الرسالة العاشرة١
يا أخي:
أظهرْتَ لي شدة أسفك لمغادرتك الحياة دون أن تترك أثرًا أدبيًّا يَذْكُره الناس بعدك فيترحمون عليك، ولكن لَسْتَ وحدك قضيت هكذا، بل كثيرون مثلك قضوا نَحْبَهم دون إظهار نبوغهم.
الحقَّ أقول لك: إذا استترَتْ مواهبك عن الناس، فإنها غير مستترة عن تلك القوة المبدعة، التي لا يفوتها علمٌ عن دخائل مبدَعاتها.
فكما يعلم الكيماوي بدقةٍ جميعَ أجزاء مُرَكَّبَاته، هكذا هي عليمةٌ بخفايا قلبك، ودخائل ذهنك.
إن خلودك تجاه المبدع أبقى لك من الخلود في أذهان البشر، وفي صفحات الكتب، وعظمة نفسك المستمَدة من نُبْلك، وحُسْن سجاياك أبعد أثرًا من كل عظمةٍ وأثرٍ.
وفضلًا عن ذلك: إن أخاك الذي عاشرك طيلة حياتك، وامتزج بك امتزاجًا أدبيًّا، وَسَبَرَ غَوْر ذهنك، ودرس خفايا قلبك وحُسْن نيتك، لا ينفَكُّ يكتب عنك كتابةً حقَّةً، ويُعَرِّفك إلى الناس تعريفًا صحيحًا.
يا أخي:
أنا عالم أنك بغنىً عن كتابتي وتعريفي، ولا حاجة لك، ولا نفع بكل ما يخطه يراعي؛ لأن الدنيا كلها أصبحت في نظرك خِرقةً باليةً، لا مقام لها في نفسك، ولا شأن لذكرها في ضميرك.
ولكني أنا أخوك المفجوع بك، أكتب عنك ما أكتبه تهدئةً لعواطفي، وإرضاءً لنفسي؛ لأن عزائي قائمٌ في إحياء ذِكْرك، وسلواي في التحدث عنك.