الرسالة السابعة١
يا أخي:
ذَكَرْتَ لي قَبْل وداعك الحياة أنك لا تخاف الموت؛ لأن الموت حياة.
ومن يتعمق قليلًا في درس الطبيعة يرى كلَّ الحق بيدك.
هذه سنابل القمح المكدسة على البيادر في أيام الحصاد، لا تُظهِر للناظر إليها غيرَ يُبْسها، وعدم وجود ماء الحياة في عروقها، ولكنها بالحقيقة لم تَمُتْ؛ لأن الحياة لم تَزَلْ كامنةً في جوهر الحب، الذي يعود متى حان الأوان إلى تجديد انتعاشه، وإحياء نضارته. وهكذا — نحن البشر — نموت لنحيا.
يا أخي:
أنا واثقٌ أنك بالحقيقة لم تمت، بل خلعت ثوبك فقط، وأخفيت في ذاتك جوهر حياتك.
والآن، جاء الربيع وانتعشت الأزهار بعد موتها، وقامت تُجَدِّد حياتها، أفلا تستيقظ من سُباتك، وتنتعش مثلها لتجديد حياتك.
أو أنك — بالأحرى — بُعِثْتَ منذ وفاتك، ومُنِحت عالمًا جديدًا أفضل من عالمنا، وحياةً جديدةً أشد بهجةً وأكثر كمالًا من حياتك التي فَقَدْتَهَا.
يا أخي:
لا أحد يعلم في هذا الكون، مَن الفائز في معترك الحياة؟ هل البالغ الثمانين، أو المائة من العمر، أو المائِتَ في عهد الطفولية وأوائل الشباب؟!
وأما أنا فيلوح لي أن المسرع في عَدْوِهِ يبلغ ضالة الحياة عاجلًا، وأما البطيء السير فلا يَبْلُغها إلا بعد عجزٍ وعناءٍ جزيلٍ.
إني أتمثل الحياة كالماء، تزداد في تجديدها صفاءً، وفي تكريرها نقاءً.
والكمال وحده محجة الحياة، والاتحاد بالمبدع نهاية سبيلها.