المراثي
إلى روح فقيد الشباب اللبناني المأسوف عليه طانيوس حسن نادر الشرتوني
إلى فقيد الشباب طانيوس حسن الشرتوني
زفرة على المرحوم طانيوس حسن الشرتوني
وبعد أن وصف خلال الفقيد أَجْمَلَهَا قائلًا:
إلى أن قال مشيرًا إلى شقيق الفقيد:
ثم قال في الختام:
عواطف ودموع في رثاء المرحوم طانيوس حسن نادر الشرتوني
دمعة حرى
على شاعر العرب في المكسيك المأسوف عليه، الأستاذ محبوب الخوري الشرتوني صاحب جريدة الرفيق، الذي انتقل إلى رحمة الله في مكسيكو نهار السبت الواقع في ٢٧ حزيران سنة ١٩٣١.
يا أخي محبوب.
يا أستاذي في الحداثة، ويا صديقي في الشباب، ورفيقي في ديار الغربة.
يا أعز الأقرباء، وأنبغ الأنسباء.
يا محبوبُ، لم تَنْشُف بَعْدُ دمعتي على أخي طانيوس حتى فَجَعَنِي الموت بك، ولم تلتئم بعْدُ جراحاتُ نفسي الدامية حتى نُكِثَتْ ثانيةً بسهام خَطبك.
يا محبوب، يا شاعر الإلهام والعواطف.
لقد اخْتَرَمَتْكَ المنون، ولم تَعْطِف على شبابك، مع أنك كنت مشهورًا بجميل عطفك وحنانك، ولم ترحم أيضًا عقيلتك الثكلى، ولا طفلتيك الصغيرتين اللتين تيتَّمَتَا قبل أن تُرَسَّخ مَلَامِحُك الجميلة في ذِهْنَيْهما، مع أنك كُنْتَ في حياتك ترحم المظلومين، وتنصر البائسين.
يا محبوب، يَحَارُ عقلي كُلَّما تأملت في هذه الحياة، وفي الطبيعة.
تراني أتساءل: لماذا يحيا الباغي طويلًا، ويعيش الطاهر قليلًا؟! لماذا تمنح الطبيعة القوة للمستبدين، والسلطة للظالمين؟! لماذا؟! لماذا؟!
ولكن لسوء الحظ لا أدري لماذا؟ ولا أَحَدَ يدري حتى الآن سِرَّ هذه الحياة، ولا كُنْهَ هذه الطبيعة.
يا محبوب، يا رافع لواء الأدب العربي في المكسيك، أنا — ما عِشْتُ — لا أنسى بديع منظومك ومنثورك، ولا أنسى أبدًا تلك الوقفات الخالدة، التي كُنْتَ تقفها على منبر الخطابة في مكسيكو.
إن معظم أبناء سوريا ولبنان في تلك الجمهورية النائية يردِّدُون بإعجاب أشعارك الخالدة، ويتغنَّوْن بها في منتدياتهم ومجتمعاتهم، ويفاخرون بأدبك الجم، كم يتفاخرون بشمائلك الغراء، ومبادئك القويمة!
يا محبوب، لم تكن فقط بدرًا لامعًا في أفق الأدب والشعر، بل كنت هكذا أيضًا لامعًا في حياتك العائلية، وفي صفاتك النبيلة؛ لأنك كنت زوجًا أمينًا، وأبًا حنونًا، وشهمًا أبيًّا، وصديقًا وفيًّا.
يا محبوب، يا صاحب الرفيق، على مَنْ تَرَكْتَ رفيقك؟ هذا الذي كان يَحْصُد من حَقْل ذهنك ويرتوي من ماء يراعك، ثم يُغَذِّي الناس من نِتَاجِ أدبك، ويسقيهم من كَوْثَر نبوغك.
والآن بعد أن يَبِسَ حَقْلُك، وجَفَّ مَعِينُك، فمن أين يَجْمَع الرفيق غذاءً وماءً ليطعم الجياع، ويسقي العطاش على مائدة الأدب والمعارف؟
وأنت وحدك كُنْتَ مَعِينَه وغذاءه وروحه، وهل يحيا الرفيق بعدك بلا معينٍ، ولا غذاءٍ ولا روحٍ؟ لا.
فكما كان الرفيق بالأمس حيًّا بك، أصبح اليوم مائتًا بموتك.
رحمك الله يا محبوب، ورحم رفيقك، الذي كان نجمًا ساطعًا في عالم الصحف والأدب.
فما كان الرفيق إلا أنت، وما كُنْتَ أنت إلا رفيقك.
يا محبوب، ليست شرتون وحدها اليوم ترثيك وتبكيك، بل يرثيك ويبكيك كل ناطقٍ بالضاد، قرأ نفثاتك الرائعة، وخَبَرَ أدبك الجم.
إن أُدَبَاء لبنان كلهم صُعِقُوا لفقدك، وأكبروا خسارة الصحافة والأدب بك، وأمَّا أنا فلا تَسَلْ عن شدة حزني عليك، فهو يوازي حُزْنِي على أخي الراقد بجوارك في لحده.
فسلامٌ على ضريحَيْكُما، وعلى المكسيك التي تحضن ثراكما، ورحمات الله وبركاته عليكما.
في ٣٠ حزيران سنة ١٩٣١