المشهد الأول
(المنظر: مدينة بادوا. تصدح الأبواق
إعلانًا ببدء المسرحية، ويدخل لوسنتو وخادمه ترانيو.)
١
لوسنتو
:
انظر يا ترانيو! ها نحن وصلنا الآن إلى لو مباردي،
٢
جنَّةِ إيطاليا العُظمى المثمرة الحسناءْ،
٣
ولَكَم كنتُ أتوق إلى رؤية بادوا
الفيحاءْ
مَهدِ العِلْمِ وراعية العلماءْ
٤
ولديَّ سلاحٌ من حبِّ الوالد ورضاهُ (٥)
ونواياه الحَسَنةِ وبرفقةِ خادمي الموثوقِ
بهِ
أنتَ هنا يا ترانيو يا مَن تُثبت إخلاصَكَ
في كلِّ مجالْ!
فلْنَتَريَّثْ بعضَ الشيءِ هنا وعسانا أن
نضع الخُطَّةَ
كي نكتسبَ معارفَ أو ندرسَ بعضَ عُلومِ السادة
٥
كانت بلدةُ بيزا المشهورةُ بوقار السكان،
(١٠)
مَسقطَ رأسي وأبي من قَبلي … فلقد كان
التاجرَ
ذا الصِّيتِ الداوي في شتَّى أرجاءِ العالم!
واسم أبي فنشنتو … من نسل الذائع بنتيفوليو،
ما أحرى مَن أنجبه فنشنتو ونَمَا وترعرع في
فلورنسا
أنْ يعملَ فيحقِّقَ كلَّ الآمالِ المعقودة،
(١٥)
ويَزِينَ طريقَ السَّعد بأفعال الخيرِ.
٦
وإذَن يا ترانيو سوف أحاول أثناء الدرس
هنا
أنْ أتبحَّر في كلِّ فضيلة … والفرعِ
الخاصِّ من الفلسفة الرامي
لسعادة أهل الأرض خُصوصًا،
ما لا يتحقَّقُ إلَّا بطريقٍ فاضل.
٧ (٢٠)
قلْ لي رأيك: إني إذ خلَّفتُ ورائي
بيزا،
ووصلتُ إلى بادوا أشعرُ أنِّي خلَّفتُ
غديرًا ضحْلًا،
وأتيتُ إلى نهرٍ ذي أعماقٍ أطلبُ أنْ
أروي ظمئي فيها عَلَلًا من بعد
نَهَل.
ترانيو
:
سامحني
٨ سامحني يا مولايَ الأكرمْ!
(٢٥)
فالرغباتُ لديَّ تُوازي رغباتِك،
كم يُسعدني أنْ قرَّرتَ مواصلةَ السعيِ
لرَشفِ
رُضابِ الفلسفة العذبِ ولكنِّي أرجو يا
مولايَ الأكرمُ
— حتى إن كنتُ أشارككَ التبجيل لمنزلة
فضائلنا
والفلسفة الأخلاقية — ألَّا ننفي مذهبَ أهل
اللذَّة، (٣٠)
أو نطلبَ أيَّ جُمودٍ في الفكرِ
الخُلُقي
يرفعُ مما أرساه أرسطو من ضبط
النفْسِ
ويخفضُ مما جاء به أوفيد
٩ أو يُنكرهُ لكنْ
لكَ أن تستعمل ذاك المنطقَ مع مَن
تعرفُهُ
وتوسَّلْ بفُنون بلاغتنا في كلِّ حديثٍ لك،
(٣٥)
واقبسْ من فنِّ الشِّعرِ وفنِّ الموسيقى ما
يُنعشُ روحَك،
أمَّا الميتافيزيقا ورياضياتُ
العلماءْ،
فخُذْ من أيِّهما ما تقبله ذائقتُك،
إذ لا خير بعلمٍ لا يُمتعُ قلبَ الإنسانْ.
١٠
وبإيجازٍ يا مولايَ ادرُسْ أكثرَ ما تهواهُ
وحسب. (٤٠)
لوسنتو
:
أُجزِلُ شُكري لك يا ترانيو! فمَشورتُكَ هي
المُثلى!
لو أنَّكَ
١١ يا بونديلو كنتَ وصلتَ إلى
الشاطئِ
لَتَجهَّزْنا فورًا للسُّكْنى بمكانٍ
يصلُحُ
لاستقبالِ ضيوفٍ من أبناء البلدة في
بادوا
ممَّن سوف نخالطُ ونصاحبُ أثناء العيش هنا
(٤٥)
لكنْ فلْنتمهَّلْ بُرهة. ما هذا الجمعُ
المُقبِل؟
ترانيو
:
عرضٌ فنيٌّ لا شكَّ بقَصْدِ الترحيبِ بنا.
(يدخل بابتيستا مع ابنتيه كاترينا
وبيانكا، وخلفهم جريميو، وهو هرم نحيل أحمق، وهورتنسو الذي
يريد خِطبة بيانكا، فيتوارى لوسنتو وترانيو ليشهدا ما يحدُث.)
١٢
بابتيستا
:
يا سادتي! أرجوكما كُفَّا عن الإلحاف في هذا
الصَّدَدْ!
إذ تعرفان ما استقرَّ خاطري عَلَيْه،
فلستُ أرضَى أنْ أزوِّجَ ابنتي الصغرى
(٥٠)
من قبل أن أزوِّج ابنتي الكُبرى،
فإنْ يكُنْ أيُّكما يميل للكبرى
كاترينا
فإنَّ عِلْمي ووِدَادي لكما يُتيحُ لي
السماحَ
للذي يريدُ أن يُطارح الكبرى الغرامَ أنْ يُطارحَها.
١٣
جريميو
:
يَطرحُها تَقصِدْ! إنَّ فظاظَتَها
١٤ أكثرُ مما أحتملُهْ (٥٥)
هيَّا يا هورتنسو! أتُراكَ تُفضِّلُ
أيَّهُما؟
كاترينا
:
أرجوك اسمعني يا سيد! هل ترغب أن تجعلني
قطعةَ شطرنج
١٥
في أيدي الخُطَّاب هنا؟
هورتنسو
:
خُطَّابٌ يا آنسة؟ ماذا ترمِينَ إليه؟
١٦،١٧ لن نُصبحَ من خُطَّابِكِ
إلَّا إنْ أصلحتِ طباعَك وغدوتِ أرقَّ
وألطف. (٦٠)
كاترينا
:
عليكَ أن تستبعدَ الذي ذكرتَهُ تمامًا
واسترح،
فمبدأ الزواج ما دنا من قلبها ولا أتى نِصفَ
الطريق،
ولو تزوَّجَتْ فثِقْ بأنها حريصة على أن
تَقْرعَكْ،
وأن تشجَّ رأسَكْ … وتغرسَ الأظفارَ في
أنحاء وجهِكْ،
كي يكتسي بصبغة الدم المُهرَقْ،
ولن يكون في عيونها سوى أحمقْ!
١٨ (٦٥)
هورتنسو
:
من شياطين البرايا نجِّنا يا ربُّ يا رحمن!
جريميو
:
ونجِّني يا رحيمُ أيضًا!
(يتحادث ترانيو ولوسنتو
جانبًا.)
ترانيو
:
مولايَ أنصتْ! هذه بوادرٌ لما أراه خير
تسلية،
فالبنت إمَّا في جُنون مطبقٍ أو غضبةٍ
هوجاءَ عاتية.
لوسنتو
:
لكنني في صمت أختها أرى الحياءْ (٧٠)
والحكمة التي تَزِينَ مَسْلكَ العذراءْ.
١٩
اسكُتْ ترانيو!
ترانيو
:
مولايَ صَدَقت فلن أنبسْ. وتأمَّلْ كيف تشاء!٢٠
بابتيستا
:
يا سادتي! سأُثبتُ الذي أقوله بلا
إبطاءْ.
أرجوكِ الاحتجابَ يا بيانكا، (٧٥)
ولا تخالي أن في هذا إساءةً إليك يا ابنتي
الوديعة،
فإن حبي لن يقلَّ يا فتاتي مطلقًا.
كاترينا
:
أفسدها التدليلُ! وما أحراها أن تبكي بدموعٍ
زائفةٍ
إن وجدَتْ سببًا يدعوها!٢١
بيانكا
:
فلتَرضَيْ يا أختي عمَّا أغضَبَني،
(٨٠)
وأنا أخضعُ يا أبتِ لأمرِكِ
بتواضُعْ،
سأصاحبُ كُتُبي والآلاتِ الموسيقيَّةَ،
أقرأُ وأمارسُ تدريبي وحدي!
لوسنتو
:
اسمعْ ترانيو! كأنما تكلمَتْ منيرفا٢٢ … ربة الحكمة!
هورتنسو
:
لِمَ تُبدي هذي القسوة يا سنيور
٢٣،٢٤ بابتيستا؟ (٨٥)
يؤسفني أن أفرَخَ حُسنُ نوايانا هذا الحزنَ
لدى بيانكا!
جريميو
:
ولماذا يا سنيور بابتيستا تحبسُها
٢٥ كي تُرضي
هذي الشيطانةَ من قلبِ جهنَّمْ؟ ولماذا
تأمرُها
بالتكفير القاسي عن أخطاءِ لسانِ
شقيقتها؟
بابتيستا
:
لا رجعة يا سادةُ عمَّا قرَّرتُهْ.
(٩٠)
انصرفي يا بيانكا.
(تخرج بيانكا.)
أعرفُ كم تُبهجها الآلاتُ الموسيقيةُ والألحانُ
٢٦
وأشعارُ الشعراءْ … ولسوف أجيءُ لها
بأساتذةٍ
ليُقيموا في منزلنا ممَّن برعوا في تعليم
النَّشْء،
لكي تتعلَّم منهم. لو كنت على معرفةٍ يا
هورتنسو — (٩٥)
أو يا سنيور جريميو — بأساتذةٍ ممَّن
أعني،
فرجائي أن توصيهم بالإتيان إلينا، فالعلماء
ينالون
لديَّ العطفَ السابغ، وأنا أبسط كلَّ البسط
يدي
في تنشئةِ بناتي تنشئةً صالحةً … وإذَن
فوداعًا!
لكِ أن تَبْقَيْ يا كاترينا. (١٠٠)
أمَّا بيانكا فأنا أعتزمُ مواصلةَ نقاشي
معَها.
(يخرج بابتيستا.)
كاترينا
:
عجبًا! أفما من حقِّي أن أذهبَ
أيضًا؟
هل سيحدِّدُ لي أحدٌ ساعاتٍ أعمل فيها أو لا
أعمل؟
فكأني لا أعرفُ ما أختار وما أترك؟
ها!
(تخرج كاترينا.)
جريميو
:
من حقِّكِ أن تذهبي لأمِّ الشيطان!
٢٧ مواهبك رهيبة تمنع الناس
(١٠٥)
من طلبك! اسمع يا هورتنسو! لم يبلغ هذا
٢٨ الحبُّ درجةً تحُول
دون استمرار صداقتنا،
٢٩ أو تمنعنا من الصبر قليلًا! لم
يسعفني أو
يسعفك الحظ!
٣٠ فوداعًا! أمَّا ما أحمله من حبٍّ
لبيانكا فسيدفعني
أن أبحث
٣١ عمَّن يصلُحُ لتعليمها ما يسرُّها
أن تتعلمه، فإذا (١١٠)
وجدته زكيته لوالدها.
هورتنسو
:
وكذاك أنا يا سنيور جريميو، لكن أرجوك اسمعْ
منِّي هذي
الكلمات: إننا لم نتباحث إلى الآن في طبيعة
خلافنا، ومع ذلك
فإنني أنعمتُ النظر في الأمر فوجدتُ أن
القضية تهمُّني مثلما
تهمُّك، وأننا نستطيع رغم كل شيءٍ أن نصل
إلى عروسنا (١١٥)
الجميلة ونعود إلى التنافس في حبِّ بيانكا
إذا اجتهدنا وحقَّقْنا
أمرًا واحدًا.
جريميو
:
وما ذاك أرجوك قُلْ لي؟
هورتنسو
:
الأمر واضح! أن نعثر على زوج لأختها.
جريميو
:
زوج؟ قُل شيطان! (١٢٠)
هورتنسو
:
بل أقول زوج.
جريميو
:
وأنا أقول شيطان! هل تعتقد يا هورتنسو أن
ثراء أبيها يمكن
أن يُقنع رجلًا مهما يبلغ حمقه أن يتزوج من
جهنَّم؟
هورتنسو
:
اسكت يا جريميو! إن كنت وإياك لا نطيق الصبر
على (١٢٥)
مشاكساتها الصاخبة، ففي الدنيا رجال صالحون،
إن استطعنا
أن نجد أحدهم، ممَّن يقبلونها بكل عيوبها،
٣٢ ما دامت تحمل لهم
المال الكافي.
جريميو
:
لا أدري! لكنني أوثر أن أنال بائنتها بشرط
واحد؛ أيْ أن تُجلد
٣٣ (١٣٠)
كل صباحٍ عند الصليب الكبير في ساحة
السوق.
هورتنسو
:
الحق كما تقول؛ فإن الاختيار ينتفي إن كان
التفاح كله عفنًا!
٣٤
ولكن اسمع! ما دامت هذه العقبة القانونية
٣٥ تجمع بيننا،
فلنحافظْ على التضافر والودادِ حتى نتمكن من
العثور على (١٣٥)
زوج لابنة بابتيستا الكبرى، وبذلك نتيح
للصغرى حرية
الزواج! وبعدها فلنعُد إلى التنافس والخصام
من جديد! آه يا
بيانكا الحلوة! ما أسعد مَن يفوز بك! الأسرع
يظفر بالخاتم!
٣٦
ما قولك في هذا يا سنيور جريميو؟
(١٤٠)
جريميو
:
موافق! ليتني أستطيع أن أهب أسرع جواد في
بادوا لمَن يبدأ
التودُّد إليها وينجح قطعًا في أن يخطبها
ويتزوجها ويبني بها
٣٧
ويخلص المنزل منها. هيا بنا نمضي.
(يخرج جريميو وهورتنسو.)
(يتقدم ترانيو ولوسنتو إلى وسط
المسرح.)
ترانيو
:
أرجوكَ أجبْني يا مولايْ: هل يمكنُ للحبِّ
(١٤٥)
السيطرةُ على المرءِ تمامًا فجأة؟
لوسنتو
:
بل ما ظننتُ يومًا أنَّ ذاك ممكنٌ أو
محتملْ
حتى خبرته بنفسي فاكتشفتُ صدقَهْ! اسمعْ
ترانيو،
بَيْنا أنا ألقي على الفتاة نظرةً
عابرة
أحسستُ أنَّ قَطْرَ زهرةِ الغرام الساحرة
٣٨⋆،٣٩ (١٥٠)
في كلِّ عينٍ يترقرقْ! والآنَ دعني أعترفْ
بالصِّدقِ لك
ما دمتَ خِلِّيَ الأمينَ والعزيزَ مثلما
كانت لدايدو الملكة
خليلةً في عرشها على ربوع قرطاجنة تُدعى «أنَّا»!
٤٠
اسمعْ ترانيو، إنني سأحترقْ! لا بل سأذوي ثم
أَهلِكْ
إنْ لم أفُزْ بهذه الفتاة الوادعة. (١٥٥)
قدِّمْ إليَّ مَشورتَكْ … فأنتَ قادرٌ
عليها.
ومُدَّ لي يدَ المساعدة … فأنتَ مَن يسخو بها.
٤١
ترانيو
:
مولايَ هذا الوقتُ لا يناسبُ المَلامْ
والعذلُ لا يمحو من القلب الغرامْ
إن كان ذاك الحبُّ قد مسَّكْ … فقُمْ
وخلِّصْ نفسَكْ، (١٦٠)
وادفعْ أقلَّ فديةٍ مقابلَ الخلاص من أَسْرِكْ.
٤٢
لوسنتو
:
شكرًا جزيلًا يا فتى … قلْ لي إذَن ماذا
ترى؟
فإن فيما قلت راحةً وفي المَشورة
الحصافة.
ترانيو
:
يا سيِّدي! لقد أطلتَ نظرةَ الإعجاب للفتاةِ
حتى
غابَ عنكَ جوهرُ القضية. (١٦٥)
لوسنتو
:
فعلًا رأيتُ ذلك الجمالَ عذْبًا في
مُحيَّاها
كالفتنة التي بدَتْ في وجه يوروبا،
وأَرغمَتْ جوف العظيم عندها على الهبوط من
علياهُ،
حتى ينالَ راكعًا يدَ التي يهواها،
إذ قبَّلَتْ رمالَ شطِّ البحرِ في كريت رُكبَتَاهُ.
٤٣ (١٧٠)
ترانيو
:
ألم تلاحظْ غير هذا؟ ألم تلاحظْ كيف أن
أختها
هبَّتْ تسبُّ مثل أكبر العواصف
المُدَمدِمَة
حتى غدا الضجيجُ داويًا ولا تُطيقُهُ
الأُذنْ؟
لوسنتو
:
رأيتُ مَرجانَ الشِّفاهِ يا ترانيو عندما
افترَّتْ
وعطَّرتْ أنفاسُها الهواءَ حولنا.
(١٧٥)
وكلُّ ما رأيتُهُ فيها مقدَّسٌ
وعذْب.
ترانيو
(جانبًا)
:
حانَ الوقتُ لأن يصحو من سَكرتِهِ!
أرجوك استيقظْ يا مولايْ! إن كنتَ تُحبُّ
البنتَ عليكَ
بتجنيدِ الفِكرِ ومَلَكَاتِ الذِّهن جميعًا
للفوز بها! والموقف كالتالي:
الأختُ الكبرى سيئةُ الطبع وذاتُ لسانٍ
حادٍّ ولذا
— حتى ينفُضَ والدُها يدَه منها — ستعيشُ
(١٨٠)
«بيانكا» المحبوبةُ في المنزل
عذراءْ،
إذ يُحكِمُ والدُها طَوْقَ الحبسِ
عليها،
حتى لا يزعجها مَن يطلُبُ يدَها.
لوسنتو
:
آهٍ يا ترانيو! ما أقسى ذاك الوالد!
لكن أفلم تلحظْ حرص الرجل على إحضار أساتذةٍ
(١٨٥)
نُبهاءَ لتعليم ابنته في المنزل؟
ترانيو
:
بل إني لاحظتُهْ … ووضعتُ الخُطَّة!
لوسنتو
:
ولديَّ أنا أيضًا خُطة.
ترانيو
:
يا مولايْ! خُطتك وتدبيري يلتقيان بمشروعٍ واحد.٤٤
لوسنتو
:
قل ما لديك أولًا. (١٩٠)
ترانيو
:
كنْ أنت أستاذًا يعلِّمُها وهذي حيلتي.
لوسنتو
:
فعلًا، ولكن هل ستنجح؟
ترانيو
:
بل ذا مُحالْ! إذ مَن سيشْغلُ
موقعَكْ
ويكون ابن فنشنتو هنا في بادوا؟ أيْ مَن
يُقيمُ
في مكانِهِ بمنزلة … وعاكفًا على دروسه
مُرحِّبًا بأصدقائهِ (١٩٥)
مستقبلًا مواطنيه مُستضيفًا مُكرمًا
لهم؟
لوسنتو
:
اسكت! يكفي!
٤٥ فبعين خيالي اكتمل
المشروعْ.
لم يرَنا أحدٌ داخل أيِّ منازلْ
ومحالٌ أن يتبينَ أحدٌ من وجهينا مَنْ منَّا
السيِّدُ
أو مَنْ منَّا الخادمْ. وعلى هذا
(٢٠٠)
كُنْ أنتَ السيِّدَ بدلًا مني.
اسكُنْ بيتي وافعل فعلي واستأجرْ
خدمي.
وسأصطنع لنفسي شخصية رجلٍ من أبناء فلورنسا
حينًا،
أو من نابولي حينًا آخر … أو رجلًا أحقر من
بلدة بيزا.
اكتمل التدبيرُ وسوف ننفِّذه … هيا يا
ترانيو! اخلع ما تلبسُ (٢٠٥)
والبسْ قبَّعتي وعباءتي الزاهية الألوان على
الفورِ
(يتبادلان الملابس الخارجية.)
٤٦
فإذا ما جاء بيونديلو أصبح من خدمك،
لكني سوف أعالجه (بالمال) لأضمن
كتمانه.
ترانيو
:
حاجتك إلى ذلك واضحة! وبإيجازٍ يا
مولايْ،
يُرضيني أن أصبح لوسنتو، (٢١٠)
ما دامت تلك إرادتك وما دمت أنا ملتزمًا
بالطاعة!
ذلك ما أوصاني والدك به عند رحيلي،
إذ قال «افعل ما يأمرك ابني به!»
ولو أني أتصور أن الوالد لم يكُ يقصد
هذا،
لكنْ يُسعدني أن أصبحَ لوسنتو، (٢١٥)
إذ ما أعمقَ حبِّي لك يا لوسنتو!
لوسنتو
:
كُن ذلك فالمدعو لوسنتو عاشقْ
ولأكُن العبدَ لأظفرَ بفتاةٍ لاحتْ لي
فجأة
فاستعبدت العينَ وجَرَحَتْها بَغتة!
(يدخل بيونديلو.)
ها قد أقدَمَ ذاك الوغد! في أيِّ مكانٍ كنت؟
(٢٢٠)
بيونديلو
:
أين كنت أنا؟ عجبًا! بل أين أنتَ قُل لي؟ يا
سيدي هل سرق
زميلي الخادم ملبسَك؟ أم أنك أنتَ سرقت
ملابسَه؟ أم أنكما
متواطئان؟ أرجوك قُل لي ما يحدُث؟
لوسنتو
:
يا غلامٌ اقتربْ! ليس هذا الوقتُ وقتَ
الهزْلِ.
فلتكيِّفْ كلَّ فعلٍ وفق ما تقضي به اللحظة
(٢٢٥)
قد رأى ترانيو زميلُكْ … أنَّ إنقاذَ حياتي
٤٧
يقتضي أنْ ألبسَ الذي يلبسُهُ … فاستعارَ
مَظهري
وارتديتُ كي أفوزَ بالنَّجاة
ملبسَهْ،
فأنا عند نزولي شاطئ البلدة
كنتُ نازلتُ فتًى ثم قتلتُهْ … وبقلبي خشيةٌ
ممَّن عساهُ رآني. (٢٣٠)
إن أمري الآن أن تخدمه … وفق ما تقضي به
الأحوال،
ريثما أرجو فراري ناجيًا بالروح من
فوري.
هل فهمت الآن قصدي؟
بيونديلو
:
سيدي، لا! ما فهمت الآن حرفًا واحدًا!٤٨
لوسنتو
:
واحذرْ أن تذكر حرفًا من اسم ترانيو،
إذ إنَّ ترانيو أصبحَ لوسنتو! (٢٣٥)
بيونديلو
:
ما أسعدَه! يا ليتني غدوتُ مثلَهْ!
لوسنتو
:
وليتني يا أيها الغلام حقَّقتُ الرغيبةَ
التي تليها،
أيْ أنْ ينال لوسنتو حقيقة فتاة بابتيستا
الصغيرة،
لكن عليك يا غلامُ أن تراعي الكياسةَ التي
أوضحتُها
من أجل سيدك — وليس من أجلي — بكلِّ مجتمعْ،
(٢٤٠)
وهكذا إذا اختلينا كنتُ في عينيكَ مَنْ ترى؛
ترانيو
لكنَّني مولاكَ لوسنتو بكلِّ محفلٍ
سِواه.
لوسنتو
:
هيا ترانيو نذهبْ، لكنْ عليكَ أنْ تؤدِّي لي
مهمَّةً أخرى؛
كُنْ خاطبًا من بين خطَّابِ الفتاة،
فإنْ طلبتَ علةً لذلك القرار عن يقينْ (٢٤٥)
كفاكَ قولي إنه لذو أساسٍ ثابتٍ متينْ.
٤٩
(يخرج الجميع.)
(مقدِّمو المسرحية
٥٠— سلاي وبرثلوميو وخادم — في ركن المسرح، ربما
فوق مصطبة منخفضة، يتحدثون.)
الخادم
:
إنكَ تغفو يا مولايَ ولا تأبهُ للتمثيلية
سلاي
:
فِعلًا وبحقِّ القديسة آن! موضوعٌ ممتازٌ لا
شكَّ!
ألها الآنَ بقيَّة؟
:
برثلوميو
:
مولايَ إنها ابتدَتْ لتوِّها. (٢٥٠)
سلاي
:
عملٌ ممتازٌ حقًّا يا سيدتي الزوجة. كم أرجو أن
تختتم الآن!
(يجلسون ليتابعوا المشاهدة.)
٥١
المشهد الثاني
(يدخل بتروشيو وخادمه جروميو.)
٥٢
بتروشيو
:
ودعتُكِ يا فيرونا وأتيتُ لأمكث زمنًا في
بادوا
كي ألقَى أصحابي وخصوصًا أقربَهم
لفؤادي.
هورتنسو! مَن يُثبت صدقَ صداقتِه
دومًا،
ويقيني أن الدار هنا دارهْ،
والآن جروميو قُمْ فاقرَعْ.
٥٣ (٥)
جروميو
:
أقرَعُ مَنْ يا مولايْ؟ هل ساءكَ أحدٌ تبغي
أنْ
أقرعَهُ يا ذا العِزَّة؟
بتروشيو
:
يا وغدُ أقول وبصوتٍ عالٍ.
جروميو
:
أقرعُكَ هنا يا مولايْ؟ لكني أحقر من أن أقرَعَك
هنا! (١٠)
بتروشيو
:
يا وغدُ أقولُ اقْرَعْ لي، دُقَّ أو
اطرُقْ،
ذاك وإلَّا فسأقرعُ هذا الرأسَ
الأحمق.
جروميو
:
مولايَ يريدُ مشاجرةً. إنْ أبدأْ بالقَرْعِ
أنا
كي تعقُبني فسأعرفُ مَن منَّا ينهزمُ
هنا.
بتروشيو
:
أفلن تفعل؟ إن لم تقرَعْ يا وغدُ
(١٥)
شددتُكَ من أُذنيكَ كحلْقةِ هذا
البابْ،
وجعلتُ صُراخَكَ حقًّا أنغامَ عذابْ.
٥٤
(يشدُّه من أذنه فيصرخ جروميو.)
جروميو
:
الغَوْثَ سادتي! قد جُنَّ سيدي!
بتروشيو
:
إذَن لتقرَعْ عندما تؤمر! يا أيها الوغد
الحقيرْ!
(يدخل هورتنسو.)
هورتنسو
:
عجبًا ما الأمر؟ أهذا جروميو صديقي القديم،
وهذا صديقي (٢٠)
الصدوق بتروشيو؟ كيف حالكما وحال الأُسرة في
فيرونا؟
بتروشيو
:
سنيور هورتنسو! هل جئتَ لتفصِلَ في هذي الوَقْعَة؟٥٥
«اقبلْ ترحيبي القلبي بلقائكَ في هذي
البقعة!»
هورتنسو
:
بل مرحبًا في دارنا بتروشيو
٥٦ الكريمْ (٢٥)
انهضْ إذَنْ جروميو! فسوف نعقدُ
المُصالحة.
جروميو
:
لا لا! الأمر لا يهمُّ يا سيدي. فهو يزعم ما
يزعمه باللاتينية
٥٧ …
وإن لم يكُنْ هذا سببًا قانونيًّا لتَرْكي
خدمتَه فإنه … أعني …
اسمع، أقول، يا سيدي: لقد طلب مني أنْ
أقرَعَهُ وأضرِبَه. (٣٠)
«وبصوت عالٍ» وأنا أسألكم إن كان من اللائق
أن يفعل.
ذلك خادم بسيده، فهو — حسب ما أرى — يعاني
من خلل.
طفيفٌ في عقله … مقدارُه درجةٌ واحدة.
بالله كان ينبغي عليَّ الابتداءُ بالقِرَاع
من أجلِ أن أنجو فلا ألقَى انهزامًا في
الصراع. (٣٥)
بتروشيو
:
وغْدٌ لا عقْلَ له يا هورتنسو الأكرمْ
كنتُ أمرتُ السافلَ أن يقرَعَ بابَكْ
لكني قسمًا بحياتي لم أُفلِحْ قَط.
جروميو
:
أن أقرع الباب؟ يا ربي! إنك لم تُصدِرْ هذا
الأمرَ الواضح! ألم
تقُل اقرَعْ يا غلامُ هنا … دُقَّ واضرِبْ
وبصوتٍ عالٍ؟ (٤٠)
بتروشيو
:
فلتمضِ أيها الغلامُ من هنا … أو فاسكُتْ! هذا
أمري!
هورتنسو
:
الصبرَ يا بتروشيو، إني كفيل بجروميو
أمَّا الذي جرَى هنا بينكما فأمرٌ مؤسفٌ
(٤٥)
فإنه خادمك اللطيف والموثوق من زمنٍ بعيدٍ
بِهْ،
والآن يا صديقي الرائع! قُلْ أيُّ ريحٍ طيبةٍ
٥٨
هبَّتْ فجئتَ اليوم بادوا تاركًا أرباض
فيرونا العريقة؟
بتروشيو
:
قُلْ إنَّها الريح التي قد تنثر الشبَّانَ
في الدنيا العريضة،
كي يستزيدوا من معارفهم ويَلقَوا سعدَهم
(٥٠)
ما في المُقام بموطنٍ إلا قليلُ الخبرةِ.
٥٩
يا سيدي هورتنسو، إن شئتَ إيجازًا فهذا
موجزًا حالي،
قد مات أنطونيو أبي …
وهكذا ألقيتُ نفسي ها هنا في هذه
المتاهة،
فربما سعدتُ بالزواج وازدهار حالي
٦٠ قدْرَ طاقتي (٥٥)
كيسُ نقودي عامرٌ بالذهب، وعندي الخيراتُ في
وطني،
وهكذا خرجتُ من دياري كي أرى الدنيا.
هورتنسو
:
بتروشيو! هل أقدِرُ أن أدخل في الموضوع
مباشرةً،
فأجيب لك المطلب بفتاةٍ سيئة الطبع وذاتِ
لسانٍ حادٍّ؟
لن أتلقَّى أجزلَ شكرٍ منك على ذلك، لكنِّي
(٦٠)
أعِدُكَ أن البنتَ غنيَّة … بل هي ذاتُ
ثراءٍ فاحشْ.
لكنَّ صداقتنا أعمقُ من أنْ تسمحَ لي
أنْ أرجوها لك زوجة.
بتروشيو
:
اسمع يا سنيور هورتنسو! عمق صداقتنا يقضى بالإيجاز
٦١
فإن كان لديك العلمُ بمَنْ تبلغ ثروتها (٦٥)
حدًّا يجعلها صالحةً لزواجي منها،
(فالثروةُ لحني الأول في موسيقى الخِطبة)،
حتى لو كانت أقبح من زوجة صاحبنا فلورنتوس
٦٢
أو بلغت أرذلَ عمرٍ مثل سيبيل
٦٣ … أو سيئة الطبع ولاذعة
مثل قرينة سقراط المدعوَّة زانثيبى
٦٤ أو أشنع منها، (٧٠)
فأنا لن أتزحزح — أو قُل لن تُفلح في سلبِ
الحدَّة
من حبِّي إطلاقًا — حتى لو كانت هائجةَ
الموجِ
كمِثْلِ البحرِ الإدرياتيكي الهائجْ!
جئتُ لأتزوج بثراءٍ في بادوا،
وعبارة بثراءٍ تعني بهناءٍ في بادوا.
(٧٥)
جروميو
:
اسمعْ يا مولاي! قد أعرب لك بصراحة عن رأيه.
إن تمنحه
الذهب الكافي لن يتردَّد في أن يتزوج من
دُمية، أو من حِلية
على شكل فتاة، أو من عجوزٍ شمطاء سقطت
أسنانها، حتى
وإن كانت تعاني من أمراض اثنين وخمسين حصانًا!
٦٥ فالمال
سيفتح كلَّ السُّبل! (٨٠)
هورتنسو
:
ما دمنا الآن توغَّلْنا يا بتروشيو في
الأمرِ إلى هذا الحدِّ
فلسوف أواصل ما كنت أشرتُ إليه بنبرات
الهزلِ …
في وسعي يا بتروشيو تقديم يد العون بأن آتيك
بزوجة
ذات ثراءٍ كافٍ وشبابٍ وجمال، (٨٥)
إذ نشأتْ واكتسبتْ أفضل ما تزهو فتياتُ
الأشراف به
لكنَّ بها عيبًا أوحد … وكفى بالعيب المذكور
عيوبًا!
أقصد أن لها طبعًا حادًّا لا يُحتمل
ولسانًا شتَّامًا وجسارة قلبٍ فاقتْ كلَّ
حدود.
حتى إني لو زادت أحوالي المالية سوءًا
(٩٠)
ما كنت لأقترن بها لو أوتيت كنوزًا من
ذهب!
بتروشيو
:
صمتًا يا هورتنسو! إنك تجهل تأثيرَ
الذهبِ
يكفي أن تذكرَ لي اسمَ أبيها
وسأتزوجُها حتى لو شتمتني صارخةً
كالرعدِ إذا قعقعت السحبُ به في يوم خريفٍ
عاصف. (٩٥)
هورتنسو
:
والدها بابتيستا مينولا،
رجلٌ حلو المعشر ولطيفُ الطبع،
وهي تسمَّى كاترينا مينولا،
واشتهرت في بادوا بلسانٍ حادٍّ لاذع.
بتروشيو
:
أعرف والدَها لكنِّي لا أعرفها،
(١٠٠)
وأبوها كان وثيقَ العلم بوالديَ
الراحل.
لن يغمض لي جفنٌ يا هورتنسو حتى تشهدَها
عيني،
وإذَن فاسمحْ لي أن أتجاسرَ بمفارقتك
كي
أقصدَ منزلَ بابتيستا حتى من بعد لقائي
الأول بكَ
٦٦
إلَّا إن كنت تريد مصاحبتي. (١٠٥)
جروميو
:
أرجوك سيدي! دعْه يذهب ما دامت هذه النزوة
تدفعه!
أقسم إنها لو كانت تعرفه مثلما أعرفه
لاكتشفت أن الشتائم لن
تُجدي معه فتيلًا! وربما قالت له يا وغد عشر
مرَّاتٍ أو نحوها،
وليس ذاك بشيء! فإذا انطلق فسوف يستخدم لغة
(١١٠)
واستعارات يعاقب عليها بالشنق!
٦٧ ولأضف يا سيدي: إنها إذا
٦٨
صمدت له قليلًا فسوف يلقي في وجهها بتشبيه
يجعله مشتبهًا
به! بل لن تبقى في وجهها عينان مبصرتان
إلَّا كالقطة العمياء!
٦٩
إنك لا تعرفه يا سيدي!
هورتنسو
:
اصبر يا بتروشيو! لا بدَّ أن أمضي معك.
(١١٥)
إذ إنَّ السيد بابتيستا يحرس كنزي
ويصونه،
أيْ يحبس عني درَّة عمري،
ابنته الصغرى الحسناء بيانكا،
يمنعها عني وكذلك عن غيري
من خُطَّابٍ يتنافسُ كلٌّ منهم وينافسني في
حبِّي، (١٢٠)
إذ لا يتصور أن تخطب كاترينا يومًا،
ويرى ذاك محالًا
لنقائصها المذكورة من قبل،
ولذلك قرر بابتيستا أن يُصدِر هذا
الأمر،
أيْ ألَّا يخطبَ أحدٌ ودَّ بيانكا
(١٢٥)
حتى تتزوج كاترينا الشرسة!
جروميو
:
«كاترينا الشرسة.»
لا أقبحَ من هذا اللقبِ لعذراءْ!
هورتنسو
:
والآن هل أرجو من الصديق بتروشيو هنا
إسداءَ معروفٍ إلي؟ أرجوه تقديمي إلى
بابتيستا (١٣٠)
متنكرًا في بعض أرديةٍ وقورة
توحي بسَمْتِ العلماءْ … وبأن يقول بأنني
متبحِّرٌ في
مَبْحثِ الموسيقى … حتى أعلِّم بنته بيانكا
… ولسوف تُفلح حيلتي
في أن تتيحَ لي التودُّد والكلام
٧٠ على الأقل مع الحبيبة،
وبذاك أخطبها إذا انفردت معي دون انتباه
أحد. (١٣٥)
جروميو
:
لا خبث هنا! انظر كيف تتضافر أذهان الشبان
لخداع الشيوخ.
٧١
يا سيدي! يا سيدي! انظر هناك! مَن هذان
المُقبِلان؟
(يدخل جريميو الهرم وفي يده ورقة،
ولوسنتو متنكرًا في زيِّ معلم يدعى كامبيو.)
هورتنسو
:
اسكت جروميو! ذاك ينافسني في حبِّي.
فلنتنحَّ قليلًا يا بتروشيو. (١٤٠)
جروميو
:
يافعٌ زاهٍ وعاشقْ!٧٢
(يبتعد بتروشيو وهورتنسو وجروميو
ويختبئون لاستراق السمع، ويتقدم جريميو الهرم
ولوسنتو.)
جريميو
(مشيرًا إلى الورقة)
:
لا بأس. درست الفاتورة.
٧٣ أرسل هذي الكُتُبَ إلى
ورشة تجليدٍ حتى تكتَسِبَ الرونقْ،
(فهي جميعًا من كُتُبِ الحبِّ على أيَّة
حالْ)،
واحرصْ ألَّا تُقرئَها موضوعاتٍ أخرى …
وأظنُّك تفهمني، (١٤٥)
فإلى جانبِ ما تسخو يدُ سنيور بابتيستا
به
سأضيفُ مكافأةً مُجزيةً لك.
خذ أيضًا فاتورتك وأرجو تعطيرَ الكُتُبَ
بعطرٍ نفَّاذٍ،
إذ تُهدَى لفتاةٍ ذات جمالٍ أبهى من أحلى
عطرٍ، (١٥٠)
ماذا سوف تعلِّمَها؟
لوسنتو
:
مهما يكُن الموضوع فسوف أزكِّيكَ
لها.
وأقولُ بأنَّكَ ترعاني. ثِقْ في هذا كلَّ
الثِّقةِ،
كأنكَ تقفُ هنالك معنا أثناءَ
الدَّرسْ،
وبألفاظٍ قد تنجحُ أكثر من ألفاظكَ يا
مولايْ، (١٥٥)
إلَّا إن كنتَ تعلَّمتَ العِلْم.
جروميو
:
يا للتَّعليم! ما أغرَبَهُ من شيء!
جروميو
(جانبًا)
:
يا للأبله! ما أشبهَهُ بحمارْ!
بتروشيو
(جانبًا)
:
اسكُتْ يا غُلام!
هورتنسو
(جانبًا)
:
اخرس يا جروميو! (١٦٠)
(يتقدم هورتنسو وبتروشيو وجروميو من جريميو
ولوسنتو.)
فليحفظْكَ اللهُ أيا سنيور جريميو!
جريميو
:
ما أسعدَني بلقائِكَ يا سنيور
هورتنسو!
هل تدري مَنْ أتَّجهُ إليه؟ بابتيستا
مينولا،
كنت وعدتُ الرجل بأنْ أبحثَ بعناية
عن أستاذٍ لابنتِهِ بيانكا الحسناءْ،
(١٦٥)
ولقد وُفِّقتُ لحُسنِ الحظِّ إلى هذا
الشابِّ النابِه،
مَنْ يصلُحُ عِلْمًا وسلوكًا للتدريسِ
لها،
فهو المتبحِّرُ في شِعرِ الشعراءِ وفي
الكُتُبِ الأخرى …
فيها كُتُبٌ قيمة … وأؤكدُ لك.
هورتنسو
:
لا بأس بهذا، إذ قابلتُ أنا أيضًا رجلًا
(١٧٠)
وعَدَ بأنْ يأتيَني بفتًى آخَرْ،
موسيقيٌّ محترفٌ يتولَّى تعليم
حَبيبتِنا،
وبهذا لن أتخلَّفَ عمَّا يفرضه حبُّ
الحسناءِ بيانكا
من واجبْ … إذ شَغَفَتْني حبًّا.
جريميو
:
هي مَن أهواها وكما أُثبت بالأفعال. (١٧٥)
جريميو
(جانبًا)
:
وكما يُثبتُ بالأموالْ!
هورتنسو
:
ليست هذي اللحظةُ لحظةَ تنفيسٍ عن مكنون
الحبِّ
وإذا راعيتَ أصولَ المنطق فيما نتفاوضُ
فيهِ
فسأروي لكَ خبرًا يُعقِبُ خيرًا
لكلينا:
إنِّي قابلتُ مصادفةً رجلًا يقبَلُ،
(١٨٠)
(إنْ أرضاهُ العائدُ من هذي الصفقة)،
أنْ يخطب كاترينا الشرسة،
بل أن يتزوجها إن وجَدَ البائنةَ ملائمةً
لهْ.
جريميو
:
أنعِمْ بهِ إن صدَّقتْ أفعالُهُ أقوالَهْ.
٧٤
أتراك كشفت له يا هورتنسو عن كل عيوبٍ فيها؟
(١٨٥)
بتروشيو
:
عرفت أنها سليطةُ اللسانِ تطلبُ الشجارَ
والنكدْ
إن لم يكُنْ في الأمر غيرُ هذا ما أصابني
كمَدْ
جريميو
:
ما أعجبَ قولَكَ يا صاحْ! ما وطنُكْ؟
بتروشيو
:
فيرونا مسقط رأسي وأبي أنطونيو.
مات أبي لكنَّ الثروةَ واللقبَ يعيشان معي،
(١٩٠)
وأنا أرجو أن أحيا أيامًا هانئةً وأعيشَ
طويلًا.
جريميو
:
لكنِّي أستبعدُ ذلك مع تلك الزوجة،
أمَّا إن آنستَ القُدرةَ في نفسك فتقدَّمْ
باسم الله،
وأنا أضمنُ تقديم العَونِ إليكَ بكلِّ
الأشكالْ،
أتُراكَ تودُّ بصدقٍ أن تخطبَ ودَّ فتاةٍ
متوحشةٍ؟
بتروشيو
:
أتراني أرغب في أن أحيا؟٧٥ (١٩٥)
جروميو
:
هل يخطبُها؟ ذاك وإلَّا أشنُقُها!٧٦
بتروشيو
:
وهل جئتُ إلا كي أفوزَ بوصلِها؟
وكيف تخيَّلتُم بأنَّ مَسامِعي
تخافُ ضجيجًا تافهًا من لسانِها؟
تُرانيَ لم أسمعْ بما مرَّ من عمري
زئيرًا لرِئْبالٍ وصيحةَ ضيغمِ؟
تُرانيَ لم أسمعْ هديرَ بحارِنا
إذا لَطَمتْها الريحُ فاشتدَّ سُخْطُها
(٢٠٠)
وهاجتْ كخنزيرٍ من الوحشِ غاضبٍ
ويعرَقُ من غيظٍ فيعلو قُباعُهُ؟
تُرانيَ لم أسمع ضجيج مدافعٍ
ضخامٍ وفي الميدان يرعدُ قصفُها؟
تُراني لم أسمعْ هزيمًا مقعقعًا
لقصف رعودٍ كالمدافع في السما؟
ألم أستمعْ من قبلُ في حَوْمةِ الوَغَى
لدقاتِ طبلٍ أو نفيرٍ يدوِّي أو صهيل خيولها؟
٧٧ (٢٠٥)
وها أنتمُو خِلْتُم بأنْ قدْ يُخيفُني
لسانٌ لأنثى لا يزيد ضجيجُهُ
عن الكستنا إن طقطقت ومُزارعٌ
على ناره يشويها،
أخيفوا إذَن أطفالَكُم بالبَعَابِع.
جروميو
:
فذلك لا يخشى من الناس لاغيًا!
جريميو
:
فلْتتنبَّه هورتنسو! عقلي يقول لي (٢١٠)
وصولُ هذا السيد الكريم قد أتى بالسَّعد ها
هنا
لخيرهِ وخيرِك.
هورتنسو
:
كنتُ وعدْتُ الرجلَ بأن نُسهِمَ في نفقاتِ
الخِطبة
بل أنْ نتحمَّلها عنه مهما تَبْلُغْ
جريميو
:
ولسوف نفي بالوعدِ بِشَرطِ نجاحِه. (٢١٥)
جروميو
:
يا ليتَ عندي ما لديه من ثِقَة
في أنْ أنالَ وجبةً شهيَّة!
(يدخل ترانيو متنكرًا في شخصية لوسنتو
ومعه الخادم الصغير بيونديلو.)
ترانيو
:
يا سادة حفظكم الله! هل لي أن أجرؤ كي
أسألكم ما أقصَرُ
هذي الطرقِ إلى منزلِ بابتيستا
مينولا؟
بيونديلو
:
والد الجميلتين؟ هل ذاك مَن تعني؟ (٢٢٠)
ترانيو
:
بل هو مَنْ أعني يا بونديلو حقًّا!
جريميو
:
لكنَّكَ لا تعني أن تخطبها صدقًا؟
ترانيو
:
ربما قصدتُهُ ورُمْتُها مَعَهْ … ما الذي يعنيك أنتَ
من شُئونِها؟
بتروشيو
:
أرجو بألَّا تنتوي أن تخطب التي قد ذاعَ سوءُ
طَبعِها!
ترانيو
:
بل لا أحبُّ سيئاتِ الطبعِ … هيَّا مِنْ هنا
بونديلو. (٢٢٥)
لوسنتو
(جانبًا)
:
أحسنت يا ترانيو هذه البداية.
هورتنسو
:
يا سيِّدي أرجوك كِلْمةً من قبل أن
تذهبْ
هل هذه الفتاةُ حقًّا مَنْ تريدُ أن
تُخطَبْ؟
ترانيو
:
وإن أكُنْ أريدُها فهل ترى في ذاك وِزرًا؟
جريميو
:
كلَّا إذا مضيت دون كلمةٍ أخرى وفورًا! (٢٣٠)
ترانيو
:
أقول إنما شوارع المدينة … لكلِّ عابرٍ مباحة
جريميو
:
لكنما العذراءُ غير متاحة.
ترانيو
:
قل لي لماذا لو سمحت؟
جريميو
:
إذا أردتَ أنْ تُحيطَ بالسببْ …
فقُلْ
لأنها الحبيبةُ الأثيرة … للسنيور جريميو.
(٢٣٥)
هورتنسو
:
وإنها الحبيبة الأثيرة … للسنيور هورتنسو.٧٨
ترانيو
:
أرجو الهدوءَ سادتي! إن كنتمو حقًّا من
السادة
فلتمنحوني الحقَّ في أن تصبروا
وتسمعوني.
الشيخ بابتيستا نبيلٌ ذو شرفْ،
وليس جاهلًا بوالدي، (٢٤٠)
لو أن بنتَهُ زادت بهاءً فوق حُسنها
فسوف تستحقُّ أن يزيد خاطبوها … وها أنا من
بينهم!
قد كان يسعى كي يفوز بقلب هيلين الجميلة
٧٩ ألفُ خاطبْ.
وإذَن فما ضرَّت زيادةُ خاطبي بيانكا
الجميلة واحدًا
ولسوفَ يزدادون بي: فالآن لوسنتو أتاكم
طالبًا يدها (٢٤٥)
حتى ولو جاء الفتى باريس
٨٠ يرجو أن يفوزَ بها لنفسه.
جريميو
:
عجبًا! هل يتفوقُ هذا الرجلُ علينا بحديثه؟
لوسنتو
:
اسمحْ للفرس بأن يتسابق، إذ لن يلبثَ أن
يتقهقر!
بتروشيو
:
هورتنسو! ما الغاية من هذي الأقوال جميعًا؟
هورتنسو
:
اسمحْ لي يا سيِّد أن أتجرأ بسؤالك:
(٢٥٠)
هل شاهدتَ ابنة بابتيستا يومًا ما؟
ترانيو
:
كلَّا لكني أسمعُ أن له بنتَين؛
الأولى اشتهرَتْ بلسانٍ لاذعْ
والأخرى اشتهرَتْ بجمالِ تواضُعْ
بتروشيو
:
اسمع يا سيِّد! الأولى من حقِّي فتحاشاها.
(٢٥٥)
جريميو
:
فعلًا! اترك ذاك الجهدَ الخارقَ لهرقلَ
الأعظَمْ
حتى لو أنَّ مَشَقَّتَهُ فاقَتْ إنجازاتِ
البطلِ الاثنَي عَشَرَ.
٨١
بتروشيو
:
أرجوكَ افهمْني يا سيِّدُ حقَّ
الفَهْم
أمَّا ابنتُه الصغرى … مَنْ تَسعَوْن جميعًا
للفوزِ بها،
فأبوها يحجُبُها عن كلِّ الخُطَّابْ،
(٢٦٠)
بل لن يقبَلَ أنْ يخطبَها أيُّ رجلْ
حتى تجد الكبرى مَنْ يتزوجها،
أيْ لن تتحرر تلك الصغرى قبل زواجِ
الكبرى.
ترانيو
:
إن كان الأمر كذلك وغدوتَ الرجلَ المتوقَّعَ
منهُ
إسداءُ العَونِ لنا … وأنا من بين الكُلِّ …
(٢٦٥)
إن كنت ستأتي فتذيبُ جليدَ الموقِفِ
٨٢ وتحقِّقُ هذا الإنجازْ
أيْ أنْ تقترن هنا بالكبرى كي تتحرر تلك
الصغرى
حتى نتواصل معها … فالفائز حَسَنُ الطالِعِ
٨٣
لن يبلغ سوءُ التقديرِ به أن يجحَدَ
فضلَكْ.
هورتنسو
:
أحسنتَ التعبير وإدراكَ الموقفْ،
(٢٧٠)
وإذَن ما دمتَ تقرُّ بأنَّك خاطِبْ
فعليكَ بأن تفعلَ ما نَفعلُ وتكافئَ هذا
السيدْ،
إذْ نحنُ له ممتنونَ مدينونَ جميعًا.
ترانيو
:
لن أتوانى عن هذا الواجبْ! وبذلك
أدعوكُمْ
لقضاءِ الأمسيةِ ضيوفًا عندي كي نشربَ
أنخابًا (٢٧٥)
في صحَّةِ محبوبتنا ونحاكي المتقاضين
المختصمين،
إذ يبذُلُ كلٌّ جُهدًا جبارًا في عرضِ
قضيتِهِ،
لكنْ يربطهم حبلُ صداقتهم في الأكل وفي
الشرب معًا.
جروميو وبونديلو
:
مُقترَحٌ ممتازْ! هيَّا نذهبْ يا أصحابْ
هورتنسو
:
مُقترَحٌ ممتازٌ لا شكَّ. وإذَنْ أدعو
(٢٨٠)
أحبابي للترحيب الحار هنا ببتروشيو.
٨٤
(يخرج الجميع.)