«الحلم والواقع» لبرديايف١
قد يكون في وُسع التفسيرات الاجتماعية أن تعلِّل ظهور مذهب فلسفي كالوجودية من حيث هو ظاهرة فكرية عامة تتمثَّل في عصرٍ معيَّن، ولكن هذه التفسيرات تعجز قطعًا عن أن تعلِّل سبب إيمان هذا الشخص أو ذاك بالمذهب الوجودي؛ فتحمُّس شخص معيَّن — دون غيره — للمذهب الوجودي هو أمرٌ لا يعلِّله إلا التكوين الفردي لهذا الشخص، والظروف الفردية التي مر بها في حياته، ومن المؤكد أن مؤلِّف هذا الكتاب — وهو الفيلسوف الروسي نيكولاي برديايف — هو شخص توافرت له جميع الصفات التي تحتِّم على المرء — إن كان مفكرًا — أن يسير في الطريق الوجودي، والأهم من ذلك أنه يشعر شعورًا تامًّا بوجود هذه الصفات فيه، ويحلِّلها ويعرضها بطريقة دقيقة في كتابه هذا الذي هو ترجمة ذاتية لحياته، وتحليل فكري وفلسفي ونفساني عميق لذاته في نفس الوقت.
فالنزعة الفردية — التي هي من أهم خصائص التفكير الوجودي — تتمثَّل في برديايف منذ اللحظة الأولى لحياته؛ إذ إنه أرستقراطي النشأة، عرف أفراد كثيرون من أسرته حياة الرهبنة، ويصف هو نفسه نزوعه إلى الفردية وصفًا دقيقًا، حتى لقد اعترف بأنه يكره التشابه العائلي ويكاد يراه أمرًا مشينًا (ص١٤)، وهو اعترافٌ غريبٌ يكشف لنا عن نفسيةٍ بلغ من كراهيتها لأي عنصر مشترك بين الناس أنها تأنف من أن يكون الشخص شبيهًا بأخيه أو أبيه!
ولكن ربما كان الأغرب من ذلك قول برديايف أنه شعر منذ اللحظة الأولى لولادته بأنه نزل عالَمًا غريبًا عنه، وأحس بالتصدُّع في موقفه من العالم والحياة، وخاض معاركه مع العالم «لا بوصفي إنسانًا يريد أو يستطيع أن يغزو هذا العالم ويُخضِعه لنفسه، بل باعتباري شخصًا يريد أن يحرِّر نفسه من هذا العالم، ويرفض تسلُّط هذا العالم على حياة الناس» (ص٢٢). وبعبارةٍ أخرى فأنت تشعر منذ اللحظة الأولى أن نزعة برديايف الفردية تصل إلى حدِّ أنه يتمنَّى ألا يكون إنسانًا يعيش في عالم الناس، وإنما كان يود لو كان مخلوقًا ملائكيًّا أو شيئًا آخرَ غير البشر، وليس هذا الذي نقوله مبالغة، وإنما هو أمر يطالعك مرارًا على صفحات الكتاب؛ فهو ينفر من الجسد الإنساني ويقول: «وأنا أتمتَّع بجسدٍ قوي حسن البناء، ولكن أشعر بنفور من وظائفه الفسيولوجية» (ص٣٣). ويقول أيضًا: «إن احتياجات الجسد لم تَبْدُ لي ذات أهمية على الإطلاق» (ص٣٥). وهو يصف الجنس بأنه «غير صحي وغير نقي»، وكذلك بأنه «دليل على الوضع الساقط للإنسان» (ص٧٥). ويلخِّص موقفه في هذه المسألة كلها بقوله: «لم أشعر إطلاقًا بأنني جزء من العالم الموضوعي، أو بأنني أحتل فيه مكانًا محددًا أو مركزًا معيَّنًا» (ص٤٣). وهذا هو موضع الغرابة في هذا النوع من الكتاب، وهو أيضًا موضعُ الطرافة في قراءة مؤلفاتهم؛ ذلك لأن من صفات الإنسان الحق أنه يود أن يعلو على إنسانيته، غير أن الشخص السوي يفعل ذلك من خلال إنسانيته ذاتها، أعني أنه يتجاوز الإنسان بقدرات الإنسان ذاتها، أما الشواذ من ذوي النزعات الفردية فإنهم يرفضون الوضع الإنساني بأكمله، ويتمنون لو كانوا شيئًا أعلى من الإنسان، ولما كانت وظيفة كل فلسفة وكل نشاط روحي بوجه عام، هي أن تحلل مشكلات الإنسان ذاته، بكل جوانبه المادية والروحية، الجسدية والعقلية، وتحاول الإتيان بحلولٍ تلائم الإنسان في وضعه الحالي؛ فإنا نستطيع أن ندرك إلى أي حدٍّ تبتعد الفلسفات الفردية المتطرفة عن الهدف الصحيح للفلسفة ذاتها، ومع ذلك فإن هذا الابتعاد ذاته من أسباب طرافة هذه الطريقة في التفكير؛ فهي تمثِّل تجرِبةً غير مألوفة يستمتع الإنسان بالاطلاع عليها حتى لو لم يكن يقبل كلَّ ما فيها من مضمون فكري.
ويطبق برديايف موقفه العام — وأعني به «رفض العالم» — على مختلف المجالات التي يندمج فيها؛ فهو أولًا متباعد عن الحياة: «كنت أشعر دائمًا بأنني على مسافةٍ مما يدعونه عادة بالحياة، والحق أنني أبغض تلك الحياة المزعومة بغضًا إيجابيًّا» (ص٣٣). وهو ثانيًا متباعد عن الناس نَفُورٌ منهم: «ولقد قطعت صلتي دائمًا بكل جماعةٍ انتميت إليها، ولم أستطع قطُّ التكيُّف مع أي تجمُّع، كما لم أتمكَّن إطلاقًا من مجاراة التيار السائد حولي، أو الخضوع لأي إنسان أو لأي شيء» (ص٢٦). وعندما اندمج — رغمًا عنه — في تلك التيارات الاجتماعية العاصفة التي اجتاحت روسيا في الربع الأول من القرن العشرين، تصارع في نفسه من المتناقضات ما جعل من المستحيل عليه أن يندمج في أية جماعةٍ أو أي مذهب؛ فهو أولًا أرستقراطي يعتز بأرستقراطيته «ولا مناص من الاعتراف … بأن طريقة الحياة الوحيدة التي خُلقتُ لها هي حياةُ الجنتلمان الروسي الريفي، فما زلتُ — بمعنًى من المعاني — أعتز بهذه الحياة وأشعر بالحنين إليها حتى اليوم» (ص٢٧). ولكنَّ لديه من جهةٍ أخرى ميولًا اشتراكية حتَّمتها طبيعة العصر الذي عاش فيه، ولم يستطع برديايف أن يتغلب قطُّ على هذا التعارض بين النزعات المحافظة والارتباطات الإقطاعية، وبين الميول التقدُّمية الاشتراكية في تفكيره. وفي هذا التعارض نمت شخصيته، وإليه ترجع مأساةُ حياته.
فهو من جهةٍ عدوٌّ للثورة الشيوعية التي نَفَتْه من بلاده، ولكنه من جهةٍ أخرى لا يعطف على النظام القديم، ويؤمن بأن ذلك النظام كان يجب أن يزول، وهو أثناء إقامته في ظل النظام الشيوعي، يهاجم الشيوعية بعنف في سبيل الدين، أو في سبيل حرية الروح بوجه عام: «فإذا كنت أعارض الشيوعية، فما ذلك إلا على أساس حرية الروح، لا لأنني أرغب في الإبقاء على هذا النظام الاجتماعي أو السياسي أو ذاك» (ص٢٣٤). ومع ذلك فإن هذا الذي طُرِدَ من روسيا السوفييتية بسبب ميوله الدينية التي كان يدعو إليها علنًا في كل اجتماع يقصده، لم يشعر بالراحة في الاجتماعات التي كانت تقيمها الطوائف الدينية في المنفى (ص٢٥٥). وبالمثل فإنه رغم كونه قد نُفِيَ لميوله اليمينية في السياسة، يتحدَّى شعور المهاجرين أو المنفيين اليمينيين بآرائه اليسارية، ويقف منها موقفًا مضادًّا معاندًا، فيقول إن «الموقف الذي اتخذته الغالبية العظمى من المهاجرين يجعل الاتجاه نحو اليسار بالنسبة إليها لا يزيد عن كونه مجرَّد احترام أولي للذات» (ص٢٧٠).
وهذه الفقرة الأخيرة تكشف عن صفةٍ أساسيةٍ في شخصيته، هي المخالفة لأجل المخالفة؛ فهو مع الماديين متدين، ومع المتدينين مخالف للدين، وهو بالنسبة إلى عائلته المحافظة الرجعية ثائرٌ سياسي، وبالنسبة إلى الثوار محافظٌ رجعي، والذي يحدث عادةً هو أن النقاد يصفون هذا النمط من الناس بأنه لا يريد أن يكون في هذا الجانب أو ذاك، وإنما يريد أن يكون نفسه فحسب، ومع ذلك فالأمر يصل ببرديايف إلى حدِّ ألا يكون نفسه أيضًا؛ فهو في كل أوصافه لذاته يُبْدِي عدم الرضا عن نفسه، ولا يفخر بشيء من خصاله، وكتبه كلُّها لا تعجبه فيؤكد «أن شيئًا منها لا يرضيني في نهاية الأمر»؛ فهو إذن شخص نافر حتى من نفسه، ولعل هذا ما يفسِّر قوله إن ميوله الحقيقية تتجه نحو الفوضوية (ص٣٠٧)، وتأكيده قرب نهاية الكتاب أنه يجد نفسه «ممزقًا»، ولا يرى حلًّا قاطعًا حاسمًا (ص٣١٢).
فإذا حاولنا أن ننفذ إلى شيء من المضمون الفعلي لتفكيره من وراء هذا التمزُّق والتناقض الذي لا يحل؛ لوجدنا فكرةً أساسية تتردَّد في كل تعبيرٍ له عن فلسفته الخاصة، هي فكرة الحرية، ومن الطبيعي — بعد كل ما رأيناه عن تكوين برديايف النفسي ومزاجه الشخصي ونظرته العامة إلى الحياة — أن تكون فكرتُه عن الحرية فكرةً غير مألوفة على الإطلاق؛ فهو أولًا يحدِّد موقعها العام في فلسفته فيقول: «فالحرية هي المصدر الأول للوجود وشرطه، ولقد وضعتُ الحرية بدلًا من الوجود في أساس فلسفتي» (ص٥٥). ثم يبدأ في تحديد مفهوم الحرية عنده فيقول: «وقد وجدت من نفسي الشجاعة في الإعراض عن أشياءَ كثيرةٍ في الحياة، ولكنني لم أتخلَّ مطلقًا عن أي شيء باسم الواجب أو خضوعًا للأوامر والنواهي»؛ ففهمه الخاص للحرية إذن يعد الخضوع للواجب قيدًا ثقيلًا يتنافى مع الحرية الصحيحة، ويبدو هذا الفهم غريبًا من الوجهة الفلسفية إذا أدركنا أن فيلسوفًا مثل «كانْت» يرى أن الحرية تتمثل أوضح ما تكون في أداء المرء للواجب، ويضع مجال الواجب والحرية في مقابل مجال الطبيعة والحتمية، ويزداد العجب إذا أدركنا أن برديايف — الذي ينادي بحريةٍ يُعَدُّ أداء الواجب عبودية بالنسبة إليها — من أشد المعجبين ﺑ «كانْت»، وبتمييزه الأساسي بين نظام الطبيعة ونظام الحرية.
وهو ينزع عن الحرية أي مضمون سياسي أو اجتماعي؛ فالحرية عنده «ليست ديمقراطية بل أرستقراطية، (وهي) لا تعني الجماهير الثائرة وليست ضرورية لها، بل إن عبء الحرية أثقل من أن تحتمله تلك الجماهير، والوجود الإنساني خاضع لرمزَي الخبز والحرية ممزق بهما، والثورات في أغلب الأحيان ترفض الحرية باسم الخبز» (ص٢٢٣). ولا مفرَّ لي هنا من أن أتساءل: لماذا نضع هذا التقابل الأساسي بين الخبز والحرية؟ أليس الخبز ذاته حرية؛ أعني تحرُّرًا من الجوع، وهو أول أنواع التحرُّر، والشرط الذي لا غناء عنه لاكتساب أي نوعٍ آخرَ من الحرية؟ وما قيمة الحرص على حرية الثقافة وحدَها إن لم يكن الخبز موجودًا، أعني إذا كانت الأغلبية جائعة؟ لنفرض أن مثقفًا مخلصًا خُيِّرَ بين هذا الأمر وذاك، فأيهما ينبغي عليه أن يختار؟ إن أفضل الأمور — بطبيعة الحال — هو الجمع بين الحريتين، ولكن ينبغي أن نذكر على الدوام أن الخبز ليس مضادًّا للحرية وإنما هو شرطها الأساسي، وإن على المثقف أن يحارب في سبيله مثلما يحارب في سبيل أيةِ حريةٍ أخرى.
ومن الطبيعي — ما دامت هذه هي طريقة برديايف في فهم فكرة الحرية — ألا يجد مكانًا لنفسه بين كل جماعات الثائرين الذين نادَوا بشعار الحرية في أوائل القرن العشرين. والواقع أن كتابه هذا وثيقةٌ هامة في تاريخ الفترة التي سبقت الثورة الروسية، وكذلك الأعوام الأولى من هذه الثورة. صحيح أن هذه الوثيقة قد كتبها شخصٌ له ميول فردية واضحة، ولكن الأهم من ذلك أنه شخص شارك في الأحداث ذاتها إلى حدٍّ ما، كتب بإخلاصٍ وأمانةٍ يَندُر أن يكتب بهما مَنْ شهد تلك الأيام العصيبة من تاريخ روسيا الحديث، ولا أدل على ذلك الإخلاص من شعورِ الحنين الذي يظهر في كتابه بصورة ضمنية مستترة، والذي يأبى أن يعلنه في ذلك الكتاب جهرًا — أعني الحنينَ إلى بلاده، والرغبةَ الخفية في مشاركتها مصيرها أيًّا كان — وولائه لهذه البلاد أيام محنتها أثناء الهجوم النازي، على عكس معظم المهاجرين الروس، ونفوره الواضح من التعقيدات النفسية التي تتحكَّم في سلوك هؤلاء المهاجرين.
ومع ذلك فإن برديايف لم يكن من النوع الذي يقبل أن تستقر الأمور في أي وضع، حتى لو كان وضعًا ثوريًّا تمنَّاه هو ذاته منذ البداية، إن في نفسه عنصرًا فوضويًّا اعترف به هو ذاته حين قال: «إن ميولي الكامنة في أعماق نفسي تتجه نحو الفوضوية» (ص٣٠٧). وهذه الميول الفوضوية تجعله ينزع إلى المضي في الثورة إلى ما لا نهاية، ويرى أن الثورة التي تنجح شيءٌ مناقض لذاته؛ لأنها ستصبح نظامًا قائمًا ثابتًا، وتفقد طبيعتها من حيث هي ثورة، ولكن الشيء الذي فاته هو أن الثورة المستمرة بدورها مناقضة لذاتها؛ إذ إنه سيتعين عليك أن تثور على ما كنت تتخذه في البداية هدفًا ومثلًا أعلى تسعى إلى تحقيقه، إنه يود أن يثور على كل نظام، حتى لو كان ذلك الذي دعا إليه طوال حياته؛ إذ إن لديه ميلًا شخصيًّا إلى التمرُّد على كلِّ ما هو ثابت «وقد انبثق الدافع الثوري عن عجز فطري عن الخضوع لنظام العالم والانصياع لمطالبه؛ فلهذا الدافع إذن دلالة شخصية في المقام الأول لا دلالة اجتماعية. لقد كنت معنيًّا بثورة الشخص الإنساني لا بثورة الشعب أو الجماهير» (ص١١٣). وهو يزيد فكرته هذه إيضاحًا فيقول: «كل ثورة سياسية تنهار بسبب انتصارها نفسه؛ فلا بُدَّ أن يكون موضوع الثورة الحقيقية هو الإنسان لا الجماهير أو السلطة السياسية، والثورة الشخصية هي وحدَها التي يمكن أن تُسمَّى ثورة»، ولكن كيف يُترجَم هذا الكلام إلى لغة الناس والمجتمع؟ وماذا تكون قيمته إذا حاولنا أن نطبِّقه على مستوى الشعوب أو الدول؟ ألا يرحِّب أكثرُ الناس رجعيةً بهذا الرأي الذي يريد أن يحصر الثورة في نفس الفرد وحدَه، ولا يقبل أي مظهر اجتماعي أو جماهيري من مظاهرها؟ لا شك أن هذه الآراء كانت كفيلة بإسعاد قيصر روسيا إلى أقصى حدٍّ، لو كانت هي التي طُبِّقَت بالفعل؛ فالثورة الفردية قد لا تتعارض قطُّ مع الرجعية الاجتماعية، وهي دعوة لا تقبل الترجمة إلى لغة المجتمع.
على أن أكمل تعبير عن موقف برديايف من العالم هو ما يسميه بنزعته الأخروية؛ فالقوة الدافعة الأولى إلى هذه النزعة هي شعور بالسخط على العالم والسأم منه: «أهذا العالم الساقط المنكوب … يمكن أن يمتلك واقعًا صادقًا أصيلًا؟ أليس الإنسان مدفوعًا بطبيعة الأشياء نفسها للبحث عن واقعٍ يعلو على هذا العالم؟» وهكذا ترتبط النزعة الأخروية والدينية برفضٍ أساسي للعالم، وبإحساسٍ قوي بأنه لا يجد لنفسه مكانًا فيه، وهو إحساس ولَّده الإخفاقُ في التكيف مع أي وضع وأي مذهب؛ فمن الطبيعي أن يلجأ ذلك المغترب في هذا العالم، إلى عالَمٍ آخرَ يلوذ به ويركِّز أفكاره فيه، ويتخذه مهربًا من كلِّ ما يراه في عالمنا من «الحقد والقسوة والأنانية» (ص٢٨٦).
إن عنصر الطرافة والتشويق في هذا الكتاب هو أنه وصفٌ بليغ دقيق وتحليل بارع لنفسيةِ شخصٍ أخفق تمامًا في التكيُّف مع أسرته ومجتمعه وعصره، بل مع الحياة ذاتها، ولقد ذكرت من قبلُ أن في كتاباته شواهدَ تدل على أنه كان يتمنَّى ألا يكون إنسانًا، ويود في قرارة نفسه لو كان ينتمي إلى عالَمٍ يعلو على عالم الإنسان، ومع ذلك ففي نفسيته عنصرٌ يصعب تعليله، وهو حبُّه للحيوانات، الذي وصل إلى حدِّ بكائه بشدة عند موت قطه الأليف، وموضع الغرابة هنا أن يتمثَّل هذا الحب الهائل للحيوان لدى ذلك الذي كان يكره الجسد ووظائفه الفسيولوجية وينفر منهما أشد النفور، ولكن ربما كانت هذه الظاهرة تخضع لنفس التعليل، أعني كراهيته لعالم الإنسان، ورغبته في الهروب منه إلى مستوًى أعلى أو مستوًى أدنى من مستويات الحياة.