الفصل الرابع
المشهد الأول
(المنظر: القصر الريفي لبتروشيو، يدخل جروميو.)
١
جروميو
:
تبًّا لكل منهكٍ من الخيول، وكل سيدٍ مخبول،
وكل دربٍ واعرٍ
موحول! هل لقي رجلٌ ما لقيتُهُ من الإذلال؟
أو اكتسى ما
اكتسيته من أوحال؟ وهل حدا به الإرهاق مثلي
لهذا الحال؟
أُرْسِلْتُ قبلَهما لأُشعل مدفأة، ويأتيانِ
من بعدي لينعَمَا بالدفء.
لو لم أكُن ضئيلَ الجُرْمِ كالقِدْرِ التي
سُرعان ما تَسخَنْ،
٢ (٥)
لتجمَّدَتْ شَفَتايَ والتصقَتْ بأسناني،
ولالْتَصَقَ اللسانُ
بِسَقْفِ حلْقي، ولالْتَصَقَ قلبي بجدار جَوْفِي،
٣ قبل أن أُشْعِلَ
نارًا تنقذني من التجمد! لكنني سوف أنفخُ
على النارِ حتى
أدفأ،
٤ فلو كنتُ أضخمَ حجمًا لأُصِبْتُ
بنزلةِ بردٍ في هذا
الزمهرير. أين أنت يا كيرتيس؟ تعال!
٥ (١٠)
(يدخل كيرتيس.)
كيرتيس
:
مَن يناديني بصوتٍ لا حرارةَ فيه؟
جروميو
:
قطعةٌ من الجليد. إن كنتَ في شكٍّ فما عليك
إلا أن تمُرَّ
بإصبعِك من كتفي إلى عقبي، من بعد أقصى
البرد في رأسي
وعنقي. أشعل النارَ في المِدفأة يا
كيرتيس.
كيرتيس
:
هل سيِّدي وزوجتُه قادمانِ يا جروميو؟ (١٥)
جروميو
:
نعم يا كيرتيس نعم. أشعِل النارَ إذَن …
لكنْ بلا إلقاء ماءٍ مثلما
كيرتيس
:
هل شراستها حامية٧ كما يحكون عنها؟
جروميو
:
كانت يا كيرتيس قبل هذا الزمهرير! لكنك تعرف
أن الشتاء
يروِّض الرجل والمرأة والحيوان،
٨ فقد روَّض سيدي القديم
(٢٠)
وسيدتي الجديدة وروَّضني أنا يا زميلي
كيرتيس!
كيرتيس
:
إن كنتَ حيوانًا فلستُ زميلك يا أحمق! يا نصفَ شِبرْ!٩
جروميو
:
طولي نصف شبر؟ القَرْنُ في رأسك طوله قدم،
ولا أَقِلُّ أنا
طولًا عنه! هل تُشعِلُ النارَ أمْ أشكوكَ
لسيدتي؟ وسوف تشعُرُ (٢٥)
بلطمةٍ من يَدِها، وهي على وشْكِ الوصول،
بسبب بطئك في
إنجازِ عملٍ عاجل. وهذا جزاءٌ لا يُثلِجُ الصَّدْر.
١٠
كيرتيس
:
أرجوك قُلْ لي يا جروميو الكريم … ما أخبارُ الدنيا؟
(٣٠)
جروميو
:
الدنيا برد يا كيرتيس إلا فيما كلَّفْتُكَ
به … وإذَن أَوقِد المدفأة! قُمْ
بواجبك تَنَلْ ما يجبُ، فإن سيدي وسيدتي
قاربا الهلاكَ في هذا
الصقيع.
كيرتيس
:
أشعلتُ المدفأة يا جروميو الكريم … وافِني إذَن
بالأخبارْ! (٣٥)
جروميو
:
الموَّالُ يقول «الولدُ هو الولدُ!»١١ وبذلك ما تطلب من أخبار.
كيرتيس
:
لا تتهربْ! أنتَ مُغرمٌ بالمراوغة.١٢
جروميو
:
وإذَن علينا بالمدفأة، فلقد أُصِبْتُ ببردٍ
شديد. أين الطباخ؟ هل
جهَّزَ العَشاء؟ هل اكتمل تنسيقُ المنزل،
وفرْشُ الأرض بالقَشِّ، (٤٠)
وإزالةُ بيوتِ العناكب؟ هل ارتدى الخدمُ
ملابسَهم القُطنية
الجديدة، وجواربَهم البيضاءَ الطويلة؟ وهل
ارتدى كل
موظف سُترة الزفاف الخاصة؟ هل نُظِّفتْ
دِنانُ الشرابِ من
الداخلِ والكئوسُ من الخارجْ؟ هل فَرَشْتُمُ
السجاجيد؟ هل
كل شيء على ما يُرام؟ (٤٥)
كيرتيس
:
الاستعداداتُ اكتَملَتْ، وإذَن هاتِ
الأنباءْ!
جروميو
:
اعلمْ أولًا أن حصاني مرهق. وأن سيدي وسيدتي، سقَطَا.١٣
كيرتيس
:
سقَطَا؟ كيف؟
جروميو
:
أقصد وقَعَا من فوق السَّرْجَينِ على الأرض. ولهذا قصَّة.١٤ (٥٠)
كيرتيس
:
أرجو أن تحكيها يا جروميو الكريم.
جروميو
:
أعِرْني أُذنَكْ.١٥
كيرتيس
:
هاكَ أُذُني.
جروميو
:
وهاكَ القِصَّة (يلطمه.) (٥٥)
كيرتيس
:
تلك قصة لا تُسمع بل يُحَسُّ وقعُها.١٦
جروميو
:
لذلك فهي «واقعية»! ولم تكُن تلك اللطمةُ
إلا لفتحِ أذنِكَ
حتى تصغي إلى القصَّة. سأبدأ الآن. أقول أولًا
١٧ إننا كنا نهبط تلًّا
شديد الانحدار، وكان سيدي راكبًا خلف سيدتي.
(٦٠)
كيرتيس
:
كلاهما على حصانٍ واحد؟
جروميو
:
وما يعنيك في هذا؟
كيرتيس
:
الحصان طبعًا.
جروميو
:
إذَن تولَّ أنت قصَّ القصَّة. لو لم تكُن
عارضْتَني لكنتَ سَمعْتَ (٦٥)
كيف سقَطَ حصانُها، وكيف كانت تحته، ولكنتَ
سَمعْتَ كيف
كان المكانُ موحلًا، وكيف لَطَّخَها الطينُ،
وكيف تركَها
والحصانُ فوقها، وكيف ضَرَبَني لأنَّ
حصانَها تعثَّرْ، وكيف
خاضتْ في الأوحالِ لتمنَعَهُ من ضَرْبي،
وكيف عَلَتْ شتائمُهْ،
وكيف توسَّلَتْ إليه امرأةٌ لم تتوسلْ من
قبلُ إلى أحدْ، وكيف (٧٠)
كنتُ أصرخْ، وكيف هرَبَ الحصانان، وكيف
انقطَعَ الزمامُ في
يَدِها، وكيف فقدتُ أنا مِقْوَدي الجِلديَّ،
ولكنتُ ذكرتُ لكَ
أشياءَ كثيرةً جديرةً بالتذكُّر، لكنها
ستموتُ الآن وتصبح في
١٨
طيِّ النسيان، وتعودُ من دونِ أيَّةِ خبرةٍ
إلى قبركْ. (٧٥)
كيرتيس
:
وَفقًا لما تحكي فإنه يزيدُ شراسةً عنها.
جروميو
:
وذلك ما سوف تعرفُهُ أنتَ ويعرفُهُ أعلاكم قامةً
١٩ عندما يعود
إلى المنزل. لكن ما بالي أتكلم عن هذا كله؟
عليك باستدعاء
ناثانيل،
٢٠ وجوزيف، ونيكولاس، وفيليب،
وولتر،
وشوجرسوب، والآخرين. تأكد أنَّ شَعْرَ كل
واحدٍ مصفَّفٌ
جميل، وأن حُلَلَهُم الزرقاءَ نظيفةٌ، وأن
أربطةَ جواربِهِمْ محبوكة، (٨٠)
ومُرْهُمْ أنْ يَنْحَنُوا عند التحيَّةِ
بالساقِ اليُسْرى،
٢١ وألَّا يَلْمَسُوا
شَعْرةً واحدةً من ذَيْلِ حصانِ سيدي قبل أن
يُقبِّلوا أيديهم. هل
استعدوا كلهم؟
كيرتيس
:
نعم. (٨٥)
جروميو
:
فادْعُهم إلى الحضور.
كيرتيس
(ينادي)
:
هل تسمعون؟ أنتم! لا بدَّ أن تقابلوا سيدي،
من أجل
عيون سيدتي.
جروميو
:
عيونُها لم تطلب شيئًا.
كيرتيس
:
وهل يجهل ذلك أحد؟ (٩٠)
جروميو
:
تجهله أنتَ فيما يبدو … إذ تطلب منهم مقابلة سيدي من
أجل
عيون سيدتي!
كيرتيس
:
أقصد تقديم الإجلال لها.
جروميو
:
عجبًا لم تأتِ لكي تأخذ شيئًا منهم.
(يدخل أربعة أو خمسة من الخدم.)
٢٢
ناثانيل
:
مرحبًا بعودتك يا جروميو! (٩٥)
فيليب
:
كيف حالك يا جروميو؟
جوزيف
:
أهلًا جروميو!
نيكولاس
:
زميلي جروميو!
ناثانيل
:
كيف أنتَ صاحبي؟
جروميو
:
مرحبًا بكم، كيف حالُكم، أهلًا بكم، ودمتم
يا زملائي! كفى (١٠٠)
بهذه التحايا الآن! الآن يا رفقائي
المُهندَمين: هل كل شيء
جاهز؟ هل كل شيء على أكمل وجه؟
ناثانيل
:
كل شيء جاهز. هل اقترب وصوله؟
جروميو
:
بل وصل فعلًا. ولعلَّه ترجَّل عن جواده
الآن. ومن ثَم فعليكم
ألَّا … صمتًا بالله! إني أسمع سيدي.
(١٠٥)
(يدخل بتروشيو وكاترينا.)
بتروشيو
:
أين جميع الخدمِ الأوغاد؟ لا أحد هنا
بالبابِ
لإمساكِ رِكابي ومُراعاةِ جوادي؟
أين نثانيل وجريجوري وفيليب؟
الخدم
(جميعًا)
:
نحن جميعًا يا مولاي هنا نحن هنا!
بتروشيو
:
نحن هنا يا مولاي هنا نحن هنا! (١١٠)
يا أصحابَ عقولٍ مُقفَلةٍ ونُفوسٍ فظَّة
٢٣
لِمَ لمْ يستقبلْني أحدٌ منكم؟ أين التبجيلُ
وأين الواجبْ؟
أين مَضَى ذاك الأحمقْ؟ مَنْ كنتُ بعثتُ به
قبلي؟
جروميو
:
موجودٌ يا مولايَ ولم ينقُصْ حُمقًا عمَّا كان
عليهِ!
بتروشيو
:
يا أغلظَ فلاحٍ يا ابنَ العاهرةِ ويا فَرَسَ
الطاحونِ الأخرقْ
٢٤ (١١٥)
أوَلمْ آمُرُكَ بأنْ تَلْقاني عند وُصولي
للمنتَزهِ وأنْ
تُحضِرَ كل الخدمِ الأوغاد معكْ؟
جروميو
:
سُترةُ ناثانيل كانت عند الحائكْ … وحذاءُ
أخينا جبريلْ
لم يكُ مكتملَ الزينةِ عند الكعْب … أمَّا
بيترْ
فالواقعُ أنَّا لم نجد الزفتَ
٢٥ اللازمَ كي نصبُغَ قُبَّعتَهْ.
(١٢٠)
وكذلك لم تكُن الورشةُ قد صَنَعتْ غِمدًا
يكسُو خِنجَرَ وولتر،
أمَّا مَن كان على استعدادٍ منهم
فهُمُو
آدمُ وجريجوري ورافي. والباقي منظرهم أشعثُ أغبرُ
٢٦
يوحي بتقدُّمِهم في السِّن، لكنَّهمو حتى
في
حالهم المُزري جاءوا للترحيبِ هُنا بِكُما.
٢٧
بتروشيو
:
هيَّا يا أوغادُ انطلقوا … آتُوني بعَشَائي.
٢٨ (١٢٥)
(يخرج الخدم.)
(يغني): «أين ولَّى من حياتي ما
انقَضَى
أين أيامُ (العزوبة) …»
(يقطع الغناء حين يرى كيت.)
٢٩
اجلسي كيت مرحبًا واستريحي! «بِعتُها
بِعتُها وبعتُ الليالي!»
(يدخل الخدم حاملين طعام العشاء.)
٣٠
وأخيرًا يجيءُ هذا العَشاءُ. افرحي يا
جميلةُ واهنَئي!
اخلعوا ذلك الحذاءَ الطويلْ … يا ضِعافَ
العُقولِ والمَنطقِ الكليلْ! (١٣٠)
«قد كان ذاك
٣٢ راهبًا بملبسٍ رمادي وقور،
وكان قد أغوَى خِلالَ رِحلَةِ
العُبُورْ»
بل كُفَّ يا وغد فقدْ لَوَيتَ
إصبَعي،
عليكَ بالأُخرى وحاذِرْ هذه المرَّة،
تبسَّمي يا كيت وابتهجي! الآن بعضَ الماءِ
أنتم! (١٣٥)
(يدخل خادم يحمل طستًا وإبريقًا فيهما
ماء.)
أين طرويلوس كلبي الإسباني؟ واسمَعْ أنتَ
اذهَبْ فَوْرًا،
وادعُ قريبي فرديناند إلى أن يَحضُرَ في
الحالِ.
ذلك يا كيت جديرٌ بالتقبيلِ وبالمعرفةِ
الحقَّة،
أين وضعتَ إذَنْ خُفَّ المنزل؟ هاتُوا بعضَ
الماءْ!
هيا يا كيت اغتسلي فبقلبي أعمقُ ترحيبٍ
بعروسي (١٤٠)
(مغيرًا النبرة.)
يا وغدُ يا ابنَ العاهِرَة! لقد صببتَ
الماءَ فوقنا!
كاترينا
:
أرجوكَ أن تَصبِرْ … ذي غَلْطةٌ ولم يكُنْ
يَقصدُها.
بتروشيو
:
يا مَنْ دِماغُهُ كالمِطرَقة
٣٤ … ومَنْ تدلَّت الآذانُ منه كالكلابِ
٣٥
يا ابنَ العاهرة! هيَّا إذَنْ يا كيت هيا
واجلسي!
لديكِ لا شَكَّ شهيَّة. هل تَقرَئينَ شُكْرَ
الربِّ أم أقرؤُهُ؟ (١٤٥)
ما ذاكَ؟ لحمُ الضأن؟
الخادم ١
:
نعم.
بتروشيو
:
مَنْ أحضَرَهْ؟
بيتر
:
أنا.
بتروشيو
:
لكنه مَحروقْ. كشأنِ باقي الأطعمة.
(١٥٠)
أيُّ كلابٍ خَدَمي! أين طبَّاخي
٣٦ اللئيم؟ كيف اجترأتُم
أنْ توافوني بهِ من الطبَّاخِ ثم تطلبون
منِّي
أنْ أُحبَّ ما أنفِرُ منهُ؟ خُذوه كله
لكُم
وارفعُوا الصِّحافَ
٣٧ والأكوابَ كلها! يا أيها
الحقراءُ
يا ذوي رءوسٍ فارغة!
٣٨ يا مَن عميتُمْ
٣٩ وافتقرتُمْ للسلوك الأقومِ
٤٠ (١٥٥)
ماذا؟ أتُبدونَ التَّذمُّرْ؟ سوف تَلْقَونَ
حسابي دون إبطاءْ.
(يخرج جروميو مع الخدم.)
كاترينا
:
أرجوكَ يا زوجي تحكَّمْ في انفعالِكَ
واقتصِدْ في غَضْبتِكْ،
اللحمُ كان طيبًا لو كنتَ أنعمْتَ
النَّظَرْ.
بتروشيو
:
أقولُ كيت إنه احترقْ … وجَفَّ ما بهِ من
العُصارَة،
وقد مُنِعتُ مَنعًا واضحًا أنْ أَقرَبَهْ،
(١٦٠)
لأنه يزيدُ في الدَّمِ الصفراءَ حتى يُورثُ
الغَضَبْ،
والخيرُ أنْ نصومَ ليلةً معًا،
ما دامَ طبعُنا أنا وأنتِ صفراويًّا،
٤١
لا أنْ نَذوقَ ذلك اللحمَ الذي طالَ
شِواؤُهْ.
لتَصبِرِي ففي غدٍ سنُصلِحُ الأحوالْ،
(١٦٥)
ولتَصحَبيني في الصيامِ هذه الليلة
٤٢
هيَّا معي أُريكَ غُرفةَ الزفافْ.
(يخرج بتروشيو وكاترينا.)
(يدخل جروميو والخدم متفرقين.)
ناثانيل
:
فهل رأيتَ قبلَ الآن يا بيتر مِثالَ ذلك؟
بيتر
:
إنه يَقهَرُها مُستخدِمًا سلاحَها نفْسَهْ.
(يدخل كيرتيس الخادم.)
جروميو
:
وأين ذَهَبْ؟ (١٧٠)
كيرتيس
:
في غُرفتِها ما زالْ. يُلقي موعظةً عن
ضَبْطِ الشَّهواتِ عليها،
ويسبُّ ويشتُمُ ويُجَلجِلُ صوتَهْ
حتى أصبَحَت المِسكينَةُ لا تدري أين
تقومُ
وما تُبصِرُ أو ما يُمكِنُ أنْ تَنطِقَ
بِهْ،
بل تجلسُ ذاهلةً مِثلَ مَن استيقظَ من
حُلْم. (١٧٥)
هيَّا نخرجْ هيَّا … إذ ألمحُ مَقْدِمَهُ
الآنْ.
(يخرج جروميو والخدم.)
هكذا كان شُرُوعي في تولِّي الحُكْمِ
بالحيلة،
ورجائي أنْ يواتيني النجاحُ في النهاية،
إنَّ أُنثى الصَّقْرِ كيت … هدَّها جوعٌ شديدٌ،
٤٤
وإذا لم تستكِنْ لي لن تُحِسَّ بالشِّبَعْ.
(١٨٠)
فامتلاءُ البَطْنِ لن يُغري بإقبالٍ على
الطُّعمِ الذي
٤٥
يَلزَمُ للترويضْ! وأنا عندي سبيلٌ غير هذا
يضمنُ
الترويضَ قطعًا كي تلبِّي دعوتي حين
أنادي،
عندما تَعرِفُني من نبراتي … ذاك أنْ
أحرِمَها النَّوْم
٤٦
مثلما نَحرِمُ كلَّ الصقورِ إنْ غدَتْ تنبو
عن الطُّعمِ
بدَقِّ الأرضِ بالأجْنِحَةِ … أو ببعضِ
الرَّفْرفَة … بل وتَعصِي كلَّ أمْر
(١٨٥)
لم تذُقْ في يومِنا هذا طَعَامًا بل ولن
تأكلَ شيئًا!
لم تنَمْ في ليلةِ الأمسِ
٤٧ ولن تغفو إذا حلَّ
المساءْ!
مثلما استهجنْتُ إعدادَ الطَّعَامْ … سأرى
بعضَ عيوبٍ زائفة
في أساليبِ انتظامِ الفَرْشِ عند
المَضجَعْ.
وهنا أُلقي على الجنْبِ الوَسَائدْ … وعلى
الطَّرفِ المَسانِدْ، (١٩٠)
وعلى الأرضِ سأُلقي الأغطية … ومُلاءاتِ
الفِرَاشْ.
وسأنحو وسْطَ هذي المَعمَعة … نحوَ أنَّ
الأمْرَ لا يَعْدُو
اهتمامي باكتمالِ الراحةِ المُثلى
لها،
فإذا أَغمَضَت العينَ هُنيهة … قمتُ من فوري إليها
٤٨ صارخًا أو (١٩٥)
شاتمًا أو مُرعِدًا حتى تظلَّ
ساهِدة.
إنَّ هذا مَذهبٌ يكفُلُ بالتدليلِ قتلَ الزوجةِ
٤٩
وبهذا أكبَحُ الطَّبْعَ الذي فيه جُنونٌ
وعِنادْ، إن يكُنْ
فِيكُمْ فتًى يَعرفُ نَهْجًا أفضلْ … فيهِ
ترويضُ الشَّراسَة،
فلْيُحِطْنا الآنَ بِهِ … ذاك إحسانٌ وخيرٌ وكِياسَة.
٥٠،٥١ (٢٠٠)
(يخرج.)
المشهد الثاني
(يدخل ترانيو (في زيِّ لوسنتو) وهورتنسو
(في زيِّ ليسيو).)
٥٢
ترانيو
:
هل يُعقَلُ يا صاحبَنا ليسيو أنَّ بيانكا
تعشقُ غيري؟
هل يُعقَلُ أنْ تهوى أحدًا إلَّا لوسنتو؟
دعني أخبرْكَ
بأنَّ بيانكا خدعَتْني إذ أوحَتْ لي أجملَ إيحاءٍ
٥٣ بهواها.
هورتنسو
:
إذا أردتَ الاقتناعَ بالذي أقولُهُ … فما
علينا
غيرُ الاختباءِ ها هنا لنَسمعَ الذي يقولُهُ
في درسِهِ. (٥)
(يختبئان أثناء دخول بيانكا ولوسنتو
(في زي كامبيو).)
لوسنتو
:
والآنَ يا آنستي! هل استفدتِ مما تدرُسينْ؟
بيانكا
:
مَن المؤلِّفُ الذي تدرُسُ شِعرَهْ؟ أجبْ بدايةً عن
ذلك.
لوسنتو
:
النصُّ في يدي كتابُ فنِّ الحُبِّ.٥٤ أُدرِّسُهْ … وأَدْرُسُهْ!
بيانكا
:
أرجو بأنْ تكونَ أُستاذًا لفنِّكَ العظيمِ لا
مِراءْ.
لوسنتو
:
كما غدوتِ أنتِ يا حبيبتي بهِ … أستاذةً حسناءْ.٥٥ (١٠)
(ينسحبان إلى ركنٍ بعيدٍ ويتقدم
هورتنسو وترانيو إلى مقدمة المسرح.)
هورتنسو
:
أُقسِمُ إنَّهما وصلا للغايةِ وبأقصى سرعة!
والآنَ أَجِبْ
٥٦
يا مَنْ واتَتْكَ الجُرأةُ كي تُقسِمَ إنَّ
بيانكا محبوبتَكَ
محالٌ أنْ تعشقَ أحدًا خيرًا من لوسنتو
…
ترانيو
:
ما أقسَى الحُبَّ وما أسرعَ ما يتقَلَّبُ
قلبُ المرأة!
هذا يا ليسيو يُدهِشُني كلَّ الدهشة!
(١٥)
هورتنسو
:
لا تَمضِ في انخداعِكْ. فلستُ ليسيو ولستُ
بالذي
يُعلِّمُ الموسيقى … كما يَلُوحُ من ردائي
لكْ.
بل إنَّني أعافُ أنْ أعيشَ لابسًا هذا
القناعَ في
سبيلِ أنثى تتركُ الأمجادَ والسادة
من أجْلِ ذلك الفَدْمِ الذي تُؤلِّهُهْ.
٥٧ (٢٠)
اعلَمْ إذَن يا سيِّدي بأنَّني
هورتنسو!
ترانيو
:
سنيور
٥٨ هورتنسو؟ كنتُ سمعتُ كثيرًا
عمَّا
تُضمِرُهُ لبيانكا من حُبٍّ مخلصْ! أمَّا
الآنَ وقدْ
شهِدَتْ عينايَ هنا كيف تخونُ الخائنةُ
فإني
أشتركُ — إذا أحببت — مَعَكْ (٢٥)
في نَبْذِ بيانكا وغرامِ بيانكا
للأبدِ!
هورتنسو
:
انظُرْ تَطَارُحَ الغرامِ والقُبَلْ! سنيور
لوسنتو! هذي يدي،
وذاك عهدٌ صادقٌ منِّي بألَّا أبتغي ما عشتُ
وُدَّها،
بل إنَّني نبذتُها من بعد أنْ تجلَّى
أنَّها
لا تستحقُّ ما بذلتُهُ من قبلُ من حُبٍّ
وإعزازٍ لها (٣٠)
إذ كان عقلي غائبًا مَسلوبًا.
ترانيو
:
وكذلك أُقسِمُ أصدَقَ قَسَمٍ ألَّا
أتزوَّجَها
حتى إنْ جاءَتْني تتوسَّلْ! العارُ
لها!
انظُرْ كيف تُلاطِفُهُ في شغفٍ حيواني!
٥٩
هورتنسو
:
أتمنَّى أنْ يُقسِمَ كلُّ الخُطَّابِ على
نَبْذِ بيانكا إلَّا إيَّاهُ، (٣٥)
أمَّا عن نَفْسي فلسوف أفي بالوعدِ وفاءً
حقًّا،
إذ أتزوجُ أرملةً
٦٠ ذاتَ ثراءٍ من قبل مُرورِ ثلاثةِ
أيامٍ،
فلقد كانت تُبدي لي الحُبَّ وقلبي
يعشق أنثى صقرٍ تتباهى في خُيَلاءْ!
٦١
أستودِعُكَ اللهَ إذَنْ يا سنيور لوسنتو،
(٤٠)
يأسرُني الآنَ حنانُ المرأةِ لا حُسْنُ
مُحيَّاها!
وبهذا أستأذِنُ أنْ أنصرِفَ وقد ثبتَ العزمُ
لديَّ بأنْ
(يخرج هورتنسو.)
(يعود لوسنتو وبيانكا إلى مقدمة
المسرح.)
ترانيو
:
أنعَمَ اللهُ يا بيانكا عليكِ
بالبركاتْ
نِعمةً بالجمالِ شأنَ أنعُمِ العاشقاتْ،
(٤٥)
إنَّني غافلْتُكِ
٦٣ اليومَ يا هوًى قد
عشِقْتُهْ،
فتخليتُ عن غرامٍ مضى أو نبذتُهْ،
واحتَذَى هورتنسو بما قد فعلتُهْ.
بيانكا
:
لستَ جادًّا! هل تخلَّيتُما معًا عن غرامي؟
ترانيو
:
ذا صحيح.
بيانكا
:
قد نَجَونا من أخينا ليسيو.٦٤
ترانيو
:
الحقُّ أنَّه لديهِ أرملةٌ … جذابةٌ وفاتنة،
(٥٠)
وسوف ينتهي من خِطبتِهْ … ويعقدُ القِرانَ
في نهارٍ واحدٍ!
بيانكا
:
يا ربِّ هبْ له الفَرَحْ!
ترانيو
:
ولسوف يُروِّضُها!
بيانكا
:
يقولُ هذا يا ترانيو؟
ترانيو
:
بالحق التحق بمدرسة الترويض! (٥٥)
بيانكا
:
مدرسةُ الترويضْ؟ ألدينا مِثلُ المَدرسةِ
المَذكورة؟
ترانيو
:
فعلًا يا آنستي والأستاذ بها
بتروشيو!
إذ يتولى تعليمَ طرائقَ ناجعةٍ فعَّالة
٦٥
تضمَنُ ترويضَ الشرساتِ وكبْحَ الألسنةِ الثرثارة.
٦٦
(يدخل بيونديلو.)
بيونديلو
:
يا سيِّدي! ظللتُ أرقُبُ الطريقَ حتى صرتُ كالكلابِ
٦٧ المُنهَكَة، (٦٠)
لكنَّني رأيتُ بعد فترةٍ شيخًا وقورًا يهبطُ
التلالَ نحوَنا
كأنَّهُ الملاكُ أو كأنَّهُ دينارْ!
٦٨ وفي اعتقادي أنَّهُ
لا بدَّ أنْ يفي بالغرضِ.
٦٩
ترانيو
:
وما عساهُ أنْ يكونَ يا بيونديلو؟
بيونديلو
:
تاجرٌ
٧٠ يا سيِّدي أو قُلْ مُعلِّمْ. لستُ
أدري
إنَّما مَلبَسُهُ الرَّسميُّ ثُمَّ وجْهُهُ
ومِشيَتُهْ (٦٥)
كلُّها يوحي بأنَّ الشيخَ والدْ.
لوسنتو
:
ما شأنُنا بهِ ترانيو؟
ترانيو
:
إنْ كانَ ميَّالًا إلى التَّصديقِ لا يشكُّ
فيما يَسمعُهْ،
فلسوف يُسعِدُهُ ادِّعاءُ أُبوَّتِكْ …
ويكونُ فنشنتو أباكْ!
ولسوف يَمنَحُ ما وَعَدتُ به أباها من
ضَمَانْ، (٧٠)
ما دام بابتيستا مينولا لن يشُكَّ بأنَّ هذا
الشخصَ
يلعبُ دورَ فنشنتو. دعني هنا وحدي
معَهْ،
واخرُجْ إذَن وحبيبتُكْ.
(يخرج لوسنتو مع بيانكا.)
(يدخل التاجر.)
التاجر
:
حيَّاكَ ربِّي سيِّدي!
ترانيو
:
وأنتَ مرحبًا بكْ! أتنتَوي البقاءَ فترةً أمْ
تستأنِفُ السَّفرْ؟
التاجر
:
هذي غايةُ تَرحالي أسبوعًا أو أسبوعينْ،
(٧٥)
لكنِّي أعتزمُ مواصلةَ السَّفرِ إلى روما ثم
إلى طرابلسْ،
إنْ مدَّ الخالقُ في أجَلي.
ترانيو
:
ومَوطِنُكْ … من فضلِكْ؟
التاجر
:
مَوطِني مانتوا.
ترانيو
(يتصنع الهلع)
:
من مانتوا يا سيِّدي؟ لا لا قدَّرَ
اللهُ!
وجئتُ ها هنا في بادوا … مُجازِفًا بروحِكْ؟
(٨٠)
التاجر
:
برُوحي؟ كيف … قُلْ يا سيِّدي أرجوكَ … تلكَ مسألةُ خطيرَة!٧١
ترانيو
:
كلُّ فردٍ من أهالي مانتوا يجيء بادوا …
عقابُهُ الإعدامْ!
ألستَ تدري ما السببْ؟ إنَّهُ السفائنُ التي
باتَتْ لكُمْ
رهينةً في البندقية … والدُّوقُ ذُو
خُصُومةٍ شخصيَّة
مع الدُّوقِ الذي يَحكُمُكمْ. وذاك ما دعاهُ
للإعلانِ عنْ (٨٥)
هذا العِقابِ ها هنا على الملأْ! من الغريبِ
أنْ يكونَ
فاتَكَ العِلْمُ بهِ أو الاستماعُ للذين
يَنشرونَهُ لولا
وصولُكَ الآنَ وحسْب.
التاجر
:
وا أسَفَا يا سيِّدي! فإنَّني في حالةٍ
يزيدُ سوءُها عمَّا ذكَرْت،
إذْ إنَّ في يدِي حَوَالاتٍ لأموالٍ أتَتْني
من فلورنسا، (٩٠)
وينبغي تسليمُها هنا وتحصيلُ
النقودْ.
ترانيو
:
لا بأسَ سيِّدي سأخدُمُكْ. وأُنجِزُ
المطلوبَ لكْ.
وما عليكَ إلَّا أنْ تُراعي ما أُشيرُ
بهِ
قُلْ أولًا: هل زُرتَ في يومٍ من الأيامِ
بيزا؟
التاجر
:
إنِّي أحُلُّ بها في كلِّ تَرحالِ (٩٥)
بيزا التي اشتهرَتْ بوقارِ أهليها.
ترانيو
:
وهل عرفتَ بينهم شخصًا يُسمَّى فنشنتو؟
التاجر
:
سمِعتُ عنه دون أنْ أَعرِفَ شخصَهْ،
إذ إنَّه فيما يُقالُ تاجرٌ وذُو ثَراءٍ لا
نظيرَ لَهْ.
ترانيو
:
فإنَّهُ لَوالِدي يا سيِّدي وإنْ أردتَ
الحقَّ قُلتُ إنَّهُ (١٠٠)
في وجهِهِ مَشَابِهٌ من وجهِكْ.
بيونديلو
(جانبًا)
:
مثلما قد تُشبِهُ التفاحةُ المَحَارة٧٢ … لكنَّ ذاك لا يُهمُّ.
ترانيو
:
إنقاذًا لحياتِكَ في هذِي الأزمَة
أُسْدِي لكَ مَعروفًا من أجْلِ أبي،
(١٠٥)
لا تتصوَّرْ أنَّ الشبَهَ بسنيور
فنشنتو
يكشِفُ عن سُوءِ الطَّالعِ بل بالعَكْس …
فلسوف تحوزُ هنا اسمَهْ … ونباهَةَ
صِيتِهْ،
وتُقيمُ معي في بَيتي كالوالدِ في صُحْبةِ
ولدٍ بارٍّ،
وإذَنْ فاحرِصْ أنْ تَلْعَبَ دورَكَ
بالإتْقانِ الواجِبِ، (١١٠)
هل تَفهمُني يا أستاذْ؟ أيْ إنَّ عليكَ بأنْ
تَبْقى
حتى تُنجِزَ ما جِئْتَ له في البلدةِ من
أعمالْ،
إنْ كُنتَ تَرَى في هذا مَعروفًا
فتقَبَّلْهُ.
التاجر
:
أتقبَّلُهُ يا سيِّدُ وأقدِّرُ خَيْرَ
التقديرِ جميلَكْ
إذ أنقذْتَ حياتي وكَفَلْتَ ليَ الحريَّة.
(١١٥)
ترانيو
:
وإذَنْ فلنَذْهَبْ حتى نبدأَ تنفيذَ
الخُطَّة،
وسأَحْكي لكَ أثناءَ السَّيْرِ أمُورًا
أرجُو أنْ تَفهَمَها،
الناسُ هنا تتوقَّعُ أنْ يَصِلَ أبي في
أيَّةِ لحظة
حتى يُبرِمَ عقْدًا رسميًّا يكفلُ مَهْرَ
زَوَاجي
بابنةِ رجُلٍ في البلدةِ يُدْعى بابتيستا.
(١٢٠)
ولسوف أُحيطُكَ عِلمًا بجميعِ التفصيلاتِ
الخاصَّةِ بالموضوعْ،
فتعالَ معي حتى أكسوكَ كِساءً يَضْمنُ
إنجاحَ المَشروعْ.
٧٣
(يخرجان.)
المشهد الثالث
(تدخل كاترينا وجروميو.)
٧٤
جروميو
:
كلَّا بالحقِّ! لا أجرؤُ حتى إنْ كان بهِ إنقاذُ
حياتي.
كاترينا
:
كلما ازدادَ استيائي زادَ إظهارُ
ابتلائي،
هل تزوَّجْتُ لكي يُهلِكَني بالجوعِ مَنْ
يَرضى عنائي؟
إنْ أتَي السائلُ يومًا بابَنا ثم
توسَّلْ،
كان يَلقى في حِمانا كلَّ ما يسألْ،
(٥)
وإذا لم يَلقَهُ لم يَعدِم الإحسانَ عند
المُتفضِّلْ،
وأنا لم أتعلَّمْ في حياتي أيَّ فنٍّ
للتوسُّلْ،
بل وما احتجْتُ ومهْما كان أنْ أُبدي
التوسُّلْ،
هدَّني الجوعُ وأضناني سُهادٌ دارَ بالرأسِ
فأثقَلْ،
أسمَعُ الأيمانَ من حولي تُؤذيني
فأصحو،
ويُغذِّيني شِجارٌ صوتُهُ ما انفكَّ يعلو،
(١٠)
إنَّ ما يُشعِلُ غَيظي فوق ما
أفتقدُهْ
أنَّهُ يَفعلُ هذا باسْمِ حُبٍّ كاملٍ
يعتقدُهْ،
أتُراني إنْ أكلتُ اليومَ أو نِمتُ
قليلًا
جاءني الداءُ وَبِيلَا … أو غدَا الموتُ
سبيلَا؟
امْضِ أرجوكَ فأَحضِرْ لي طَعامًا … فبِهِ
قد أتعلَّلْ، (١٥)
ليس يَعنيني هنا ما نوعُهُ … ما دام أكلًا
يُؤكلْ.
جروميو
:
هل تحبِّينَ الكوارِعَ البقريَّة؟٧٥
كاترينا
:
إنَّها رائعة … آتِني منها قليلًا.
جروميو
:
أخشَى بأنَّها مُدِرَّةٌ لعنصرِ الصفراءْ.
فما تقولينَ إذَنْ
في «الكِرْشَةِ» السمينةِ التي أُجيدَ
طبْخُها؟
كاترينا
:
لا بأسَ إطلاقًا بها! أرجوكَ آتِني بها!
جروميو
:
بل لستُ واثقًا … أخشَى بأنْ تزيدَ من
إفرازِ تِلكُمُ الصفراءْ،
فهل تُحبِّينَ الشِّواءَ من لحمِ البقرْ …
مُتبَّلًا بالخردلْ؟
كاترينا
:
ذا طَعامٌ أعشقُهْ.
جروميو
:
إنما الخردَلُ حِرِّيفٌ ولاذعْ. (٢٥)
كاترينا
:
أكتفي باللَّحمِ دون الخردلِ.
جروميو
:
بل لن يكونَ ذاك مطلقًا! إمَّا اللحومُ
بالخردلْ،
أو لن تنالي أيَّ لحمٍ من جروميو!
كاترينا
:
إذَنْ فأيُّهما تشاءُ أو هما معًا أو الذي
تَراهُ.
جروميو
:
أفلا يكفي الخردلُ دون اللحم؟ (٣٠)
كاترينا
:
اذهبْ إذَنْ يا أيُّها الوغدُ المُخاتِلُ
الحقيرْ!
(تضربه.)
من بعد ما جعلْتَني أقتاتُ بالأسماءِ من دون
اللحومْ!
ولْتغْشَ قلبَكَ الهُمومْ! وكلَّ قلبٍ من
قلوبِ العُصبةِ التي
تُبدي الشماتةَ في ابتلائي،
اذهبْ ودعْني في شقائي.
٧٦ (٣٥)
(يدخل بتروشيو وهورتنسو حاملَيْن
الطعام.)
بتروشيو
:
قَرِينتي يا كيت كيف حالُكْ؟ هل أنتِ يا حبيبتي حزينة؟٧٧
هورتنسو
:
يا سيِّدتي ماذا بكْ؟
كاترينا
:
أشعُرُ بالبردِ القارسِ حقًّا!
بتروشيو
:
فلْتَنفرِجْ إذَنْ أَساريرُكْ … وليَنْشرِحْ
لي صدرُكْ،
فسوف تَشهدِينَ يا حبيبتي … كم اجتهدْتُ من
أجلِكْ، (٤٠)
إذ إنَّني طهوتُ هذا اللَّحمَ بل أحضرتُهُ
بنفْسي لكْ،
وإنَّني لَواثقٌ يا كيت يا حبيبتي أنَّ
العناءَ يستحقُّ الشُّكر!
ماذا؟ ولا كَلِمة؟ إذَنْ فلا يروقُ
لكْ،
وكلُّ ما بذلتُهُ قد ضاعَ أدراجَ
الرياحْ.
هيَّا ارفعوا هذي الصِّحافَ من هنا!
(٤٥)
كاترينا
:
بل أَبقِها أرجوكْ!
بتروشيو
:
مهْما يكُنْ جُهْدُ الفتى ضئيلًا فهو
يُشكَرْ.
وسوف تَشكُرينني على اجتهادي قبل أنْ تذوقي
اللَّحم.
كاترينا
:
شكرًا إليك سيِّدي.
هورتنسو
:
تبًّا لكَ يا بتروشيو! أنتَ المُخطئْ!
(٥٠)
هيَّا يا سيِّدتي كيت أشاركُكِ
الوَجبة.
بتروشيو
(جانبًا إلى هورتنسو)
:
فإنْ تكُنْ تُحبُّني عليكَ بالْتِهامِهِ
كلِّهْ!
وليتَهُ يعودُ بالخيرِ العميمْ
٧٨ … لقلبِكَ الكريمْ. فلتُسرعي يا
كيت
في طعامِكْ … لأنَّنا لا بدَّ يا حبيبتي
الحسناء أنْ نعودَ
قاصدينَ بيتَ والدِكْ … حتى نُقِيمَ
الاحتفالَ في أبهى الصورْ!
٧٩ (٥٥)
وقد لبِسْنا القَزَّ والخَزَّ وخيرَ
القُبَّعاتْ … وفي الأصابعِ الخواتمْ
وحوْلَ كلِّ مِعصَمٍ وكلِّ جِيدٍ طوقُهُ
المُزركَشْ! وبالإزارِ المُنتَفِشْ
كأنَّهُ الخيمة!
٨٠ ناهيكَ بالوِشاحِ حَوْلَ الوجْهِ
والمَرَاوِح!
وبالبدائلِ الجميلةِ التي تُزيِّنُ كلَّ
حِلْيةٍ بحِلْية،
٨١
والكهرمانُ في الأساوِرْ … وغيرُها من
القلائدِ البهيَّة (٦٠)
إنْ كنتِ قد فرغتِ من طَعامِكْ … فإنَّ
حائكَ الثيابْ
ما زالَ في انتظارِ أنْ يكسوكِ بالذي
ازدَهَى وطابْ
٨٢
(يدخل الحائك.)
أَقدِمْ إذَنْ يا أيُّها الحائكْ! دعْنا
نُشاهدْ هذه الزِّينة،
اعرضْ علينا الثَّوب
(يدخل الخردواتي.)
ماذا أتيتَ بِهِ؟
الخردواتي
:
أتيتُ بالقُبَّعةِ … وفْقًا لما طلبْتَهُ.
(٦٥)
بتروشيو
:
وأيُّ قالبٍ صببتَ فيه القُبَّعة؟ قصعةٌ صغيرة؟
٨٣
صحنٌ صغيرٌ من قطيفة؟ عارٌ عليكَ إنَّها
رخيصةٌ بذيئة!
٨٤ قوقعةٌ … أو قِشرُ جَوزةٍ … أو
زِينةٌ تافهةٌ!
٨٥
لُعبةٌ أو حِليةٌ
٨٦ ولا تزيدُ عن طاقِيَّةِ الرضيع.
خُذْها إذَنْ وآتِني بما يزيدُ حَجْمًا.
(٧٠)
كاترينا
:
لن أرتَضِي ما زادَ حجْمًا عنْها … فإنَّها
تُلائمُ المُوضَة،
ومِثلُها مُناسبٌ للمرأةِ اللطيفةِ المُهذَّبة.
٨٧
بتروشيو
:
إذا غدوتِ يا حبيبتي لطيفةً مُهذَّبة … فسوف
آتيكِ بها
ولن تَرَيْها قبل ذلكْ.
هورتنسو
(جانبًا)
:
ولن يكونَ هذا في القريبِ العاجلِ!
كاترينا
:
أظنُّ يا سيِّدي أنْ سوف تسمحُ لي
(٧٥)
بأنْ أعبِّرَ عن رأيي بلا وَجَلِ
وسوف أُعلِنُهُ إذ لم أعُدْ طفلةً
ولم أعُدْ برضيعٍ عاجِزِ القَوْلِ
وقد تحمَّلَ مَنْ يَعلوكَ منزلةً
ما جالَ في خاطري لفظًا وما سَئِمَا
أمَّا إذا لم تُطِقْ صبرًا على
كَلِمي
فسُدَّ أُذْنَيكَ قَسْرًا واختَر
الصَّمَمَا
لسوف يحكي لساني غَضْبةً في الحَشَا
إنْ يُخفِها القلبُ باتَ القلبُ مُنفَطِرَا
(٨٠)
لذاك أعتزمُ التصريحَ في ثقةٍ
بكلِّ ما جاشَ في صَدْري وما عَبَرا
٨٨
وسوف أُرْخي زِمامي للكلامِ هنا
٨٩
كي لا يَضيعَ فُؤادي إنْ هُو
انْكَسَرا
فللِّسانِ عِنانٌ سوف أُطلِقُهُ
لآخِرِ الشَّوْطِ حتى أقضِيَ
الوَطَرَا
بتروشيو
:
أصبتِ فما أحقَرَ القُبَّعة! … رقاقةُ
فالوذجٍ تافِهَة
فطيرٌ ولكنْ حريرٌ! وحبِّي يزيدُ
إليكِ
لأنَّكِ تُبدينَ هذا النُّفور!
٩٠ (٨٥)
كاترينا
:
أَحبِبْني أو لا تُحبِبْني فأنا تُعجِبُني القُبَّعةُ!
٩١
إمَّا أنْ آخُذَها أو لن ألبَسَ
٩٢ شيئًا آخَرَ.
بتروشيو
:
تَعنينَ رِداءَكِ؟ فِعلًا! أَقدِمْ يا حائكُ
واعْرِضْهُ علينا.
(يخرج الخردواتي.)
يا ربَّ الرحمةِ يا ربِّي! ذاك رِداءٌ
يَلْبَسُهُ مَن يبغي أنْ
يتنكَّر! هل هذا كُمُّ الثَّوبْ؟ ما أكثرَ
ما يُشْبِهُ
فُوَّهةَ مَدَافِعِنا الصغرى!
٩٣ أعليهِ نُقوشٌ طُوليَّة؟
(٩٠)
كنقوشِ القِشدَةِ فوق فطيرةِ تفاحٍ؟
وهنا قَطْعٌ وهنا جَدْعٌ وهنا شَقٌّ وهنا مَزْقُ
٩٤
وهناك تَصاويرٌ غائرةٌ أو بارزةٌ
مثل الأشكالِ المرسومةِ فوق العُودِ أو
المِبخَرةِ بدُكَّانِ الحلَّاق
يا حائكُ ماذا باسْمِ الشيطانِ تُسمِّي
ذلك؟
هورتنسو
(جانبًا)
:
الأرجَحُ في نظري أنْ لن تحظى بالثَّوبِ ولا
بالقُبَّعةِ! (٩٥)
الحائك
:
أمَا طلبتَ أنْ يكونَ الثَّوبُ لائقًا
منسقًا
وفقًا لما تقضي به أزياءُ عصرنا؟
بتروشيو
:
لكنْ إنْ تُسعفْكَ الذاكرةُ فإنِّي
لم أطلبْ أنْ تُفسِدَهُ وفْقَ الأزياءِ
العصريَّة.
عُدْ للمنزلِ وثبًا فوق البالوعاتِ
(١٠٠)
لأنِّي لن أشتريَ ثيابًا منك،
خُذْهُ وحاولْ أنْ تَنتفِعَ بهِ قدْرَ
الطاقة!
كاترينا
:
لم أشهدْ من قبلُ رداءً أفضَلَ
تفصيلًا،
أو أحلى أو أجملَ أو أكملَ تشكيلًا،
أتودُّ بأنْ تُلبِسَني ما تَلبَسُهُ الدُّمية؟
٩٥ (١٠٥)
بتروشيو
:
ذلك حقٌّ إذ يبغي أنْ يُلبِسَكِ لِباسَ
الدُّمية.
الحائك
:
بل تقصِدُ أنَّ معاليكَ تُريدُ لها ثَوبَ
الدُّمية.
بتروشيو
:
يا لَلغَطرَسَةِ البَشِعَة!
٩٦ هذا كذبٌ يا خيطَ الإبرة! يا
كستبان!
طولُكُ مِترٌ
٩٧ بل أنتَ ثلاثةُ أرباعٍ بل نصفٌ أو
ربعٌ أو ثُمْن! (١١٠)
يا بُرغوثًا يا بيضةَ قَمْلَة! يا جُندُبَ
ليلِ شتاءٍ
هل تتحداني
٩٨ في بيتي بكرةُ خيطٍ؟ اذهبْ يا
خِرْقَة!
يا فَضَلاتِ نسيجٍ بَقِيتْ بعدَ التَّفصيلِ
اذْهَبْ!
ذاك وإلَّا أنزلتُ عِقابي بكَ بالمقياسِ
الخشبيِّ لديك
حتى تَذكُرَ ما عِشتَ جزاءَ الثرثرةِ أمامي.
(١١٥)
إنِّي أذكرُ لكَ بلساني أنَّكَ قد أفسدْتَ
حِياكةَ ثَوبِ الزَّوجَة!
الحائك
:
يا صاحبَ المعالي أنتَ مُخطئٌ! تصمِيمُ هذا
الثوبِ كان
وفْقَ تعليماتِ مَن يَرأسُني، من بعد أنْ
تَلقَّى الأمرَ من
جروميو حوْلَ أسلوبِ العمل.
جروميو
:
لم أُصدِرْ أيَّ أوامِرَ له، بل أَعطيتُ الرجلَ
قُماشَ الثَّوب. (١٢٠)
الحائك
:
لكنْ كيف أردتَ لهُ أنْ يُصنَع؟
جروميو
:
بالإبرةِ والخيطِ وأُقسِم!
الحائك
:
لكنْ أفَلَمْ تطلبْ أسلوبًا خاصًّا للتشذيب؟٩٩
جروميو
:
ما أكثرَ ما هذَّبتَ وشذَّبت!
الحائك
:
فِعلًا! (١٢٥)
جروميو
:
لا تُهذِّبني أنا! قد سبق تحدِّيك
١٠٠ لأكثر من رجلٍ لكنْ … لا
تتحدَّاني! لا أقبَلُ أيَّ تحدٍّ أو تهذيب!
دعني أقُل إنِّي طلبت من
رئيسك … قصَّ القُماش عند تفصيلِ الرِّداء.
لكنَّني لم أطلب
القصَّ بالتقطيع إرْبًا! إذَن
١٠١ فأنتَ كاذب.
الحائك
:
أستشهدُ بالتعليمات الخاصة بالزيِّ المطلوب بهذي
الورقة. (١٣٠)
بتروشيو
:
اقرأها.
جروميو
:
التعليماتُ تُكذِّبُهُ إن قال بأني قلتُ له
ذلك.
الحائك
(يقرأ)
:
«أولًا ١٠٢ رداء واسع فضفاض.»
جروميو
:
يا سيِّدي! لو كنت قلت «واسع فضفاض» فضُمَّ
ثوبي
بالخيوط والإبر … إلى ثنيات الرداء! بل
اضربني بمطرقة الخيوط. (١٣٥)
ذات اللون البُنيِّ
١٠٣ إلى أنْ أهلك. ما قلت غير
«رداء».
بتروشيو
:
استمر.
الحائك
:
«وبه حرملةٌ صغيرةٌ على شكل نصف دائرة.»١٠٤
جروميو
:
أعترف بذكر الحرملة.
الحائك
:
«وله أكمامٌ واسعةٌ عند الأكتاف وضيِّقةٌ عند
المِعصَم.» (١٤٠)
جروميو
:
أعترف بذكر الأكمام.
الحائك
:
«وتراعي الدقَّة في تفصيل الأكمام.»
بتروشيو
:
هذا هو أصل الشر!
جروميو
:
خطأ جاء بتلك الورقة خطأ في لائحة التهمة!
لم أطلب إلَّا
تفصيلَ الكُمَّين على حدة … وإعادة ربطهما
بالثوب بخيط (١٤٥)
أرهف وسأنتصر عليك ولو كنت تسلَّحت بكستبان
في
الحائك
:
ما قلتُه أنا صحيح. ولو توافر المكانُ
للنِّزال … فسوف تعرف
الذي تدور عليه الدائرة.
جروميو
:
أنا جاهزٌ لملاقاتك. المؤشِّر ذو الخطَّاف
١٠٦ سلاحك … ولأتسلَّح (١٥٠)
بمقياسك الخشبي. ولا تأخذك بي شفقة.
هورتنسو
:
فليرحمه الرحمن يا جروميو! إذ لن يتفوق عليك في
شيء.
بتروشيو
:
وباختصار سيدي … الثوبُ لا يصلُح لي.
جروميو
:
أصبتَ سيدي فإنه من أجل سيدتي. (١٥٥)
بتروشيو
(للحائك)
:
اذهبْ فارفعْهُ١٠٧ إلى مَن يَرأسُكَ ودعْهُ يحقِّقْ
غرضَه.
جروميو
:
ذا محالٌ أيها الخبيث! ترفع ثَوب سيدتي تحقيقًا لغرض
رئيسك؟
بتروشيو
:
ما المعنى الآخر في توريتك؟
جروميو
:
يا سيدي! المعنى أعمق مما كنت تظن! «يرفع
ثوب سيدتي (١٦٠)
حتى يحقِّق رئيسُه غرضَه؟ تبًّا تبًّا
تبًّا!»
بتروشيو
(جانبًا إلى هورتنسو)
:
اسمعْ يا هورتنسو! قُلْ إنَّكَ تضمَنُ دفع
مصاريف الحائك.
(إلى الحائك)
اذهب! خُذ هذا الثوب معك. لا تنطق بكلامٍ
آخر
هورتنسو
(جانبًا إلى الحائك)
:
أدفعُ لكَ كلَّ تكاليفِ الثَّوبِ غدًا،
١٠٨ (١٦٥)
لا تَغضبْ من أقوالٍ قيلتْ في
عَجَلة،
أبلِغْ لرئيسكَ كلَّ تحيَّاتي.
اذهَب.
(يخرج الحائك.)
بتروشيو
:
بمَلبَسِنا هذا … ولا … لن نُغيِّرهْ
فذا مَلبسٌ يزهو به شرفُ النُّهى
رفيعٌ وإن كان التواضعُ ظاهرَهْ
وإنْ تكُن الأثوابُ فينا فقيرةً
(١٧٠)
فألبابُنا بالمالِ تختالُ عامرة
ولن يغتني جِسمُ امرئٍ ببهائهِ
إذا لم يكُن في العقلِ نبعُ ثرائهِ
تُراكَ رأيِت الشمسَ ينفُذُ ضوءُها
خلالَ سَحَاباتٍ تناهى سوادُها
كذلك تلقينُ الضياءِ من الشَّرَفْ
مُطِلًّا خلالَ المَلبَسِ الرثِّ
نابِهَا
وهل للغُرابِ الأخضرِ اللونِ قيمةٌ
تفوقُ بفضلِ الحُسنِ في الريشِ قُبَّرة
(١٧٥)
وهل تَفضُلُ الأفعى بألوانِ جلدِها
ثعابينَ أسماكٍ قليلٌ جمالُها؟
ألَا صدِّقي يا كيت ما سوف أذكرُهْ
كيانُكِ لا تُؤذيهِ قِلَّةُ زينَتِكْ
ولا ما يُرى فيهِ تواضُعُ مَلبَسِكْ
وإنْ كنتِ تَستَحْيينَ منهُ فإنَّما
أنا وحديَ المسئولُ عن ذُلِّ حالتِكْ
(١٨٠)
إذَنْ فافْرحي … في الحالِ نَمضي
لوالدِكْ
ففي دارِهِ أكْلٌ ولهوٌ سيُبهِجُكْ
فيا خادمي
١٠٩ نادِ الرجالَ إلى هنا
لنرحلَ فورًا نحوَ أبياتِ صِهْرِنا،
وأَحضِرْ إذَن كلَّ الخيولِ وضُمَّها
لدى نقطةِ البَدْءِ التي في لونج لينْ،
(١٨٥)
وعند وصولِ الرَّكبِ ندخُلُ سائرينْ.
(ينظر إلى الساعة.)
أقولُ بأنَّ الوقتَ نحو السابعة،
١١٠
وإنْ ننطلِقْ قد نستطيعُ اللَّحاقَ
بالغداء.
كاترينا
:
يا سيِّدي! إنِّي لَواثقةٌ بأنَّ الوقتَ
نحوَ الثانية،
ولسوف تأتي ساعةُ العَشاءِ ثم تَمضي قبل أن
نَصِل.
بتروشيو
:
وسوف تغدو السابعة … قبلَ امتطائي صَهْوةَ
الجواد، (١٩٠)
وكلما لفظتُ لفظًا … وكلما فعلتُ شيئًا أو
قصدتُ فِعلَ شيء
ناوئَتْني! أرجوكُمُو يا سادتي أنْ تتركُونا
وحدَنا
لن أرحَلَ اليومَ إذَن. لكنَّني من قبل أنْ
أرحلْ
لا بدَّ أنْ تقُولي إنَّما الساعة … تُشيرُ
للوقتِ الذي أحدِّدُه.
هورتنسو
:
إنَّ هذا العاشقَ المِغوارَ يبغي أن تُطيعَ الشمسُ
أمرَه. (١٩٥)
(يخرج الجميع.)
المشهد الرابع
(يدخل ترانيو متنكرًا في زيِّ لوسنتو
والتاجر لابسًا حذاءً برقبة وملابس تشبه ملابس فنشنتو.)
ترانيو
:
يا سيِّدي! هذ هو المنزلْ. فهل سمحت لي بأنْ أنادي
أهلَهُ؟
التاجر
:
طبعًا! وإذا لم أُخطئْ فلعلَّ السنيور
بابتيستا
يتذكرني … من عشرين سنة … في جنوا.
ترانيو
(يكمل له العبارة التي حفظها
له)
:
«إذ كنَّا نسكنُ في فندق بيجاسوس.»
١١١ (٥)
لا بأسْ. وعليكَ بأنْ تُحكِمَ تمثيلَكَ
للدَّورِ على
أيَّةِ حالٍ وتظاهَرْ بوقارِ الوالد.
١١٢
(يدخل بيونديلو.)
التاجر
:
قَطْعًا ولكنْ … سيِّدي! هذا غلامُكَ ليتَهُ
يدري الذي دبَّرتَهُ.
ترانيو
:
لا تخشَ شيئًا منه. والآن يا غُلامي يا
بيونديلو (١٠)
عليكَ أنْ تُجيدَ تنفيذَ الذي كُلِّفتَ بهْ.
وهذه نصيحتي،
أعني تخيَّلْ أنَّ فنشنتو هو التاجر.
بيونديلو
:
طبعًا! اطمئن!
ترانيو
:
لكنْ تُراكَ قد بلَّغتَ بابتيستا الرسالة؟
بيونديلو
:
بل قلتُ إنَّ والدَكْ … في البندقية … (١٥)
وأنتَ في انتظار أن يجيء بادوا
اليوم.
ترانيو
:
أنتَ غُلامٌ رائعْ!
١١٣ خذ هذا واشتر مشروبًا لك.
(يعطيه نقودًا.)
ها قد أقبل بابتيستا. الآن تصنَّعْ كلَّ
وقار.
(يدخل بابتيستا ولوسنتو (متنكرًا في
زيِّ كامبيو)،
فيقف لهما التاجر ويخلع قبعته.)
ترانيو
:
يا سنيور بابتيستا! تلك مُصادفةٌ ميمونة،
١١٤
(إلى التاجر) هذا مَنْ حدَّثتُكَ عنْهُ،
(٢٠)
أرجو أنْ تُثبِتَ صدقَ أُبوَّتِكَ
الآنَ
وتكتبَ لي الميراثَ لكي أتزوجَ ممَّن أهواها
… بيانكا!
١١٥
التاجر
:
اصبرْ يا ولدي. واسمحْ لي أنْ أتكلَّمَ يا
سنيور بابتيستا
إنِّي جئتُ إلى بادوا لأُحصِّلَ بعضَ ديونٍ
لي عند الناسْ،
فإذا بِابْني لوسنتو يكشفُ لي عن سرٍّ
هائلْ، (٢٥)
وهو الحبُّ القائمُ بين ابنتِكُم وابني هذا،
وأنا أسمعُ عنكم كلَّ الخير،
وأقدِّرُ عُمقَ الحبِّ الرابطِ بين
القلبَين،
ولذلك قررتُ بألَّا أجعلَهُ يصبرُ أكثرَ مما
صبرَ وأنْ
أرضى بزواجهْ … مدفوعًا بالحبِّ الأَبويِّ
لهُ، (٣٠)
فإذا أحببتَ مُصاهرتي … حتى إنْ لم أكُ
أفضلَ خَلْقِ الله،
فلنا أنْ نتفقَ على أن نُبرمَ عقدًا يرضى
عنه الطَّرَفَانْ،
وأنا مسرورٌ وعلى استعدادٍ أنْ أَقبلَ هذي
الزيجةَ
من دون الإصرارِ على تقديمِكَ ما يُتوقَّعُ
منكَ هنا (٣٥)
يا سنيور بابتيستا … فأنا يكفيني حُسنُ السُّمعة.
١١٦
بابتيستا
:
أرجو أنْ تَصفَحَ عنْ قولي ما أرغبُ في
قولِه،
فأنا مسرورٌ وسعيدٌ بصراحتِكَ
وإيجازِك،
فالواقع فِعلًا أنَّ ابنَكَ لوسنتو الموجودَ
هنا
يُضمِرُ حُبًّا لفَتَاتي وتُبادِلُهُ الحُب،
(٤٠)
أو قُلْ إنَّهما بَلَغَا الغايةَ في
الإيهامِ بهذا الحُبِّ،
وإذَنْ إنْ لم تذكرْ أكثرَ من هذا …
أيْ إنَّكَ سوف تُعامِلُهُ بحنانِ
الآباءْ،
وتُقدِّمُ لفَتَاتي ما يكفي من
بائنةٍ،
فالخِطبةُ قد تمَّتْ وبذا قُضِيَ الأمر
١١٧ (٤٥)
وليتزوَّجْ ولدُكَ بفَتَاتي في ظلِّ
رِضاي.
ترانيو
:
لكَ منِّي كلُّ الشكر! ما خيرُ مكانٍ في
رأيكَ نَعقِدُ
فيهِ الخِطبةَ بوجودِ شُهودٍ
١١٨ ونُقرُّ التسويةَ الماليةَ
وَفْقَ المُتَّفقِ عليه هنا بين
الطَّرَفَين؟
بابتيستا
:
في غير منزلي! فللإبريقِ آذانٌ
١١٩ كما تعرفْ، (٥٠)
ومنزلي يغصُّ بالخدمْ … وذا جروميو العجوزُ
لا يزالُ
فاتحًا عيونَهُ وربما أتى فقاطَعَ الذي
نسيرُ فيه.
ترانيو
:
إذَنْ بمَسكَني إذا أحبَبْتَ. فوالدي يُقيمُ
فيه،
ونستطيعُ في هذا المساءِ إنجازَ المهمَّةِ
التي نُرِيدُها (٥٥)
على أتمِّ وجهٍ وحدَنا. أرسلْ رسولًا
لابنَتِكْ …
أرسلْ لها هذا الغلامْ
١٢٠ … أمَّا أنا فسوفَ أستدعي
مُوثِّقَ العُقودِ مُرسِلًا غُلامي
١٢١ دون إبطاءٍ إليه،
وشرُّ ما في الأمرِ أنَّ أهلَ الدارِ لم
يُتَحْ لهم وقتٌ
لإعدادِ الوليمة … وربما لم تلْقَ غيرَ
مَشربٍ ومأكَلٍ هزيلْ. (٦٠)
بابتيستا
:
بل ذاك يُرضيني. يا كامبيو! أسرِعْ إلى
المنزلْ
أخبرْ بيانكا أنَّها لا بدَّ أنْ تكونَ
فورًا جاهزة،
ولو سَمَحْتَ قُلْ لها ماذا حدَثْ …
أعني وصولَ فنشنتو إلى بادوا … فذا أبو
لوسنتو
وأنَّنا نرجِّحُ اقترانَها بلوسنتو.
(٦٥)
(يخرج لوسنتو.)
بيونديلو
:
أدعو الأربابَ بأنْ تتزوجَهُ من كلِّ فؤادي.
ترانيو
:
اترُك تلكَ الأربابَ الآنَ وأسرِعْ!
هيَّا!
(يخرج بيونديلو.)
سنيور بابتيستا … هل أتقدَّمُكَ
لإرشادِكْ؟
أهلًا أهلًا! الأرجحُ ألَّا تجدَ سوى نوعٍ
أوحَدَ
من أطعمةِ المنزلْ. لكنَّا سوف نُعوِّضُ ذلك
في بيزا. (٧٠)
بابتيستا
:
سأسيرُ إذَنْ خلفك.
(يخرج ترانيو وبابتيستا.)
(يدخل لوسنتو المتنكر في زيِّ كامبيو خارجًا
من مخبئه
مع خادمه بيونديلو الذي كان مختبئًا
مثله.)
بيونديلو
:
تعالَ يا كامبيو!
لوسنتو
:
ماذا لديك يا بيونديلو؟
بيونديلو
:
فهل رأيت سيدي (ترانيو) أثناء غمزه وضحكه
وإيمائه إليك
الآن؟ (٧٥)
لوسنتو
:
نعم فماذا كان مرماه؟
بيونديلو
:
لا شيء في الحقيقة. إلا أنَّهُ تركني وراءه
لأشرحَ معنى أو
مغزى إشاراته ورموزه.
لوسنتو
:
أرجوك فسِّرْها إذَن. (٨٠)
بيونديلو
:
أصبح بابتيستا مأمونَ الجانب. إذ يتحادث مع
والدٍ زائفٍ
لولدٍ مُخادع.
لوسنتو
:
لكنْ ما شأنُه؟
بيونديلو
:
عليك أنْ تجيء بابنته إلى العَشاء. (٨٥)
لوسنتو
:
وبعدها؟
بيونديلو
:
الكاهن العجوز في كنيسة القدِّيس لوقا جاهزٌ في
أيَّة ساعةٍ تريد.
لوسنتو
:
وما معنى هذا كلِّه؟
بيونديلو
:
لا أدري. إلا أنهم مشغولون بإعداد عَقدِ
ضمانٍ زائفٍ للمَهر،
وعليك أنت أنْ تعقد عليها فتضمن «حقوق تأليف
كتابك (٩٠)
لك»، أيْ أنْ تَصحبَ الكاهن إلى الكنيسة مع
عددٍ كافٍ من
الشهود. فإنْ لم يكُنْ ذلك ما تسعى لتحقيقه
فما عليك إلا أنْ
تودِّعَ بيانكا أبدَ الدهر وما بعد الأبد
بيومٍ واحد! (٩٥)
لوسنتو
:
فهل سمعت يا لوسنتو أن …
بيونديلو
(مقاطعًا)
:
لا لا! لا أستطيع التأخُّر. إني سمعتُ عن
فتاةٍ
تزوجَتْ في عصر أحد الأيام أثناء جمعها بعض
المقدونس في
حديقة منزلها، لتحشو به أرنبًا تطبخه.
وتستطيع أن تحاكيها يا
سيدي. إلى اللقاء إذَن! سيدي (ترانيو) أمرني
أنْ أذهب إلى
كنيسة القدِّيس لوقا، وأنْ أطلب إلى الكاهن
أنْ يتجهَّز (١٠٠)
لقدومك مع «مُلحق كتابك».
١٢٢،١٢٣
(يخرج بيونديلو.)
لوسنتو
:
لي أنْ أقترنَ بها وسأقترنُ بها إنْ
رَضِيَتْ
هذا يُسعِدُها … فلماذا أتشكَّكْ؟ فليحدُثْ
ما يحدُث!
سأُثيرُ الموضوعَ بكلِّ صراحة …
سأُفاتِحُها،
سيشُقُّ عليَّ تقبُّلُ إخفاقي في الفوزِ
بها.
(يخرج.)
المشهد الخامس
(يدخل بتروشيو وكاترينا وهورتنسو وبعض
الخدم.)
بتروشيو
:
هيَّا! هيَّا نستأنفْ رِحلتَنا باسمِ اللهِ
إلى منزلِ والدِنا
يا لله! ما أجملَ ما يسطعُ هذا القمرُ
الفتَّانُ علينا بضيائه!
كاترينا
:
هذا القمرُ؟ ألا تعني الشمس؟ ما هذا ضوء القمرِ
الآن!
بتروشيو
:
أقولُ إنَّهُ البدرُ الذي يُشعُّ نورَهُ
الساطع.
كاترينا
:
وأنا واثقةٌ أنَّ النورَ الساطعَ نورُ الشمس.
(٥)
بتروشيو
:
قسمًا … وبمَن ولدَتْهُ أمِّي … أيْ
بكياني
إنِّي لن أرحلَ لمقرِّ الوالدِ حتى يُصبحَ
هذا
ضوءًا للقمرِ أو النجمِ الساطعِ أو ما يحلو
لي.
(إلى جروميو)
اذهبْ حتى ترجعَ بالخيلِ إلينا! لا أَلقَى
منها
غير مناوأةٍ ومعارضةٍ دومًا! لا شيءَ سوى
هذا! (١٠)
هورتنسو
(إلى كاترينا)
:
قولي قولَهْ! ذاك وإلَّا لن نذهبَ أبدًا
لأبيك.
كاترينا
:
أرجو أنْ نستأنفَ رِحلتَنا … ما دُمنا قد
سِرْنا وقَطَعْنا
هذي المرحلةَ الآنْ! وليَكُن الضوءُ ضياءَ
الشمسِ أو القمرِ …
أو ما يُرضيكْ … حتى لو بثَّتهُ أرخصُ
شمعة،
فمن الآن سأُقسِمُ أنْ أَقبلَ ما ترضاهُ.
(١٥)
بتروشيو
:
أقولُ إنَّهُ القمرْ.
كاترينا
:
لا شكَّ عندي أنَّهُ القَمَر.
بتروشيو
:
إذَنْ فأنتِ كاذبة … فإنَّما هي الشمسُ
المباركة.
كاترينا
:
تباركَ اللهُ القديرُ إنَّها الشمسُ
المباركة،
لكنَّها ليست بشمسٍ إنْ نَفَيْتَ ذلك،
(٢٠)
بل إنَّ أوجُهَ القَمَرْ … لا تهتدي إلا
برأيك.
أطلقْ على الأشياءِ ما تهوى من الأسماءِ
تَصدُقْ!
ولن تكونَ غيرَ الصدقِ عند كاترينا.
هورتنسو
:
أحسنتَ يا بتروشيو … النصرُ دانَ لك.
بتروشيو
:
تقدَّموا! فقد أصابَتْ كُرتي انعطافَ هذا
المُنعطف، (٢٥)
فإنَّما انحرافُ سَيرِها يحقِّقُ الوصولَ للهدف
١٢٥
(يدخل فنشنتو.)
ولكن انظُروا! مَنْ ذا الذي أتانا ها
هنا؟
عِمِي صباحًا يا فَتَاتي الرقيقة! أنَّى
عساكِ ذاهبة؟
والآنَ قُولي كيت يا حبيبتي وأَصدِقيني
القولَ هل
رأيتِ قبل الآنَ من كرائمِ النساءِ مَن
تفوقُها نُضرة، (٣٠)
وفوق خدِّها الصراعُ دائرٌ بين البياضِ
والحُمرة؟
وهل تألَّقتْ في صفحةِ السماءِ من نجومِ
الحُسنِ نجمتانْ
مثلُ عينيها اللتين زانَتَا مُحيَّاها
السماوي؟ أقولُ مرةً أخرى
١٢٦
عِمِي صباحًا … يا غادةً فتَّانةً
حسناءْ!
من أجلِ ذلك الجمالِ عانقيها يا حبيبتي كيت.
(٣٥)
هورتنسو
:
سيُجَنُّ الرجلُ إذا عُومِلَ مُعامَلةَ المرأة.١٢٧
كاترينا
:
فيا بُرعمًا في زهرةٍ ما تفتَّحَتْ
على غُصنِها عذراءُ فذٌّ جمالُها
فما غايةُ التَّرحالِ؟ أينَ
مُقامُها؟
وما أسعدَ الآباءَ إذ رُزقا بمَن
(٤٠)
تتيهُ بحسنٍ يزدهي بدلالها
وأكثرُ سَعدًا مَنْ تبَّسمَ طالعُهْ
فأضحى رفيقًا هانئًا لفِراشِها.
بتروشيو
:
كنت أرجو كيت ألَّا تَنزِعي نحو
الجنونْ
إنَّما ذلك شيخٌ قد كسَتَ بشرتَهُ
الغُضُونْ
وهْو ذاوٍ ذابلٌ … لا فتاةٌ مثلما قد
تَزعُمينْ. (٤٥)
كاترينا
:
اصفَحْ أبانا الشيخَ عن عيني إذا انحرفَتْ
فَضَلَّتْ
من بعد أنْ عَشِيَتْ بضوءِ الشمسِ ثم اختلَطَتْ
١٢٨
فيها الرؤى فتَخيَّلَتْ كلَّ الذي تلقاهُ أخضَرْ
١٢٩
الآنَ أُدْرِكُ أنَّكَ الشيخُ المُبجَّلُ
والمُوقَّرْ
أرجوكَ فاعفُ عن اختلاطٍ في الرؤى إنْ كنتَ تغفرْ.
١٣٠ (٥٠)
بتروشيو
:
يا أيُّها الأبُ الكريمُ اصفَحْ وأَفصِحْ
عن مسارِ رِحلتِكْ ومَقصِدِكْ. فإنْ يكُنْ
مسارُنا مسارَكْ
فلسوف تُفرِحُنا هنا صُحبَتُكم.
فنشنتو
:
يا سيِّدي الكريمْ! وأنتِ يا سيَّدتي
المَرِحة!
إنِّي دُهِشتُ بل ذُهِلتُ عندما سَمِعتُ هذه
التحيةَ الغريبة،
١٣١ (٥٥)
اسمي أنا فنشنتو … وموطني بيزا،
وغايةُ التَّرحالِ عندي بادوا … حتى أزورَ
ابْني الذي
لم أَلقَهُ من مُدَّةٍ طويلة.
بتروشيو
:
وما اسمُهُ؟
فنشنتو
:
لوسنتو! يا أيُّها الكريم!
بتروشيو
:
هذا لقاءُ السعدِ بيننا … لكنَّما يزيدُ
فرحُ ولدك.
١٣٢ (٦٠)
فإنَّني أصبحتُ في موقعِ ولدك. وذا بحُكمِ
السنِّ والقانونْ،
وإنْ أقُلْ «يا والدي المُحب!» كان ذاك
حقِّي!
لزوجتي التي تَراها ها هنا … هذي الكريمةُ
الأصيلة …
شقيقةٌ تزوجَتْ من فترةٍ من ابنِكْ،
١٣٣
لا تُبدِ دهشةً ولا حزنًا. فإنها طيبةُ
السُّمعة، (٦٥)
كريمةُ المَحتِدْ … ومَهرُها كبير،
وزِدْ عليهِ ما يَزِينُها من الشمائلِ
العُليا التي
تليقُ بالتي تكونُ زوجةَ النبيل ذي الشرف،
أودُّ أنْ أعانقَ الوَقورَ فنشنتو،
لننطلقْ حتى ترى ابنَكَ الكريمْ (٧٠)
وما أشدَّ فرْحَهُ بمَقْدِمِ الأبِ
العظيمْ.
فنشنتو
:
لكنْ تُرى هذا صحيحٌ؟ أم تريدُ مُتعةً
وحَسْب
مثلَ المسافرينَ من ذوي المَرحْ … أيْ مَن
يُدبِّرون «المقالبْ»
ليَسخَروا ممَّن يقابلونهم فوق الطريقِ من
مسافرين؟
هورتنسو
:
دعني أؤكِّدْ — والدي — بأنَّهُ عينُ الحقيقة!
(٧٥)
بتروشيو
:
إذَنْ فصاحِبْنا لكي ترى الحقيقةَ التي
ذكرتُها بعينِكْ
ما دامَ لهْوُنا في مطلعِ اللقاءِ قد أثارَ
رِيبتَكْ.
(يخرج الجميع باستثناء
هورتنسو.)
هورتنسو
:
فعلًا! ذلك يا بتروشيو قد شجَّعَني. أمَّا
أرمَلَتي
فإذا كانت في مَسلَكِها ذاتَ شُموسٍ
وشراسة
فلقد عُلِّمْتُ بأنْ أحكُمَها
١٣٤ بمُشاكَسَةٍ وسياسة. (٨٠)
(يخرج.)