المشهد الأول
(تدخل كاترينا وبيانكا — مقيدة اليدين —
ويمكن أن يكون المكان ساحةً أمام منزل بابتيستا أو حديقة ملحقة بالمنزل.)
١
بيانكا
:
لا تظلميني يا شقيقتي الكريمة … فتظلمي
نفْسَكْ
لا تجعليني أَمَةً لكْ … ولستُ بالجاريةِ
التي غَدَتْ
مِلْكَ يمينك! فذاك ما أبغضُهُ. أمَّا
الحُليُّ والملابس المُزركَشَة
فإنْ فكَكْتِ القيد في يدي خلعتُها
بنَفْسي.
بل إنَّني سأُلقي كلَّ مَلْبَسي حتى قميصَ
النوم، (٥)
وأيُّ شيءٍ تأمرينني أن أفعلَهْ …
سأفعلُهْ،
فإنَّني أُجِلُّ واجبي لمَنْ يكبُرُني
إجلالًا.
كاترينا
:
مَنْ من خُطَّابكِ يؤثرهُ قلبُكْ؟ آمُرُكِ
بأنْ
تعترفي بالحقِّ ودون خداعْ.
بيانكا
:
أرجوكِ صدِّقيني يا شقيقتي. لم أَلقَ بعدُ
من (١٠)
بين الرجال مَنْ أُحبُّ وجهَهُ
خصوصًا
فوق سائر الوجوهْ.
كاترينا
:
كذبتِ يا صغيرةً مُدلَّلة! أليسَ هورتنسو؟
بيانكا
:
إنْ كان قلبُكِ ارتضاه يا شقيقتي … فإنَّني
— قَسَمًا —
سأبذُلُ الذي في طاقتي حتى يكونَ من
نصيبِكْ. (١٥)
كاترينا
:
إذَنْ فربما هَويتِ أربابَ الثراءِ والزواجَ
من جريميو،
لكي تحافظي على الجمال بالأموال في المستقبلِ.
٢
بيانكا
:
هل هذا سببُ الحقدِ عليَّ؟!
وإذَنْ لستِ بجادَّة. بل إنِّي أدركتُ الآن
بأنَّ
سلوككِ نحوي لم يكُ إلا هزلًا في هذي
الأثناءْ. (٢٠)
أختي كيت! أرجوكِ إذَنْ فَكَّ
وِثاقي.
كاترينا
:
إنْ يكُ هذا هزلًا فسواه جميعًا من باب
الهزلِ.
(تضربها.)
(يدخل بابتيستا ويرى الضرب.)
بابتيستا
:
يا عجبًا كلَّ العجبِ! ما سببُ تعدِّيكِ
عليها؟
ابتعدي يا بيانكا! المسكينةُ تبكي!
انطلقي فأتِمِّي التطريز ولا تشتبكي معها.
(٢٥)
(يخلِّص يدَي بيانكا من قيودها.)
العارُ عليكِ هنا يا خائبةً تركبها روحٌ شيطانية!
٣
ولماذا هذا العدوانُ على أختٍ لم تُخطئْ
يومًا في حقِّكْ؟
ومتى ندَّتْ عنها شكوى فأثارتْ
حَنقَكْ؟
كاترينا
:
يستهزئ بي هذا الصمتُ ولا بدَّ من الثأرِ
لنفْسي.
(تحاول الهجوم على بيانكا.)
بابتيستا
:
عجبًا وعلى مرأًى منِّي؟ عودي للمنزل يا بيانكا.
(٣٠)
(تخرج بيانكا.)
كاترينا
:
ما عُدتَ تطيقُ وجودي؟ الآن اتضحَ
الأمر!
فهي الكَنزُ المكنونُ لديكَ ولا بدَّ بأن
تتزوجْ.
وعليَّ بأنْ أرقصَ حافية القدمين إذَنْ يومَ
زفاف المحبوبة.
وكذا يقضي حبُّكَ بقيادتي القِرَدَةَ في نار جهنَّمْ.
٤
لا أَقبلُ أيَّ مخاطَبةٍ بل أمضي كي أبكي
وحدي (٣٥)
حتى أجدَ الفرصةَ سانحةً للثأرِ.
(تخرج كاترينا.)
بابتيستا
:
هل يحيا رجلٌ في الأرضِ يُكابدُ
أحزاني؟
لكنْ مَن جاء إلينا؟
(يدخل جريميو. ولوسنتو متنكرٌ في دور
كامبيو المعلم، ومُرتدٍ ملابس شخص عادي. وبتروشيو وهورتنسو
المتنكر في دور ليسيو وترانيو المتنكر في دور لوسنتو خادمه
بونديلو الذي يحمل آلة العود الموسيقية وبعض
الكُتُب.)
جريميو
:
عِمْتَ صباحًا يا صاحبَنا بابتيستا.
بابتيستا
:
عِمْتَ صباحًا يا صاحبَنا جريميو … يحفظُكُم ربُّ
العِزَّةِ يا سادة. (٤٠)
بتروشيو
:
وأنتَ أيضًا أيها الكريمْ! أرجوكَ قُلْ لي
هلْ لديكَ
بنتٌ ذاتُ حُسنٍ فاضلة … واسمُها
كاترينا؟
بابتيستا
:
يا سيِّدي! لديَّ بنتٌ واسمُها كاترينا.
جريميو
:
مَدخلُكَ مُباشِرْ. لا بدَّ من التمهيدِ لِمَا
تقصدْ. (٤٥)
بتروشيو
:
لقد ظلمْتَني سنيور جريميو. أرجو بأنْ
تسمعني.
يا سيِّدي! إنِّي من السادةِ في
فيرونا،
سمعتُ عن جمالها وعن ذكائها،
عن لُطفها وحيائها … وما يَزِينُها من
التواضعِ الرقيقْ
ومن خِصالٍ رائعة … ومن سلوكٍ ذي وداعةٍ
رزينة. (٥٠)
وهكذا جرُؤتُ أنْ آتيكَ ضيفًا طامحًا
أنْ تَشهدَ العينان في مَنزلكُمْ … مِصداقَ
ما سمعتُهُمْ
يُردِّدونه كثيرًا عن شمائل الفتاة،
وفي مُقابل الضيافةِ الكريمةِ التي
لَقِيتُها
أرجو قَبولَ تابعٍ لديَّ جَهْبذٍ في
العِلْمِ بالموسيقى (٥٥)
وما نسمِّيهِ الرياضياتِ حتى يَصقُلَ
المعارفَ التي
لدى الفتاةِ في فُنونِ المَبحثَيْن،
فإنَّني لَواثقٌ بأنَّها عليمةٌ ببعض ما
فيهما.
أرجوكَ فاقبلْ هذه الهدية … كي لا تُسيءَ
إليَّ …
اسمُهُ ليسيو … ومانتوا مَسقطُ رأسِهْ.
(٦٠)
بابتيستا
:
يا مرحبًا بكْ … ومرحبًا بهِ من
أجْلِكْ،
أمَّا فتاتي كاترينا … فإنَّني أقولُ
واثقًا
بأنها ليست تُلائمُكْ، وذاك ما
يُحزِنُني.
بتروشيو
:
إخَالُ أنَّكَ لا تُطيقُ فِراقَها،
أو قُلْ بأنَّكَ لا تودُّ نَسَبي.
(٦٥)
بابتيستا
:
لا تُخطئْ فَهْمي؛ إذ لا أتكلمُ إلا عمَّا أعرفْ.
٥
ممَّنْ أنتَ وماذا تُدعى؟
بتروشيو
:
اسمي بتروشيو، وأبي أنطونيو
رجلٌ مشهورٌ في شتَّى الأرجاء
بإيطاليا.
بابتيستا
:
أعرفُهُ معرفةً وُثقَى وأرحِّبُ بكَ من أجْلِهْ.
(٧٠)
جريميو
:
مع احترامنا لروايتك يا بتروشيو، أرجو أن تدعنا
نحن
المتوسلين المساكين نحكي ما نحكي. تراجعْ قليلًا٦ فلقد
تقدمت إلى حدٍّ مدهش.
بتروشيو
:
اعذِرْني يا جريميو، فأنا لا أحتملُ الصبرَ وأرجو
إتمامَ العَمَلِ.
جريميو
:
لا شكَّ عندي في ذلك. لكنك سوف تندم على خِطبتك (إلى
(٧٥)
بابتيستا) أيها الصاحب العظيم، إن هديَّته لكَ جديرة
بكل
امتنان قطعًا، وها أنا ذا أجاري عطفه من بعد أن
حمَّلتني معروفًا
أدينُ لك به أكثر من سواي، فأقدِّم إليك بلا مقابل
هذا العلَّامة
الشابَّ (يقدِّم لوسنتو المتنكر في شخصية كامبيو)؛
فقد درس
طويلًا في جامعة رايمز،٧ وأتقن معرفة اليونانية واللاتينية
(٨٠)
وغيرهما من اللغات إتقانَ الآخَر للموسيقى
والرياضيات.
واسمه كامبيو. أرجو أن تَقبل خدماته.
بابتيستا
:
ألف شكر يا سنيور جريميو، ومرحبًا بك يا كامبيو
الكريم.
(إلى ترانيو) لكنني أتصور أيها الكريم أنك تقف
خارج
الجماعة. هل أجرؤ أن أسألك عن سبب مجيئك؟
(٨٥)
ترانيو
:
الصَّفْحَ سيِّدي على جَسارتي
فإنَّني
من غير أهلِ هذه المدينة،
لكنَّني قَدِمْتُ خاطِبًا هُنا لابْنَتِكُمْ
بيانكا،
تلكَ التي تمتازُ بالجمالِ والعفافْ،
(٩٠)
ولستُ أجهَلُ القرارَ الصارمَ الذي اتخذتَهُ
يا سيِّدي
بأولويَّةِ الزواجِ للأُختِ الكبيرة،
وليس عندي غيرُ مَطلبٍ وحيدْ؛
ألَّا تحُول بيني — إن عرفْتَ أُسرتي
—
وبين الانضمامِ للذين يطلبون يدَها،
(٩٥)
وأنْ تُتيحَ لي الترحيب والدخول والخروج
مِثلَهمْ.
أمَّا بشأن تعليم ابنتَيك … فإنَّني أُهديكَ
آلةً بسيطةً
وحُزمةً صغيرةً من الكُتُبْ.
(يتهامس معه أثناء إهدائه الكتب.)
فبعضُها يوناني … وبعضُها لاتيني،
فإنْ قَبِلْتَها تأكَّدَ ارتفاعُ قَدْرِها.
(١٠٠)
بابتيستا
:
اسمُكَ لوسنتو٨ … ما موطنُكَ ونَسَبُكْ؟
ترانيو
:
إنِّي من بيزا … وأبي فنشنتو.
بابتيستا
:
رجلٌ شديدُ البأسِ في بيزا … وقدْ
عرفْتُهُ
بفضلِ ما سمعتُ عنه خيرَ معرفة. يا مرحبًا
بكَ بيننا.
(إلى هورتنسو) خُذْ أنتَ هذا
العُودْ.
(إلى لوسنتو) وأنتَ فلْتحمِلْ جميعَ
الكُتُبِ. (١٠٥)
ولْتَذهبا حتى تُقابلا تلميذتَيْكُما
فورًا.
(ينادي) يا مَنْ هُناكْ!
(يدخل خادم.)
قُمْ يا غلامُ باصطحابِ السيِّدَين كي
يُقابلا ابنتيَّ،
أَنْبئْهُما بأنَّ هذين هنا هُما
المُعلِّمانْ … واطلُبْ إليهما
أنْ يُبديا الإجلالَ لهما.
(يخرج الخادم ولوسنتو وهورتنسو ومن ورائهم
بيونديلو.)
فلْنخرُج الآن إلى البُستان بُرهةً قبل
العَشاءْ، (١١٠)
إنَّ ترحيبي بكُمْ يفوق كلَّ وصف،
ولْتَطمئنُّوا كلُّكُمْ لذلك
الترحيبْ.
بتروشيو
:
يا سيِّدي بابتيستا … مهمَّتي تُلزمُني
بالعَجَلَة
لا أستطيعُ أنْ أجيءَ خاطِبًا في كلِّ يوم
٩
وأنتَ تَعرفُ المرحوم والدي ومن خلاله عَرَفْتَني
١٠ (١١٥)
كخَيرِ ما تكون المعرفة. فإنَّني وريثُهُ
الوحيدُ للأملاكِ والبضائعْ،
وقدْ نجحتُ في زيادةِ الميراثِ لا
نُقصانِهِ.
قُلْ لي إذَنْ، إذا نجحتُ في نَوالِ حُبِّ
بنتِكْ،
فما حدودُ ما أناله لدى الزواج من
بائنةٍ؟
بابتيستا
:
مِيراثُها بعد وفاتي نِصفُ أملاكي،
(١٢٠)
وعندها عشرون ألفَ درهمٍ حاضرة.
بتروشيو
:
ومُقابلَ هذِي البائنةِ سأكفُلُ أنْ تَحيا
في رَغَدٍ
عند ترمُّلِها؛ أيْ إنْ كُتب لها أنْ تحيا
من بَعدي،
إذ أَنزِلُ عن كلِّ عقاراتي المملوكة
والمُستأجَرة لها،
وإذَنْ فعلينا إبرامُ عقودٍ قانونية
١١ (١٢٥)
مُلزِمَةٍ للطَّرَفَين وفي أيدي كلِّ
طَرَفْ.
بابتيستا
:
هذا إذا نجحتَ في تحقيق شَرطي الأساسي،
١٢
أيْ أنْ تنالَ حُبَّها … فالحبُّ عندي كلُّ
شيء.
بتروشيو
:
أقولُ بأنَّهُ أمرٌ يسير.
ألَا فاعْلَمْ أبي أنِّي
عنيدٌ
وعزمي في صَلابةِ
كِبْرياها (١٣٠)
فإمَّا يلتقي لهبٌ شديدٌ
بنارٍ من ضِرامٍ تَتَباهى
رأيتَ تلاحُمَ النارَين
فِعلًا
ليُحرِقَ ما غَذَا
النارَين تِيها
فإنْ أدَّى النسيمُ إلى
اشتدادٍ
بوقدةِ جمرةٍ
فَغَدتْ ضِراما
فإنَّ الريحَ إنْ عصفَتْ
عُتوًّا
ستُخمِدُ كلَّ
نيرانٍ تَراها
١٣
فذاك مِثالُها وكذا
مِثالي
فإنِّي سوف أُخضِعُها
غَرامَا (١٣٥)
فإنِّي عارمٌ وشديدُ بأسٍ
وما أنا بالرَّضيعِ إذا
هواها!
بابتيستا
:
إذَنْ أَقدِمْ وطارِحْها
غَرامَكْ
وأرجو أنْ تنالَ
بها مَرامَكْ
تَسلَّحْ بالدروع فسوف
تَلْقَى
هُجومًا من شتائمها
أمامَكْ!
بتروشيو
:
نعمْ ولديَّ دُروعٌ
حَصينَة
كمِثْلِ الجبالِ
أمامَ الرياحْ
فليس تهُزُّ الجبالَ
الرياحُ
وإنْ دامَ هذا
الهبوبُ وجَاحْ (١٤٠)
(يدخل هورتنسو، المتنكر في شخصية
ليسيو، وقد جرح رأسه.)
بابتيستا
:
ماذا أصابَكَ صاحبي فَكَسا مُحيَّاكَ
الشُّحوب؟
هورتنسو
:
إن كنتُ أبدو شاحبًا فمَخَاوفي سرُّ
الشُّحوب.
بابتيستا
:
أترى فتاتي سوف تُحكِمُ صنعةَ الموسيقى؟
هورتنسو
:
بل سوف تُحكِمُ عن قريبٍ حِرْفةَ
الأجنادِ
إنَّ الحديدَ مُلائمٌ للبنتِ لا عزْفٌ على
الأعوادِ. (١٤٥)
بابتيستا
:
أمَا استطعتَ أنْ تُعلِّمَ الفتاةَ عزْفَ
العُودْ؟
هورتنسو
:
بل علَّمَتْني شَجَّ رأسي بانقضاضِ العُودْ!
١٤
حاولتُ أنْ أدُلَّها على أماكنِ الأنغامِ في الأوتارْ،
١٥
لكنَّني ما كِدتُ أُرشِدُها بتوجيهِ
الأصابعِ للخُطوطِ البارزة
حتى وجدتُ البنتَ تصرخُ مثلَ شيطانٍ مُريدٍ
لا تُطيقُ الصبرَ، (١٥٠)
قالت «تُسمِّيها خطوطًا بارزة؟ إذَنْ
فغَضْبَتي عليكَ بارزة!»
وعندها هَوَتْ على رأسي بضربةٍ
عظيمة،
فغاصَ داخلَ العُودِ الذي انشقَّتْ بهِ
فُتْحَة،
وحلَّ بي الذهولُ بُرهةً كأنَّني صُلبْتُ في
الحبَّاسةِ الخشبيَّة
وناظرٌ إلى الحياة من خلال العُود.
(١٥٥)
وفي غُضونِ هذا لم تكُفَّ عن سِبابي … «أنتَ
وغدٌ!» «يا حقير!»
«يا قليل الأصل!» ومثلُها عشرون لفظًا من
شتائمٍ شَنيعَة
كأنَّما أعدَّت العُدَّةَ كي تُهينَني!
١٦
بتروشيو
:
أقسَمْتُ بالدنيا بأنَّ هذه الفتاةَ
بالحياةِ نابضة،
١٧
وفي فؤادي ضُوعِفَ الحُبُّ لها عَشرَةَ
أضعافْ، (١٦٠)
أوَّاهُ كم أتوقُ أنْ أُجاذبَ الفتاةَ
أطرافَ الحديث!
١٨
بابتيستا
(إلى هورتنسو)
:
فلْتدْخُل الآن معي … بل لا تَدَعْ هذا
يَفُتَّ في عَضُدِكْ.
تابِعْ دُروسَكَ لابْنَتي الصغرى،
إذ تَقبَلُ التعليمَ بل تُبدي امتنانًا للذي
يُفيدُها.
(إلى بتروشيو)
هل تُؤْثرُ اصطحابَنا إليهما أم أُرسلُ
الفتاةَ كيت إليك؟ (١٦٥)
بتروشيو
:
أرجوكَ أَرسلْها.
(يخرج الجميع ويظل بتروشيو وحده على المسرح
أثناء ما يلي.)
سوف أبقى في مكاني أنتظرْ،
عندما تأتي سأُفضي بغرامي في حماسْ،
إنْ رَمَتْني بالشتائمْ … قُلتُ ما أحلى
الغناءْ!
فهْو أشجى من غناء العندليبْ. (١٧٠)
إنْ بدَتْ لي عابسة … قُلتُ ما أصفى
الجبينْ!
مثل وردِ الصبحِ والأنداءُ قد زادتْهُ
نُضرة.
إنْ بدَتْ لي صامتة … ثم لم تنبسْ ببنتِ
شَفَة،
قُلتُ ما أجملَ ما تنسابُ ألفاظٌ كِرامٌ
دافِقة،
مادحًا تلك الفصاحة … مُطريًا فنَّ النفاذِ
للقلوبْ. (١٧٥)
إنْ دَعَتْني للرحيلْ … قُلتُ إنِّي شاكرٌ
هذا الكرَمْ،
أيْ كأنَّ البنتَ تدعوني إلى أنْ … أقضيَ
الأسبوعَ في صُحبتِها!
إنْ تكُنْ ترفُضُ أنْ تَقْبَلَني
زوجًا
قُلتُ كم أشتاقُ يومَ العُرسِ في حفل
الزفاف.
(تدخل كاترينا.)
ها هي الآن أتَتْ … حان بتروشيو كلامكْ،
(١٨٠)
فلْأقُلْ يا كيت عِمْتِ صباحًا … ذاكَ فيما
قِيلَ اسمُك.
كاترينا
:
حقًّا سمعتَ ما يُقالْ … لكنَّ في أُذنيكَ
وَقْرًا،
فإنَّما الذين يَعرفونني يدعونني
كاترينا.
بتروشيو
:
هذا كذبٌ في الواقعْ. إذ يدعونكِ إمَّا
«كيت» وحَسْب،
أو «كيت الكبرى»، أو «كيت الشرسة» في بعض
الأحيانْ، (١٨٥)
لكنكِ «كيت» غرامي، أحلى كيت في أرضِ
الله،
مَن يتسمى أعظم قصرٍ باسمكِ يا ذاتَ الحُسنِ الرائعْ!
١٩
إذ إنَّا ندعو خيرَ لطائفنا «كيت»! وإذَنْ
فاسمُكِ يعني الألطف،
لكنْ أرجوكِ التصديقَ لما أحكي يا «كيت»
السلوى والسلوانْ،
إنِّي حين سمعتُ الناسَ تردِّدُ لُطفَ
طباعكِ في كلِّ مدينة، (١٩٠)
أو تتغنَّى بفضائلِكِ وحُسنِك
— حتى إنْ لم يبلُغْ ما قِيلَ حقيقةَ
أمْرِكْ —
حرَّكَ ذلك في نفسي الرغبةَ في أنْ أخطُبَ
وُدَّكِ
كي أتزوجَ بكْ.
كاترينا
:
قُلتَ تحركتَ فجئتَ إلينا؟ دعْ مَن حرَّكَكَ
يُزيحُكَ فورًا عنَّا! (١٩٥)
فأنا أدركُ من أول لحظة … أنكَ من بين
المنقولات!
بتروشيو
:
ماذا تعني المنقولاتْ؟
كاترينا
:
قِطَعُ أثاثٍ تُنقَلُ مثل الكُرسي.
بتروشيو
:
هذا صوابٌ فاجلسي فوقي.
كاترينا
:
الحُمُرُ دوابٌّ خُلِقتْ للحَمْل … وكذلك أنتَ!
(٢٠٠)
بتروشيو
:
المرأةُ خُلِقتْ للحمل … وكذلك أنت!
كاترينا
:
لستُ حصانًا مهزولًا مثلكَ إنْ كنتَ بذلك
تقصدُني.
بتروشيو
:
لا أيا كيت الكريمة … لن تُحسِّي أيَّ ثقْلٍ
لو عَلَوتُكْ
إنَّما أنتِ كما أعلَمْ … لا تزالينَ صغيرة
… وخفيفة!
كاترينا
:
أخِفُّ عدْوًا إنْ أراد عاشقٌ جِلْفٌ بأنْ
يَقنِصَني، (٢٠٥)
لكنَّني ثقيلةٌ كعملةٍ شريفةٍ ووزنُها
صحيحْ.
بتروشيو
:
مثل اقتناصِ نحلةٍ زنَّانة؟
كاترينا
:
أدركتُ ما تعني … فالزنُّ للصقر الصغيرْ.
بتروشيو
:
يمامتي بطيئةُ الجَناحْ … هل يستطيعُ الصقرُ أنْ
يقتَنِصَكْ؟
كاترينا
:
نعم! كأنها يمامةٌ تصيدت جُعْلًا كبيرًا.٢٠ (٢١٠)
بتروشيو
:
بل أنتِ نحلةٌ طنَّانة … لديكِ سُخْطٌ زادَ عن
حدِّه.
كاترينا
:
إن كنتُ نحلةً حذارِ من لَسعةِ حُمَتي.
بتروشيو
:
إنَّ العلاجَ يقتضي انتزاعَها.
كاترينا
:
إذا استطاع أحمقٌ أن يهتدي لمكانِها.
بتروشيو
:
ويَعرفُ الجميع أنها تكون عند ذَيلها. (٢١٥)
كاترينا
:
بل في لسانها.
بتروشيو
:
لسانِ مَنْ؟
كاترينا
:
الحقُّ أنه لسانُكْ. ما دمت تحكي عن ذيولٍ
فالوداعْ!
(تتجه للخروج.)
بتروشيو
:
كيف تَمضين وما زال لساني عند ذيلكْ؟
ارجعي يا «كيت» يا ذاتَ الكَرَمْ، إنَّني
بالحقِّ سيِّدٌ مُهذَّبْ. (٢٢٠)
كاترينا
:
ذاك ما أرجو اختبارَهْ (تضربه.)
بتروشيو
:
أقسَمْتُ إنْ ضربتِ ضربةً أخرى لطمتُكْ.
كاترينا
:
فإنْ فعلتَ ضاعَ نُبْلُ مَحتِدِكْ،
٢٢
إذ إنَّ ضَرْبي سوف ينفي أيَّ تهذيبٍ
لديك،
وفاقدُ التهذيبِ فاقدٌ دِرْعَ النَّبالة.
(٢٢٥)
بتروشيو
:
هل أنتِ مَنْ يُحدِّدُ النَّبالة؟ إذَنْ فسجِّلي
اسمي لديك.
كاترينا
:
وما شِعارُ أُسرتِكْ؟ طُرطُورُ حُمْقٍ مثل عُرْفِ
الدِّيكْ؟
بتروشيو
:
بل إنَّني ديكٌ بلا عُرْفٍ … و«كيت» هذه
دجاجتي!
كاترينا
:
بل لستَ ديكًا صالحًا لي … فإنَّما تصيحُ صيحةَ
الخُوارْ.
بتروشيو
:
هيَّا إذَنْ يا كيت هيَّا! انزعي هذا العُبُوسَ
المُر! (٢٣٠)
كاترينا
:
ذلك دَأْبي حين أرى سرطانَ البحر.
بتروشيو
:
ليس لدينا سرطانٌ فابتسمي!
كاترينا
:
بل يوجَدُ هذا قَطْعًا.
بتروشيو
:
وإذَنْ أَرينيه الآنْ.
كاترينا
:
لو كانتْ عندي مرآةٌ لأَرَيتُكْ. (٢٣٥)
بتروشيو
:
هل قصدُكِ وجهي؟
كاترينا
:
الرَّمْيةُ صائبةٌ رغمَ يُفوعِكْ.
بتروشيو
:
أقسَمْتُ إنَّ عُنفواني٢٣ عارمٌ لن تَقدِري عليه.
كاترينا
:
لكنَّما على جبينكَ الغُضونْ.
بتروشيو
:
جاءتْ بها الهُمُومْ. (٢٤٠)
كاترينا
:
وذاك لا يُهِمُّني.
بتروشيو
:
الآن فاسمعيني «كيت». لن تُفلتي منِّي بهذه
السُّهولة.
كاترينا
:
دعني أذهبْ. فأنا أُغضِبُكَ إذا لم أذهبْ.
بتروشيو
:
إطلاقًا! إني أراكِ ذاتَ رقَّةٍ
فائقةٍ،
وكنتُ قد سمعتُ عن فظاظةٍ أو كبرياءَ أو
تجهمٍ في طبْعِكْ، (٢٤٥)
لكنَّني اكتشفتُ أنَّ هؤلاء كاذبونْ،
فأنتِ تُبهجين القلبَ تَهوين المُلاعَبَة …
ولا حدودَ فيكِ للكياسَة،
وما لسانك الذي سَمِعتُهُ بلاذعٍ … فأنتِ
حُلوةٌ مثل الزهورِ
في الربيع! بل ليس في مقدوركِ العُبوسُ أو
أنْ تنظري شزْرًا
إلى مخلوقْ! وأنتِ لا تعضِّين الشفاهَ شأن
الحانقاتْ! (٢٥٠)
وما لديكِ أدنى مُتعةٍ في أنْ تُناقضي أيَّ
حديثْ،
بل تأخذين لُبَّ خاطبِيكِ بالوداعة …
وبالأحاديثِ الرقيقة،
وكلُّ ما بها ينمُّ عن حياءٍ وبشاشة.
قولي لماذا يزعم الناسُ هنا بأن «كيت»
عرجاءْ؟
فذاك من تخريصِ مُرجِفينْ! بل إن «كيت» مثل
غُصنِ البانْ (٢٥٥)
قَوامُها سويٌّ مثل غُصنِ بندقٍ نحيلْ
فإنْ تكُنْ سمراءَ كالبندقةِ
٢٤ … فإنَّها لذيذةٌ كالثَّمرَة.
أريدُ أنْ أراكِ تَمشين أمامي … فليس فيكِ
من عَرَجْ.
كاترينا
:
اذهَبْ يا أحمقُ ولْتُلقِ أوامرَكَ على
خَدَمِكْ!
بتروشيو
:
تميسُ كيت دلالًا … بمِشيَةِ الأمراءِ (٢٦٠)
في غرفةٍ تَتَباهى … بها بكلِّ رواءِ
تفوقُ دلَّ ديانا … في وسْطِ تلكَ الخَميلة
إن «كيت» صارتْ ديانا … بطُهرِ بنتٍ أصيلة
أضحَتْ ديانا لَعوبًا … من وحي كيت
الجميلة.
كاترينا
:
وأين تعلَّمْتَ هذا الكلامَ المُنمَّقْ؟٢٥
بتروشيو
:
بل ارتجلتُهُ٢٦ … ممَّا ورِثْتُهُ … من عقْلِ أمِّيَ
اللمَّاحِ بالفِطرة. (٢٦٥)
كاترينا
:
أمٌّ ذكيةٌ بلا جدالْ … هذا وإلَّا جاءَ طفلُها
غبييًّا.
بتروشيو
:
ألستُ عاقلًا؟
كاترينا
:
نعم ما دمتَ قد نجحتَ في اكتسابِ الدفء.٢٧
بتروشيو
:
وذاك ما قصدتُهُ يا كاترينا الحُلوة! الدفءُ
في فِراشِكْ
وهكذا فإنْ طرَحْنا كلَّ ذلك التراشُقِ
اللفظي (٢٧٠)
أقولُ في وضوحٍ إنني حُزتُ الرضا من
والدِكْ
على الزواجِ بكْ. بل واتفقنا حول حجم
البائنة،
وسوف تُصبحين زوجتي … رضيتِ أم أبيتِ!
٢٨
ولْتَعلَمي يا كيت أنني الزوج الذي
يلائمُكْ!
أقسَمْتُ بالضوءِ الذي يجلو لعينيَّ جمالَكْ
(٢٧٥)
— وذا جمالٌ عمَّقَ الحبَّ بقلبي لكْ
—
ألَا تكوني زوجةً لسوايْ!
(يدخل بابتيستا وجريميو وترانيو متنكر في
شخص لوسنتو.)
إذ إنَّني مَن جاء للدنيا لكي يروِّضَكْ …
يا كيت …
وأنْ يحوِّلَكْ … من «كيت» ذاتِ الشراسة …
من قطَّةٍ بريَّة
إلى الأليفةِ التي نرى أمثالها في المنزلْ
(٢٨٠)
ها قد أتى والدُكْ. حذارِ أنْ تنفي الذي
تقرَّرْ
لا بدَّ أنْ أحظى بزوجتي كاترينا … وسوف
أفعلْ.
بابتيستا
:
سنيور بتروشيو! كيف تسير أمورُك مع بنتي؟
بتروشيو
:
طبعًا بالتوفيقْ. هل يُمكنُ إلا التوفيقْ؟
(٢٨٥)
ومحالٌ ألَّا يتحقَّقَ عندي هذا
التوفيقْ!
بابتيستا
:
إذَنْ فكيف عادَكِ اكتئابُ النفسِ يا ابنَتي
كاترينا؟
كاترينا
:
هل قلتَ إنني ابنتُكْ؟ دعْني أقولُ لكْ: هل
ذاك
إبداءُ الحنانِ الأَبَوي؟ أيْ أنْ تريدَ لي
الزواجَ من فتًى
قد طارَ نصفُ عقلِهْ؟ وغدٌ ومخبولٌ وحلَّافٌ
عجيبْ! (٢٩٠)
أيمانُهُ في ظنِّهِ تكفي لأنْ يقضي
الوَطَرْ.
بتروشيو
:
حقيقةُ الموضوعِ ما يلي يا والدي:
أنتُم وكلُّ مَن تصدَّى للحديث عن فتاتي
خانه التوفيقْ.
أمَّا الذي تُبديهِ من شراسةٍ فإنه
مُسَخَّرٌ لِنَيْلِ غايةٍ
مُعيَّنة! لكنها ليست شموسًا بل وديعةٌ مثل الحمامْ
٢٩ (٢٩٥)
وليس طبعُها عنيفًا بل رقيقًا مثل أنسامِ
الصباحْ،
وصبرُها يعادل اصطبارَ مَن تُدعى جريسيل.
٣٠
مثالُ كلِّ زوجةٍ مطيعةٍ صَبور
كما يُضارعُ العفافُ عندها عفافَ لوكريس
٣١ التي
تألَّقتْ في روما! كما أقولُ في الختام
إنَّنا اتفقنا (٣٠٠)
أنْ نَعقِدَ القِرانَ في يوم الأحدْ.
كاترينا
:
يا ليتني أراكَ قد شُنِقتَ أولًا يوم الأحدْ!
جريميو
:
فهل سمعتَ بتروشيو؟ تقول إنها تريدُ
أنْ
تراكَ قد شُنِقتَ أولًا!
ترانيو
:
هل ذاك يُثبِتُ التوفيقَ في مهمَّتِكْ؟ إذَنْ على
حظوظنا السلامْ!٣٢ (٣٠٥)
بتروشيو
:
إنْ سمحتم يا سادتي بعضَ صبرِ
فلِنَفْسي اصطفيتُها لا لغيري
إنْ سعِدْنا معًا وسادَ التراضي
فأجيبوا: ما شأنُكم بالودادِ
إذ عَقَدْنا من قبلُ في خَلوتِنا
اتفاقًا بأنْ تظلَّ شموسًا
ظاهريًّا وأن تظل عبوسًا
ودعوني أقُلْ لكُمْ كيف يَستَعْصي
(٣١٠)
عليكُمْ تصديقُ عُمْقِ الوِفاقِ
إنَّ في «كيت» دفقةً من حنانٍ
جَعَلَتْها تَشَبَّثَتْ بعِناقي
أمطرَتْني قُبْلاتِها دونَ عَدِّ
وعديدَ الأيمانِ من غيرِ حَدِّ
فإذا بي في لحظةٍ أهواها
حُبَّ صَبٍّ حياتُهُ في صِبَاها
لستُمُو يا رفاقُ إلَّا صِغارَا
لم تَرَوْا بعدُ مَشهدًا لا يُجارَى
هل رأيتُمْ أرقَّ عذراءَ رُوحًا
(٣١٥)
طِيبةً أو دماثةً أو وداعة؟
عندما تختلي بمَنْ تَعشقُهُ
ورأيتُم من بعدها كيف تغدو
أشرسَ الخَلْقِ مَنطقًا أو طِباعَا؟
صافحيني يا كيت هاتي يديْكِ
(يشدُّ على يدها دليلًا على عهد
الزواج.)
إنَّني راحلٌ إلى البندقية
لابتياعِ الملابسِ الموعودة
لارتداءِ العروسِ يومَ الزفافِ
ولتقُمْ والدي بإعدادِ ما
تقتضيه الوليمةُ الممدودة
وادْعُ كلَّ الضيوفِ أيضًا إليها
(٣٢٠)
كاترينا ستزدهي في الزفافِ
بابتيستا
:
لستُ أدري ما ينبغي أنْ أقولَهْ: إنما
قدِّموا إليَّ الأيادي
٣٤
(يضع يده فوق أيديها إتمامًا للخطبة
الرسمية.)
أرسل الله كلَّ فرْحٍ إلى بتروشيو إذ تمَّت
الخِطبة.
جريميو - ترانيو
:
آمين آمين سوف نغدو شهودًا.
بتروشيو
:
فوداعًا يا أبي وزوجتي … يا سادة!
(٣٢٥)
أذهبُ الآن إلى البندقية … يُسرعُ اقترابُ
يومِ الأحدِ
سوف نأتي بالخواتمْ … بالحُليِّ الزاهياتِ …
والزراكيشِ الجميلة
قبِّليني الآن كيت! عندما يأتي الأحدْ … سوف
تُمْسينَ حَليلَة.
٣٥
(يخرج بتروشيو وتخرج كاترينا من باب
آخر.)
جريميو
:
هل تمَّت خِطبةُ أحدٍ من قبلُ بهذي السرعة؟
بابتيستا
:
كأنَّني يا سادتي أصبحتُ مثلَ تاجرْ
(٣٣٠)
يُلقي بضاعةً له دون اعتبارٍ
للمخاطرْ
في صفقةٍ خرقاءَ في سُوقٍ تعاني من
خسائرْ.
ترانيو
:
تلك البِضاعةُ
٣٦ طالما جاء الكسادُ بها بأعباءِ
القلقْ
إرسالُها بالبحرِ قد يأتي بربحٍ أو
يضيِّعُها الغرقْ!
بابتيستا
:
ربحي الذي أرجوه لا يعدو اقترانَهُما
المتينْ.
جريميو
:
قطعًا! لكنما فاز العريس اليومَ بالصيدِ الثَّمينْ.
٣٧ (٣٣٥)
والآن فلننظرْ قضيةَ بنتِكَ الصغرى أيا
بابتيستا،
هذا هو اليومُ الذي طال انتظارُنا لهُ،
٣٨
أنا جارُكَ المأمونُ أوَّلُ مَن تقدَّمَ
طالبًا يدَها.
ترانيو
:
وأنا الذي في قلبه حبٌّ عميقٌ للفتاة
لا تَقدِرُ الألفاظُ أنْ تُظهِرَهُ … أو
خاطراتُ الذهنِ أنْ تَحْدِسَهُ. (٣٤٠)
جريميو
:
يا أيها الصغيرُ لستَ قادرًا على الحبِّ العميقِ
مثلي.
ترانيو
:
بل إنَّ حُبَّ اللِّحيةِ الشمطاءِ باردٌ
كالثلجْ.
جريميو
:
وشعلةُ الغرامِ في الشبابِ حارقة.
ارجعْ إذَنْ يا أرعنُ! فلا يغذو الحياةَ
غيرُ كَهلْ.
ترانيو
:
لكنَّما الشبابُ في عين النساءِ ذو حولٍ
وطَولْ!
بابتيستا
:
أرجوكما أنْ تَهدَآ … فلسوف أفصلُ في
النزاعْ، (٣٤٥)
إنَّ الفِعالَ وحدها هي التي تفوزُ
بالجائزةِ،
ومَن يفوقُ منكما صاحبَهُ … في حجم ما يأتي
به مهرًا لبنتي
٣٩
ينال حبَّ بيانكا … سنيور جريميو ما الذي
تضمنُهُ لها؟
٤٠
جريميو
:
خُذْ أولًا بيتي الذي في داخل المدينة …
وأنت تعرفُهْ
فإنَّه لَحافلٌ بأطقمِ الموائدِ الفِضِّيَّة
… وغيرُها ذهبية (٣٥٠)
به أباريقُ وأحواضٌ لغَسْلِ كفَّيْها
الصغيرتَين
وفوق جدران المكان عُلِّقتْ ستائرٌ ولوحاتٌ
من النسيجِ
الرائعِ المصنوعِ في صُورَ بلُبنان. أمَّا
خزائني العاجيَّة
فإنَّني أتخمْتُها دراهمًا ذهبيَّة!
وفي صناديقٍ من السَّرْو الجميل أحفظ
المُلاءاتِ التي (٣٥٥)
يحتاجُها الفِراشُ والأرديةُ الثمينة …
وكلُّ كِلَّةٍ
وما تُقامُ فوقه … ثم الملابسُ
القُطنيَّة
وما عداها من وسائدٍ تركيةٍ وثيرةٍ قد
رُصِّعتْ باللؤلؤْ
ومن شراريبٍ من النُّضارِ البندقيِّ رائعٌ
تطريزُها بالإبرة
ثم الأواني المعدنيَّة! والنحاسية! وكل ما
يحتاجه البيت الكبير (٣٦٠)
كما لديَّ داخل المزرعةِ … أبقاريَ الحلوبُ
المائة،
وثيرانٌ سمينةٌ في داخل الحظيرةِ … وعدُّها
مائةٌ وعشرونْ،
وكلُّ هذا داخلٌ فيما عرضتُهُ من المهر
المُقدَّمْ،
إني أقرُّ بأنَّني جاوزتُ مرحلةَ
الشبابْ،
إذَنْ فإنِّي إنْ أمُتْ غدًا … آلَ إليها
كلُّ هذا (٣٦٥)
لو أنَّها ما مانعتْ في أنْ تُشاركني حياتي
الباقية.
ترانيو
:
وأصبتَ في استخدام لفظ «لو» يا سيدي. أصغِ
إليَّ:
إنِّي وريثُ والدي الوحيدُ وابنُه
الوحيدْ،
فإنْ تزوجتُ ابنتَكْ
تركتُ من منازلي لها ثلاثةً أو أربعة
(٣٧٠)
في داخل الأسوارِ حول موطني بيزا،
وكلُّ منزلٍ مجهَّزٌ بما يَزِينُ قَصرَ ذلك
العجوزِ في بادوا،
إضافةً إلى ريع الأراضي المثمرة … ألفان
كلَّ عامٍ من
دراهمي الذهبيَّة … وكلُّ هذا سوف ينتهي
إليها إنْ ترمَّلَتْ.
٤١
تراي يا سنيور جريميو قد قرصتُكْ؟
(٣٧٥)
جريميو
:
وريعُ أرضه في العام ألفا درهمٍ؟
(جانبًا) هذا يفوقُ سعرَ أرضي
كلِّها!
نسيتُ أنْ أضيفَ أنها تنالُ فوق كلِّ هذا …
سفينةً تجارية
٤٢
ترسو هناك الآن في مرسيليا
٤٣
هل غُصَّ حَلْقُكَ بالسفينة؟
٤٤ (٣٨٠)
ترانيو
:
بل يَعرفُ الجميعُ يا جريميو أنَّ والدي
لديه من
هذي السفائن العظمى التجاريَّة … ما لا
يقلُّ عن ثلاثْ … ومَركبانِ
رائعانِ … وفوقها الزوارقُ الخفيفةُ الاثنا
عَشَرْ … وذاك أضمنُهُ لها،
وِضعفُ أيِّ شيءٍ قد ترى من بعدُ
عرضَهْ.
جريميو
:
كلا! فقد عرضتُ كلَّ شيءٍ … ليس عندي ما
يزيدْ، (٣٨٥)
ولن تنالَ ما يزيدُ عمَّا أمتلكْ،
فإنْ يكُنْ هذا يروقُ لك … غدوتُ في يمينها
وما أملكْ.
ترانيو
:
إذَنْ ومن دونِ الرجال كلِّهم أفوزُ
بالمُرادْ
طبقًا لوعدكْ. ما دام هذا الشيخُ قد خسرَ
المَزادْ.
بابتيستا
:
لا بدَّ من التسليم بأنَّ العرض لديك هو
الأفضلْ، (٣٩٠)
دعْ والدَكَ يقدِّمْ إقرارًا رسميًّا بالأيلولة.
٤٥
ولسوف تكون فَتاتي لك. ذاك وإلَّا — من دون
مؤاخذةٍ —
إنْ ترحلْ عن هذي الدنيا قبل أبيكَ فأينَ
المَهر؟
ترانيو
:
لستَ جادًّا! إنَّني في مَيْعَةِ الصِّبا وذاكَ
شيخ!
جريميو
:
أفلا يموتُ الشابُّ مثلَ الشيخِ؟ (٣٩٥)
بابتيستا
:
يَعلمُ كلٌّ منكم أنِّي قررت بأنْ تتزوجَ
بنتي كاترينا
يومَ الأحدِ المُقبِلْ. ولسوف تكون بيانكا
من حظِّكَ يا لوسنتو
في يومِ الأحدِ التالي إنْ قدَّمْتَ ضَمانًا
بالميراثْ،
ذاك وإلا فازَ بها جريميو.
وإذَنْ أستأذنُ في أنْ أنصرفَ وأشكرُكم.
(٤٠٠)
(يخرج بابتيستا.)
جريميو
:
إلى اللقاء أيها الجارُ العزيزْ! الآن لا أخافُكْ.
٤٦
يا أيُّها المُقامِرُ الصغيرُ اسمعْ:
لو كنتَ نِلتَ كلَّ هذا من أبيكَ فِعْلًا
كان غافلًا غريرَا،
إذ كيف يحيا عالةً على الإحسانِ منك
٤٧
وعمرُهُ على وشْكِ المَغيب؟ هذا هُراءْ!
إبداءُ ذلك الحنانِ (٤٠٥)
ليس من سماتِ أيِّ ثعلبٍ مُحنَّكٍ
٤٨ إيطالي.
(يخرج جريميو.)
ترانيو
:
يلعنُكَ الله
٤٩ أيا داهيةً ذبُلَتْ بشرتُهُ مكرًا!
٥٠
لكنِّي فُزتُ عليك — وإنْ لم أملكْ أسلحةً —
٥١ بالحيلة.
إنِّي قررتُ بأنْ أخدمَ مولايَ أجلَّ
الخدماتْ،
ومن المحتومِ على لوسنتو المزعومِ الآنْ
(٤١٠)
أنْ يُنجِبَ والدَهُ المزعومَ المَدعو
فنشنتو،
وأرى تلك عجيبة. فالمعتادُ لدينا إنجابُ
الآباءِ
لأبناءٍ من أصلابِهِمُو … أمَّا في حالةِ
هذي الخِطبة
فسيُنجبُ ولدٌ والدَهُ
٥٢ إن أحكمتُ الحيلةَ في هذي اللعبة.
٥٣
(يخرج ترانيو.)