة على أن آكل وأشرب وأنام، وأنت تسمي هذه حياة، وتتعجب حينما ترى دموعي تسح من عيني، وتسألني وفي عينيك تلك النظرة الباهتة الضحلة: ماذا يحزنك؟ إنني أوفر لك كل شيء، تأكلين أجود طعام، وتلبسين أغلى ملابس، وتسكنين أرقى حي، عندك الخدم، وبيتك كامل من كل شيء، ماذا يمكن أن ينقصك بعد ذلك؟
لماذا تبكين؟ هل أنت مريضة؟
ولم أقل لك شيئًا، وماذا أقول وأنت لا تعرف شيئًا عن الحياة سوى أنها أكل جيد، وملابس ثمينة، وبيت لا ينقصه شيء، ولا تتصور أن شيئًا ما يمكن أن ينغص عليَّ حياتي إلا أن أكون مريضة، آه، ليتني كنت مريضة، فلا آكل ولا أشرب حتى أموت، ليتني كنت مريضة بعقلي، وقلبي، لا أبكي، ولا أفهم، ولا أحس، ولكن ماذا أفعل، وفي أعماق قلب سليم عنيد يريد أن يعيش، وأن يعيش بعنف، لماذا إذن أقتله؟ لماذا؟ دعني، دعني يا صديقي أعش حياتي أنا، لا حياتك أنت، دعني وشأني، فأنا لا أحبك، أنا لست زوجتك! لست قريبتك، لست من فصيلتك، أنا من جنس وأنت من جنس!
زوجي العزيز، هل تريد الصراحة المطلقة؟ إنني أحببت، نعم، أحببت رجلًا، ماذا تقول؟ أنا خائنة؟ لماذا؟ لأنني صادقة لا أكذب، ولكن ماذا تسمي زواجنا؟ إنه خيانة، أكبر خيانة، لنفسي، ولك، وللحياة، ولكل شيء، أتسمي هذه الورقة التي كتبها بخطه الرديء، ذلك الرجل المعمم، زواجًا؟ هل استطعت بها أن تمتلك نفسي وروحي وعقلي وقلبي؟ بل جسدي، جسدي هذا الذي تظن أنك امتلكته؟ إنك لم تمتلكه! لم تحركه! لم تمسه!
إنه يعيش في عذرية دائمة لم تفقده منها شيئًا، لأنها عميقة بعيدة، في أعماقي، ليس في مقدورك أن تصل إليها.
هل كان زواجنا بعد ذلك شريفًا؟ وكيف يكون وهو عقد بيع وشراء بين طرف أول قوي مستكبر، وطرف ثانٍ، ليس له إلا أن يبصم؟
أيها الشريف الغالي، ما هو الشرف؟ أن تبيع المرأة نفسها للرجل في طيَّات ورقة الزواج، ووجبات الطعام الثلاث؟ وما الفرق بينها وبين تلك التي تسميها ساقطة؟ كل منهما تبيع نفسها، ولكن الثمن فحسب هو الذي يختلف.
لا يا سيدي! لست ساقطة! أنا لا أبيع نفسي!
لست رخيصة! هل تعرف ما هو الرخص؟! إنه حياتنا معًا، إنه زواجنا، إنه رجل وامرأة يجتمعان بلا حب، بلا عواطف، بلا قلب، وماذا يبقى لنا بعد ذلك؟
جسد الحيوان؟
لا، لا تغضب يا عزيزي، ولا تَثُر، لمَ هذا الغضب؟ ولمَ هذه الثورة؟ من أجل كرامتك وكبريائك؟ من أجل عرضك واسمك؟ من أجل الناس الذين سيتكلمون ويتكلمون، ولكن ما شأن ذلك كله بي أنا، بما أحسه وبما أفعله؟ ألست «إنسانة» مثلك لي اسمي وكرامتي وكبريائي؟ لماذا لا ينسبون أعمالي إليَّ أنا؟ لا أريد أحد يحمل عني أخطائي، أو فضائلي.
أتخيلك الآن يا صديقي وقد استبد بك الغضب تهز قدميك الصغيرتين الناعمتين في عصبية وتقول لنفسك: ولكنها لا تملك شيئًا، حتى حريتها لا تملكها، إن كل شيء في يدي، أنا الرجل! أعرف ذلك، أعرف أن القانون معك، والناس يقفون في صفك، لأنك الرجل، ولكني أنا لست معك، حتى لو أوثقت قيدي ووضعتني في بيتك وغَلَّقت دوني الأبواب لن أكون معك، لأنني سأجلس في سجني أفكر فيه، وأعيش له، وأحبه أكثر وأكثر، حتى أموت.
لا تسخر يا صديقي، أعرف أنك لا تعترف بشيء اسمه الحب، وكيف تعترف بشيء لا تحسه ولا تفهمه؟ لكني أعترف به، بل لا أومن بشيء آخر في الحياة.
كان ذلك منذ ثلاثة شهور في حفل رأس السنة الجديدة، وحينما رفع رأسه وثبت عينيه في عيني دارت الدنيا من حولي بكل ما تحتويها، رأيت الرجال والنساء يرقصون وينسابون بعضهم وراء بعض كالأشباح الخافتة، وسمعت أصواتهم وضحكاتهم تصل إلى أذني كأنها آتية من عالم بعيد جدًّا.
أما أنت فقد نسيتك تمامًا، نسيت ملامحك، نسيت أنني رأيتك من قبل، نسيت وجودك إلى جانبي، ونسيت أنني تزوجتك وعشت معك في بيت واحد ثمانية أعوام كاملة!
يا إلهي! أهكذا يضيع الزمن بحوادثه وأيامه ولياليه؟! أهكذا يفقد العقل ذاكرته ووعيه؟! أهكذا يفقد الحس ماضيه؟ كيف؟ كيف تتلاشى ثمانية أعوام كاملة من حياتي أمام لحظة قصيرة عابرة؟
ولكن كان هناك بحر، بحر في عينيه عميق، عميق ليس له قرار، وعالم في نظراته واسع، واسع ليس له مدًى، رأيت الدنيا حوله تافهة باهتة ضيقة.
وعرفني، كأنما التقطت نظراته نظراتي كالمغناطيس، عرفني، وفهمني، وأحس بس وأنا أدخل عالمه وأغرق في بحره، وانتشلني في رفق، وضمني في حنان، وتركت له نفسي يحميها، يرعاها، يربت عليها، وأحسست بدموع حارة في عيني، دموع غريبة، ليست كتلك الدموع التي بللت وسادتنا.
ووضعت رأسي على صدره وبكيت، وبكيت بفرح، ورفع رأسي إليه ونظر في عيني وابتسم، وحلقت بي ابتسامته في أجواء غريبة، إنها تحكي له قصصًا وقصصًا، وتروي لي تجارب وتجارب، وأخذني بين ذراعيه وقبلني فضاع وجودي في وجوده، وتلاشى كياني في كيانه.
ثم أفقت، فتحت عيني فوجدتني أعود إلى حفل رأس السنة الجديدة كأنما بعد غيبة طويلة، ورأيت الرجال والنساء يرقصون ويمرحون، ورأيتك تملأ الكرسي الكبير وتنام وأنت جالس، وذراعاك متراخيتان إلى جوارك وقدماك الصغيرتان الدقيقتان تهتزان.
اغفر لي يا صديقي العزيز، اغفر لي صراحتي وصدقي، أنا لا ألومك ولا أعاتبك، فأنت ضحية مثلي، ضحية وهمٍ كبير يعيش فيه الناس ويعيشون فيه بإصرار وعناد.
لماذا؟ لماذا لا يكف الناس عن الأوهام؟ لماذا يغمضون أعينهم عن الحقيقة؟
ولكني لن أدعَهم يصنعون حياتي، سأصنع أنا حياتي، سأرسم مستقبلي، لن أكون عجيبة في أيديهم، لن أعيش حياة مزيفة، وداعًا يا صديقي، وداعًا إلى الأبد.