الرسالة الأولى١
يا أخي:
منذ تسعة أشهر اخْتَرَمَتْك المنون يا أخي، وحتى الآن لم أقدر أن أكتب كلمةً واحدةً في رثائك.
إن الحزن الشديد الذي استحوذ عليَّ من جراء فَقْدِك قد أجهز على دماغي، وجعله مُشَتَّتًا لا يقوى على التعبير عن شدة انفعالي، وتأثُّري لموتك.
يا جناحي الوحيد: كنت أُؤَمَّل أنك ترافقني في الحياة، وتُغْمِض جفني عند الممات، وتكون عضدًا لِوَلَدَيَّ؛ لما بيني وبينك من تَفَاوُت في السن، ولكن الموت الذي لا يرحم كبيرًا ولا صغيرًا، قد قَصَفَ جناحي، ودكَّ معالم آمالي وأحلامي.
إن دمعي الذي ينهمر عفوًا عند ذكراك لهو أبلغ من قلمي في التعبير عن آلامي الجسدية، وجَنانِي الذي يَخْتَلِج اختلاجًا عند التأمل بك لهو أفصح من لساني في وَصْف هواجسي النفسانية.
يا أخي:
يتجدد شجني كلما فَكَّرْت بأن الطبيعة كانت قاسية عليك؛ لأنها أَرْدَتك قبل أن يحمل وَرْدُ شبابك زهرًا، وغُصْنُ حياتك ثمرًا.
إنَّ حُكْمَها — وايم الحق — هو حكم القوة على الضعف، حُكْم يشمل في هذا الكون كل ذي الحياة.
إلى اللقاء يا أخي، إلى حيث تتجدد الأرواح والأجساد.