لعله الحب
منذ سنين طويلة، في كليةٍ تجمَع البنات والأولاد بعد فُرقة عشرة أعوام أو أكثر في مدارس الابتدائي والثانوي، تجمعهم في تلك السن الحادة من عمر الإنسان، تلك الفترة الطائشة المعلقة بين الطفولة الساذجة والشباب الناضج — المراهقة — فترة قصيرة سريعة لاهثة تتأرجح من العمر في الهواء لا ترسو على قدمين.
وفي فناء هذه الكلية الواسع ترى أسراب البنات يمشين بعضهن وراء بعض في سرعة وخوف كأنما ستخطف الحدأة إحداهن!
وترى الولد منهم يبحلق حواليه كالمذهول، يكاد يلتهم بعينيه كل بنت يراها، ويهمس بصوت خافت وبلهجة ريفية خشنة في أذن زميله: «الله يا وله! ده بنات الجامعة حلوين قوي!»
ويظل الأمر في الشهور الأولى من الدراسة معلقًا هكذا بين البنات والأولاد، يتباعدون عن عمد ويتقاربون عن عمد، ويتخابثون في اختلاس البسمات والتقطيبات، وينتهي النصف الأول من الدراسة، ويبدأ شهر أبريل، ويختفي الهواء البارد وتختفي معه المعاطف الواسعة والأكمام الطويلة.
وتسطع الشمس، وتسري حرارة الربيع في السماء والأرض فتظهر الفساتين الهفهافة بلا أكمام والصنادل المفتوحة، ويكون الثلج قد ذاب بين البنات والأولاد، وتبدأ تحيات الصباح والإيماءات والإشارات وتبادل البسمات، وكشاكيل المحاضرات!
ويتطور الأمر يومًا بعد يوم، وتقل الكلفة بين الأولاد والبنات، وتبدأ مراحل الزمالة والصداقات، وتختفي أسراب البنات التي تمشي وحدها، ويختلط الأولاد والبنات، وتكتب مجلات الطلبة مقالات عن الروح الجامعية، وفوائد الاختلاط وتغيير التقاليد القديمة و… و…
كل شيء في الكلية يتطور ويتغير إلا «سعيد»، يجلس كعادته في أول مقعد في أول صف على اليمين، ونظارته البيضاء السميكة تهتز إلى اليمين وإلى الشمال مع حركات الأستاذ الكبير، والقلم الحبر في يده والكشكول مفتوح أمامه، ومن حين إلى حين ينكفئ برأسه حتى يكاد يلتصق أنفه بالورقة، ويكتب.
ولم يكن لسعيد صديق ولا صديقة، حتى في فترات الراحة بين المحاضرات كان يجلس على أريكة بعيدة في الفناء، وينكفئ على المحاضرات يراجعها، وتمر عليه زُمَر الطلبة تمطره بتعليقات ساخرة معظمها حقد على جدِّه واستقامته، أكثر مما هي سخرية من انطوائه.
كانت كل الكلية ضده، تتهكم عليه، وتحكي عنه الأمثال والنوادر، إلا واحدة، فتاة طويلة نحيفة، لونها أصفر شاحب وعيناها السوداوان الواسعتان تنسحبان إلى أعلى كالصينيات، كانت هي الأخرى وحيدة، تدخل وتخرج مع الطلبة في صمت وهدوء لا يحس بها أحد.
وذات يوم كانت تجلس في قاعة المحاضرات حينما سمعت وراءها همسًا عاليًا، كان بعض الطلبة يتنافرون ويسخرون من سعيد، ووجدت نفسها تهمس في أذن سعيد: «ولا يهمك!»
ومن ذلك اليوم وإحسان تحرص على أن تجلس بجوار سعيد، تأتي كل صباح مبكرة وتحجز له مكانًا بجوارها، وحينما يحضر سعيد ويجلس تبتسم له وتقول له في رقة: «صباح الخير يا سعيد.»
ويحمر وجه سعيد ويتلعثم ويفتح حقيبته ثم يغلقها ثم يفتحها ثم يقول بصوت منخفض: «صباح النور يا آنسة إحسان!»
وبعد أيام قليلة تعوَّد سعيد على أن يرد تحية الصباح دون خجل شديد، وأصبح هو وإحسان حديث الكلية، يجلسان في المحاضرات معًا ويخرجان إلى الفناء معًا، وينفردان على الأريكة البعيدة ويراجعان المحاضرات، ويكملان ما فيها من نقص. وكان سعيد بطيئًا في الكتابة، بطيئًا في الفهم، وإحسان سريعة كالآلة الكاتبة، تختزل الكلمات وتفهم المحاضرات بمجرد سماعها؛ ولهذا ارتاح سعيد لهذه الصداقة. لم تعد الكلية شبحًا مخيفًا ثقيلًا، ولا الطلبة «عفاريت» تلاحقه لتسخر منه وتشد منه حقيبته وتنفخ في قفاه. ولم تعد المحاضرات كالطلاسم في نظره، ولا الأساتذة عمالقة بالنسبة له أو جبابرة يركِّبون في حناجرهم أجهزة ذرية للكلام!
أصبحت علاقة سعيد بإحسان أكثر من صداقة، أصبحت حاجة ملحَّة لم يعرفها سعيد إلا حينما غابت إحسان عن الكلية ثلاثة أيام كاملة. نظر إلى جانبه في المدرج فلم يجدها، خُيل إليه أن ليس مقعدًا واحدًا خاليًا بجواره وإنما خرابة كبيرة إلى جواره، وشعر بالوحشة والخوف، وكأن الطلبة والأساتذة سينقضُّون عليه كالوحوش، وأخذ يفكر ماذا يفعل؟ هل يذهب إليها في بيتها؟ لقد أعطته العنوان على قصاصة ورق ذات يوم. وأخرج الورقة الصغيرة من جيبه يحملق فيها، كيف يُقدِم على عمل جريء كهذا، وجلس على الأريكة البعيدة وحده يشد شفته السفلى كعادته كلما تورط في أمر من الأمور.
وأخيرًا وقف وتأبط حقيبته وقرر الذهاب إليها. إنه بدونها ضائع وحيد ضعيف أعزل، كأنما هي التي تحوطه وتكلؤه برعايتها وتحميه، وسار في الطريق يستمع إلى وقع حذائه على الأرض، ويرى المارة كأنهم أشباح متحركة.
وأحس في أعماقه بشعور قاتم غريب، يشبه نفس الشعور الذي أحسه حين مات أبوه وهو طفل صغير، شعور باليتم والضياع، رغم ما كانت تعوضه أمه من حنان ورعاية، وكانت لا تزال شابة في الخامسة والثلاثين. وتذكَّر دموعها ذات ليلة وهي تنام إلى جواره في السرير، ولم يكن قد رأى أمه تبكي من قبل، حتى حينما مات أبوه لم يَرَ لها دموعًا، ولم يدهش «سعيد» لأنه هو نفسه لم يكن يحب أباه، كان يخافه ويرتجف كلما سمعه يُرغي ويُزبد في البيت، وتتكهرب معدته وتتقلص، ويشعر برغبة في القيء والبكاء معًا.
بل إنه ليذكر أنه قال لأمه مرة بعد موت والده: «يعني أفرح يا ماما وأنت كمان تفرحي، فيه واحدة ست قالت إنك فرحانة عشان حتورثي سبعين فدَّان، فدَّان يعني إيه يا ماما؟»
ولم تقل أمه شيئًا، أخذت تربِّت على ظهره حتى استغرق في النوم، ولم يفهم سعيد شيئًا إلا بعد سنوات قليلة. وكانت الليلة التي رأى فيها دموع أمه لأول مرة، كانت تنام بجواره على السرير كعادتها تكلمه عن أشياء كثيرة وتحكي له القصص، ثم رآها تسكت وتمسح دموعها بمنديلها، ونظر إليها في دهشة وهو يقول: «إيه ده؟ إنت بتعيطي يا ماما؟»
وأفهمته أمه ليلتها وهي تبكي أن رجلًا يريد أن يتزوجها، لكنها رفضته لأنها صممت على أن تكرس حياتها لابنها، وأفهمته أيضًا أنهما ورثا عن أبيه سبعين فدانًا وبيتًا؛ ولذا فهي ليست في حاجة إلى الزواج، وأن كل من يتقدم لها لن يكون إلا طامعًا في هذه الثروة.
واحتضن سعيد أمه بكل قوته، وأطبق عليها ذراعيه الصغيرتين وقال لها وهو يبكي: «أنا باحبك يا ماما، الناس كلهم وحشين، أنا مش بحب حد غيرك إنت بس.»
وسمع أمه تقول له وهو يغالب النوم: «خليك شاطر يا سعيد وخد بالك من المدرسة عشان ما حدش يسبقك.»
ومن يومها وسعيد يحس بالنفور من الناس والكراهية لهم، خُيل إليه أنهم وحوش تريد أن تخطف منه أمه، وتستولي على بيتهما وأرضهما، حتى زملاؤه في المدرسة لم يحبهم، ولم يشاركهم اللعب والمرح، كان يجلس وحده ويضع حقيبة كتبه على ركبتيه، ويراقبهم وهم يمرحون. وأصبح يحب المذاكرة؛ فهي ليست إنسانًا حتى يكرهه، وأصبحت هي عمله وهوايته وتسليته حتى وصل إلى الجامعة.
ولم يعرف سعيد كيف تسربت هذه الذكريات إلى نفسه وهو سائر في الشوارع يبحث عن بيت إحسان، وكانت أول مرة في حياته يغيِّر الطريق الوحيد الذي يمشي فيه، الطريق من بيته إلى الجامعة وبالعكس. وأحس أنه تائه غريب وسط عالم واسع ليس له فيه أحد، لكن احتمال عثوره على بيت إحسان شجعه على المسير، وراح يدخل في شارع ويخرج من شارع ويسأل، وأخيرًا وصل إلى بيتها، وأخذ يبحث عن جرس ولم يجد، فنقر بأصابعه في وجل على الباب، وخفق قلبه حين سمع صرير الباب وهو ينفتح، وتظهر طفلة صغيرة ووجهها نحيل وملابسها قذرة، رمقته بنظرة خائفة حادة من عينين واسعتين غائرتين وسألته بحدة: «عاوز مين؟»
فقال لها وهو يمسح جبهته وأنفه: «الآنسة إحسان موجودة؟»
وردت عليه الطفلة بسرعة: «أيوه.»
وجرت إلى الداخل وسمعها تقول بصوت رفيع: «أبله إحسان فيه واحد راجل عاوزك.»
ثم رأى «إحسان» نفسها أمامه في فتحة الباب، وكان يظن حتى هذه اللحظة أنه أخطأ العنوان، ورأى في عينيها مسحة غريبة من الحزن لم يرها من قبل في الكلية، كانت تلبس رداء واسعًا أصفر، وشعرها ملموم داخل منديل أبيض، وبدت طويلة نحيلة شاحبة، بل أكثر طولًا وشحوبًا مما كانت في الكلية، وصافحته بيد باردة، ودخل وراءها إلى حجرة صغيرة فيها بعض الكراسي.
وجلس أمامها ينظر إلى أرض الحجرة ثم قال في تلعثم: «حبيت أطمن عليكي، قلت يمكن تكوني عيانة، قلت لازم برضه أسأل، قلت لازم …»
كان مرتبكًا، وكلماته متقطعة متكررة، كان خائفًا كأنه أخطأ التصرف، وتهوَّر في الاهتمام بها، ولم يعرف أتلومه أم تعنفه، أم تطلب منه الخروج، لكنه سمعها تقول في هدوء وعلى وجهها ابتسامة ضعيفة: «أشكرك يا سعيد، أنا توقعت برضه إنك ح تسأل عني.»
وأعاد صوتها إليه اطمئنانه، إنه نفس صوتها الممتلئ الحاني الذي يحتويه في الكلية ويحميه ويؤنسه ويشجعه، وقال يحاول أن يستعيد هدوءه: «أنا مش عارف، الحقيقة قلت لازم أشوف إنت غبت ليه، يمكن …»
وبلع ريقه وسكت ونظر إليها، كانت تجلس بجواره وعيناها شاردتان تفكر في شيء بعيد، وأخذ يتأملها، رأى صدرها يعلو ويهبط، ولمح لها نهدين صغيرين بارزين يظهران ويختفيان تحت الرداء الواسع، وأحس بسخونة تلسع رأسه وصدره، وشعر برغبة في أن يقترب منها أكثر، ويحوطها بذراعيه، ويدفن رأسه في صدرها ويبكي، لكنه لم يتحرك من مكانه، وإنما اغرورقت عيناه بدمعة كبيرة ابتلعها بسرعة، وقال لإحسان وهو يحاول مداراة شعوره: «على فكرة أنا جبت لك محاضرات النهارده عشان تنقليها.»
وقالت في إعياء وعيناها منكسرتان: «أشكرك يا سعيد.» ورأى لأول مرة منذ عرفها أنها ضعيفة، وأنه يستطيع أن يساعدها. وشعر بفرحة جديدة تغزو قلبه كأنه بلغ سن الرشد وأصبح رجلًا.
وقضى سعيد يومين آخرين في الكلية بلا إحسان، لكنهما لم يكونا كاليوم الأول، اطمأن عليها وتلاشى معظم ضعفه ويُتمه، وقال لنفسه وهو عائد إلى بيته: «أنا رجل قوي مثل كل هؤلاء المتغطرسين.» وعادت إحسان إلى الكلية، واستقبلها بحرارة، وضغط على يدها، وسارا جنبًا إلى جنب في فناء الكلية، حتى وصلا إلى مكانهما المعتاد وجلسا: إزيك النهاردة؟
– الحمد لله.
وسكتا طويلًا، ثم قال سعيد وهو ينبش بحذائه في الأرض: مين اللي فتحت لي الباب؟ أختك؟
– أيوه.
وسكتت لحظة ثم قالت: «أظن ما كنتش تتصور إني فقيرة كده؟»
قال بسرعة: «أبدًا، أبدًا عمري ما فكرت في حاجة زي كده.»
وغابت عنه في شرود طويل، ثم قالت كأنها تكلم نفسها: «كان بابا موظف كويس، وبعدين فجأة جاله شلل ونام في السرير.»
ولمعت عيناها بدموع حبيسة ثم قالت: «مسكينة أمي، ليل نهار تعبانة، إحنا ثلاثة، أخويا الكبير وأنا واختي الصغيرة، أخويا في كلية الطب وبيشتغل بعد الضهر في شركة أدوية، وانا كمان باشتغل في شركة بعد الضهر.»
وكان سعيد يجلس ويستمع إلى صوتها وهي تتكلم في دهشة، ولم يستطع خياله الساذج الذي لا يعرف سوى بيته وكليته أن يتصور أن هناك أناسًا يتألمون ويشقون من أجل رغيف العيش على هذه الصورة، وأن في الدنيا همومًا وأعباء كثيرة. لقد كان يظن أن الاستذكار هو العبء الوحيد الموجود في هذا العالم، فإذا به يجد «إحسان» تحمل أعباء أخرى أخطر من الاستذكار بكثير. وكان يظن أن كل فرد من الناس يسكن فيلا أنيقة، مثل فيلته، ويطل على شارع نظيف مثل شارعه، ويجد في الصباح إفطارًا، وفي الظهر غداء، وفي المساء عشاء، وله حجرة نظيفة وفراش مريح، وأم حنون ترعاه، وتعطيه من النقود ما يريد، وله خدم يغسلون ملابسه ويلبون طلباته.
كان يظن أن هذه أشياء عادية تُخلق عند كل الناس كما تُخلق لهم أذرع وأرجل. وتذكر منظر الحارة القذرة التي تسكن فيها إحسان، وبيتها الصغير المتهدم، وأختها المسكينة ذات النظرات الجائعة الخائفة. والتفت ناحية إحسان، ورآها تجلس شاحبة نحيلة شاردة، وشعر برغبة في أن يمسك يدها ويضغط عليها ويقول لها: «معلش يا إحسان، بلاش تزعلي نفسك، تعالي عيشي معايا، أنا عندي بيت وعندي سبعين فدان، وعندي فلوس كتيرة قوي.»
لكنه لم ينطق بحرف واحد، لم يتحرك لسانه في فمه، كان يريد منها أن تتكلم، أن تشجعه كما كانت تشجعه دائمًا، لكن إحسان ظلت صامتة. كانت تحس أنها بعد أن كشفت حالتها أمامه أصبحت ضعيفة عاجزة فقيرة، تحتاج إلى شفقته وعطفه. لم تعد إحسان القوية التي تدافع عنه وتساعده وتقويه، وسألت نفسها أتراها أحبته؟ ولم تعرف الجواب، كانت تشفق عليه من انطوائه، وتآمر الطلبة عليه، أرادت أن تساعده وتحميه، تمامًا كما تفعل مع أبيها المشلول المريض، لكنها الآن عاجزة عن أن تمنحه شيئًا، لقد زال عنه انطواؤه وخجله وضعفه، وأصبح مثل باقي الرجال، وخُيِّل إليها أنه بصَمته هذا يعبر عن استيائه لفقرها، ربما كان يظن أنها غنية، ربما كان يطمع فيها، ربما، ربما.
ولم تُطِق إحسان مزيدًا من الظنون؛ فوقفت وأمسكت حقيبتها، ونظرت إليه ثم قالت وهي تعطيه يدها: «طيب يا سعيد أنا مروحة البيت.»
وصافحته وانصرفت، ووقف ينظر إلى ظهرها، وشعر برغبة في أن يجري خلفها، ويمسكها من يدها ويقول لها: لا تذهبي، لا تتركيني، إني أحبك، تعالي نَعِشْ معًا، لكنه تسمَّر في مكانه كالتمثال وظل يتابعها بنظراته حتى اختفت في الشارع الواسع.
وفي اليوم التالي غيرت إحسان مكانها في المدرج، بعيدًا عن سعيد ولم تقل له صباح الخير، ولم تحاول أن تسلم عليه بعد المحاضرة.
وكثر همس الطلبة: إحسان وسعيد اتخانقوا، زعلوا، يا عيني! شوفوا سعيد رجع غلبان تاني! لكن ليه؟ إيه السبب؟ لعلها لم تحبه، لعله لم يحبها، لعل …
وكان سعيد يسأل نفسه: إيه السبب؟ ولا يجد لديه الجرأة ليذهب إلى إحسان ويسألها، إنها تتجاهله، لعلها كانت لا تحبه، لعلها أحبت شخصًا آخر، لعل … لعل …
وتفككت علاقتهما، واتسعت الفُرقة بينهما، وتراصَّت بينهما كالمتاريس كلمة «لَعَلَّ»، هي تقول «لَعَلَّ»، وهو يقول «لَعَلَّ»، وطلبة الكلية يقولون «لَعَلَّ». ولم يعرف أحد الحقيقة أبدًا، حتى بعد أن تخرجوا واشتغلوا، وكبروا، وتزوجوا، وأنجبوا، لم يفهموا الحقيقة. وكلما جاءت سيرة الكلية وأيام زمان وسنين المراهقة والحب الأول، و… و… يبتسمون في سخرية ويقولون لأنفسهم: كانت أوهام، كلام فارغ، طيش.
وينظرون إلى أبنائهم في حذر ومكر ليكتشفوا مقدار ما ورثه أبناؤهم من هذه الأوهام، وهذا الطيش.