المشهد الأول
(يدخل لوسنتو، متنكرًا في شخصية مُعلِّم
اللغات كامبيو، وهورتنسو متنكرًا في شخصية مُعلِّم الموسيقى
ليسيو، وبيانكا.)
١
لوسنتو
:
يا عوَّادُ
٢ كفى هذا الإلحاحْ! إنك تُقحمُ
نفْسَكَ إقحامًا!
أنسيتَ بهذي السرعة ما لاقيتَ من الترحيبِ
٣ هنا
في درس شقيقتها كاترينا؟
هورتنسو
:
لكنْ يا علَّامةُ يا مُتحذلقُ هذي
٤ (يورانيا.)
راعيةُ الأنغامِ المُتوافقةِ العليا في كلِّ
سماءْ، (٥)
ذلك يسمح لي أنْ أبدأ درسي قبلَكْ،
فإذا انقضت الساعةُ في الدرس
الموسيقي،
فاستغرقْ في درسِكَ زمنًا يَعدِلُ مدَّةَ
درسي.
لوسنتو
:
يا جحشًا يعكس ترتيب الأشياء!
٥
يا مَنْ يجهلُ أسبابَ وجود الموسيقى أصلًا!
(١٠)
أفلم توجَدْ حتى تُنعِشَ ذهنَ
الإنسانْ
بعد الدرسِ ومجهودِ العمل اليومي؟
وإذَنْ
فاسمحْ لي أنْ أسقيها العِلمَ
وأتفلسفْ،
ثم ابدأْ درسَ الموسيقى ساعةَ أتوقَّفْ.
٦
هورتنسو
:
لن أسمحَ بمزيدٍ من هذي الألفاظ الوقحة! (١٥)
بيانكا
:
أسأتُما إليَّ بالخلاف حول أمرٍ لا يكون فيه
الاختيارُ
إلا في يدي! وهذه إساءة مضاعفة.
فلستُ بالتلميذة الصغيرة التي تحتاجُ
للتأديبْ،
وأرفضُ التقيدَ
٧ الدقيقَ بالساعات والمواعيد
المحدَّدة،
لكنما دروسي أستقيها كيفما أشاء،
(٢٠)
فلْنَطرح الخلافَ ولنجلسْ جميعًا
بُرهةً.
خُذْ آلتَكْ. اعزفْ قليلًا واضبط
الأوتارْ،
وسوف ننتهي من درسنا قبل انتهاء
الضبط.
هورتنسو
:
ستتركين درسه عند انتهاء ضبط العُودْ؟
لوسنتو
:
ولن يحينَ ذاك أبدًا. اضبطْ إذَنْ آلتَكْ.
(٢٥)
بيانكا
:
أين توقَّفْنا في آخر درس؟
لوسنتو
:
إنَّا توقَّفْنا هنا:٨
Hic ibat Simois, hic est Sigeia
tellus,
Hic Steterat Priami regia celsa
senis.
(هنا تدفقت مياه نهر سيمويس، وهذه
أصقاع سيجيا (طروادة) وهنا القصر المنيف للمليك بريام
العجوز انتصبا.)
بيانكا
:
ترجم السطرين. (٣٠)
لوسنتو
:
(hic ibat) كما
قلتُ لك من قبل (Simois) أنا لوسنتو
(hicest)
ابن فنشنتو، من بيزا (Ségeia
tellus)، تنكرتُ
في هذه
الهيئة حتى أحصل على حبِّك (his
steterat)،
ولوسنتو ذلك
الذي جاء يخطبك (Priami) هو خادمي ترانيو
(regia) محاكيًا
سلوكي (celsa senis) حتى نخدع المغفَّل العجوز.
(٣٥)
هورتنسو
:
ضُبِطتْ أوتارُ الآلةِ يا سيِّدتي!
بيانكا
:
أسمِعْني النغماتْ. لا لا. الوترُ الحادُّ الأعلى
ناشزْ.
لوسنتو
:
بَلِّل الثقبَ الذي يدخل فيه وتدُ الوتر حتى يثبت
وأعدْ ضبطَه.٩
بيانكا
:
والآن دعني أرى إنْ كنتُ قادرةً على
الترجمة: (٤٠)
(hic ibat Simois) أنا لا أعرفك،
(hic
est Sigeia tellus)
لا أثقُ فيك، (hic Steterat Priami) حاذرْ أنْ يسمعَنا
(regia)، لا
تتعلقْ بالآمالِ (celsa senis) ولا تيأسْ.
هورتنسو
:
الأوتارُ انْضَبَطتْ يا سيِّدتي.
(يعزف.)
لوسنتو
:
باستثناءِ الوترِ الأغلظِ والأسفلْ.١٠ (٤٥)
هورتنسو
:
الوترُ الأسفلُ
١١ مضبوطْ. أمَّا الناشز فهو الوغدُ
الأسفلْ.
(جانبًا.)
ذاك المتحذلقُ يزداد تجاسرُهْ
وحماسُهْ.
أُقسِمُ بحياتي إنَّ الوغدَ يُطارحُ مَنْ
أهواها حُبَّهْ،
وإذَنْ سأزيدُ مراقبتَكَ يا نصفَ مُعلِّمْ!
١٢
بيانكا
:
قد أومِنُ بكَ بمرورِ الزمن ولكنَّ شكوكي
قائمةٌ.
لوسنتو
:
لا شكَّ بهذا فلقد كان أيا سيديس
١٣ هو إيجاكس (٥٠)
إذ سُمِّي باسم الجَدِّ الأكبر لهْ.
بيانكا
:
وإذَنْ لا بدَّ من الإيمان بما يحكي
أستاذي،
ذاك وإلا واصلتُ نقاشي وشكوكي … لكنْ يكفي
هذا!
والآن اسمعْ يا ليسيو يا خيرَ
مُعلِّمْ،
أرجو ألَّا تَغضب من نبرات الهزل
(٥٥)
فيما كنتُ أقولُ لكلٍّ منكم.
هورتنسو
:
لكَ أنْ تتركني الآن قليلًا كي
تتنزَّهْ
فدروسُ غنائي لا تتضمنُ أغنيةً لثلاثةِ
أصواتْ.
لوسنتو
(جانبًا)
:
هل تلزمُ هذا الحدَّ من الدقة؟ وإذَنْ لا
بدَّ من الصبرِ
لكي أرقب ما يحدُثْ، إذ إنِّي أتصور — إنْ
لم أخطئْ — (٦٠)
أنَّ الموسيقيَّ البارع يهواها.
هورتنسو
:
عليكِ يا آنستي، من قبل لمْسِ
الآلةِ،
أنْ تعرفي مواضعَ الأصابع التي
حدَّدتُها.
وهكذا لا بدَّ أنْ أبدأ بالأصولِ كي تُحيطي
أولًا،
وباختصارٍ بالذي يُسمَّى السلَّمَ الموسيقي،
(٦٥)
وقد وضعتُهُ بأسلوبٍ مركَّزٍ لطيفٍ
ناجعٍ
يفوقُ في هذا جميعًا كلَّ منهجٍ مطبقٍ في
فنِّنا،
وذاك ما دونتُهُ هنا بالصورةِ
الحديثة.
بيانكا
:
لكنَّني ومن زمانٍ قد تجاوزتُ السلالمْ.
هورتنسو
:
فلتَقرَئي أرجوكِ سُلَّمَ الفتى هورتنسو.١٤ (٧٠)
بيانكا
(تقرأ)
:
«دو.»:
إنِّي أصْلُ السلَّمِ مَنبعُ كلِّ
توافُقْ.
«ري.»:
أنقُلُ ما يُبطِنُ هورتنسو من حُبٍّ
دافقْ.
«مي.»:
فلْيتزوجْكِ بيانكا هذا العاشقْ.
«فا.»: في
القلبِ لديه أشواقُ الصبِّ الوامقْ.
«صول
لا.»: ثِنْتانِ من النغماتِ معًا
في مفتاحٍ فائقْ (٧٥).
«سي دو.»:
إنْ لم يُشفِقْ قلبُكِ ماتَ القلبُ الخافقْ.
أوَهذا ما أطلقتَ عليه السلَّمْ؟ لا! لا
يُعجبُني.
فأنا أُوثِرُ كلَّ مناهجنا التقليديَّة …
وأنا أَنفِرُ من نزواتِ
استبدالِ المُبتكَرَاتِ الشاذَّةِ … بقواعدَ
ثابتةِ الصحَّة.
(يدخل خادم.)
الخادم
:
مولاتي! يرجوكِ الوالدُ أنْ تتخلَّي عن
كُتُبِكْ، (٨٠)
وتُعينينا في إعدادِ الزينةِ في غرفةِ
أختِكْ،
فغدًا يومُ زفافِ شقيقتِكِ كما
تَدرينْ.
بيانكا
:
وإذَنْ فوداعًا لكما يا أستاذَيْنِ لطيفين. لا بُدَّ
بأنْ أمضي.
(تخرج بيانكا مع الخادم.)
لوسنتو
:
فعلًا يا آنستي! وإذَنْ لا أعرفُ ما يدعوني أنْ
أبقى.
(يخرج لوسنتو.)
هورتنسو
:
لكنِّي أعرف ما يدعوني لدراسةِ أمرِ
المُتحذلقْ. (٨٥)
في ظنِّي أنَّ الرجل تلوح عليه أماراتُ
العُشَّاقْ
لكنْ إنْ كانت أفكارُكِ يا بيانكا
متواضعةً
تَقبَلُ أنْ تَجنَحَ عيناكِ فتنبهرا بمظاهرَ
خادعةٍ
فلْيَظفرْ بكِ مَنْ يرجو وصْلَكْ.
١٥ الآنَ سأنظُرُ في أمركْ،
فإذا أدركتُ بأنَّكِ نقَّلْتِ فؤادَكِ في
كرِّكِ أو فرِّكْ
١٦ (٩٠)
فسيثأرُ هورتنسو منكِ
١٧ بأنْ يتحولَ عنكِ إلى
غيرِكْ.
(يخرج.)
المشهد الثاني
(يدخل بابتيستا وجريميو وترانيو (متنكرًا
باسم لوسنتو) وكاترينا وبيانكا ولوسنتو (متنكرًا باسم كامبيو)
وغيرهم وأفراد الحاشية.)
١٨
بابتيستا
:
يا أيُّها السنيور لوسنتو! هذا هو اليومُ
المحدَّدُ للزفافْ،
أعني زواجَ كاترينا هنا بعريسها
بتروشيو،
لكنَّنا لم تأتِنا الأنباءُ عمَّنْ قد غدا
صِهْرًا لنا.
ماذا يقولُ الناسُ عنَّا؟ بل ما مدى ما سوف
تغدو السخرية
إنْ غابَ عن عقد القِران عريسُنا والكاهنُ
المأذونُ عندي (٥)
جاهزٌ لتلاوةِ النصِّ الذي يُتْلى هنا
وَفْقَ الشعائرْ؟
ما رأيُ لوسنتو بهذا العارِ في
أُسرتِنا؟
كاترينا
:
لا عارَ هنا إلَّا عاري. لا بدَّ بأنْ
أُضْطرَّ إلى أنْ
أرضى بزواجٍ يرفضه قلبي من مَخبولٍ حادِّ
الطَّبْعِ
وذي نزواتٍ لا حدَّ لها.
١٩ فإذا هو في الخِطْبَةِ يتعجَّلْ،
(١٠)
وبيومِ زفافي يقصدُ أنْ يتمهَّلْ!
٢٠
قلتُ لكم من قبلُ بأنَّ الرجلَ غريبٌ
مأفونْ،
ويحاولُ بسلوكٍ فظٍّ إخفاءَ مَلاعبِهِ
المُتفكِّهَةِ المُرَّة،
ولكي يكتسبَ الصِّيتَ بقُدرتهِ البالغةِ على
الهَزْلِ
تراهُ يَخطُبُ ألْفَ فتاةٍ ويحدِّدُ يومَ
زفافهْ (١٥)
فيقيمُ المأدُبَةَ ويدعو الأصحابَ ويعلنُ
نصَّ العَقدِ الكَنَسي
من دون النيَّةِ في أنْ يقترنَ بأيِّ فتاةٍ
يخطُبُها.
لا بدَّ بأنَّ الدنيا الآن تشيرُ إلى
كاترينا المِسكينَةِ،
وتقولُ «انظُرْ! ها هي ذي زوجةُ بتروشيو
المجنونْ،
فلْيتَعطَّفْ إنْ شاءَ فيأتي كي
يتزوَّجَها.» (٢٠)
ترانيو
:
الصبرَ كاترينا الكريمة! وأنتَ يا بابتيستا!
٢١
أقسَمْتُ بالحياة إنَّ بتروشيو سليمُ
النيَّة.
إنْ كانت الأقدارُ قد عاقتْهُ عن تنفيذِ
وعدِهْ
فإنَّهُ على فظاظتِهْ … لديهِ ما عَرَفْتُهُ
من حِكْمةٍ وعَقْل،
ورغمَ ما لديه من مرَحْ … فإنَّه لَذو
أمانةٍ وذو شرفْ. (٢٥)
كاترينا
:
ورغمَ ذاك ليتَ أنَّ كاترينا هنا … ما شاهَدَتْهُ
قَط!
(تخرج كاترينا باكية وبيانكا
تتبعها.)
بابتيستا
:
امْضِي فَتَاتي … لا لَوْمَ عندي إنْ بَكيتِ
اليوم! فهذه إهانةٌ
من شأنِها إخراجُها عن طَوْرِها وإنْ تكُنْ قدِّيسة،
٢٢
ناهيكَ إنْ كانت شُموسًا ذاتَ طَبْعٍ لا
يُطيقُ الصبر.
(يدخل بيونديلو.)
بيونديلو
:
يا سيدي يا سيدي أنباء! لديَّ أنباء قديمة … كما
لديَّ ما لم (٣٠)
تستمع لمثله من قبل!
بابتيستا
:
قديمة جديدة معًا؟ وكيف كان ذلك؟
بيونديلو
:
طبعًا! أوَليس من الأنباء … أن تسمع عن مقدم
بتروشيو؟
بابتيستا
:
هل أتى؟ (٣٥)
بيونديلو
:
لا يا سيدي.
بابتيستا
:
ماذا إذَن؟
بيونديلو
:
فإنه لَقادم.
بابتيستا
:
متى نراه بيننا؟
بيونديلو
:
حين يقف حيث أقف فترونه ويراكم! (٤٠)
ترانيو
:
قُل إذَن … ما شأن أنبائك القديمة؟
بيونديلو
:
يُقبِل بتروشيو مرتديًا قبعة جديدة، وسُترة ضيقة
قديمة،
وسروالًا باليًا قلبه الحائك ثلاث مرات ظهرًا لبطن،
وحذاء
برقبة كان يستخدم لتخزين الشمع، وهو مقفول بأزرار
في
إحدى القدمين، وبرباط في القدم الأخرى، وإن كان
الرباط ذا (٤٥)
طرفين مقطوعين، وإلى جانبه سيف علاه الصدأ من
مخزن
أسلحة البلدية، مقبضه مكسور، ولا غمد له، والنصل
مفلول
في موضعين، والحصان ذو عرج في الفخذ، وسرجه عتيق
أكلته
العثَّة، وبه مهمازان من نوعين مختلفين، وهو مصاب
بالتهاب
الغدَّة، ورشح الأنف، واحتمال تآكل العمود الفقري،
وفمه (٥٠)
منتفخ، مليء بالقروح الخبيثة، وفي أرجله أورام،
وغضاريف
المفاصل ملتهبة، والجلد أصفر من اليرقان، وخلف
الأذنين
انتفاخ يصيبه بالدوار، وتنهكه ديدان البطن، والظهر
منحول،
والكتف مخلوع، وساقاه الأماميتان تصطكان، وشكيمته
(٥٥)
مكسورة، ومقدمة زمامه من جلد الغنم الضعيف، ولمَّا
كانت
وظيفتها منعه من التعثر فقد انقطعت وعُقِدت أجزاؤها
بعضها
إلى بعض، ورباط السرج حول البطن قُطِع ستَّ مرات،
وأمَّا
الحزام الذي يمرُّ تحت الذيل لتثبيت السرج فهو من
نسيجٍ
نسائيٍّ كالقطيفة ومنقوش عليه حرفان من اسم المرأة
بالنحاس (٦٠)
البارز ورُبط هنا وهناك بالدوبار.
بابتيستا
:
ومَن أتى معه؟
بيونديلو
:
غلامه الصغير يا سيدي، وهو من جميع الوجوه٢٣ غريب المظهر
كالحصان يرتدي جوربًا قطنيًّا في إحدى قدميه،
وجوربًا
طويلًا من الصوف في القدم الأخرى، يربطه برباطٍ أحمر
(٦٥)
وأزرق، ويلبس قبعةً قديمة، وبها شرائط من أربعين
لونًا بدلًا
من الريشة،٢٤ فهو مسخٌ شائهٌ في ملبسه، بحيث لا يشبه
خدم
المسيحي٢٥ الحق ولا غلمان السادة الشرفاء.٢٦
ترانيو
:
لا بدَّ أنَّ نزوةً غريبةً حَدَتْ به إلى الظهورِ
هكذا،
لكنْ من عاداته ارتداءُ مَلبسٍ حقيرْ. (٧٠)
بابتيستا
:
يسرُّني قدومُهُ مهما يكُن مظهرُهُ.
بيونديلو
:
لكنَّه لم يأتِ يا سيِّدي.
بابتيستا
:
ألم تقُلْ بأنَّه أتى؟
بيونديلو
:
مَن؟ هل قلتُ إنَّ بتروشيو أتى؟ (٧٥)
بابتيستا
:
نعم، تقولُ إنَّ بتروشيو أتى.
بيونديلو
:
لا لم أقُلْ يا سيِّدي. بل قلتُ قد أتى حصانُهُ وفوق
ظهرِه بتروشيو!
بيونديلو
(يغني)
:
هذا بحقِّ قِدِّيسي رهانْ ٨٠
٢٩
مِقدارُهُ قِرْشٌ وقُلْ قِرْشانْ
بأنَّ راكبَ الحصانِ والحصانْ
ليسا بفردٍ أو هما سيَّانْ
لكنما هنا توحَّدَ الاثنانْ
(يدخل بتروشيو وجروميو.)
بتروشيو
:
هيا! أين السادةُ والأشرافْ؟ مَنْ بالمنزلْ؟
(٨٥)
بابتيستا
:
يا مرحبًا خيرَ٣٠ الرجالْ!
بتروشيو
:
لكنَّني لستُ بخيرْ.
بابتيستا
:
بل ليسَ فيكَ من عَرَجْ.
ترانيو
:
لستَ في خيرِ ثيابٍ كنتُ أرجوكَ بها.
بتروشيو
:
ألم يكُن خيرًا قُدومي هكذا على عَجَلْ؟
(٩٠)
أقولُ لكنْ أين كيت؟ أين عروسي
الفاتنة؟
وكيف حالُ صِهْري؟ يلُوحُ لي يا سادتي
بأنَّكم عُبُوسْ!
قولوا لماذا ينظُر الحشدُ الكريمُ لي
مُحمْلقًا
كأنما يرى نصبًا عجيبًا فوق قبرٍ أو
مُذنَّبًا
وسْطَ السماءِ أو نذيرًا من خوارقِ الطبيعة؟
٣١ (٩٥)
بابتيستا
:
تعرفُ يا سيِّدُ أنَّ اليومَ هنا يومُ
زفافكْ،
في البَدءِ خَشِينا ألَّا تأتي
وتأَسَّيْنا،
والآن ازدادَ الحزنُ لأنَّكَ جئتَ بلا
استعدادْ،
تبًّا لك فاخلعْ هذا المَلبسْ! ذاكَ يَشينُ
مَقامَكْ!
وأراهُ قبيحًا يُزري بوقارِ الحفْلِ الرسمي.
(١٠٠)
ترانيو
:
وقُلْ لنا ما تلكم الظروفُ القاهرة؟
تلك التي دعَتْ إلى تأخيرِكَ الشديدِ
٣٢ عن زوجتِكْ،
وأرسلَتْكَ ها هنا في هذه الصورة!
وما أشَدَّ بُعدَها عن ذاتِكَ
الحقَّة.
بتروشيو
:
حكايتي طويلةٌ مُملَّة … ووقْعُها في
سَمْعِكم أليمْ!
يكفي حضوري الآن مِصداقًا لوعدي،
(١٠٥)
وإنْ شعرتُ أنَّني اضطررتُ للإخلالِ بعضَ
الشيءِ بِهْ،
٣٣
إنْ تسمح الظروفُ سوفَ أعرِضُ الأعذارَ
والذرائعْ
وسوف تقبلونها كل القبول كلها! لكنني
أقولُ أين «كيت»؟ قد زاد تأخيري عن الحدودْ،
والصبح يمضي مسرعًا وآنَ أنْ نكونَ في
الكنيسة. (١١٠)
ترانيو
:
بل لا تقابل العروسَ لابسًا هذي الثيابَ
المُزرية،
اذهبْ إذَنْ لغُرفتي والبَسْ ثيابًا من
ثيابي.
بتروشيو
:
بل سوف ألقاها كما أنا وصدِّقوني!
بابتيستا
:
لن تَقدِرَ في رأيي أنْ تتزوجها في هذي
الحالة!
بتروشيو
:
بل أُقسِمُ إنِّي أقدِرْ … وإذَنْ يكفي ما
قُلناهُ، (١١٥)
إنَّ عروسي اقترنَتْ بي لا بثيابي،
لو أقدِرُ أنْ أُصلِحَ ما تملِكُهُ منِّي أو
ما تُبليهِ
بسُهُولةِ تغيير ثيابي المُزريةِ
الرَّاهَنةِ
لأفادَتْ كيت بهِ ولعادَ بكلِّ الخيرِ
عليَّ.
لكنْ ما أحمَقَني إذ أقضي الوقتَ أناقشُكمْ،
(١٢٠)
والواقعُ يدعوني للقاءِ عروسي والترحيبِ
بها،
والتصديقُ على عَقْدِ زواجي منها الآن
بقُبْلةِ حُب.
(يخرج مع جروميو.)
ترانيو
:
المَلبسُ يُوحي بجنونٍ لكنْ لا بدَّ له من
غَرَضٍ ما
٣٤
وسنُقنِعُهُ إنْ أمكنَ ذلك أنْ يستبدلَ
بهْ
هِندامًا أفضلَ قبلَ دُخولِ كنيستِنا.
(١٢٥)
بابتيستا
:
وسأمضي خلفَهْ … كي أَشهدَ ما يَعقُبُ ذلك.
(يخرج بابتيستا مع جريميو وبيونديلو
والأتباع.)
ترانيو
:
ألَا رَجَعْنا سيِّدي إلى غرامِكْ؟
٣٥ الحبُّ لا يكفي ويَلزَمُ
اكتسابُ
مَرضاةِ أبيها، ولن يكون هذا إلا إنْ
وجَدْنا والدًا لَكَا!
أيْ وَفْقَ ما أخبرتُكم يا صاحبَ العِزَّة.
إذَنْ عليَّ أنْ آتي بشخصٍ لا يُهمُّ مَنْ
يكونْ (١٣٠)
حتى نُعدَّهُ لتنفيذِ الذي نريدُهُ … أيْ
إنَّهُ عليه أنْ
يُمسي هنا فنشنتو من بيزا … وأنْ
يُقدِّمَ الضمانَ في بادوا بأنَّ عندهُ
من الثراءِ ما يفوقُ ما وعدْتَ والدَ
الفَتاةِ بِهْ.
وهكذا تنالُ في هدوءٍ ما رجوتَهُ من الزواجِ
من بيانْكا (١٣٥)
وفوقَهُ رِضَى أبيها.
لوسنتو
:
لوْلا أنَّ الأستاذَ زميلي يرقُبُ كلَّ
خُطًى تخطوها بيانكا
لرأيتُ المَخرَجَ في أنْ نهربَ كي نتزوجَ
سرًّا،
فإذا عُقِدَ قِراني لن آبَهَ لو عارَضَني
العالَمُ كلُّهْ! (١٤٠)
فسأحرصُ وأدافعُ عمَّنْ أملِكُهُ رغمَ
أُنوفِ الخلْقِ جميعًا.
ترانيو
:
وذاك يقتضي الأنَاةَ والدراسةَ المُفصَّلة،
حتى تُواتي الفرصةُ المناسِبة
لقهْرِ مَنْ لديه لحيةٌ شمطاءْ … جريميو،
وقهْرِ والدٍ عيونُهُ لا تَغْفُل … مينولا،
(١٤٥)
وقهْرِ عاشقٍ وعازفٍ موهوبْ … ليسيو،
وكلُّ هذا في سبيل سيِّدي … لوسنتو.
٣٦،٣٧
(يدخل جريميو.)
سنيور جريميو … أجئتَ من حفْلِ
الكنيسة؟
جريميو
:
غادرتُها سعيدًا مثلما أغادرُ المَدرسة.
ترانيو
:
وهل يعودُ ذلك العريسُ والعروسُ للمنزلْ؟
(١٥٠)
جريميو
:
سمَّيتَهُ العريسْ؟
٣٨ بل قُلْ هو ابْنُ عُرْس!
فظٌّ غليظُ القلبِ جِلْف … وذاك ما ستعرفُ
الفَتاة.
ترانيو
:
يزيدُ سوءُ طَبْعِه عنها؟ هل ذاك ممكنْ؟
جريميو
:
بل إنَّهُ الشيطانُ نفْسُهُ ومن قَبيلِ إبليسَ
اللَّعينْ!
ترانيو
:
بل إنَّها شيطانةٌ وأمُّ إبليسَ اللَّعينْ!
(١٥٥)
جريميو
:
لكنْ إذا قِيسَتْ بِهِ وجدْتَها حمامةً أو
حمَلًا أو طفلةً ساذجةً!
٣٩
سنيور لوسنتو! دعني أقُلْ ما كان منه عندما
ألقى
عليه الكاهنُ الوَقورُ بالسؤالْ: «رضيتَ
بالزواجِ من كاترينا؟»
إذ ردَّ قائلًا «نعمْ بحقِّ أحزانِ
المَسيح!» مجلجلًا بصيحةٍ عظيمةٍ
أصابت الكاهنَ بالذهولِ ثم أسقطَتْ كتابَهُ
من يدِهِ، (١٦٠)
وعندما انحنَى ليأخُذَ الكتابَ إذ بذلك
العريسِ الأخرقِ
المَخبولِ يَلْطِمُهْ … وعندها هوى الكتابُ
والكاهنْ
كما هوى الكاهنُ والكتابْ! فقال
عندها:
«ألَا يُقيلُهُ من عَثْرتِهْ … مَنْ شاءَ
أنْ يُقيلَهُ منكم؟»
ترانيو
:
وما الذي ردَّتْ بهِ الفتاةُ بعد أنْ نَهَضْ؟
(١٦٥)
جريميو
:
ارتجفَتْ وارتعدَتْ!
٤٠ فما الذي حدا به أنْ يَخبِطَ
الأرضَ
ويحلفْ؟ كمَنْ يظنُّ أنَّ الكاهنَ الأمينَ
يَنْتَوي أنْ يخدَعَهْ!
لكنَّما بعد انتهاءِ هذه المراسمِ الكثيرةِ
المقدَّسة
إذا به يصيحُ طالبًا كأسًا من النبيذِ
هاتفًا «في صحَّتِكْ!»
كأنَّهُ البحَّارُ فوق متنِ مركبٍ يُحيِّي
مَنْ مَعَهْ … (١٧٠)
من بعد عاصفة! وهكذا عبَّ النبيذَ من كأسِ
الزفافِ عبًّا،
وبعدها ألقى فُتاتَ الكعْكِ في وجهِ الفَتَى
الشمَّاسْ،
ولم يكُن لديه من سببْ
إلَّا نُحولُ لحيةِ الشمَّاسِ أو سقوطُ
شَعْرِها،
أو ظنُّه بأنَّ ذلك الشمَّاسَ كان يطلُبُ
الفُتاتَ أثناءَ شَرابِهْ، (١٧٥)
وعندما انتهى أحاطَ بالذراعِ جِيدَ زوجتِهْ
… وضمَّها إليهِ
ثم قبَّل الشفاهَ قُبلةً رنانةً
مُدوِّية
تردَّدتْ أصداؤها بجدرانِ الكنيسة … عند
افتراقِ تلكُمُ الشفاهْ!
وعندما رأيتُ هذا قُمْتُ من فوري وعُدْتُ
شاعرًا بالعارْ!
أدري بأنَّ الحشدَ قادمٌ ورائي، (١٨٠)
لم يشهد التاريخُ عَقْدًا للقِرانِ شابَهُ
هذا الجنونْ.
(تُسمع أنغام موسيقية.)
أنصتوا! أظنُّ أنَّني سمعتُ
المُنشدينْ.
(يدخل بتروشيو وكاترينا وبيانكا
وهورتنسو (متنكرًا في شخصية ليسيو) وبابتيستا وجروميو
وغيرهم.)
بتروشيو
:
يا سادتي وأصدقائي! شكرًا على جهودكم.
لا شكَّ أنَّكم ترون أنْ تشاركوني وجبةَ
العَشاءِ اليوم،
وأنَّكم جهَّزْتُمُو الكثيرَ من أطايبِ
الطَّعامِ والشَّرابِ للزفافْ، (١٨٥)
لكنَّما تُحتِّمُ الظروفُ أنْ أغادرَ
المكانَ مُسرعًا،
وهكذا أستأذنُ الجميعَ ها هنا في
الانصرافْ.
بابتيستا
:
هل يُعقَلُ أنْ ترحلَ هذي الليلة؟
بتروشيو
:
لا بدَّ من رحيلي بالنهار قبل أنْ يحلَّ
الليل.
لا تَدْهَشوا فإنْ عَلِمْتُم المسائلَ التي
تَشغَلُني (١٩٠)
فسوف تَحفِزُونني على الرحيلِ لا على
البقاءْ.
يا صُحبةً من الأشرافِ إنِّي شاكرٌ لكم
جميعًا،
فقد شهدتُم كيف أنَّني قدَّمتُ نَفْسي بل
وهبتُها لزوجةٍ
تفوقُ أهل الأرضِ في الصبرِ الجميلِ
٤١ والرُّواءِ والفضيلة.
إذَنْ فشاركوا صِهْري العَشاءَ واشربوا
نَخْبي (١٩٥)
فإنَّني لا بُدَّ راحلٌ وهكذا لكم جميعًا
الوداعْ.
ترانيو
:
فلْنتوسَّلْ لكَ أنْ تبقى حتى بعد عَشائِكْ!
بتروشيو
:
ذاك مُحالْ.
جريميو
:
دعني أتوسَّلْ لكْ!
بتروشيو
:
ذاك مُحالْ. (٢٠٠)
كاترينا
:
فلْأتوسَّلْ أنا لكْ.
بتروشيو
:
وأنا أرضى.
كاترينا
:
ترضى أنْ تبقى؟
بتروشيو
:
بل أرضى بتوسُّلِكِ إليَّ بأنْ أبقى،
لكنِّي لن أبقى مهْما تبلغْ طاقاتُ
توسُّلِكِ إليَّ!
كاترينا
:
فلتبقَ إنْ تكُنْ تُحبُّني. (٢٠٥)
بتروشيو
:
جهِّزْ جِيادي٤٢ يا جروميو.
جروميو
:
جاهزةٌ يا مَولايْ. الشُّوفانُ التَهَمَ الخيل.٤٣
كاترينا
:
افعلْ إذَنْ كل الذي في طَوْقِكْ
فإنَّني لا أنتوي الرحيلَ اليومَ … لا ولا
غدًا
إلَّا إذا أردتُه بنَفْسي … يا سيِّدي …
البابُ مفتوحٌ أمامَكْ،
٤٤ (٢١٠)
والدربُ يدعوك إليه … «هرولْ وفي الأقدامِ
أحذيةٌ جديدة!»
٤٥
كما يُقالُ في الأمثالْ … أمَّا أنا فلن
أغادرَ المكانَ إلَّا
إنْ رغبتُ في الرحيل. يبدو بأنَّكَ
تنتوي
منذُ البدايةِ أنْ تبيِّنَ كيف
تَقْهرْ،
وبأنْ تكونَ ليَ العريسَ الفظَّ
والمُسيطِرْ. (٢١٥)
بتروشيو
:
لا تحزني يا كيت … أرجوكِ ألَّا تَغضَبي.
كاترينا
:
بل إنَّني لَغاضِبَة … وأيُّ شأنٍ لكَ في
هذا؟
اسكُتْ أقولُ والدي … لسوف يبقى ريثما
أتجهَّزْ.
جريميو
:
إنِّي لأُقْسِمُ سيِّدي … قد ابتَدَا ظهورُ رَغْوٍ وزَبَدْ!٤٦
كاترينا
:
هيَّا يا أصحابُ إلى مائدةِ العُرْس، (٢٢٠)
فأنا أدركُ أنَّ المرأةَ يُمكنُ أنْ تُقهَرْ
إنْ فَقَدَتْ روحَ مقاومةِ القَهْر.
بتروشيو
:
لسوف يَذهبونَ مُنصاعِينَ يا كيت لأمرِكْ،
يا مَنْ تُرافقون هذه العروسَ نفِّذوا
مَطلبَها،
هيَّا إلى الوليمة!
٤٧ هيَّا إلى احتفالٍ صاخبٍ
مُعَرْبِدْ، (٢٢٥)
ولتشربوا الأنخابَ مُتْرَعَةً لعُذريَّتها،
إنْ لم تُعاقروا المَراحَ والجنونَ
فاشنُقُوا أنفُسَكم!
٤٨
أمَّا حبيبتي كيت الجميلة … فإنَّها لا
بُدَّ أنْ تأتي معي،
أرجوكُمُو ألَّا تُقاوموا … لا تضربوا
الأرضَ بأرجُلِكُمْ،
ولا تُحمْلقوا ولا تُعبِّروا عن استيائِكُمْ
٤٩
فإنَّني لَمَالكٌ أُريدُ أنْ يكونَ في يَدِي
ما أملِكْ! (٢٣٠)
إنَّها بَضائعي أو قُلْ مَتَاعي … منزلي
وكلُّ ما يكونُ فيه!
إنَّها حقلي وجُرْني وخيولي بل وثيراني وحتى
حُمُري!
إنَّها لي كلُّ شيءٍ. ها هي الآن بمرأًى
منكُمْ،
فلْيحاولْ مَنْ لديه جُرأةٌ أنْ يَلْمِسَها،
٥٠
سوف أشكو للقضاءِ أو أصدُّ عَنْوةً أعتى
الرجالْ (٢٣٥)
إنْ أعاقوا مَسلكي في بادوا! يا جروميو
سُلَّ سيفَكْ!
قد أحاطَتْنا اللصوصْ! هُبَّ كي تُنقِذَ
مَولاتَكْ،
أظهِر الآن الرجولة! لا تخافي يا فَتَاتي
الفاتنة،
لن يمَسُّوكِ أيا كيت بسوءْ،
فأنا أحميكِ حتى لو تكُنْ منهم ألوفٌ وألوفْ.
٥١،٥٢ (٢٤٠)
(يخرج بتروشيو وكاترينا
وجروميو.)
بابتيستا
:
فلْيذهَبَا إذَنْ … ولْيَنْعَما بالسِّلْمِ
والهدوءْ!
جريميو
:
لولا ذَهابُهُما سريعًا مُتُّ من ضحكي
عليهمْ.
ترانيو
:
لم يَشهَد الزمانُ زيجةً أصابَها الجنونُ
مثلها.
لوسنتو
:
آنستي ما رأيُكِ في أُختِكْ؟
بيانكا
:
مجنونةٌ تزوجَتْ مجنونًا. (٢٤٥)
جريميو
:
أُصيبَ بتروشيو بداءِ كيت!٥٣،٥٤
بابتيستا
:
يا أيُّها الجيرانُ والأصحابْ! إنْ كانَ قد
غابَ العريسُ
٥٥
والعروسُ عن شغْلِ مَقْعَدَيْهما في
المائدة،
فلم تغِبْ أصنافُ حَلْوى العُرْس عن
مائدتي.
اشغَلْ إذَنْ كُرسي العريسِ يا لوسنتو،
(٢٥٠)
ولْتَجلِسي بيانكا في مكانِ أُختِكْ.
ترانيو
:
وهل ستلعبُ المُثْلى بيانكا دورَ تِلكُمُ
العَروسْ؟
بابتيستا
:
نعم أقولُ يا لوسنتو! هيَّا بنا الآن جميعًا.
(يخرج الجميع.)