كلمة الحكم
وكلمة الحكم كما وردت في مواقعها من القرآن الكريم، دليل آخر على تمكن الحرية الديمقراطية من العقيدة الإسلامية.
فحكومة الكون صورة للحكومة المثلى في هذه العقيدة، وهي حكومة تجري على سنة وتقوم على حجة وتقدم البلاغ قبل الحساب.
أما كلمة الحكم فقد وردت في آيات من القرآن الكريم تعد بالعشرات، ودلت في مواقعها المتعددة على أن مسألة الحكم المنصف مسألة أساسية جوهرية في العقيدة الإسلامية، وليست بالمسألة العرضية التي يشار إليها مرة هنا ومرة هناك، مضافة إلى غيرها من الدواعي والمناسبات.
-
فَالْحُكْمُ لِلهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.
-
وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.
-
وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ.
-
فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
-
فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ.
-
قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ ۗ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ.
-
إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ.
-
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
-
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ.
-
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.
-
وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
-
فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
هذه الكلمة ومشتقاتها قد وردت في أغراض شتى من شئون الدنيا والدين، ووردت كلمة الحكم بمعنى الحكمة في مواقع عدة، وعنينا في هذا الفصل بالإشارة إلى الكلمة من غير توسع في تفصيل الآيات؛ لأن تكرار الكلمة في المواضع المتعددة كافٍ وحده لبيان أصالة الحكم في العقيدة الإسلامية، وأنها توحي إلى ضمير الإنسان أن وراء كل بغي حكمًا ووراء كل خلاف حكمًا ووراء كل هوى حكمًا، ووراء هذه الأحكام جميعًا حكم الله أحكم الحاكمين وخير الحاكمين.
إن هذه الكلمة كبيرة الدلالة بمعناها وكبيرة الدلالة بتكرارها في مواقعها، فليس الحكم الصالح فضيلة عرضية يحث عليها الدين في مقام الحث على الفضائل المستحبة، ولكنه أساس لا ينفصل عن مسائل الحياة، وملاذ يعاذ به في كل كبيرة وصغيرة، وقضاء يسري في طبائع الأشياء وعلى جميع الأشياء، ولا يتكرر التنويه بالحكم والتحكيم، ويتكرر معه وصف الحكم بالقسط وتحذير الحاكمين من الهوى إلا ليثبت في أعماق الضمير أن هناك «حصانة» للأحياء تجل عن عبث الأهواء وطغيان الأقوياء.
قالت عجوز مرة في عاصمة من عواصم الغرب، وهي تطمئن إلى المصير بينها وبين عاهلها الكبير: «إن في البلد قضاة».
ويؤمن المؤمن بحكومة الكون على هذا المثال فيحق له أن يقول: إن في الكون حكمًا وإن للحكم سنة، وإن قضاء الحق فوق قضاء الأقوياء.