الرسالة الرابعة عشرة١
يا أخي:
أوصيتني بنقل رفاتك إلى الوطن، وحَتَّمْتَ عليَّ أن أضع بقاياك في اللحد الذي يضم بقايا الوالدة، التي قامت بمهمة تربيتنا أفضل قيامٍ.
لم أزل أَذْكُر أن موت الوالدة أثَّر بك تأثيرًا عظيمًا؛ لأنك كنت تتمني أن يمدَّ الله بعمرها لتراك شابًّا كما رأتني، قائمًا بواجباتك نحوها، شأن كل ولدٍ بَرٍّ، يحترم أبويه ويعطف عليهما.
أما وقد ماتت قبل أوانها، واستحالت عليك مجاورتها في الحياة، فأحببْتَ أن تجاورها ولو في أحشاء الأرض لتختلط عظامك بعظامها، وتتحد ذَرَّاتك بذارتها؛ لعل الأرض التي هي أمُّ كل ذي حياة ينفخها المبدع من رُوحِه، فتتمخض بكما، وتعيدكما إلى الحياة، كما كنتما خير أمٍّ لخير ولدٍ.
يا أخي:
لقد تَعَذَّر عليَّ نقل رفاتك إلى الوطن حالًا؛ لأن الحكومة المكسيكية لم تَسْمَح بذلك إلا بعد مرور سبعة أعوام على وفاتك؛ ولهذا السبب لم تَزَلْ حتى الآن مستقرًّا في ضريحك، تحضنك تراب العاصمة التي أحببتها كثيرًا، وتحنو عليك عن أخيك أشجارُها، وتنوح فوق رمسك عن أبيك وعقيلة أخيك وشقيقتيك حَمَامُها وسائرُ أطيارها.
نَمْ مطمئنًّا في لَحْدك، فمتي حان الأوان أستجلب رفاتك، لا لأضَعَها فقط في لحد أمك، بل في جوف تابوتها وبين عظامها. وإذا لَمْ أَبْقَ حيًّا تقوم عيلتي مقامي؛ لأن كل ما يتوجب عليَّ قضاؤه يتوجب عليها.